المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القاعدة التاسعة العرف والعادة يرجع إليه في كل حكم حكم الشارع به ولم يحده - شرح القواعد السعدية

[عبد المحسن الزامل]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ أولاً: تعريف القاعدة:

- ‌القاعدة معناها لغة:

- ‌فالحسي:

- ‌والمعنوي:

- ‌واصطلاحاً:

- ‌ ثانياً: يذكر العلماء في باب القواعد ما يسمى الضابط، فهل هو ومسمى القاعدة واحد أو بينهما فرق

- ‌ ثالثاً:‌‌ الأشباهوالنظائر هل هي مختلفة، أو معناها واحد

- ‌ الأشباه

- ‌الأمثال

- ‌النظائر:

- ‌ رابعاً: ال‌‌قواعد الأصولية و‌‌القواعد الفقهية:

- ‌قواعد الأصول

- ‌القواعد الفقهية:

- ‌القواعد الأصولية:

- ‌ خامساً: كيف تصاغ القواعد الفقهية:

- ‌ سادسًا: كم عدد القواعد

- ‌ سابعاً: القاعدة هل يُحتج بها أو لا يُحتج بها

- ‌ ثامناً: إذا خالف الحاكم أو القاضي القاعدة، هل يقبل حكمه أو لا يُقبل

- ‌القاعدة الأولى الشارع لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة، ولا ينهى إلا عما مفسدته خالصة أو راجحة

- ‌القاعدة الثانية الوسائل لها أحكام المقاصد، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا يتم المسنون إلا به فهو مسنون، وطرق الحرام والمكروهات تابعة لها ووسيلة المباح مباح، ويتفرع عليها الأعمال ومكملاتها تابعة لها

- ‌القاعدة الثالثة المشقة تجلب التيسير

- ‌1) مشاق لا تنفك عنها العبادة

- ‌2) مشاق تنفك عنها العبادات غالباً

- ‌أ) مشقة عظيمة جداً:

- ‌ب) مشقة يسيرة جداً:

- ‌ج) مشقة وسط:

- ‌القاعدة الرابعة الوجوب يتعلق بالاستطاعة، فلا واجب مع العجز، ولا حرام مع الضرورة

- ‌الحالة الأولى: أن يكون قادرًا ببدنه قادرًا على ما أمر به:

- ‌الحالة الثانية: قادر ببدنه عاجز عن الآلة المأمور بها:

- ‌الحالة الثالثة: عاجز ببدنه، قادر على الآلة التي أمر بها:

- ‌القاعدة الخامسةالشريعة مبنية على أصلين:

- ‌القاعدة السادسة الأصل في العبادات الحظر، فلا يُشرع منها إلا ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والأصل في العادات الإباحة، فلا يحرّم إلا ما حرَمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌القاعدة السابعة التكليف وهو البلوغ، والعقل شرط لوجوب العبادات، والتمييز شرط لصحتها إلا الحج والعمرة، ويشترط لصحة التصرف التكليف والرشد، ولصحة التبرع التكليف والرشد والملك

- ‌1 - الاحتلام:

- ‌2 - استكمال خمس عشرة سنة:

- ‌3 - نبوت الشعر الحسين حول القُبُل:

- ‌القاعدة الثامنة الأحكام الأصولية والفروعية لا تتم إلا بأمرين وجود الشروط وانتفاء الموانع

- ‌القاعدة التاسعة العرف والعادة يرجع إليه في كل حُكمٍ حَكَم الشارع به ولم يَحدّه

- ‌القاعدة العاشرة البينة على المدّعي، واليمين على من أنكر في جميع الدعاوي والحقوق وغيرها

- ‌القاعدة الحادية عشر الأصل بقاء ما كان على ما كان، واليقين لا يزول بالشك

- ‌القاعدة الثانية عشر لابد من التراضي في عقود المعاوضات والتبرعات والفسوخ الاختيارية

- ‌1) اللفظ:

- ‌2) الفعل:

- ‌3) الكتابة:

- ‌4) الإشارة:

- ‌5) السكوت:

- ‌القاعدة الثالثة عشر الإتلاف يستوي فيه المتعمد والجاهل والناسي

- ‌القاعدة الرابعة عشر التلف في يد الأمين غير مضمون إذا لم يتعد أو يفرّط، وفي يد الظالم مضمون مطلقاً أو يقال ما ترتب على المأذون فيه فهو غير مضمون، والعكس بالعكس

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌المسألة السادسة:

- ‌القاعدة الخامسة عشر لا ضرر ولا ضرار

- ‌القاعدة السادسة عشر العدل واجب في كل شيء، والفضل مسنون

- ‌القاعدة السابعة عشر من تعجَّل شيئاً قبل أوانه، عوقب بحرمانه

- ‌القاعدة الثامنة عشر تضمن المثليات بمثلها، والمتقوِّمات بقيمتها

- ‌القاعدة التاسعة عشر إذا تعذّر المسمّى رجِع إلى القيمة

- ‌القاعدة العشرون إذا تعذر معرفة من له الحق، جُعِل كالمعدوم

- ‌القاعدة الحادية والعشرون الغرر والميسر محرّم في المعاوضات والمغالبات

- ‌القاعدة الثانية والعشرون الصلح جائزٌ بين المسلمين، إلا صلحاً أحلّ حراماً، أو حرّم حلالاً

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً أحلّ حراماً، أو حرّم حلالاً

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون من سبق إلى المباحات فهو أحق بها من غيره

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون تُستعمل القُرعة عند التزاحم ولا مُميز لأحدهما أو إذا علمنا أنا الشيء لأحدهما وجهلناه

- ‌القاعدة السادسة والعشرون يُقبَل قول الأُمناء فى التصرف أو التلف ما لم يخالف العادة

- ‌القاعدة السابعة والعشرون من ترك المأمور لم يبرأ إلا بفعله، ومن فعل المحظور وهو معذور بجهل أو نسيان فهو معذور ولا يلزمه شيء

- ‌القاعدة الثامنة والعشرون يقوم البدل مكان المبْدَل إذا تعذر المُبدل منه

- ‌القاعدة التاسعة والعشرون يجب تقييد اللفظ بملحقاته من وصف أو شرط أو استثناء أو غيرها من القيود

- ‌القاعدة الثلاثون الشركاء في الأملاك يشتركون في زيادتها ونقصانها، ويشتركون في التعمير اللازم، وتُقسَّط المصاريف بحسب مِلكِهم، ومع الجهل بمقدار ما لكل منهم يتساوون

- ‌القاعدة الحادية والثلاثون قد تتبعّض الأحكام بحسب تفاوت أسبابها

- ‌القاعدة الثانية والثلاثون من أدّى عن غيره واجبًا بنية الرجوع عليه؛ رجع وإلا فلا

- ‌القاعدة الثالثة والثلاثون إذا تزاحمت المصالح قدم الأعلى منها، فيقدم الواجب على المستحب، والراجح من الأمرين على المرجوح، وإذا تزاحمت المفاسد واضطر إلى واحد منها قدّم الأخف منها

- ‌القاعدة الرابعة والثلاثون إذا خُيِّر العبد بين شيئين فأكثر فإن كان التخيير لمصلحته فهو تخيير يرجع إلى شهوته واختياره، وإن كان لمصلحة الغير فهو تغيير يلزمه فيه الاجتهاد

- ‌القاعدة الخامسة والثلاثون من سقطت عنه العقوبة لموجِب ضُعِّفَ عليه الضمان

- ‌القاعدة السادسة والثلاثون من أتلف شيئًا لينتفع به ضمنه، وإن كان لمضرته فلا ضمان عليه

- ‌القاعدة السابعة والثلاثون إذا اختلف المتعاملان في شيء من متعلقات المعاملة يرجع أقواهما دليلًا

- ‌القاعدة الثامنة والثلاثون إذا عاد التحريم إلى نفس العبادة، أو إلى شرطها فسدت، وإذا عاد إلى أمر خارج لم تفسد، وكذلك المعاوضات، فرجوع التحريم إلى نفس العبادة أو إلى شرطها: إما إلى ذاتها أو ماهيتها أو ركن من أركانها

- ‌القاعدة التاسعة والثلاثون لا يجوز تقديم العبادة على سبب الوجوب، ويجوز تقديمها بعد وجود السبب وقبل شرط الوجوب وتحققه

- ‌القاعدة الأربعون يجب فعل المأمور به كله، فإنه قدر على بعض وعجز عن باقيه فعل ما قدر عليه

- ‌القاعدة الحادية والأربعون إذا اجمتعت عبادتان من جنس واحد تداخلت أفعالها واكتفى عنهما بفعل واحد إذا كان المقصود واحدًا

- ‌القسم الأول: أن تكون الحدود خالصة لله تعالى أي محض حق لله تعالى:

- ‌الأول: أنا لا يكون فيها قتل:

- ‌الثاني: أنا يكون فيها قتل:

- ‌القسم الثاني: إذا كانت محض حق الآدميين:

- ‌القسم الثالث: أن تجتمع حدود الله وحقوق الآدميين:

- ‌الأول: أن لا يكون فيها قتل فيُستَوفَى الجميع:

- ‌الثاني: أن تجتمع كالأول ولكن فيها قتل:

- ‌الثالث: أن يتفق الحدّان في المحل ويكون تفويتًا كالقتل والقطع:

- ‌القاعدة الثانية والأربعون استثناء المنافع المعلومة في العين المنتقلة بمعاوضة جائز، وفي التبرعات يجوز استثناء المدة المعلومة والمجهولة

- ‌القاعدة الثالثة والأربعون من قبض العين لحظ نفسه لم يقبل قوله في الرد إلا ببينة، فإنه قبضها لحظ مالكها قبل

- ‌القاعدة الرابعة والأربعون إذا أدّي ما عليه، وجب له ما جُعِلَ له عليه

- ‌القاعدة الخامسة والأربعون من لا يُعتبر رضاه في عقد أو فسخ لا يعتبر علمه

- ‌القاعدة السادسة والأربعون من له الحق على الغَير وكان سبب الحق ظاهرًا فله الأخد من ماله بقدر حقه إذا امتنع أو تعذر استئذانه، وإن كان السبب خفيًا فليس له ذلك

- ‌القاعدة السابعة والأربعون الواجب بالنذر يلحق بالواجب بالشرع

- ‌القاعدة الثامنة والأربعون الفعل الواحد ينبني بعضه على بعض مع الاتصال المعتاد

- ‌القاعدة التاسعة والأربعون الحوائح الأصلية للإنسان لا تُعَدّ مالاً فاضلاً

- ‌القاعدة الخمسون يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً

- ‌القاعدة الحادية والخمسون الأسباب والدواعي للعقود والتبرعات معتبرة

- ‌القاعدة الثانية والخمسون إذا قويت القرائن قُدّمت على الأصل

- ‌القاعدة الثالثة والخمسون إذا تبين فساد العقد بطل ما بُني عليه، وإن فسخ فسخاً اختيارياً لم تبطل العقود الطارئة قبل الفسخ

- ‌القاعدة الرابعة والخمسون العبرة في المعاملات بما في نفس الأمر

- ‌القاعدة الخامسة والخمسون لا عذر لمن أقرّ

- ‌القاعدة السادسة والخمسون يقوم الوارث مقام مورّثه في كل شيء

- ‌القاعدة السابعة والخمسون يجب حمل كلام الناطقين على مرادهم كما أمكن في العقود والفسوخ والإقرارات وغيرها

- ‌القاعدة الثامنة والخمسون الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً

- ‌القاعدة التاسعة والخمسون الفكرة إذا كانت بعد النفي أو الاستفهام أو الشرط تفيد العموم

- ‌القاعدة الستون (من)، و (ما) و (أي)، و (متى)، و (أل)، والمفرد المضاف يدل كل واحد منها على العموم

الفصل: ‌القاعدة التاسعة العرف والعادة يرجع إليه في كل حكم حكم الشارع به ولم يحده

‌القاعدة التاسعة العرف والعادة يرجع إليه في كل حُكمٍ حَكَم الشارع به ولم يَحدّه

هذه القاعدة فروعها كثيرة ومنتشرة في باب الفقه، وقد أجمع العلماء عليها في الجملة، وأن العرف محكِّم، أو كما يقول كثير من الفقهاء إن العادة محكِّمة، وهي قاعدة من قواعد الفقه التي يعملون بها في الأحكام كلها فإذا اختلفوا في شيء رجعوا إلى العرف في هذا فيما يتعارفه الناس بينهم وهنا ذكر المصنف رحمه الله العرف والعادة.

والعرف هو ما يتكرر بين الناس ويقبلونه من الأقوال والأفعال، فإذا تكرر شيء بين جماعة من الناس، أو أهل بلد واعتادوه بمنهم كان عرفًا معمولًا به بينهم.

والعرف على نوعين: عرف صحيح، وعرف فاسد.

فالعرف الصحيح هو العرف الذي يتعارفه الناس مما لا يخالف نصًا أو دليلًا من أدلة الشرع بحيث لا نقول إنه يجب أن يكون مطابقًا للشرع بل يكفي أن لا يكون مخالفًا له؛ لأن الغالب أن الأعراف ينشئها الناس بينهم وذلك أن الناس لابد أن يكون بينهم أعراف وعادات وأمور يعتادونها.

وهناك عرف فاسد وهو ما خالف النصوص الشرعية مثل لو اعتاد الناس شرب الخمر أو الربا مثلًا، فإن هذا عرف فاسد لا يلتفت إليه ولا يجوز العمل به

ص: 95

لمخالفته النصوص وإن اعتاده الناس بينهم.

والمصنف رحمه الله عطف العادة على العرف وظاهر كلامه أنهما شيء واحد، وقد اختلف هل العرف والعادة شيء واحد، أم هما شيئان؟. قيل: إن العرف والعادة شيء واحد، وذلك أن العادة هي العرف والعرف هى العادة.

وقيل: العرف ما يختص بالأقوال، والعادة تختص بالأفعال.

وقيل: إن العادة أعمّ من العرف، والعرف أخص من العادة.

وعلى هذا يكون قول المصنف والعادة من باب عطف العام على الخاص، وهذا أظهر أن العادة أعم من العرف.

فعلى هذا يكون كل عرف عادة، وليس كل عادة عرفًا؛ لأن العادة أعم من العرف، فكلما وجدتَ عرفًا فاحكم عليه بأنه عادة، وليست كل عادة عرفًا، فقد تكون العادة عرفًا وقد تكون العادة ليست عرفًا؛ لأن العرف هو ما يعتاده جاعة من الناس ويتعارفونه فيما بينهم في البيع والشراء والنكاح وما أشبه ذلك من الأمور التي يعتادونها.

أما العادة فهي الأمر المتكرر سواء كان لجماعة أم لفرد، فيكون في هذه الحال مباينًا من هذا الوجه للعرف، فهو قد يكون عادة لجماعة، وقد يكون عادة لفرد، أما العرف فلا يكون عادة لفرد بل يكون عادة للجماعة فقط، وبين العرف والعادة كما يقول الأصوليون عموم وخصوص مطلق.

ص: 96

والعموم والخصوص المطلق يعني أن أحدهما أعَمُّ مطلقًا، والآخر أخص مطلقًا، فالعرف أخص مطلقًا، والعادة أعمّ مطلقًا، وتصوّر مثلًا في دائرتين دائرة كبيرة ودائرة صغيرة فالعادة هي الدائرة الكبيرة، والعرف هو الدائرة الصغيرة، فكل عرف عادة، وليس كل عادة عرفًا.

وهذا مثل الإيمان والإِسلام، فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنًا، وهكذا في مسائل كثيرة، هذا هو العموم والخصوص المطلق، بخلاف العموم والخصوص الوجهي بأن يكون كل منهما أخص من وجه، وأعم من وجه، فيوافق كل منهما الآخر في وجه من الوجوه، ويخالفه في وجه آخر.

والعرف أيضًا على نوعين: عرف قولي وعرف فعلي:

العرف القولي: كأن يعتاد الناس بينهم في بيعهم وشرائهم صيغة معينة يعتادونها في الإيجاب والقبول، وعليه يحمل عرف الناس، مثل أن يقول الله يربحك أو يقول:(نصيبك) أو ما أشبه ذلك.

العرف الفعلي أو العملي: هو ما يعتاده الناس بينهم عن طريق العادة المتكررة أو عن طريق العمل، وهو في الغالب يكون أقل رتبة من العرف القولي؛ لأن العرف القولي صريح في إرادة هذا الشيء.

فالعرف القولي تطابق النية مع القول، والعرف العملى تطابق النية مع العمل.

ولاشك أن النية مع العمل أشبه بالقرينة بأنه يريد هذا الشيء، أما القول مع النية أشبه بالتصريح، فهذا يشبه النص، وذاك يشبه دليلًا من جهة الظاهر أو من

ص: 97

جهة القرينة وهو أقوى.

فإذا تعارف الناس أمرًا من الأمور بينهم من جهة الأفعال يعمل بها، مثل أن الأصل أن الإنسان لا يدخل مكان غيره أو مسكن غيره إلا بإذن، لكن اعتاد الناس أن يدخلوا محلات البيع والشراء بدون إذن والمحلات العامة كمحلات القضاء والمكاتب وما أشبه ذلك، فهذه أمور لا يحتاجون فيها للإذن؛ لأنه معروف أنه ليس هناك موضع للإذن فيها فتعارفها الناس فيما بينهم.

أوضح من هذا: إنسان يذهب للغسال يعطيه الثياب ويناوله إياها ويعرف أنه يريد غسلها، فبدون أن يكون بينهما عقد بصريح القول بل يكفي أن يعطيه إياها، وهكذا كل ما جرى معرفته من جهة الفعل يكفى فيه الفعل، وليس هنالك حاجة للتصريح بالقول؛ لأن العرف في هذه الحال يكفى.

العرف - أيضًا - على نوعين من جهة عمومه وخصوصه، عام وخاص.

عالم: يعمل به أهل البلاد كلهم.

خاص: يعمل به مجموعة من الناس.

العرف العام: أن يتوارثه الناس في البلاد كلها.

والعرف الخاص: في بلد معين، والعرف العام بلا شك موضع اتفاق من الفقهاء أنه يعمل به، وأنه يحكم به بين الناس في سائر معاملاتهم، وأنه لو ادعى أحد من الناس أنه لا يريد العرف بعد عقد العقد فإنه لا يقبل قوله؛ لأن الأصل أن تحمل

ص: 98

معاملات الناس على العرف الجاري بينهم، وهذا هو العرف العام، وهو موضع اتفاق بين أهل العلم بالعمل به.

عرف خاص لأهل بلد، مثلًا أن يعتاد أهل الرياض عرفًا، ويعتاد أهل القصيم عرفًا، ويعتاد أهل الغربية عرفًا، وأهل الشرقية عرفًا، وأهل مكة عرفًا دون غيرهم من أهل جدة، أو الدمام دون غيرهم من أهل الشرقية يعتادون عرفًا، إذا اعتادوا عرفًا يعمل به على الصحيح - أيضًا - ثم إن من قال إنه لا يعمل به لا يكاد يطبقه في الواقع بل كما قال العلاّمة ابن القيم رحمه الله:"إن من ينكر بعض أنواع الأعراف التي تجري بين الناس لا يعمل به في الواقع بل يتبعه ويعمل به، وإن خالفه قولًا فهو يوافق فعلًا، فهذا هو العرف الخاص"، فإذا جرى بين الناس عرف خاص فإنه يعمل به في هذه الحال.

مثال للعرف العام: إذا اتفق رجل مع دلاّل في مسألة بيع أرض مثلًا، أو بيت، أو سيارة، فإن العرف بين الناس أن المشتري هو الذي يدفع السعي لذلك الوسيط، ولا يصح أن يمتنع عن الدفع، وإذا امتنع أُجبر بالدفع لأنه عرف عام بين الناس ما لم يكن هناك شرط بينهما يخالف ذلك العرف فيعمل به.

مثال العرف الخاص: قد يكون لبعض الناس عرف بينهم يختلف عن غيرهم، مثلًا لأهل الرياض عرف يختلف عن أهل القصيم، قد يكون لهم عرف خاص بينهم في البيع والشراء مثلًا، يمكن أن يقال مثلًا من باب التوضيح في المسألة التي ذكرنا: لو كان بعض أهل البلاد عندهم أن السعى على البائع عرفٌ بينهم بخلاف

ص: 99

لعرف أهل البلاد هل يعمل به لأنه عرف خاص أم لا يعمل به؟ الصحيح أنه يعمل به ولو خالف العرف العام، لأنهم محمولون على الأعراف التي تجري بينهم.

ننتقل إلى مسألة أخرى في العرف: العرف له شروط، فليس كل عرف مقبولًا، وقد أشرنا إليه في بداية البحث؛ بل إن منها ما هو مردود لفقد شرط من الشروط أو غير ملزم مثلًا.

الشرط الأول: أن يكون العرف مُطَّرِدًا:

أي معروفًا ومتكررًا وظاهرًا بين الناس، فليس أيُّ عادة تجري بين الناس تكون عرفًا، قد يكون هذا عادة ليس عرفًا، وقد يكون أمرًا خاصًا لأناس معينين، فلابد أن يكون أمرًا مطردًا متكررًا بين الناس معروفًا بينهم.

الشرط الثاني: أن يكون عامًا:

وهذا موضع خلاف كما أشرنا، لكن إذا فسر العموم بأنه لكل أهل بلد فلا بأس، أما إذا كان عرفًا بين بعض الناس في أهل هذا البلد دون غيرهم، أو معروفًا في حارة من الحارات دون غيرها من حارات هذا البلد، فهو لا يصح؛ لأنه لابد أن يكون عامًا وهو شرط من شروط العرف إلا إذا كان بين هؤلاء القوم جاريًا مجرى الشرط فيعمل به، وإدن لم يكن عامًا في البلد.

والعرف دلت عليه أدلة في أنه يُحكَّم كما قال تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} (1) وقال تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (2)،

(1) سورة الطلاق، الآية:7.

(2)

سورة البقرة، الآية:233.

ص: 100

وقوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} (1) وهذه الآية احتج بها جمع من أهل العلم على أن العرف مُحَكَّم، وقال بعضهم إنها لا تدل، وظاهر كلام كثير من المفسرين أنها ليست دالة على العرف؛ لأن العرف المراد به المعروف، وهو ما أمر الله به من محاسن الأخلاق والأعمال، فلا تكون دليلًا على العرف المتعارف عليه، وكذلك ثبت في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام قال لهند بنت عتبة:"خذي ما يكفيك أنت وولدك بالمعروف"(2)، فأرجعها إلى الأمر المعروف، وهناك أدلة أخرى على حجية العرف ذكروها في هذا الباب.

الشرط الثالث: أنه لا يخالف نصاً شرعياً:

فلو خالف نصًا شرعيًا لِكون عرفًا فاسداً، فلو أن الناس تعارفوا بينهم أنواعًا من الأعراف الفاسدة، مثل الأمور المحرمة فإن هذا لا يجوز أن يكون محلًا للقبول، أو جواز هذا الشيء؛ لأن العرف كما قلنا ما يتعارفه الناس مما لا يخالف نصًا شرعيًا، فإذا خالف النصوص الشرعية فيكون باطلاً مردوداً.

الشرط الرابع: أنا لا يكون طارئاً:

لو أن إنسانًا عَقَد عَقْدَ مبايعة مع إنسان آخر وكان هناك عرف، ولكنه لم

(1) سورة الأعراف، الآية:199.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب النفقات، باب: إذا لم ينفق الرجل (9/ 507) مع الفتح.

ومسلم في صحيحه في كتاب الأقضية (5/ 130) كلاهما من حديث عائشة رضى الله عنها قالت: جاءت هند إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني من النفقة ما يكفينى ويكفي ابني. . . الحديث".

ص: 101

يحدث إلا منذ فترة يسيرة ولم يشتهر بعد، فقال المشتري: أنا أحاكمك على العرف، وقال البائع: أنا لم أسمع بهذا العرف، فقال المشتري: بل موجود عند أهل المكاتب يعملون به، وعند سؤال أهل المكاتب قالوا: هذا صحيح عند فلان عن فلان ولكن نحن لا نعمل به.

نقول: هذا عرف طارئ، وننتظر حتى يشتهر وينتشر ويكون مستقراً تألفه النفوس ويقبلونه، فنعمل به، أما ما دام أنه طارئ لتوّه لم يشتهر ولم ينتشر فإنه لا يكون ملزمًا؛ لأن العرف ما تألفه النفوس، وهذا غير معروف، وفي هذه الحال لا يكون مقبولًا.

الشرط الخامس: أنا لا يعارضه تصريح:

مثاله: لو أن هناك عرفًا بين الناس في السعي للدلال (الوسيط بين البائع والمشتري) فلو قال المشتري: السعي عليك، أو قال له: أنا أشتري هذه السلعة صافي، في هذا الحال نقول: عارضَ العُرفَ صريحُ القَولِ، فلا يكون ملزمًا، وكذلك مسألة العرف في النكاح، لو أن إنسانًا لما تزوج قال: أنا سأدفع نصف المهر أو ربعه معجلًا والباقى مؤخراً، قالوا: لكن هذا العرف ليس عندنا، فهم لا يلزمون بهذا لأنه ليس عرفًا موجوداً لأهل هذه البلاد.

فنقول في هذه المسألة: أن لا يعارضه تصريح فالعرف مثلًا في هذه البلاد أن المهر يكون معجلًا لا يؤجل منه شيء، وبهذا يعمل بالعرف وهو تعجيل المهر كله، لكن لو قال الزوج: سوف أعطيكم نصف المهر مثلًا، والباقى مؤجلًا.

ص: 102

فوافقوا فيكون خالف العرفُ صريحَ القولِ، فإنه في هذه الحال لا بأس به، ومما ينبغى أن يعلم أن العرف إذا استكمل هذه الشروط فإنه لا يشترط ذكره بل يكفي إطلاق القول، فإذا أطلق العقد حمل على عرف الناس بشروطه هذه.

هناك مسألة أخرى تتعلق بمعارضة العرف للنص، نحن ذكرنا في الشروط بأن لا يخالف نصًا، لكن هنا إذا كان فيه معارضة، فالعرف يخالف النص، فهل يرد العرف مطلقًا؟ نقول: فيه تفصيل.

العرف إذا خالف النص أو خالف دليلًا من أدلة الشرع ينظر، إن كان العرف خاصًا، والنص عامًا، فلا معارضة، فيعمل بالعرف في الخصوص، ويعمل بما سواه في العموم.

مثاله: لو حلف أن لا يأكل اللحم، وهو يقصد لحم السمك، فأكل لحم الغنم، هل يحنث لأنه يسمي لحمًا في القرآن، ولغة يسمى لحمًا؟.

نقول: لا يحنث؛ لأنه لا معارضة بين العرف والنص في هذه الحال، فيعمل بالعرف فيما سوى الخصوص، لكن بشرط أن لا يكون للنص حكم شرعى، أما إذا كان للنص حكم شرعى فلا يقبل العرف في هذه الحال، فيعمل بالعرف في الخصوص، وأنه يعمل على ما تعارفه الناس بينهم في اللحم.

مثال آخر: قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ} (1) أي أن جميع ما على

(1) سورة هود، الآية:6.

ص: 103

الأرض دواب، لكن المتعارف بين الناس أن الدابة هى التى تكون لها أربع قوائم لتمشي عليها، فلو حلف إنسان أن لا يركب دابة، فهل يحنث إذا ركب فيما سوى ذوات الأربع.

نقول: عرف الناس أنه خاص بذوات الأربع، فلا يحنث إلا إذا ركب ذوات الأربع، ولأنه ليس لهذا النص حكم في الشرع، أي في مسألة الدواب، أما إذا كان النص له حكم في الشرع فإنه لا يعمل بالعرف في هذه الحال، مثلًا الصلاة جاءت بمعنى الدعاء، ولو كان في عرف الناس أنه الدعاء فقال: والله لا أصلى، ولا شَكَّ أن الصلاة في عرف الشرع أنها هي ذات الركوع والسجود، لكن عندما حلف أن لا يصلي ثم سبح وذكر الله هل يحنث؟ نقول: لا يحنث حتى يصلى صلاة ذات ركوع وسجود. فإذا كان له حكم شرعي فإنه يعمل به كما قلنا.

ومن مسائل العرف - أيضًا - معارضة اللغة للعرف، في هذه الحالة تقدم الحقيقة العرفية على الحقيقة اللغوية، إلا إذا كانت الحقيقة اللغوية أعم أو مساوية، وإذا كانت الحقيقة العرفية هي العامة وهى المشتهرة فيعمل بها، أما إذا لم يكن هناك حقيقة عرفية فيعمل بالحقيقة اللغوية.

مثاله: لو قال مثلًا: والله لا آكل شُواء - الشُّواء في اللغة كل ما شوي من لحم أو بيض، أو خبز خلط به شيء، أو بعض الخضروات التى تشوى فهى في اللغة تسمى شواء، لكن في العرف معلوم أن الشواء هو شواء اللحم خاصة، فبهذا

ص: 104

لا يحنث ويحمل على العرف، ونعلم أن الحقيقة العرفية مقدمة على الحقيقة اللغوية، والحقيقة العرفية مقدمة على الحقيقة الشرعية إلا إذا كانت الحقيقة الشرعية فيها حكم من جهة الشرع فإنه يعمل بها، أو كانت الحقيقة اللغوية أعم والحقيقة العرفية غير واضحة.

ص: 105