الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(41) - (1048) - بَابُ فَسْخِ الْحَجِّ
(96)
- 2932 - (1) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ
===
(41)
- (1048) - (باب فسخ الحج)
(96)
- 2932 - (1)(حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم) بن عمرو العثماني مولاهم (الدمشقي) أبو سعيد، لقبه دحيم مصغرًا ثقة حافظ متقن، من العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ). يروي عنه:(خ د س ق).
(حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي أبو العباس الدمشقي، ثقة لكنه كثير التدليس والتسوية، من الثامنة، مات آخر سنة أربع أو أول سنة خمس وتسعين ومئة (195 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمرو الدمشقي أبو عمرو الفقيه، ثقة فاضل، من السابعة، مات سنة سبع وخمسين ومئة (157 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن عطاء) بن أبي رباح؛ اسمه أسلم القرشي مولاهم المكي، ثقة فقيه فاضل لكنه كثير الإرسال، من الثالثة، مات سنة أربع عشرة ومئة (114 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن جابر بن عبد الله) الأنصاري الخزرجي رضي الله تعالى عنهما، مات بالمدينة بعد السبعين. يروي عنه:(ع).
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
قَالَ: أَهْلَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحَجِّ خَالِصًا لَا نَخْلِطُهُ بِعُمْرَةٍ، فَقَدِمْنَا مَكَّةَ لِأَرْبَعِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّة، فَلَمَّا طُفْنَا بِالْبَيْتِ وَسَعَيْنَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ .. أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً وَأَنْ نَحِلَّ إِلَى النِّسَاء، فَقُلْنَا مَا بَيْنَنَا: لَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إِلَّا خَمْسٌ فَنَخْرُجُ إِلَيْهَا وَمَذَاكِيرُنَا تَقْطُرُ مَنِيًّا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي لَأَبَرُّكُمْ
===
(قال) جابر: (أهللنا) أي: أحرمنا (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج) حالة كونه (خالصًا) أي: مفردًا مجردًا عن العمرة في أول أمره، وقوله:(لا نخلطه) من باب ضرب .. صفة كاشفة لخالصًا؛ أي: لم نخلطه (بـ) شيء من الـ (عمرة) ولا القران ولا غيرهما.
قال السندي: قوله: (بالحج خالصًا) حكاية عن حال غالب من كان معه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وإلا .. فقد جاء فيهم من كان قارنًا أو معتمرًا (فقدمنا مكة) أي: دخلناها (لأربع ليال خلون) أي: مضين (من ذي الحجة) بكسر الحاء على الأفصح (فلما طفنا بالبيت) سبعًا (وسعينا بين الصفا والمروة) سبعًا .. (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجعلها) أي: أن نجعل أعمالنا هذه من أشواط الطواف السبع ومن أشواط السعي السبع (عمرة، وأن نحل) جميع محرمات الإحرام ونفعلها (إلى النساء) أي: حتى النساء بجماعها، إلا من ساق الهدي منا؛ فإنه لا يحل من إحرامه حتى يبلغ الهدي محله.
(فقلنا) معاشر المُحِلّين بعمل عمرة (ما بيننا) أي: تذاكرنا وتحدثنا فيما بيننا وقلنا: (ليس بيننا وبين) يوم (عرفة إلا خمس) ليال، (فـ) هل (نخرج إليها ومذاكيرنا تقطر) وتصب (منيًّا)؟ ! يريدون قرب العهد إلى الجماع (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأبركم) أي: لأكثركم برًا وخيرًا؛ أي:
وَأَصْدَقُكُمْ، وَلَوْلَا الْهَدْيُ .. لَأَحْلَلْتُ"، فَقَالَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ: أَمُتْعَتُنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِأَبَدٍ؟ فَقَالَ: "لَا، بَلْ لِأَبَدِ الْأَبَدِ".
===
فعلًا له (وأصدقكم) أي: ولأكثركم صدقًا في المقال، (ولولا الهدي) موجود معي. . (لأحللت) من إحرام الحج بعمل عمرة؛ كما فعلتم، وهذا الكلام يفيد أن الهدي يمنع الإحلال قبل تمام الحج.
