الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(26) - (1033) - بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ
(59)
- 2895 - (1) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْخُلُ مَكَّةَ مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا،
===
(26)
- (1033) - (باب دخول مكة)
(59)
- 2895 - (1)(حدثنا علي بن محمد) بن إسحاق الطنافسي الكوفي، ثقة عابد، من العاشرة، مات سنة ثلاث، وقيل: خمس وثلاثين ومئتين. يروي عنه: (ق).
(حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي، ثقة، من التاسعة، مات سنة خمس وتسعين ومئة (195 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا عبيد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، ثقة ثبت، من الخامسة، مات سنة بضع وأربعين ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن نافع، عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان) دائمًا (يدخل مكة) المكرمة (من الثنية العليا) - بفتح الثاء المثلثة وكَسْرِ النونِ وتشديدِ الياءِ آخرِ الحروف - وكلُّ عقبة في جبل أو طريق عال فيه تسمى ثنية؛ والثنية العليا هنا: هي التي ينزل منها إلى المَعلَاةِ؛ وهي مقبرة أهل مكة المكرمة، وهذه الثنية كانت صعبة المُرْتَقى، فسَهّلَها معاويةُ بن أبي سفيان، ثم عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي، ثم المهدي، ثم سُهِّل منها سنةَ إحدى عشرة وثمان مئة موضعٌ، ثم سُهِّلَتْ كلها في زمن سلطان مصر الملك المؤيد في
وَإِذَا خَرَجَ خَرَجَ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى.
===
حدود العشرين وثمان مئة. انتهى من "القسطلاني".
(و) كان دائمًا (إذا خرج) من مكة (خرج من) طريق (الثنية السفلى) وهي التي بأسفل مكة، عند باب الشبيكة، وكان بناء هذا الباب عليه في القرن السابع انتهى "قسطلاني".
قيل: إنما فعل صلى الله عليه وسلم هذه المخالفة في الطريق داخلًا وخارجًا؛ للفأل بتغيير الحال إلى أكمل منه؛ كما فعل في العيد، وليشهد له الطريقان، وليتبرك به أهلهما. انتهى "ملا علي".
وقيل: الحكمة في الدخول من العليا والخروج من السفلى: أن نداء أبينا إبراهيم الخليل عليه السلام كان من جهة العلو، وأيضًا فالعلو يناسب المكان الذي قصده، والسفلى تناسب المكان الذي يذهب إليه، وقيل: إن من جاء من هذه الجهة .. كان مستقبلًا للبيت، وقيل: لأنه صلى الله عليه وسلم لما خرج من العليا .. أراد أن يدخلها ظاهرًا، وقيل: ليتبرك به كل من في الطريقين ويدعو لهم، وقيل: ليغيظ المنافقين بظهور الدين وعز الإسلام، وقيل: غير ذلك؛ كما بسطناه في "الكوكب".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الحج، باب الاغتسال عند دخول مكة، ومسلم في كتاب الحج، باب استحباب دخول مكة من الثنية العليا والخروج منها من الثنية السفلى، واستحباب دخول بلدة من طريق غير التي خرج منها، وأبو داوود في كتاب المناسك، باب دخول مكة، والنسائي في كتاب المناسك، باب من أين يدخل مكة، والدارمي في كتاب المناسك، باب من أي الطريق يدخل مكة، وأحمد في "المسند"، ومالك في "الموطأ".
(60)
- 2896 - (2) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الْعُمَرِيُّ، عَنْ نَافِع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ نَهَارًا.
===
فهذا الحديث في أعلي درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
* * *
ثم استشهد المؤلف لحديث ابن عمر هذا بحديث آخر له أيضًا رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(60)
- 2896 - (2)(حدثنا علي بن محمد) الطنافسي الكوفي.
(حدثنا وكيع) بن الجراح الكوفي.
(حدثنا) عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم (العمري) المدني، ثقة، من الخامسة، مات سنة بضع وأربعين ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن نافع، عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة) المكرمة (نهارًا) لا ليلًا، وفي رواية ابن ماجه اختصار بالمرَّة، ولفظ "مسلم مع شرحه الكوكب":(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بات) عام حجة الوداع قبل دخول مكة (بذي طوىً) أي: بموضع فيه بئر مطوية بالحجارة واستمر فيه حتى أصبح فيه، وفي بعض النسخ زيادة:(حتى يصلي الصبح) هناك وطوىً - بتثليث الطاء المهملة، والفتح أفصح وأشهر، ثم الضم أكثر، وعليه جمهور القراء، ويصرف ولا يصرف - هو موضع بمكة داخل الحرم، وقيل: اسم بئر قرب مكة في طريق أهل المدينة، كذا في "المرقاة".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وقال الحافظ: ويعرف اليوم ببئر الزاهر. انتهى.
