الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شواهد ألى
109 -
وأنشد (1):
فلا تتركنّي بالوعيد كأنّني
…
إلى النّاس مطليّ به القار أجرب
هذا من أبيات للنابغة الذبياني يخاطب بها النعمان بن المنذر، وأوّلها:
أتاني أبيت اللّعن أنّك لمتني
…
وتلك الّتي أهتمّ منها وأنصب
فبتّ كأنّ العائدات فرسنني
…
هراسا به يعلى فراشي ويهشب
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة
…
وليس وراء الله للمرء مذهب
لئن كنت قد بلّغت عنّي خيانة
…
لمبلغك الواشي أغشّ وأكذب
ولكنّني كنت امرأ لي جانب
…
من الأرض فيه مستراد ومذهب
ملوك وإخوان إذا ما أتيتهم
…
أحكّم في أموالهم وأقرّب
كفعلك في قوم أراك اصطنعتهم
…
فلم ترهم في شكر ذلك أذنبوا
فلا تتركنّي بالوعيد كأنّني
…
إلى النّاس مطليّ به القار أجرب
ألم تر أنّ الله أعطاك سورة
…
ترى كلّ ملك حولها يتذبذب
فإنّك شمس والملوك كواكب
…
إذا طلعت لم يبد منهنّ كوكب
(1) الخزانة 4/ 137
ولست بمستبق أخا لا تلمّه
…
على شعث، أيّ الرّجال المهذّب؟
فإن أك مظلوما فعبد ظلمته
…
وإن تك ذا عتبي فمثلك يعتب
هذا آخر القصيدة فيما رأيته في ديوانه، رواية الأصمعي. وأوردها صاحب منتهى الطلب بتقديم وتأخير وزيادة. فجعل البيت المصدر به آخر القصيدة بعد قوله:
(فمثلك يعتب)، وجعل قوله:(ولست بمستبق) قبل قوله (ألم تر أن الله)، وجعل مطلع القصيدة:
أرسما جديدا من سعاد تجنّب
…
عفت روضة الأجداد منها فيثقب
عفا آية ريح الجنوب مع الصبا
…
وأسحم دان مزنه متصوّب
وبعد ثمانية أبيات. ثم قوله: (حلفت .. الخ) وأسقطت قوله: (فبت .. البيت) قوله: أبيت اللعن. هي تحية الملوك الجاهلية. وأنصب: أتعب. والعائدات:
الزائرات في المرض. وهراسا: شوكا. ويهشب: يجرّد. وقوله: (حلفت
…
الأبيات) استشهد بها أهل البديع على النوع المسمى عندهم بالمذهب الكلامي، وهو إيراد حجة للمطلوب على طريق أهل الكلام. وريبة: شك. ومذهب: طريق.
قال شارح ديوانه: أي لا يحلف بأعظم منه. والواشي: النمام. و. جانب: ناحية.
والمستراد: التصرف بالمجيء. والذهاب: من راد يرود. واصطنعتهم: أحسنت إليهم. وقوله:
فلم ترهم في شكر ذلك أذنبوا
في زيارتك والوفادة إليك وترك بلادهم وملوكهم. والوعيد: التهديد. ومطلي:
مدهون. والقار: القطران ونحوه، مما يدهن به الأبل. وأجرب: ذو جرب، وهو داء معروف. والمعنى: كأنني في الناس جمل أجرب جعل عليه القار. وأورد التغلبي في تفسيره البيت شاهدا على وردد (الى) بمعنى (مع). وقال: أي مع الناس.
وقوله: (أعطاك سورة)، استشهد به أهل التفسير على أن السورة بلا همز، المنزلة
الرفيعة. واستشهدوا بعجزه على أن (الملك) بسكون اللام لغة في (الملك) بكسرها.
ويتذبذب: بمعجمتين، يضطرب. وقوله: (فانك شمس
…
البيت) قال المبرد في الكامل (1): هذا من أعجب التشبيه. وقد سلكه البوصيري في البردة حيث قال في النبي صلى الله عليه وسلم والنبيين:
فإنّه شمس فضل هم كواكبها
…
يظهرن أنوارها للنّاس في الظّلم
والشعث: الفساد. ويقال اللهم ألمم شعثنا: أي أصلح أمرنا واجمعه. والمهذب:
المنقى من العيوب. وقوله: أي الرجال المهذب، اشتشهد به أهل المعاني على النوع المسمى عندهم بالتذييل، وهو تعقيب الكلام بجملة تؤكد معناه تجري مجرى المثل (2).
والعتبى: المراجعة. ويعتب: يراجع. ورسم جديد من جد الأثر: أي درس. ويثقب:
جبل أو مكان (3). وأسحم: سحاب أسود. ودان: قريب من الأرض.
110 -
وأنشد (4):
تقول وقد عاليت بالكور فوقها:
…
أيسقى فلا يروى إليّ ابن أحمرا
(1) الكامل 741.
(2)
انظر الموشح 33 و 261 - 262، والصناعتين 36، والعمدة 2/ 80، وابن الشجري 239.
(3)
قال ياقوت: (يثقب: موضع بالبادية). وقد روى البكري البيت في (يثقب) ص 1390، وقال: روضة الاجداد: موضع معروف، نسب الى أجداد هناك، جمع جد، وهي آبار مما حوت عاد ..).
(4)
هذا البيت لابن أحمر الباهلي. وخرج من هذه النسخة شرحه هنا، وقول الشارح: هذا من قصيدة لابي كبير، بالموحدة، شرح لبيت غير هذا البيت انتهى، محمد محمود الشنقيطي. وفي حاشية الأمير:(قوله تقول: أي الناقة، بلسان الحال. والكور: الرحل والسقي) بمعنى الركوب مجازا.
111 -
(وأنشد:
أم لا سبيل إلى الشّباب وذكره
…
أشهى إليّ من الرّحيق السّلسل) (1)
هذا من قصيدة لأبي كبير بالموحدة وهو عامر بن الحليس، بمهملة مصغر، وقيل ابن جمرة، بالجيم والراء، هذلي جاهلي. وقبله، وهو مطلعها (2):
أزهير هل عن شيبة من معدل
…
أم لا سبيل إلى الشّباب الأوّل
أم لا سبيل إلى الشّباب وذكره
…
أشهى إليّ من الرّحيق السّلسل
وبعده:
ذهب الشّباب وفات منّي ما مضى
…
ونضا زهير كريهتي وتبطّلي
وصحوت عن ذكر الغواني وانتهى
…
عمري وأنكرت الغداة تقتّلي
أزهير إن يشب القذال فإنّه
…
رب هيضل لجب لففت بهيضل (3)
ولقد سريت على الظّلام بمغشم
…
جلد من الفتيان غير مهبّل
(1) مزيدة من المغني وحاشية الأمير 71، وهو في اشعار الهذليين 2/ 89
(2)
أشعار الهذليين 2/ 88 - 100، وانظر الحماسة بشرح التبريزي 1/ 82 - 89.
(3)
في أشعار الهذليين 2/ 89:
(
…
فإنني
…
رب هيضل مرس لففت ..)
وقال: ويروى لجب. وبعده:
فلففت بينهم لغير هوادة
…
إلا لسفك للدماء محلل
حتى رأيت دماءهم تغشاهم
…
ويغل سيف بينهم لم يسلل
أزهير إن يصبح أبوك مقصرا
…
طفلا ينوء اذا مشى للكلكل
يهدي العمود له الطريق اذا هم
…
ظعنوا ويعمد للطريق الأسهل
سجراء نفسي غير جمع أشابة
…
حشدا ولا هلك المفارش عزّل
لا يجفلون عن المصاب ولو رأوا
…
أولى الوعاوع كالغطاط المقبل
يتعطفون على البطئ تعطف ال
…
عوذ المطافل في مناخ المعقل
ممّن حملن به وهنّ عواقد
…
حبك الثّياب فشبّ غير مثقّل
حملت به في ليلة مزؤودة
…
كرها وعقد نطاقها لم يحلل
فأتت به حوش الفؤاد مبطّنا
…
سهدا إذا ما نام ليل الهوجل
ومبرّأ من كلّ غبّر حيضة
…
وفساد مرضعة وداء مغيل
فإذا نبذت له الحصاة رأيته
…
ينزو لوقعتها طمور الأجدل
وإذا يهبّ من المنام رأيته
…
كرتوب كعب السّاق ليس بزمّل (1)
ما إن يمسّ الأرض إلّا منكب
…
منه وحرف السّاق طيّ المحمل
وإذا رميت به الفجاج رأيته
…
يهوى مخارمها هويّ الأجدل
وإذا نظرت إلى أسرّة وجهه
…
برقت كبرق العارض المتهلّل
زهير: بالفتح، منادى مرخم، يريد زهيرة ابنته (2). والرحيق: السهل. وقيل:
الخمر. والسلسل: سلس الدخول في الحلق، وقيل البارد اللين. وقيل العذب.
وقال أبو نصر: واليّ، بمعنى عندي. وعلى ذلك أورده المصنف، وتعقبه ابن الدمامينيّ بأن معنى أشهى إليّ: أحب إليّ. وقد عرّف أن إلى المتعلقة مما يفهم حبا أو بغضا، من فعل تعجب، أو اسم تفضيل. معناها البيتين، فعلى هذا يكون في البيت (على) بأنها مبنية أن عليه مجرورها وليست قسما آخر. ونضا: ذهب. وكريهتي: شجاعتي وشدتي. وتبطلي كذلك. وصحوت: كففت. والغواني: الشواب، ويقال اللواتي
(1) هذا البيت ترتيبه في أشعار الهذليين، بعد البيت الأخير: (وإذا نظرت
…
).
(2)
وقوله: هل عن شيبة من معول، يقول: هل عن شيبة من مصرف، أم لا سبيل الى شبابي الذي مضى.
قد غنين بأزواجهن، الواحدة غانية. والتقتل: التضرّع لهن (1). والقذال: ما بين الأذنين من مؤخر الرأس، وهو أبطأ الرأس شيبا. ورب: بضم الراء وفتح الباء مخففة، لغة في رب. وقد استشهد الفارسي بالبيت على ذلك، وقال: القياس إنه إذا حذف المدغم فيه يبقى المدغم على السكون، إلا أنه لما لحقه الحذف والتأنيث أشبه الأسماء فحرّك آخره كما حرّك الآخر من ضرب. والهيضلة: الجماعة يغزى بهم، والجمع هيضل. وقال أبو عمر: والهيضل الشديد. واللجب: الشديد الصوت.
يقول: لففتهم بأعدائهم في القتال. وعلى الظلام: أي في الظلام. قال السكري: أقام حرفا عن حرف. قال التبريزي (2): وموضعه نصب على الظرف أو الحال، أي وأنا على الظلام الضخم (3). وضمير حملن: للنسوة (4) ولم يجر لهنّ ذكر. وقد أورد المصنف هذين البيتين في الكتاب الثامن، مستدلا على تضمين (حمل) معنى على ذي، عدي بالباء، ولولا ذلك لعدى بنفسه، مثل:(حملته أمّه كرها) استشهد به ابن مالك على إعمال إسم الفاعل مجموعا جمع تكسير، لأن حبك منصوب بقواعد.
والمغشم، بكسر الميم وسكون الغين وفتح الشين المعجمتين: الذي لا يتجأجأ عن شيء. الجلد: الصلب القوي. والمهبل: الضخم، الكثير اللحم راكب له. والحبك:
الخيط الذي يشدّ به الثياب. قال الأصمعي: كان النساء ينتطقن بخيط أوتكة.
وقال غيره: الحبكة: الحجزة، يقول إنها حملت به وإزارها عليها لم تخلعه، أي أنها لم تكن من نفسها، وكان يقال: إذا حملت المرأة وهي مذعورة فأذكرت، جاءت به
(1) وفي أشعار الهذليين: (وانتهى عمري، يقول: بلغ عمري نهايته.
تقتلي، أي تكسري وتغنجي.
(2)
الحاسة 1/ 83.
(3)
كذا بالاصل، وفي الحماسة: (أي وأنا على الظلام: أي راكب له، والمغشم: مفعل من الغشم وهو الظلم
…
وقال أبو رياش:
المغشم الذي يغشم الأمور ويخلطها من غير تمييز، وقيل: المغشم ههنا من إذا خفي عليه الطريق اعتسف). والمهبل: الكثير اللحم، والمتورد الوجه. ويروى:(غير مثقل).
(4)
وفي التبريزي: (
…
ولكن لما كان المراد مفهوما جاز إضمارها).
ما لا يطاق. وقيل: إنه يأتي شبه أبيه. وغير مثقل: أي حسن القبول محبب إلى القلوب (1).
ومزؤدة: ذات فزع من الزؤد، وهو الذعر، وهو بالخبر صفة ليلة مجازا، وبالنصب حال من ضمير حملت، ككرها، وبالرفع صفة أقيمت مقام الموصوف (2). وحوش الفؤاد:
بضم المهملة وآخره معجمة، حديد الفؤاد، كأنه وحشيّ من الذكاء والشهومة.
ونصبه على الحال. وقد أورده المصنف في الكتاب الرابع شاهدا على أن اضافة الوصف لا تفيد التعريف. ومبطّنا: خميص البطن ضامرا، حال أيضا (3). وسهدا:
بضمتين، لا ينام (4). والهوجل: الثقيل الكسلان، وقيل: الأحمق. والاسناد في (نام ليل الهوجل) مجازي، أي نام الهوجل فيه. ومبرّأ: يروى بالجرّ عطفا على جلد. وبالنصب عطفا على غبّر. وغبّر: بقية. وحيضة، بكسر الحاء، للحالة التي لم تحمل به في بقية الحيض، ولا حملت عليه في الرضاع، فيفسد رضاعه.
والمغيل: بوزن مكرم بالكسر، من الغيل، بفتح المعجمة وسكون التحتية، وهو أن
(1) ويروى البيت (حبك النطاق).
(2)
في أشعار الهذليين 2/ 92: (كان أبو عبيدة ينصب مزءود، والأصمعي يجرّها، يجعل الزؤد لليلة. ومزءودة: فزعة. يقول: أكرهت فلم تحل نطاقها، قال الاصمعي: وحدثني عيسى بن عمر قال: أنشدت هذا البيت خير بن حبيب فقال: قاتله الله، يغشمها - أي يغصبها - قبل أن تحل نطاقها).
(3)
وكذا في التبريزي، وفي أشعار الهذليين زيدت كلمة (غير) بحيث أصبح المعنى: إذا كان غير خميص البطن. وعلق عليها محققوا الشعر بما يلي: (لم ترد هذه الكلمة في الاصل، والصواب زيادتها. فقد ورد في كتب اللغة ان المبطان هو الضخم البطن من كثرة الأكل). وفي الاساس: (
…
وقد بطن فلان إذا اعتل بطنه، وهو مبطون وبطين ومبطان ومبطن أي عليل البطن وعظيمه وأكول وخميص)، وفي فقه اللغة
للثعالبي 141: (مبطون: يشتكي بطنه).
(4)
في أشعار الهذليين: (وقوله: سهدا، يقول: لا ينام الليل كله، وهو يقظان).
ترضعه وهي حامل (1). وينزو: يثب من النشاط. والأخيل طائر (2). ورتوب الكعب، بضم الراء والمثناة الفوقية آخره موحدة، انتصابه وقيامه. والزمّل، بضم الزاي وتشديد الميم: الضعيف النؤم. قوله (طيّ المحمل) نصب على المصدر، على حدّ له صوت صوت حمار. قال سيبويه: صار ما إن يمس الارض بمنزلة له
(1) وفي التبريزي: (والمغيل: من الغيل، وهو أن تغشى المرأة وهي ترضع، فذلك اللبن الغيل، ومنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لهممت أن أنهى عن الغيلة حتى ذكر لي أن فارس والروم يفعلونه فلا يضرهم شيئا) وسئل شيخ من العرب عنها، فقال: إنها لتدرك الفارس فتصرعه عن فرسه، ويروى:(وداء معضل) وهو الذي لا دواء له، كأنه أعضل الاطباء وأعياهم، وأصل العضل المنع، ومنه عضّلت المرأة، إذا نشب ولدها في بطنها فلم يخرج، وعضلتها وعضّلتها: منعتها التزويج ظلما، ومعناه: أنها حملت به وهي طاهر ليس بها بقية حيض، ووضعته ولا داء به استصحبه من بطنها فلا يقبل علاجا، لأن داء البطن لا يفارق، ولم ترضعه أمه غيلا، وكانت العرب تقول: إذا حملت المرأة في قبل الطهر أول الشهر عند طلوع الفجر ثم أذكرت جاءت بما لا يطاق، وجمع الشاعر هذه المعاني فقال:
لقحت في الهلال من قبل الطهر وقد لاح للصباح بشير).
(2)
في أشعار الهذليين: (فاذا طرحت
…
طمور الأخيل). وقال:
(يريد أنه حديد القلب لا يستثقل في نومه. والأخيل: طائر أخضر يتشاءم به. طمور: نزو). وفي التبريزي: «يقال: نبذت الشيء من يدي، إذا طرحته، وتوسعوا فيه فقيل: صبى منبوذ، ونابذت فلانا. إذا فارقته عن قلي، والشاعر إنما يحكي ما رآه منه، والمعنى:
إنك اذا رميته بحصاة وهو نائم وجدته ينتبه انتباه من سمع بوقعتها هدّة عظيمة فيطمر طمور الأخيل، وهو الشقراق». ويروى:(فزعا لوقعتها طمور الأخيل) وانتصب طمورا بما دل عليه قوله: (فزعا لوقعتها) كأنه قال: رأيته يطمر طموره لأن الخائف المتيقظ يفعل ذلك، والطمور: الوثب، ومنه قيل: فرس طمر: أي وثاب، وقيل:
إن الطّمرّ في صفة الفرس هو المشرف، ومنه قيل للموضع العالي:
طمار، وابنا طمار: جبلان، و (فزعا) انتصابه على الحال، وجواب إذا قوله (رأيته). وقال بعضهم: الأخيل الشاهين، ومنه قيل:
تخيّل الرجل، إذا جبن عند القتال فلم يتثبت، والتخيل: المضيّ والسرعة والتلوّن».
وفي الحيوان للدميري 1/ 19: (الأخيل: طائر أخضر فيه على أجنحته لمع تخالف لونه، وسمي بذلك لخيلان فيه. وقيل الأخيل، الشقراق، وهو مشئوم
…
).
طي. والمحمل: حمالة السيف (1). والفجاج: الطرق. والمخارم: بالخاء المعجمة، منقطع أنف الجبل. والهويّ: السقوط. والأجدل: الصقر. وأسرّة وجهه:
الطرق التي في الوجه. والمتهلل: الذي يتهلل بالبرق، أي يضيء.
قال التبريزي (2): سبب قول أبي كبير هذه الأبيات أنه تزوّج أمّ تأبط شرّا، وكان غلاما صغيرا، فلما رآه يكثر الدخول على أمه تنكر له، وعرف ذلك أبو كبير في وجهه إلى أن ترعرع، فقال أبو كبير لأمه: قد رابني أمر هذا الغلام، ولا آمنه، فلا أقربك، قالت: فاحتل عليه حتى تقتله، فقال له ذات يوم: هل لك أن نغزو؟
قال: امض، فخرجا غازيين ولا زاد معهما، فسارا ليلتهما ويومهما من الغد، حتى ظن أبو كبير أن الغلام قد جاع، فقصد به أبو كبير قوما كانوا له أعداء، فلما رأى نارهم من بعيد قال له أبو كبير: ويحك!! قد جعنا، فلو ذهبت إلى تلك النار فالتمست منها لنا شيئا، قال: ويحك!! وأيّ وقت جوع هذا؟ قال: أنا قد جعت فاطلب لي، فمضى تأبط شرا فوجد على النار رجلين من ألصّ ما يكون من العرب، وإنما أرسله أبو كبير إليهما على معرفة، فلما رأياه قد غشى نارهما وثبا عليه، وكرّ ساعيا، واتبعاه فلما كان أحدهما أقرب إليه من الآخر عطف عليه فرماه فقتله، ورجع إلى الآخر فقتله، ثم جاء إلى نارهما وأخذ الخبز منها وجاء به إلى أبى كبير، فقال: كل لا أشبع الله بطنك. ولم يأكل هو، فقال: أخبرني كيف كانت قصتك قال: وما سؤالك عن هذا؟ كل ودع المسئلة. فدخلت أبا كبير منه خيفة، وأهمته نفسه، ثم سأله بالصحبة إلّا حدّثه كيف عمل، فأخبره فازداد له خوفا، ثم مضيا في غزاتهما، وأصابا إبلا ومكث به أبو كبير ثلاث ليال يقول له كل ليلة:
اختر أيّ نصف الليلة شئت تحرس فيه وأنام، وتنام النصف الآخر وأحرس، فقال:
ذلك إليك اختر أيهما شئت، فكان أبو كبير ينام إلى نصف الليل ويحرسه تأبط شرا، فإذا نام تأبط شرا ينام أبو كبير أيضا لا يحرس شيئا، حتى استوفى الثلاث، فلما كان
(1) في أشعار الهذليين: (يقول: إذا أضجع لم يمس الأرض إلا منكبه وحرف ساقه لانه خميص البطن، فلا يصيب بطنه الارض). وفي شرح التبريزي: (والمعنى إنه اذا نام لا ينبسط على الارض ولا يتمكن منها بأعضائه كلها حتى لا يكاد يتشمر عند الانتباه بسرعة).