(فقال سراقة بن مالك) بن جعشم الكناني المدلجي صحابي مشهور، من مسلمة الفتح:(أَمُتْعَتُنَا هذه) أي: التي هي فَسْخُ الحج إلى العمرة؛ أي: أخبرني عن فسخنا الحج إلى عمرتنا هذه التي تمتعنا فيها بالجماع والطيب واللبس (لعامنا هذا) أي: مخصوصة به لا تجوز في غيره (أم) هي باقية لنا ولغيرنا (لأبد) أي: إلى أبد؛ أي: في جميع الأعصار؟ (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لسراقة: (لا) أي: ليست خاصة بهذا العام ولا خاصة بكم (بل) هذه المتعة باقية (لأبد الأبد) أي: إلى أبد الأبد، وهذا صريح في أن المتعة التي فسخوا إليها حجهم لم تكن مختصة بهم، وأنها مشروعة للأمة إلى يوم القيامة.
وقول من قال: إن المراد به: السؤال عن المتعة في أشهر الحج لا عن عمرة الفسخ .. باطل من وجوه:
أحدها: أنه لم يقع السؤال عن ذلك ولا في اللفظ ما يدل عليه، وإنما سأله عن تلك العمرة المعينة التي أمروا بالفسخ إليها، ولهذا أشار إليها بعينها، فقال:(متعتنا هذه) ولم يقل: (العمرة في أشهر الحج).
الثاني: لو قدر أن السائل أراد ذلك .. فالنبي صلى الله عليه وسلم أطلق الجواب؛ بأن تلك العمرة مشروعة إلى الأبد، ومعلوم أنها مشتملة على وصفين: كونها عمرة فُسِخَ الحج إليها، وكونها في أشهر الحج، فلو كان المراد أحد
(97)
- 2933 - (2) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ،
===
الأمرين؛ وهو كونها في أشهر الحج .. لبينه للسائل، لا سيما إذا كان الفسخ حرامًا باطلًا، فكيف يطلق الجواب عما يجوز ويشرع، وما لا يحل ولا يصح إطلاقًا واحدًا؟ ! هذا مما ينزه عنه آحاد أمته صلى الله عليه وسلم فضلًا عنه صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن من سأل عن أمر يشتمل على جائز ومحرم .. وجب عليه أن يبين للسائل جائزه من حرامه، ولا يطلق الجواز والمشروعية عليه إطلاقًا واحدًا، وقد ذكر ابن القيم من تلك الأوجه نحو عشرين في "شرح السنن"، فراجعه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في كتاب الحج، باب في إفراد الحج.
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
* * *
ثم استشهد المؤلف لحديث جابر بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(97)
- 2933 - (2)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم الواسطي، ثقة متقن عابد، من التاسعة، مات سنة ست ومئتين (206 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني، ثقة ثبت، من الخامسة، مات سنة أربع وأربعين ومئة أو بعدها. يروي عنه:(ع).
(عن عمرة) بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية، أكثرت
عَنْ عَائِشةَ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ لَا نُرَى إِلَّا الْحَجَّ، حَتَّى إِذَا قَدِمْنَا وَدَنَوْنَا أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ .. أَنْ يَحِلَّ فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ
===
عن عائشة، ثقة، من الثالثة، ماتت قبل المئة، ويقال بعدها. يروي عنها:(ع).
(عن عائشة) رضي الله تعالى عنها.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(قالت) عائشة: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع من المدينة إلى مكة (لخمس) ليال (بقين من) شهر (ذي القعدة لا نرى) -بفتح النون- أي: لا نعتقد، وقيل: بضم النون؛ أي: لا ننوي (إلا الحج) لأننا كنا نعتقد امتناع العمرة في أشهر الحج على عادة الجاهلية.
وفي "البخاري": بالضم؛ أي: لا نظن؛ بمعنى: لا نعتقد؛ والمراد: لا ننوي إلا الحج؛ لكونه المقصود الأصلي لنا من الخروج، أو لأن الغالبين فيهم ما نووا إلا الحج. انتهى "سندي"، وفي "صحيح البخاري": كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض، ويجعلون المحرم صفرًا، ويقولون: إذا برا الدبر، وعفا الأثر، وانسلخ صفر .. حلت العمرة لمن اعتمر. انتهى.