وهو الآن موضع جنب مستشفى الولادة، وليس ذلك الموضع من بلدة مكة في ذلك الوقت، وإن كان من الحرم (ثم) بعد صلاته الصبح هناك (دخل مكة) نهارًا، قال ابن الملك: الأفضل أن يدخلها نهارًا؛ ليرى البيت من بعد. انتهى، وقيل: ليسلم من الحرامية بمكة، والأظهر أنه كان ينزل للاستراحة والاغتسال والنظافة، كذا في "المرقاة".
وقال الدهلوي: وذلك ليكون دخول مكة في حال اطمئنان القلب دون التعب؛ ليتمكن من استشعار جلال الله وعظمته، وأيضأ ليكون طوافه بالبيت على أعين الناس؛ فإنه أنوه بطاعة الله تعالى، وأيضًا فكان صلى الله عليه وسلم يريد أن يعلمهم سنة المناسك، فأمهلم حتى يجتمعوا له جامّين متهيئين. انتهى.
قال الحافظ: وأما الدخول ليلًا .. فلم يقع منه صلى الله عليه وسلم إلا في عمرة الجعرانة؛ فإنه صلى الله عليه وسلم أحرم من الجعرانة ودخل مكة ليلًا، فقضى عمل العمرة ثم رجع ليلًا، فأصبح بالجعرانة كبائت بها؛ كما رواه أصحاب الثلاثة من حديث محرش الكعبي، فترجم له النسائي بباب دخول مكة ليلًا، وروى سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي قال: كانوا يستحبون أن يدخلوا مكة نهارًا ويخرجوا منها ليلًا، وأخرج عن عطاء: إن شئتم .. فادخلوا ليلًا؛ إنكم لستم كرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إنه كان إمامًا، فأحب أن يدخلها نهارًا؛ ليراه الناس. انتهى.
وقضية هذا أن من كان إمامًا يقتدى به .. يستحب له أن يدخلها نهارًا. انتهى "فتح الملهم".
قال القرطبي: ولا خلاف في أن المبيت بذي طوىً ودخول مكة نهارًا ليس
(61)
- 2897 - (3) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاق، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْن،
===
من المناسك، لكن إن فعل ذلك اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم وتتبعًا لمواضعه .. كان له في ذلك ثواب كثير وخير جزيل، وقد اشتهر الكلام على أفعال الحج، فليس هذا منها. انتهى.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب الحج، باب استحباب المبيت بذي طوىً عند إرادة دخول مكة والاغتسال لدخولها، ودخولها نهارًا، والترمذي في كتاب الحج، باب ما جاء في دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة نهارًا، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن.
فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث ابن عمر الأول بحديث أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهم، فقال:
(61)
- 2897 - (3)(حدثنا محمد بن يحيى) الذهلي النيسابوري، ثقة، من الحادية عشرة، مات سنة ثمان وخمسين ومئتين (258 هـ). يروي عنه:(خ عم).
(حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني، ثقة، من التاسعة، مات سنة إحدى عشرة ومئتين (211 هـ). يروي عنه:(ع).
(أنبأنا معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من السابعة، مات سنة أربع وخمسين ومئة (154 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن الزهري، عن علي بن الحسين) بن علي بن أبي طالب الهاشمي
عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا؟ وَذَلِكَ فِي حَجَّتِه، قَالَ:"وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيل مَنْزِلًا؟ ! "، ثُمَّ قَالَ:"نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ" يَعْنِي: الْمُحَصَّبَ،
===
المدني الملقب بزين العابدين، ثقة ثبت، من الثالثة، مات سنة ثلاث وتسعين، وقيل غير ذلك. يروي عنه:(ع).
(عن عمرو بن عثمان) بن عفان الأموي المدني، من الثالثة. يروي عنه:(ع).
(عن أسامة بن زيد) بن حارثة الكلبي حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاه رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(قال) أسامة: (قلت: يا رسول الله؛ أين تنزل غدًا؟ ) ويعلم من بعض الروايات أنه قال ذلك له وهم في منىً (وذلك) القول (في حجته) صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، فـ (قال) النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة:(وهل ترك لنا عقيل) بن أبي طالب (منزلًا) من منازل عبد المطلب ننزل فيه؟ ! (ثم قال) صلى الله عليه وسلم: (نحن نازلون غدًا) ويعلم من بعض الروايات أنه قال ذلك غداة يوم النحر؛ والمراد بالغد هنا: ثالث عشر ذي الحجة؛ لأنه يوم النزول بالمحصب، فهو مجاز في إطلاقه عليه؛ كما يطلق أمس على الماضي مطلقًا، وإلا .. فثاني العيد هو الغد حقيقةً، وليس مرادًا، قاله الكرماني، كذا في "شرح المواهب".
(بخيف بني كنانة؛ يعني) النبي صلى الله عليه وسلم، أو الراوي بذلك الخيف:(المحصب) أي: الموضع المسمى بالمحصب، سمي بذلك؛ لكثرة الحصباء والحصى فيه، وحد المحصب: ما بين الجبل الذي عند مقابر مكة
حَيْثُ قَاسَمَتْ قُرَيْشٌ عَلَى الْكُفْرِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي كِنَانَةَ حَالَفَتْ قُرَيْشًا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ أَلَّا يُنَاكِحُوهُمْ وَلَا يُبَايِعُوهُمْ، قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَالْخَيْفُ: الْوَادِي.
===
والجبل الذي يقابله مصعدًا. انتهى من "البذل"، ويسمى أيضًا: بالأبطح، وبخيف بني كنانة؛ لأنهم نازلون فيه، وورد في بعض الروايات أنه قال ذلك زمن الفتح، وفي بعضها حين أراد حنينًا؛ أي: بعد غزوة الفتح؛ لأن غزوة حنين كانت عقب غزوة الفتح، ويحتمل التعدد؛ أي: وقوعه مرة في حنين عقب غزوة الفتح وأخرى في حجة الوداع، والله أعلم. انتهى من "فتح الملهم".
والظرف في قوله: (حيث قاسمت) وتعاهدت (قريش على) استمرارهم على (الكفر) بمحمد صلى الله عليه وسلم بدل من الجار والمجرور في قوله: بخيف بني كنانة (وذلك) التقاسم (أن بني كنانة حالفت) أي: تعاهدت (قريشًا) أي: توافقت مع قريش غير بني هاشم (على) قطيعة (بني هاشم) وبني المطلب؛ أي: على (ألا يناكحوهم) أي: على ألا يزوجوهم بناتهم ولا يتزوجوا منهم بناتهم (ولا) على أن (يبايعوهم) أموالهم ولا يشتروا منهم حتى يسلموا إليهم محمدًا؛ ليقتلوه.
(قال معمر) بن راشد في روايته: (قال) لنا شيخنا (الزهري: والخيف: الوادي) المشهور عندهم؛ كما بينا حده آنفًا؛ والمراد: تحالفهم على إخراج النبي صلى الله عليه وسلم وبني هاشم وبني المطلب من مكة إلى هذا الشعب؛ وهو خيف بني كنانة، وكتبوا بينهم الصحيفة المشهورة، وكتبوا فيها أنواعًا من الضلال وعلقوها في جوف الكعبة، فأرسل الله تعالى عليها الأرضة، فأكلت كل ما فيها من كفر وقطيعة رحم وباطل وتركت ما فيها من ذكر الله تعالى، فأخبر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
عمه أبا طالب، فجاء إليهم أبو طالب، فأخبرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فوجدوه كما أخبر، والقصة مشهورة؛ كما سيأتي بيانها قريبًا، قال بعض العلماء: وكان نزوله صلى الله عليه وسلم هناك شكرًا لله تعالى على الظهور بعد الاختفاء، وعلى إظهار دين الله تعالى. انتهى "نووي".
والدار التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "وهل ترك لنا عقيل منزلًا؟ ! " هي دار كانت لهاشم بن عبد مناف، ثم صارت لابنه عبد المطلب، فقسمها بين أولاده حين عُمِّرَ وفَقَدَ بَصَرَهُ، فَمِن ثَمَّ صار للنبي صلى الله عليه وسلم حق أبيه عبد الله، وفيها ولد النبي صلى الله عليه وسلم.
