الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بين يدي الكتاب
عني علماء العربية برواية الشعر وحفظه، واستشهدوا به في كلامهم، واستدلوا على صحة قواعد اللغة وشواذها بالبيت يستشهدون به، كما مثلوا بالمثل يضربونه، وعلى صحة اللفظ بالآية يتلونها، وهم أيضا كما عنوا بحفظ الشعر وروايته عنوا بمعرفة اسم الشاعر، وحددوا عصره، ولذلك فقد قسموا الشعر الى عصور، والشعراء الى طبقات، فكان (1):
1 -
الطبقة الأولى: الشعراء الجاهليون، وهم قبل الاسلام، كامرئ القيس والأعشى ..
2 -
الطبقة الثانية: الشعراء المخضرمون، وهم الذين أدركوا الجاهلية والاسلام، كلبيد وحسان
…
3 -
الطبقة الثالثة: الشعراء المتقدمون - ويقال لهم الاسلاميون - وهم الذين كانوا في صدر الاسلام كجرير والفرزدق
…
4 -
الطبقة الرابعة: المولدون - ويقال لهم المحدثون - وهم من بعدهم كبشار وأبي نواس
…
وعلى أساس هذا التقسيم اتفقوا على أن الطبقتين الاوليتين يستشهد بشعرهما إجماعا، وأن الطبقة الثالثة، فالصحيح صحة الاستشهاد بكلامها، وأما الطبقة الرابعة فانه لا يستشهد بكلامها مطلقا.
ثم فيما بعد قسمت الطبقة الاخيرة - أي الرابعة - الى طبقات: طبقة المولدين، وطبقة المحدثين، وطبقة المتأخرين. واختلف فيمن يستشهد من الشعراء بشعرهم من هذه الطبقات. وكان الجلال السيوطي ممن يؤيد الرأي القائل بعدم الاحتجاج بشعر هذه الطبقات الاخيرة، فقد ذكر في الاقتراح: أجمعوا على أنه لا يحتج بكلام المولدين
(1) انظر مقدمة كتاب خزانة الادب للبغدادي.
والمحدثين في اللغة والعربية، وذلك بخلاف الزمخشري صاحب الكشاف، وليس استشهاد سيبويه بشعر بشار مما يؤخذ فيه أو يعتبر حجة على الاستشهاد بأقوال المولدين، لأن أستشهاده كان خوفا من هجاء بشار.
وهم لهذا كله عنوا أيضا بمعرفة قائل الشعر، وصحة نسبة الشعر اليه. فقد تبين من تقسيم الشعراء الى طبقات من يصح الاستشهاد بشعرهم، ومن لا يصح.
وأنه لا يجوز الاحتجاج بشعر وكذا بنثر لا يعرف قائلة (وعلة ذلك مخافة أن ذلك الكلام مصنوعا أو لمولد، أو لمن لا يوثق بكلامه)(1). وما ذلك الا حفظا للغة القرآن الكريم، وليتضح حديث النبي المرسل ومعرفة الدخيل في اللغة من الأصيل، كما وضعت قواعد اللغة وأصل الاعراب لتجنب اللحن كما هو معروف
…
سقنا هذه المقدمة القصيرة لتبيان الغاية التي توخاها الامام الجليل السيوطي في كتابه (شرح شواهد المغني) والذي نقوم على نشره الآن. وقد ألفت في النحو كتب كثيرة وقام على خدمتها رجال أفاضل علماء، كان أبعدهم صيتا واكثرهم ذكرا جمال الدين بن هشام الانصاري المتوفي سنة 761 هـ فقد ألف في هذا الباب عدة كتب أشهرها وأعظمها (مغني اللبيب عن كتب الاعاريب) والذي أصبح أهم مرجع في نحو اللغة العربية لا زال يتدارسه أهل العربية حتى زماننا، لذلك وضعت عليه عشرات الحواشي والشروح ليسهل حفظه، وابن هشام من أكثر النحويين استثمار للشواهد وايرادا لها سواء كان من القرآن أو الحديث أو المثل السائر، أو بالشعر والنثر. وقد لاحظ الجلال السيوطي أن اتمام الفائدة وتحقيقا لصحة الاستشهاد ان ينسب كل قول لقائله ويحل ما يشكل من لفظ أو معنى لفظ، وان يعرّف بصاحب الشاهد فكان كتابه هذا (شرح شواهد المغني).
والكتاب على ضخامته ليس للسيوطي فيه الا الجمع والترتيب، وان كان لا يخلو من بدوات أو فقرات يعبر السيوطي عن رأيه فيها. وهو مع هذا كله كلف نفسه جهدا وصبرا ومشقة، اذ لم يكتف بذكر الشاهد واسم قائله، وانما يدرج القصيدة كاملة التي منها الشاهد، وان لم يكن فقسما كبيرا منها، أو اشهر أبيات القصيدة مع تفسير ما أشكل من كلماتها وصعب. وان كان يوجد اختلاف في الرواية فانه يدرج كافة الاختلافات والروايات مع اسناد كل قول الى قائله، وقد أودع كتابه كثيرا مما حوته كتب اللغة والشعر، وبذل مجهودا مشكورا في ترتيب ما نقله ووضعه في محله، وهو مما يدل على سعة اطلاعه واحاطته الشاملة، الى امانة في النقل وذكر المرجع الذي نقل عنه، ولربما نجد احيانا انه يتصرف في العبارة أو يبتر قسما منها، وأنا بذلك لا أتهم السيوطي وانما ارجع السبب الى اختلاف نسخ كتب الأدب أو اللغة التي ينقل عنها السيوطي مما نلاحظه الآن في مخطوطاتنا وان الاصل بذلك تخليط الذي يخط الكتاب أو صعوبة قراءة الخط
…
(1) الانصاف في مسائل الخلاف للانباري.