وقوله: (حتى إذا قدمنا) غاية لمحذوف؛ تقديره: أي: خرجنا من المدينة، فذهبنا إلى مكة (حتى إذا قدمنا) سرف موضع قريب إلى التنعيم .. حضت (و) لما (دنونا) وقربنا من مكة .. (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي أن يحل) من إحرامه بعمل عمرة (فحل الناس كلهم)
إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ؛ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ .. دُخِلَ عَلَيْنَا بِلَحْمِ بَقَرٍ فَقِيلَ: ذَبَحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَزْوَاجِهِ.
===
بعمل عمرة (إلا من كان معه هدي، فلما كان يوم النحر .. دُخل علينا) بالبناء للمفعول (بلحم بقر، فقيل: ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه) قولُه: (دُخل علينا) معاشر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بضم الدالِ على البناء على المجهول؛ كما مر آنفًا (بلحم بقر) قال ابن بطال: أخذ بظاهره جماعة، فأجازوا الاشتراك في الهدي والأضحية، ولا حجة فيه؛ لأنه يحتمل أن يكون عن كل واحدة بقرة.
وأما روايةُ يونس عن الزهري عن عمرة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نَحرَ عن أزواجه بقرةً واحدةَّ .. فقد قال إسماعيل القاضي: تفرد يونس بذلك، وقد خالفه غيره. انتهى.
ورواية يونس أخرجها النسائي وأبو داوود وغيرهما، ويونس ثقة حافظ، وقد تابعه معمر عند النسائي أيضًا، ولفظه أصرح من لفظ يونس، قال:(ما ذبح عن آل محمد في حجة الوداع إلا بقرة)، وروى النسائي أيضًا من طريق يحيى بن كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال:(ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن اعتمر من نسائه في حجة الوداع بقرةً بينهن)، صححه الحاكم، وهو شاهد قوي لرواية الزهري. انتهى من "الفتح".
قال القاضي عياض: كانت هذه الهدايا تطوعًا؛ ففيه تطوع الرجل بالهدي عن أهله وعمن يمونه، وتطوعه عن الغير بالصدقة والعتق وما يكون من باب الأموال وبالكفارة الواجبة وإن لم يأمره، وقيل: إنها كانت عن قِرانهن أو تمتعهن وليست أضحيةً؛ إذ لا أضحية على الحاج لعدمِ الإقامة.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الحج، باب
(98)
- 2934 - (3) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاح، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ
===
ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهنَّ، ومسلم في كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقران
…
إلى آخره، والنسائي في كتاب المناسك، باب الوقت الذي خرج فيه النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة للحج، باب إباحة فسخ الحج بعمرة لمن لم يسق الهدي، وأحمد في "مسنده".
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به.
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث جابر بحديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهم، فقال:
(98)
- 2934 - (3)(حدثنا محمد بن الصباح) بن سفيان الجرجرائي التاجر، صدوق، من العاشرة، مات سنة أربعين ومئتين (240 هـ). يروي عنه:(د ق).
(حدثنا أبو بكر بن عياش) -بتحتانية ومعجمة- ابن سالم الأسدي الكوفي المقرئ الحناط، والأصح أن كنيته اسمه، وقيل: اسمه محمد أو عبد الله إلى عشرة أقوال، ثقة عابد إلا أنه لما كبر .. ساء حفظه، وكتابه صحيح، من السابعة، مات سنة أربع وتسعين ومئة (194 هـ)، وقيل: قبل ذلك بسنة أو سنتين. يروي عنه: (ع).
(عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي، ثقة مكثر عابد، اختلط بأخرة، من الثالثة، مات سنة تسع وعشرين ومئة (129 هـ)، وقيل قبل ذلك. يروي عنه:(ع).
(عن البراء بن عازب) بن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي الصحابي
قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ فَأَحْرَمْنَا بِالْحَجِّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ .. قَالَ:"اجْعَلُوا حَجَّكُمْ عُمْرَةً"، فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ قَدْ أَحْرَمْنَا بِالْحَجِّ فَكَيْفَ نَجْعَلُهَا عُمْرَةً؟ قَالَ: "انْظُرُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا"، فَرَدُّوا عَلَيْهِ الْقَوْلَ
===
ابن الصحابي رضي الله تعالى عنهما، نزل الكوفة، مات سنة اثنتين وسبعين (72 هـ). يروي عنه:(ع).
وهذا السند من رباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(قال) البراء: (خرج) علينا (رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي الحليفة من قبته عند الشجرة في حجة الوداع (وأصحابه) أي: الملازمون له من الصحابة (فأحرمنا) جميعًا عند انبعاث الراحلة بنا (بالحج) في ذي الحليفة (فلما قدمنا مكة .. قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن لم يسق الهدي: ("اجعلوا حجكم عمرة") أي: افسخوا إلى عمرة وتحللوا من إحرامكم بعمل العمرة (فقال الناس) الذين أمروا بالفسخ: (يا رسول الله؛ قد أحرمنا بالحج) في شهره (فكيف نجعلها) أي: كيف نجعل حجتنا (عمرة) ونفسخها إليها؟ ! لعلة اعتقادهم أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور على اعتقاد الجاهلية.
(قال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انظروا) أي: فكروا في (ما آمركم به) من الفسخ (فافعلوا) ما أمرتكم به من الفسخ؛ لأن طاعتي واجبة عليكم (فردوا عليه) صلى الله عليه وسلم (القول) الذي قالوه له أولًا؛ يعني: قولهم: (قد أحرمنا بالحج، فكيف نجعلها عمرة؟ ! ) كأنه غلب عليهم حب الموافقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأوه أنه على إحرامه، فذكروا له ذلك؛ رجاء أن يبقيهم على الإحرام، وما أرادوا بذلك الرد عليه، حاشاهم عن
فَغَضِبَ، فَانْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ غَضْبَانَ، فَرَأَتِ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَتْ: مَنْ أَغْضبَكَ أَغْضبَهُ اللهُ؟ قَالَ: "وَمَا لِي لَا أَغْضَبُ وَأَنَا آمُرُ أَمْرًا فَلَا أُتَّبَعُ".
===
ذلك (فغضب) رسول الله صلى الله عليه وسلم لردهم عليه القول (فانطلق) أي: ذهب من عندهم.
(ثم دخل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (على عائشة) في خيمتها، حالة كونه (غضبان) أي: ذا غضب عليهم (فرأت) عائشة (الغضَب) أي: أثرَه (في وجهه) الشريف صلى الله عليه وسلم؛ وهو تغير الوجه من البياض إلى الحمرة؛ كما هو أثر غضبه (فقالت) عائشة رضي الله تعالى عنها: (من أغضبك) يا رسول الله، أي: تسبب في غضبك (أغضبه الله) أي: أوقع الله به ما يغضبه؛ جزاء وفاقًا؟ ثم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما لي) أي: وأي شيء ثبت لي (لا أغضب) عليهم (وأنا آمر) هم (أمرًا) فيه صلاحهم وسعادتهم، والجملة الاسمية في محل النصب حالٌ من فاعل (أغضب)، و (آمر) مضارع مسند إلى ضمير المتكلم، وكذا قوله:(فلا أُتَّبعُ) بالبناء للمجهول؛ من الاتباع؛ أي: فلا يُبادرون في اتباعي وأنا ناصح لهم.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ولكن رواه النسائي في "عمل اليوم والليلة" عن أبي كريب عن أبي بكر بن عياش به، وأحمد في "مسنده".
فدرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وأما اختلاط أبي إسحاق في آخره .. فلا يضر في رواية أبي بكر بن عياش عنه، ما لم يتيقن أنه روى عنه بعد اختلاطه، ولأن له شاهدًا من حَدِيثَي البابِ المذكورَيْنِ قبله، وغرضه: الاستشهاد به، والله أعلم.
(99)
- 2935 - (4) حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ خَلَفٍ أَبُو بِشْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَن، عَنْ أُمِّهِ صَفِيَّةَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ
===
ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث جابر بحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهم، فقال:
(99)
- 2935 - (4)(حدثنا بكر بن خلف أبو بشر) البصري، ختن المقرئ عبد الله بن يزيد المكي، صدوق، من العاشرة، مات سنة أربعين ومئتين (240 هـ). يروي عنه:(د ق).
(حدثنا) الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم الشيباني (أبو عاصم) النبيل البصري، ثقة ثبت، من التاسعة، مات سنة اثنتي عشرة ومئتين (212 هـ)، أو بعدها. يروي عنه:(ع).
(أنبأنا) عبد الملك (ابن جريج) الأموي المكي، ثقة ثبت، من السادسة، مات سنة خمسين ومئة أو بعدها. يروي عنه:(ع).
(أخبرني منصور بن عبد الرحمن) بن طلحة بن الحارث العبدري الحجبي المكي؛ وهو ابن صفية بنت شيبة، ثقة، من الخامسة، أخطأ ابن حزم في تضعيفه، مات سنة سبع أو ثمان وثلاثين ومئة (138 هـ). يروي عنه:(خ م د س ق).
(عن أمه صفية) بنت شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدرية، لها رؤية، وحدثت عن عائشة وغيرها من الصحابة، وفي "البخاري" التصريح بسماعها من النبي صلى الله عليه وسلم، وأنكر الدارقطني إدراكها. يروي عنه:(ع).
(عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُحْرِمِينَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ .. فَلْيُقِمْ عَلَى إِحْرَامِه، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ .. فَلْيَحْلِلْ"، قَالَتْ: فَلَمْ يَكُنْ مَعِي هَدْيٌ فَأَحْلَلْتُ، وَكَانَ مَعَ الزُّبَيْرِ هَدْيٌ فَلَمْ يَحِلَّ، فَلَبِسْتُ ثِيَابِي وَجِئْتُ إِلَى الزُّبَيْر، فَقَالَ: قُومِي عَنِّي، فَقُلْتُ: أَتَخْشَى أَنْ أَثِبَ عَلَيْكَ؟ !
===
(قالت) أسماء: (خرجنا) من المدينة (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة، حالة كوننا (محرمين) بالحج (فـ) لما قدمنا مكة .. (قال النبي صلى الله عليه وسلم: من كان معه هدي .. فليقم) -بضم الياء- من الإقامة؛ أي: فليستمر (على إحرامه) بالحج، فلا يفسخه إلى عمرة (ومن لم يكن معه هدي .. فليحلل) من إحرامه الحج بعمل عمرة (قالت) أسماء:(فلم يكن معي هدي، فأحللت) من إحرامي بعمل عمرة (وكان مع) زوجي (الزبير) بن العوام (هدي) ساقه من المدينة (فلم يحل) الزبير من إحرامه؛ لمكان الهدي معه (فلبست) أنا بعد تحللي من إحرامي (ثيابي) أي: ثياب الزينة وتطيبت (وجئت إلى الزبير) أي: عند الزبير وجلست جنبه (فقال) لي الزبير: (قومي عني) أي: من عندي حتى لا يقع مني ما يحرك شهوتي، وهذا احتياط منه رضي الله عنه لنفسه بمباعدتها من حيث إنها زوجة متحللة تطمع فيها النفس.
قال النووي: إنما أمرها بالقيام؛ مخافةً من عارض قد يندر منه؛ كلمس بشهوة أو نحوه؛ فإن اللمس بشهوة حرام في الإحرام، فاحتاط لنفسه بمباعدتها عنه.
قالت أسماء: (فقلت) له (أتخشى) وتخاف مني (أن أثب) وأهجم (عليك؟ ! ) مضارع مسند للمتكلم؛ من الوثب: وهو الظفر والهجوم، والهمزة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
فيه: للاستفهام الإنكاري؛ أي: هل تخاف أن أهجم وأقع عليك؟ ! وهذا كناية عن إيقاعها الملامسة.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب الحج، باب ما يلزم من طاف بالبيت وسعى من البقاء على الإحرام وترك التحلل، والنسائي في كتاب المناسك، باب ما يفعل من أهل بالحج وأهدى، والبيهقي، وأحمد.
فدرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: أربعة أحاديث:
الأول للاستدلال، والبواقي للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم