الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة الحادية عشر الأصل بقاء ما كان على ما كان، واليقين لا يزول بالشك
هذه القاعدة أصل عظيم في أبواب الفقه، وهى من أعظم القواعد عند أهل الفقه، وتدخل في غالب أبواب العلم، أو ثلالة أرباعه، كما قال بعضهم، وأصلها ما في الصحيحين عن عبد الله بن زيد قال: شكى إلى النبى صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال:"لا ينصرف حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً"(1)، وجاء في معناه في صحيح مسلم عن أبي هريرة، وهذا أصل عظيم أن من استيقن شيئاً فإنه لا يزول عن هذا اليقين إلا بيقين مثله، واليقين لا يزيله الشك، بل اليقين لا يزيله إلا اليقين.
فمن استيقن الطهارة فالأصل بقاء الطهارة وصحة الطهارة، حتى تزول بيقين الحدث، ومن تيقن طهارة الثوب فهو طاهر حتى يزول اليقين بوقوع النجاسة عليه وعكسه أيضاً، فمن تيقن الحدث فإنه لا يحكم له بالطهارة حتى يتيقن من الطهارة، فمن علم أنه أحدث فالأصل بقاء الحدث.
فمن أحدث قبل الصلاة فشك هل هو توضأ أم لا؟ فالحدث قائم حتى يتيقن أن الحدث زال بالطهارة، كما قلت في المثال السابق لو أنه تطهر للصلاة أو غيرها
(1) سبق تخريجه ص: (ز) في المقدمة.
فهو تيقن الطهارة ثم بعد ذلك شك هل أحدث أم لم يحدث؟ نقول الأصل بقاء الطهارة، أو لم يشك حصل عنده غلبة ظن، قال: أنا متيقن للطهارة لكن يغلب علي ظنى أنى محدث، نقول لا يزول اليقين بغلبة الظن، ومسألة غلبة الظن مع اليقين فيها تفصيل - أيضاً -، في بعض الأحيان قد يترك اليقين إذا قوي الظن وضعف اليقين، وقد يقوى الظن ويزداد حتى يضعف الأصل، فإذا ضعف الأصل لم يكن يقيناً، لكن المقصود أنه ما دام يقينه موجوداً بوجود الطهارة أو موجوداً بوجود الحدث، فالأصل بقاءه في طهارة الثوب من النجس أو البقعة أو غيره، فلو أراد أن يصلي في هذه البقعة، وقال يمكن أنه بال عليها إنسان أو حيوان غير مأكول اللحم، وقال: سوف اجتنب هذا المكان، نقول له: بل صلِّ في هذا المكان، ولا تجتنبه بمجرد الشك، فالأصل بقاء طهارة هذه البقعة، وطهارة هذا المكان حتى تتيقن نجاسته إما برؤيتك، أو بإخبار من يُقبَل خبره بأن هذا نجس، المقصود أن هذا الأصل باقٍ واليقين لا يزول بالشك.
كذلك لو أن شخصاً أصابه ماء في طريق أو وطئ بقدميه ماءً، فقال: يمكن أن هذا الماء فيه نجاسة، سوف أحكم بنجاسته وسوف أغسل قدمي، نقول له: لا تغسل قدميك؛ لأن الأصل الطهارة، إلا إذا قامت قرينة تدل على ضعف الأصل، مثل أن يكون هذا الماء فيه رائحة نجاسة، أو أن هذا الماء يجري من موضع نجاسة، أو عرف أن هذا المكان تجري معه النجاسات، فهذا الأصل يزول أو يضعف فيُعمَل بالدليل أو القرينة التى دلّت على ضعف هذا الأصل.
المقصود أن هذا أصل عظيم في بقاء ما كان على ما كان، وهذه القاعدة لها فروع كثيرة ذكرها أهل العلم، ومن أهم فروعها:
1) إذا تعارض الأصل والظاهر فهو قسمان:
الأول: إذا كان الظاهر حجة يجب قبولها وجب تقديمه على الأصل.
مثال: الأصل براءة الإنسان من الدَّيْن، فلو قال إنسان: أنا أطلب فلاناً شيئًا من المال، نقول: الأصل براءته، وإذا أنكر يحلف، فإذا قال: عندي شاهدان وهذه بيّنة تزيل هذا الأصل، في هذه الحالة هل يُلتَفت إلى الأصل، أو يترك؟، نقول: لا يُلتَفت إليه، فإذا كان الظاهر حجة يجب قبولها فإنه مقدَّم على الأصل بالإجماع، فلا نقول الأصل بقاء ما كان. هذا الأصل الذي استصحبناه زال؛ فنقدم هذه الحجة عليه ونبطله فلا يعتبر؛ لوجود الدليل على ذهاب هذا الأصل الذى استصحبناه.
الثاني: إذا لم يكن الظاهر حجة شرعية لا يجب قبولها فإننا في هذه الحال نقدم الأصل تارة، وتارة نقدم الظاهر، وتارة يُخَرّج في ذلك روايتان، مثاله فيما أشرنا إليه قبلُ في تقديم الأصل إذا تعارض الأصل والظاهر، فلو شك إنسان في طهارة ماء، هل هو نجس أم لا؟، الأصل الطهارة، ولا نلتفت إلى هذا الشك وإن كان هذا الماء قد يقع عندنا شك أنه ترده الكلاب، لكن لم نقطع بهذا، إنما عندنا شك فلا نلتفت إلى هذا الظاهر بل نلغيه؛ لأنه ظاهر ضعيف لا يعتمد عليه، فنلتفت إلى الأصل.
ويقدم الظاهر على الأصل، مثاله: إنسان لما فرغ من صلاته حصل عنده شك بعد السلام، هل صلى ثلاثاً أم أربعاً في الظهر؟، وقد يقوى الشك بالقرائن، أنه زاد فيها، نقول: الأصل في هذه الحالة بقاء الصلاة في ذمته، والأصل أن الصلاة لم تصح، أو أنها لم تتم، ولكن الأصل هذا لا يتلفت إليه بعد الفراغ من الصلاة؛ لأن الظاهر من المصلى أنه أدى الصلاة على الوجه المطلوب، وما دام هذا الشك لم يعرض له إلا بعد الفراغ من الصلاة فلا يلتفت إليه.
مثال آخر: إنسان صائم، وعنده قرائن تدل أن دخول وقت المغرب قد حان، فنقول اعمل بهذه الظواهر فأفطر، وإن كان الأصل أن الشمس لم تغرب، ولكن هذا الأصل تركناه لهذا الظاهر الذي قوته هذه القرائن، وإذا تعارض الأصل والظاهر يخرج فيها روايتان كما قال أهل العلم، فمنهم من قال يقدم الأصل، ومنهم من قال يقدم الظاهر.
مثال: مثل ما ذكرنا في المثال السابق، المياه الجارية في الشوارع هل هى نجسة أم لا؟، قال بعضهم: أنه يخرّج فيه روايتان، وقال بعضهم: إن الأصل طهارته.
ومثال آخر: ثياب وأواني الكفار هل هي نجسة أم طاهرة؟ فبعضهم قال إنها طاهرة؛ لأن الأصل الطهارة، وبعضهم قال: هى نجسة لأن الكافر لا يتورع عن النجاسات في بدنه وثيابه، وبعضهم فَصَّل فقال: يُفرّق بين الثياب التى تلى عوراتهم فيُحكَم بنجاستها لأنه يَقْوَى الظاهر، ويغلب على الظن بنجاستها،
وما لم تلِ عورأتهم فإنها طاهرة، فلذلك نقول إذا علم نجاسته كان نجساً، وإذا علم طهارته كان طاهراً، وإذا شك فإنه لا عبرة بالشك حتى يزول الشك باليقين، هذه تفاصيل قاعدة تعارض الأصل مع الظاهر.