(2)
الحماسة 1/ 89. وانظر أشعار الهذليين 2/ 88.
في الليلة الرابعة ظن أبو كبير أن النعاس قد غلب على الغلام، فنام أوّل الليل إلى نصفه وحرسه تأبط شرا، فلما نام
الغلام ظن أنه قد استثقل نوما فأخذ حصاة فرمى بها، فقام الغلام كأنه كعب، فقال: ما هذه الوجبة؟ قال: لا أدري والله صوت سمعته في عرض الأبل، فقام يعسّ فلم ير شيئا، فعاد فنام، ففعل أبو كبير مثل ذلك ثانيا وثالثا فقام إليه تأبط شرا وقال له: يا هذا، قد رابني أمرك، والله لئن عدت أسمع شيئا من هذا إلا قتلتك، فقال أبو كبير: فبتّ والله أحرسه خوفا أن يتحرّك شيء من الأبل فيقتلني، فلما رجعا إلى حيهما قال أبو كبير: إن أم هذا لامرأة لا أقربها أبدا، فقال الأبيات.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل، والخطيب، وابن عساكر: بسند حسن عن عائشة، قالت: كنت قاعدة أغزل والنبي صلى الله عليه وسلم يخصف نعله، فجعل جبينه يعرق، وجعل عرقه يتولد نورا، فبهت، فقال: مالك بهت؟ قلت: جعل جبينك يعرق، وجعل عرقك يتولد نورا، ولو رآك أبو كبير الهذلي لعلم انك أحق بشعره حيث يقول:
ومبرّأ من كلّ غبّر حيضة
…
وفساد مرضعة وداء مغيل
وإذا نظرت إلى أسرّة وجهه
…
برقت بروق العارض المتهلّل
فائدة: مطلع هذه القصيدة أورده ناظمها في عدة قصائد مغيرا منه الرويّ فقط، فقال أول قصيدة رائية (1):
أزهير هل عن شيبة من مقصر
…
أم لا سبيل إلى الشّباب المدبر
فقد الشّباب أبوك إلّا ذكره
…
فاعجب لذلك ذكر دهر واهكر
(1) أشعار الهذليين 2/ 100 وانظر الشعراء 652 وقد اورد ابن قتيبة أبياتا من قصيدة الشاهد ص 653 - 654.
الهكر: أشد العجب.
وقال أول أخرى فائية (1):
أزهير هل عن شيبة من مصرف
…
أم لا خلود لباذل متكلّف
وقال أخرى ميممة (2):
أزهير هل عن شيبة من معكم
…
أم لا خلود لباذل متكرّم
معكم: مرجع. وهذا يسمى في علم البديع التفصيل، بصاد مهملة (3).
* * *
(1) اشعار الهذليين 2/ 104
(2)
اشعار الهذليين 2/ 111
(3)
في أشعار الهذليين: (قال أبو سعيد: قوله: معكم، أي مرجع.
يقال: مضى فما عكم أي ما رجع. والباذل: الذي يبذل ماله.
يقول: (ماله خلود). وعبارة اللسان نقلا عن الجوهري: (معكم:
معدل ومصرف).