الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الجاحظ في كتابه البيان (1): من الجمقى كثير عزة، ومن حمقه أنه دخل على عبد العزيز بن مروان فمدحه بمديح استجاده فقال له: سلني حوائجك؟ قال:
تجعلني في مكان ابن رمانة (2)! قال: ويحك، ذلك رجل كاتب وأنت شاعر! فلما خرج ولم ينل شيئا قال:
عجبت لتركي خطّة الرّشد بعد ما (3)
…
تبيّن من عبد العزيز قبولها
لئن عاد لي البيت. وبين البيتين قوله:
وأم صعبات الأمور أروضها
…
وقد أمكنتني يوم ذاك ذلولها
حلفت بربّ الراقصات إلى منى
…
يغول البلاد نصّها وذميلها (4)
لئن عاد لي البيت:
فهل أنت إن راجعتك القول مرّة
…
بأحسن منها عائد فمنيلها
خطة الرشد، بضم الخاء المعجمة، خصلة الهداية. ولا أقيلها: من الاقالة، أي لا أتركها. والأمّ، بفتح الهمزة، القصد. وأروضها: أذللها. والذلول:
المنقاد السهل. والراقصات: الابل، لأنها ترقص براكبها. ويغول البلاد، بغين معجمة، يقطعها ويجوبها. والنص والذميل، بالذال المعجمة، ضربان من سير الابل. ومنيلها: معطيها، اسم فاعل من النوال وهو العطاء.
فائدة: [كثير]
كثير بضم الكاف وفتح المثلثة والتحتية المشدّدة، ابن عبد الرحمن بن الأسود
(1) 2/ 189.
(2)
في البيان: (ابن زمانه) بالزاي المنقوطة.
(3)
رواية البيان:
(عجبت لاخذي خطة الغي
…
) وانظر حاشية الامير ص 19، وفيه:(بدا لي من عبد العزيز ..)
(4)
في حاشية الأمير: (يغول الفيافي).
ابن عامر بن عويمر بن مخلد بن سبيع بن جعشمة بن سعد بن مليح، بضم الميم، ابن عمرو ابن عامر بن لحى بن قمعة بن الياس بن مضر، أبو صخر الخزاعي الحجازى، أحد الشعراء المشهورين يعرف بابن أبي جمعة، وهو جدّه أبو أمه.
وفد على عبد الملك بن مروان، وعمر بن عبد العزيز. روى عنه حماد الرواية.
وكان رافضيا. قال الزبير بن بكار: قال عمر بن عبد العزيز: إني لأعرف صالح بني هاشم وفاسدهم بحب كثير، من أحبه منهم فهو فاسد، ومن أبغضه منهم فهو صالح، لأنه كان خشبيا يرى الرجعة. قال الزبير: وكان يقول بتناسخ الأرواح.
وقال يونس النحوي: كان ابن أبي إسحق يقول: كثير أشعر أهل الاسلام، وكانت له منزلة عند قريش وقدر. وقال طلحة بن عبد الله بن عوف: لقي الفرزدق كثيرا وأنا معه، فقال: أنت يا أبا صخر أنسب العرب حيث تقول (1):
أريد لأنسى ذكرها فكأنّما
…
تمثّل لي ليلى بكلّ سبيل
فقال له كثير: وأنت يا أبا فراس أفخر العرب حيث تقول (2):
ترى النّاس ما سرنا يسيرون خلفنا
…
وإن نحن أومأنا إلى النّاس وقّفوا
قال: وهذان البيتان لجميل، سرق أحدهما كثير والآخر الفرزدق (3) فقال له الفرزدق: يا أبا صخر، هل كانت أمك ترد البصرة؟ قال: لا، ولكن كان أبي يردها.
قال طلحة: فعجبت من كثير ومن جوابه، وما رأيت أحدا قط أحمق منه، رأيتني وقد دخلت عليه ومعي جماعة من قريش، وكان عليلا، فقلنا: كيف تجدك؟ قال بخير، سمعتم الناس يقولون شيئا! وكان يتشيع، فقلنا: نعم، يقولون إنك الدجال.
قال: والله لئن قلت ذاك إني لأجد ضعفا في عيني هذه منذ أيام. أخرجه ابن عساكر.
وقال الجمحي (4): كان لكثير في النسيب نصيب وافر، وجميل مقدّم عليه في
(1) الامالي 2/ 62 - 56 وطبقات ابن سلام 462، والموشح 147 والاغاني 4/ 58.
(2)
ديوانه 567.
(3)
انظر الاغاني 7/ 85 والموشح 109، وذيل اللآلي 56
(4)
الطبقات 461
النسيب، وله من فنون الشعر ما ليس لجميل. وكان جميل صادق الصبابة والعشق، وكان كثير يقول (1) ولم يكن عاشقا، وكان راوية جميل.
واخرج ابن عساكر من طريق الصولي، حدثنا محمد بن يزيد، حدّثنا ابن عائشة حدّثني أبي حدّثني رجل من بني عامر بن لؤي، ما رأيت بالحجاز أعلم منه، قال: حدّثني كثير أنه وقف على جماعة يفيضون فيه وفي جميل أيهما أصدق عشقا، ولم يكونوا يعرفونه بوجهه، ففضلوا جميلا في عشقه؛ قال: فقلت لهم: ظلمتم كثيرا، كيف يكون جميل أصدق عشقا من كثير، وإنما أتاه عن بثينة ما يكره فقال (2):
رمى الله في عيني بثينة بالقذى!
…
وفي الغرّ من أنيابها بالقوادح
وكثير أتاه عن عزة ما يكره فقال (3):
هنيئا مريئا غير داء مخامر
…
لعزّة من أعراضنا ما استحلّت
فما انصرفوا إلّا على تفضيلي.
وأخرج ابن عساكر عن العتبي قال (4): كان عبد الملك بن مروان يحب النظر الى
(1) في الطبقات: (يتقوّل).
(2)
الامالي 2/ 109 واللآلي 736، والموشح 199 ومصاع العشاق 61، والخزانة 2/ 379 و 3/ 94.
(3)
ديوانه 49، وزهر الآداب 354، والموشح 199.
(4)
الخبر في الأمالي 1/ 46 - 47 بلفظ: (.. دخل كثير على عبد الملك ابن مروان رحمه الله، فقال عبد الملك بن مروان: أأنت كثير عزة؟
قال: نعم، قال: أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، فقال: يا أمير المؤمنين، كل عند محله رحب الفناء، شامخ البناء، عالي السناء، ثم أنشأ يقول:
ترى الرجل النحيف فتزدريه
…
وفي أثوابه أسد هصور
ويعجبك الطرير إذا تراه
…
فيخلف ظنك الرجل الطرير
بغاث الطير أطولها رقابا
…
ولم تطل البزاة ولا الصقور
خشاش الطير أكثرها فراخا
…
وأم الصقر مقلات نزور
ضعاف الأسد أكثرها زئيرا
…
وأصرمها اللواتي لا تزير
وقد عظم البعير بغير لب
…
فلم يستغن بالعظم البعير
ينوّخ ثم يضرب بالهراوي
…
فلا عرف لديه ولا نكير
يقوّده الصبي بكل أرض
…
وينحره على الدّرب الصغير
فما عظم الرجال لهم بزين
…
ولكن زينهم كرم وخير
فقال عبد الملك: لله دره، ما أفصح لسانه، وأضبط جنانه، وأطول عنانه! والله إني لأظنه كما وصف نفسه.
كثير عزة، فلما ورد عليه إذ هو حقير قصير تزدريه العين، فقال عبد الملك:
تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه. فقال: مهلا يا أمير المؤمنين، فإنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه، إن نطق ببيان، وإن قاتل قاتل بجنان، وأنا الذي أقول (1):
وجرّبت الأمور وجرّبتني
…
وقد أبدت عريكتي الأمور
وما تخفي الرّجال عليّ إنّي
…
بهم لأخو مثاقبة خبير
ترى الرّجل النّحيف فتزدريه
…
وفي أثوابه أسد نزير (2)
ويعجبك الطّرير فتبتليه
…
فيخلف ظنّك الرّجل الطّرير
وما عظم الرّجال لها بزين
…
ولكن زينها كرم وخير (3)
بغاث الطّير أطولها جسوما
…
ولم تطل البزاة ولا الصّقور (4)
وقد عظم البعير بغير لبّ
…
فلم يستغن بالعظم البعير
فيركب ثمّ يضرب الهراوي
…
فلا عرف لديه ولا نكير
يجرّره الصّبيّ بكلّ سهب
…
ويحبسه على الخسف الجرير
(1) وردت هذه القصيدة في الامالي 1/ 47، وحماسة أبي تمام بشرح التبريزي 3/ 152 باختلاف الألفاظ، كما اختلف في اسم قائله، وقال البكري في سمط اللآلي 190:(اختلف العلماء في عزو هذا الشعر فأنشده أبو تمام لعباس بن مرداس السلمي، ونسبه ابن الاعرابي والرياشي الى معود الحكماء. وقال عمرو بن أبي عمرو النوقاني: وقد نسب الى ربيعة الرقي، والصحيح من هذا والله أعلم أنه لمعود الحكماء). وعند الحصري لكثير.
(2)
في الامالي، واللآلي 190 (أسد هصور) وفي الحماسة:(مزير)، أي العاقل الحازم، ويروى:(مرير) أي قوي القلب شديده.
(3)
في الحماسة برواية:
فما عظم الرجال لهم بفخر
…
ولكن فخرهم كرم وخير
(4)
رواية البيت كما في الموشح واللسان والحماسة:
بغاث الطير أكثرها فراخا
…
وأم صقر مقلات نزور
وعود النّبع نبت مستمر
…
وليس يطول والقصباء خور
فاعتذر اليه عبد الملك ورفع مجلسه. الطرير ذو الرواء والمنظر (1). الهراوي:
العصا. والجرير: الحبل. والنبع: من كريم الشجر تتخذ منه القسيّ. والقصباء:
القصب. والخور بضم الخاء المعجمة، جمع خوار وخوارة من الخور، وهو الضعف.
وقيل لكثير: ما بقي من شعرك؟ قال: ماتت عزة فما أطرب، وذهب الشباب فما أعجب، ومات ابن ليلى فما أرغب، وإنما الشعر بهذه الخلال. أخرجه ابن عساكر وقال: ابن ليلى، عبد العزيز بن مروان. قال الدارقطني وغيره: مات كثير وعكرمة مولى ابن عباس في يوم واحد، فقال الناس: مات اليوم أفقه الناس وأشعر الناس، وذلك سنة خمس ومائة.
17 -
وأنشد (2):
لو كنت من مازن لم تستبح إبلي
…
بنو اللّقيطة من ذهل بن شيبانا
إذن لقام بنصري معشر خشن
…
عند الحفيظة إن ذو لوثة لانا
هما لرجل من بلعنبر، اسمه قريط، بضم القاف وفتح الراء آخره طاء مهملة، هكذا ذكره البياري في شرحه (3) يعير قومه بتخاذلهم عن نصره، وقد أغارت عليه بنو شيبان واستاقت إبله. وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: أغار ناس من بني شيبان على رجل من بلعنبر يقال له قريط بن أنيف، فأخذوا له ثلاثين بعيرا فاستنجد قومه فلم ينجدوه، فأتى مازن تميم فركب معه نفر فاطردوا لبني شيبان مائة بعير ودفعوها إليه، فقال الأبيات وبعدها:
قوم إذا الشّرّ أبدى ناجذيه لهم
…
طاروا إليه زرافات ووحدانا
(1) الطرير: الشاب الناعم ذو الكدنة.
(2)
الخزانة 3/ 332 و 3/ 569، والحماسة بشرح التبريزي 1/ 8 - 18.
(3)
هو قريط بن انيف من شعراء بلعنبر كما في الحماسة. وانظر المبهج لابن جنى ص 14 وحاشية الامير ص 20.
لا يسألون أخاهم حين يندبهم
…
في النّائبات على ما قال برهانا
لكنّ قومي وإن كانوا ذوي عدد
…
ليسوا من الشّرّ في شيء وإن هانا
يجزون من ظلم أهل الظّلم مغفرة
…
ومن إساءة أهل السّوء إحسانا
كأنّ ربّك لم يخلق لخشيته
…
سواهم من جميع النّاس إنسانا
فليت لي بهم قوما إذا ركبوا
…
شنّوا الإغارة فرسانا وركبانا (1)
مازن: بطن من تميم (2)، وخصهم بالذكر لأنه أبلغ فيما أراد من إغاظة قومه بني العنبر حيث تثاقلوا عن نصرته واستنقاذ ماله، إذ هم أقرب نسبا لهم وجوارا من أجل أن الحسد والبغضاء أسرع إلى الأقرباء منه الى البعداء، وكذلك الجيران. واستباح الشيء: وجده، أو جعله مباحا واستأصله، وكل ذلك صحيح هنا. وقال التبريزي في شرح الحماسة (3): الاستباحة، قيل هي «في معنى» (4) الاباحة، وقيل: الاباحة التخلية بين الشيء وبين طالبه. والاستباحة: إتخاذ الشيء مباحا. والأصل في الاجابة: إظهار الشيء للناظر ليتناوله من شاء، من باح بسرّه. وبنو اللقيطة: نسبهم الى أمهم ذما، أراد إنها نبذت فلقطت، فليس لها أصل يعرف. واللام في (لقام) جواب قسم مضمر: أي اذن والله لقام. قال التبريزي (5): وفائدة اذن هو أنه أخرج البيت الثاني مخرج جواب قائل قال له: ولو استباحوا ماذا كان يفعل بنو مازن؟ وعلى قول سيبويه: إن إذن جواب وجزاء. يكون البيت جوابا لهذا السائل، وجزاء على فعل المستبيح. ويقال: قام بالأمر: إذا تكفل به. وخشن: جمع أخشن. وقال البياري: جمع خشن. والحفيظة: الغضب في الشيء الذي يجب عليك حفظه.
(1) في الحماسة: (شدوا الإغارة).
(2)
الموازن في العرب أربعة: مازن قيس، ومازن اليمن، ومازن ربيعة، ومازن تميم، والمراد في البيت مازن تميم.
(3)
الحماسة 1/ 11.
(4)
مزيدة عن التبريزي.
(5)
الحماسة 1/ 12.
واللوثة بالضم: الضعف، وبالفتح الشدة. فان حمل على الأوّل: فمعنى البيت أنهم يشتدون إذا لان الضعيف، وفيه تعريض بقومه. أو على الثاني: فالمعنى المبالغة، أي يشتدّون إذا لان القوي. وأشار البياري إلى أن المعروف من الرواية الضم، فإن رواية الفتح لم تصح. والناجذ: أقصى الاضراس، كنى بابدائه عن كشف الحال ورفع المجاملة،
واستعمال الناجذ للشرّ استعارة. وطاروا: أسرعوا إلى دفعه ولم يتثاقلوا تثاقل بني العنبر. والزرافات: الجماعات، واحدها زرافة، بالفتح.
ووحدانا: جمع واحد، كصاحب وصحبان. ويندبهم: يدعوهم. والبرهان: فعلان من البره، وهو القطع. وقيل فعلال، وقوله يجزون
…
البيتين. استشهد بهما أهل البديع على النوع المسمى إخراج الذم في صورة المدح. وسواهم استثناء مقدم، ولو أخر جاز إعرابه بدلا وصفة. وقوله:(فليت لي بهم) أي بدلهم، استشهد به المصنف في حرف الباء على ورودها للبدلية بمعنى بدل. وشنوا: من شنّ إذا فرق لأنهم يفرقون الاغارة عليهم من جميع جهاتهم. ويروى شدّوا. والاغارة: مصدر أغار على العدّو، والاسم غارة. وفرسانا: جمع فارس. وركبانا: جمع راكب، وهو راكب الابل، وهما حالان. واستشهد بقوله: شنوا الاغارة على نصب المفعول له وهو معرّف باللام.
18 -
وأنشد:
لا تتركنّي فيهم شطيرا
…
إنّي إذن أهلك أو أطيرا (1)
هو رجز لا يعرف قائله، والشطير: البعيد، وقيل الغريب. ونصبه على الحال.
وأهلك: بكسر اللام مضارع هلك بفتحها.
(1) الخزانة 3/ 574.