ومحصل هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر استولى عقيل وطالب على الدار كلها باعتبار ما ورثا من أبيهما؛ لكونهما كانا لم يسلما، وباعتبار ترك النبي صلى الله عليه وسلم لحقه منها بالهجرة .. ففقد طالب ببدر، فباع عقيل الدار كلها.
وحكى الفاكهي: أن الدار لم تزل بأولاد عقيل إلى أن باعوها لمحمد بن يوسف أخي الحجاج بمئة ألف دينار. انتهى من " البذل".
وعبارة "العون": قوله: "هل ترك لنا عقيل منزلًا في مكة؟ ! " وذلك أنه كان عقيل ورث أباه أبا طالب هو وأخوه طالب، ولم يرثه ابناه جعفر وعلي شيئًا؛ لأنهما كانا مسلمين حين موته، ولو كانا وارثين .. لنزل النبي صلى الله عليه وسلم في دورهما، وكان قد استولى طالب وعقيل على الدار كلها، باعتبار ما ورثاه من أبيهما؛ لكونهما كانا لم يسلما، وباعتبار ترك النبي صلى الله عليه وسلم لحقه منها بالهجرة، وفقد طالب ببدر، فباع عقيل الدار كلها، قاله القسطلاني. انتهى منه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وحاصل قصة التحالف: ما ذكره ابن إسحاق وموسى بن عقبة وغيرهما من أصحاب المغازي من أنه لما رأت قريش أن الصحابة قد نزلوا أرضًا أصابوا بها أمانًا - أرض الحبشة - وأن عمر أسلم، وأن الإسلام قد فشا في القبائل .. أجمعوا على أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك أبا طالب، فجمع بني هاشم وبني المطلب، فأدخلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعبهم، ومنعوه ممن أراد قتله، فاجابوا إلى ذلك، حتى كفارهم فعلوا ذلك؛ حميةً على عادة الجاهلية، فلما رأت ذلك قريش .. أجمعوا أن يكتبوا بينهم وبين بني هاشم وبني المطلب كتابًا على ألا يعاملوهم ولا يناكحوهم، حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففعلوا ذلك، وعلقوا الصحيفة في جوف الكعبة، وكان كاتبها منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي، فشلت أصابعه، ويقال: إن الذي كتبها النضر بن الحارث، وقيل: طلحة بن أبي طلحة العبدري.
قال ابن إسحاق: فانحازت بنو هاشم وبنو المطلب إلى أبي طالب، فكانوا معه كلهم، إلا أبا لهب فكان مع قريش، قيل: وكان ابتداء حصرهم في المحرم سنة سبع من المبعث.
قال ابن إسحاق: فأقاموا سنتين أو ثلاثًا، وجزم موسى بن عقبة بأنها ثلاث سنين، حتى جهدوا، ولم يكن يأتيهم شيء من الأقوات إلا خفيةً، حتى كانوا يؤذون من اطلعوا على أنه أرسل إلى بعض أقاربه شيئًا من الصلات، إلى أن قام في نقض الصحيفة نفر خمسة، من أشدهم في ذلك صنيعًا: هشام بن عمرو بن الحارث العامري، وكانت أم أبيه تحت هاشم بن عبد مناف قبل أن يتزوجها جده، فكان يصلهم وهم في الشعب، ثم ذهب إلى زهير بن أبي أمية،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب، فكلمه في ذلك، فوافقه، ومشيا جميعًا إلى المطعم بن عدي وإلى زمعة بن الأسود، فاجتمعوا على ذلك، فلما جلسوا في الحجر .. تكلموا في ذلك، وأنكروه، وتواطؤوا عليه، فقال أبو جهل: هذا أمر قد قضي بليل، وفي آخر الأمر أخرجوا الصحيفة، فمزقوها وأبطلوا حكمها.
وذكر ابن هشام أنهم وجدوا الأرضة قد أكلت جميع ما فيها إلا اسم الله تعالى، وأما ابن إسحاق، وموسى بن عقبة، وعروة .. فذكروا عكس ذلك؛ أن الأرضة لم تضع اسمًا لله تعالى إلا أكلته، وبقي ما فيها من الظلم والقطيعة، والله تعالى أعلم، كذا في "الفتح".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في كتاب المناسك، باب التحصيب، وأحمد في "المسند"، والبيهقي في "السنن الكبرى"، وابن خزيمة في "صحيحه"، وعبد الرزاق.
فدرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث ابن عمر الأول.
* * *
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: ثلاثة أحاديث:
الأول للاستدلال، والأخيران للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم