الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة الحادية والثلاثون قد تتبعّض الأحكام بحسب تفاوت أسبابها
هذه القاعدة لها مسائل كثيرة في أبواب الفقه، ومما يدل عليها ما جاء في حديث عائشة - رضى الله عنها - أنها قالت: اختصم سعد وابن زمعة فقال النبى صلى الله عليه وسلم: "هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش وللعاهر الحجر، واحتجي منه يا سودة (1) ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وأحمد.
فأعمل عليه الصلاة والسلام بعض الأحكام من جهة النسب وجعله أخاها، وأنه يرثها وترثه، لكن لم يجعله أخاها في المحرمية، ولم يجعله لعتبة أخى سعد لأنه عَاهَرَهَا، ولأن الأمةَ أمة زمعة فالولد للفراش وإن كانت عاهرة مع عتبة وزنت، وهذا الابن يشبه عتبة، ومع هذا لم يلتفت عليه الصلاة والسلام إلى هذا الشبه وأعمل الفراش وقال:" الولد للفراش "، فأخذ من هذا الحديث تبعض الأحكام، ومنه - أيضاً - البنت من الرضاع تتبعض أحكامها فليست ترث ولا تجب لها النفقة لكنها بنت في التحريم والمحرمية فتحرم على أبيها، وفي المحرمية فهو محرم لها.
وهذا - أيضاً - على قول الجمهور في البنت من الزنا فإنها تحرم على الزاني ولا يجوز أن يتزوجها فتتبعض أحكامها، ومنه - أيضاً - ما جاء في السرقة، فالسرقة لا تثبت إلا بالإقرار على الخلاف، هل هو بالإقرار مرة أم مرتين؟
(1) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الحدود، باب العاهر بالحجر (3/ 817)، وأخرجه مسلم في صحيحه فى كتاب الرضاع برقم (1457) كلاهما من حديث عائشة رضى الله عنها به. . . فذكرته".
وكذلك ثبوتها بشاهدين، فلو أن إنساناً ادّعى أن فلاناً سرق منه وليس عنده إلا شاهدٌ واحدٌ وحلف مع هذا الشاهد، نقول إن ادّعاء السرقة على إنسان ولم يكتمل نصاب الشهادة يثبت المال، وعلى من اتهم بالسرقة تسليم المال لثبوته بالبينة لأن المال يثبت بالشاهد واليمين كما قضى عليه الصلاة والسلام بالشاهد واليمين، أما قطع اليد فلا يثبت إلا بشاهدين، فتتبعض الأحكام.
وكذلك لو ادّعى رجل على امرأة أنه خالعها بشيء من المال، وأتى بشاهد وحلف مع الشاهد - والخلع لا يثبت إلا بشاهدين - نقول في هذه الحال يثبت المال وعليها أن تسلم المال وتَبينُ منه امرأته لإقراره.
لكن لو ادّعته المرأة أي ادّعت الخلع على الرجل وليس عندها إلا شاهد وقالت أحلف مع هذا الشاهد، نقول لا يثبت الخلع في هذه الحال؛ لأنها لا تدعي مالاً بل تدعي خلعاً، والخلع لا يثبت إلا بشاهدين، فوجوده كعدمه فلا تَبينُ منه امرأته.
كذلك ما أشار إليه الشارح رحمه الله أن الولد يتبع أباه في النسب ويتبع أمه في الحرية والرق، فلو أن رجلاً تزوج أمة مملوكة فإن أولادها يكونون مملوكين لسيدها هي فيتبعون أمهم في الرق والحرية، ويتبع في الدين خير أبويه، فلو أن مسلماً تزوج امرأة من أهل الكتاب فإن الولد يتبع أباه فيكون مسلماً، وكذلك في النجاسة وتحريم الأكل، فالمولود بين حيوانين أحدهما طاهر والآخر نجس نحكم بنجاسته، أو أحدهما محرم الأكل والآخر حلال فنحكم بتحريم الأكل، فالبغل المولود بين الحمار والفرس نحكم بتحريم أكله أي يتبع شرهما
وأخبثهما في النجاسة والتحريم، فإذا كان أحد أبويه نجسًا كان نجسًا، أو كان أحد أبويه محرمًا الأكل كان محرم الأكل.