الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ لِمَ ظَاهَرْتَ لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا وَلِلْمُقَصِّرِينَ وَاحِدَةً؟ ! قَالَ: "إِنَّهُمْ لَمْ يَشُكُّوا".
===
(عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(قال) ابن عباس: (قيل: يا رسول الله؛ لم ظاهرت) وأعنت (للمحلقين) وأيدتهم بالدعاء لهم (ثلاثًا) من المرات، وفضلتهم على المقصرين فيه، ولم أقف على من صرح باسم القائل (و) بالدعاء (للمقصرين) مرة (واحدة؟ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للساىل: فضلت المحلقين على المقصرين في الدعاء لـ (أنهم) أي: لأن المحلقين (لم يشكوا) ولم يترددوا في اتباعي وفي فعل ما فعلته من الحلق؛ أي: ما عاملوا معاملة من يشك في أن الاتباع أحسن، وأما من قصر .. فقد عامل معاملة من يشك في ذلك؛ حيث ترك فعله صلى الله عليه وسلم وعدل إلى ما لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم. انتهى "سندي" بزيادة وتصرف.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به.
تتمة
قال القرطبي: وأحاديث هذا الباب تدل على أن الحِلَاق نسك يثاب فاعله، وهو مذهب الجمهور.
وذهب الشافعي في أحد قوليه وأبو ثور وأبو يوسف وعطاء إلى أنه ليس بنسك، بل هو مباح لا يثاب فاعله، قال الشافعي: لأنه ورد بعد الحظر، فحمل على الإباحة؛ كاللباس والطيب.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وهذه الأحاديث ترد من وجهين:
أحدهما: أنها تضمنت أن كل واحد من الحلق والتقصير فيه ثواب، ولو كان مباحًا .. لاستوى فعله وتركه.
وثانيهما: تفضيل الحلاق على التقصير، ولو كانا مباحين .. لما كان لأحدهما مزية على الآخر في نظر الشرع.
واختلف القائلون بأنهما نسكان في الموجب لأفضلية الحلاق على التقصير: فقيل: لما ذكر عن ابن عباس قال: حلق رجال يوم الحديبية، وقصر آخرون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اللهم؛ ارحم المحلقين" ثلاثًا، قيل: يا رسول الله؛ لم ظاهرت بالترحم؟ قال: "لأنهم لم يشكوا". رواه ابن ماجه.
وحاصله: أنه أمرهم يوم الحديبية بالحِلَاق، فما قام منهم أحد؛ لما وقع في أنفسهم من أمر الصلح، فلما حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا للمحلقين أو استغفر لهم ثلاثًا، وللمقصرين واحدة .. فبادروا إلى ذلك.
قال أبو عمر ابن عبد البر: وكون ذلك يوم الحديبية هو المحفوظ، وقيل: بل كان ذلك في حجة الوداع؛ كما روته أم الحصين من طريق قتادة، وهو إمام ثقة، وإنما كان الحِلَاق أفضل؛ لأنه أبلغ في العبادة، وأدل على صدق النية في التذلل لله تعالى؛ لأن المقصر مبق على نفسه بعض الزينة التي ينبغي للحاج أن يكون مجانبًا لها، والله أعلم.
والمحصر في الحِلَاق والتقصير كغيره؛ في كون ذلك نسكًا له.
وقال أبو حنيفة وصاحباه: ليس على المحصر شيء من ذلك، ويرد حلاقه صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
ولا خلاف في أن حكم النساء التقصير، وأن الحِلَاق غير لازم لهن عندنا وعند كثير من العلماء، على أن الحِلَاق لهن غير جائز؛ لأنه مثلة فيهن.
ويستدل على أنه غير مشروع لهن بما رواه أبو داوود عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس على النساء الحلق، إنما على النساء التقصير".
وجمهورهم على أن من لبد أو عقص أو ضفر .. لزمه أن يحلق ولا يقصر؛ للسنة الواردة بذلك، ولأن التقصير لا يعم الشعر، ومن سنته عموم التقصير، وخالف في هذا أصحاب للثوري، وقالوا: إن الملبد والمضفر كغيرهما يجزئهما التقصير. انتهى من "المفهم".
* * *
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: ثلاثة أحاديث:
الأول للاستدلال، والأخيران للاستشهاد.
* * *
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا المجلد:
من الأبواب: واحد وسبعون بابًا.
ومن الأحاديث: مئة وسبعون حديثًا، منها: عشرة أحاديث للاستئناس، وثمانية وستون للاستدلال، واثنا عشر للمتابعة، والباقي للاستشهاد.
والله ولي التوفيق
إلى هنا انتهى المجلد السابع عشر من هذا الكتاب ذي الدُّرَر ويليه المجلد الثامن عشر بإذن خالق النَّوْر والزهر، وأوله: تتمة كتاب المناسك
قال المؤلف وفَّقه الله لما يحب ويرضى: كان الفراغ من إملاء هذا السِّفر النافع يوم الثلاثاء بتاريخ (18) ذو الحجة (1434 هـ)، الموافق لـ (22) تشرين الأول أكتوبر سنة (2013 م).
وكان تاريخ العود لكتابة هذا الشرح من هذا المجلد يوم الأحد (11) شوال من سنة (1434 هـ).
* * *
اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبنا، ورحمتك أرجى عندنا من أعمالنا، فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل ولا أكثر من ذلك يا رب العالمين.
والحمد لله على آلائه كلها ما علمنا منها وما لم نعلم، وما هو به أعلم؛ إنه هو الأعز الأكرم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وشرف وعظم.
* * *