الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أليس يضير العين أن يكثر البكا
…
ويمنع منها نومها وسرورها
لكلّ لقاء نلتقيه بشاشة
…
وإن كان حولا كلّ يوم نزورها
ومنها:
حمامة بطن الواديين ترنّمي
…
سقاك من الغرّ الغوادي مطيرها
وكنت إذا ما زرت ليلى تبرقعت
…
فقد رابني منها الغداة سفورها
ليلى هي: الأخيلية. وشطت الدار: بعدت. والنوى: الوجه الذي ينويه المسافر، قرب أو بعد، وهي مؤنثة لا غير. ويقال:(استمرّ مريره) أي استحكم أمره. والباء في (بأني) زائدة. وتاء تقي بدل بدل من الواو، كما في تراث واو بمعنى الواو، أي وعليها، وهو محل الاستشهاد. وشف الجسم: نحل. وشفه الهمّ: هزله.
أخرج في الأغاني عن أنيس بن عمرو العامري (1) قال: كان توبة يتعشّق ليلى الأخيلية ويقول فيها الشعر، فخطبها الى أبيها فأبى وزوّجها غيره، فجاء يوما كما كان يجيء لزيارتها فإذا هي سافرة ولم ير منها بشاشة، فانصرف وقال هذه القصيدة.
فائدة: [توبة بن الحميّر]
توبة بن الحميّر بن سفيان بن كعب بن خفاجة بن عمرو بن عقيل بن كعب بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة، يكنى أبا حرب، فارس شاعر إسلامي، وهو صاحب ليلى الأخيلية. وفي الشعراء آخر يقال له توبة بن مضرس تميمي، ذكره
الآمدي.
(1) الأغاني 11/ 204
86 -
وأنشد (1):
جاء الخلافة أو كانت له قدرا
…
كما أتى ربّه موسى على قدر
هو لجرير يمدح عمر بن عبد العزيز. أخرج المعافى بن زكرياء وابن عساكر في تاريخه، بسند متصل عن عوانة بن الحكم قال: لما استخلف عمر بن عبد العزيز وفد الشعراء إليه وأقاموا ببابه أياما لا يؤذن لهم، فبينما هم كذلك، وقد أزمعوا على الرحيل، إذ مرّ بهم عديّ بن ارطاة، فقال له جرير:
يا أيّها الرّجل المرخي عمامته
…
هذا زمانك إنّي قد مضى زمني
أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه
…
أنّي لدى الباب كالمصفود في قرن
لا تنس حاجتنا لقيت مغفرة
…
قد طال مكثي عن أهلي وعن وطني
فدخل عديّ على عمر فقال: يا أمير المؤمنين، الشعراء ببابك، وسهامهم مسمومة، وأقوالهم نافذة. قال: ويحك يا عديّ، مالي وللشعراء! قال: أعز الله أمير المؤمنين، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد امتدح وأعطى، ولك في رسول الله صلى الله عليه وسلم إسوة. قال: كيف؟ قال: امتدحه العباس بن مرداس فأعطاه حلة قطع بها لسانه. قال: من بالباب منهم؟ قال: عمر بن أبي ربيعة، والفرزدق، والأخطل، والأحوص، وجميل. قال: أليس هذا القائل كذا، وهذا القائل كذا، ذكر لكل واحد منهم أبياتا تشعر برقة الدين، والله لا يدخل عليّ أحد منهم، فهل سوى من ذكرت؟ قال: نعم، جرير. قال أما أنه الذي يقول (2):
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا
…
حين الزّيارة فارجعي بسلام
فإن كان لا بد، فهو. فأذن لجرير فدخل وهو يقول:
(1) ديوانه 275، وابن عقيل 2/ 70.
(2)
ديوانه 551، والشعراء 149، والوساطة 204، والعمدة 2/ 120 (وقت الزيارة) والعقد الفريد 5/ 346 والاغاني 8/ 37 (الثقافة).
إنّ الّذي بعث النّبيّ محمّدا
…
جعل الخلافة للإمام العادل
وسع الخلائق عدله ووفاؤه
…
حتّى ارعوى وأقام ميل المائل
إنّي لأرجو منك خيرا عاجلا
…
والنّفس مولعة بحبّ العاجل
والله أنزل في الكتاب فريضة
…
لابن السّبيل وللفقير العائل
فلما مثل بين يديه قال: ويحك يا جرير، إتق الله ولا تقل إلا حقا، فأنشأ جرير يقول:
أأذكر الجهد والبلوى الّتي نزلت
…
أم قد كفى ما بلّغت من خبري
كم باليمامة من شعثاء أرملة
…
ومن يتيم ضعيف الصّوت والنّظر
يدعوك دعوة ملهوف كأنّ به
…
خبلا من الجنّ أو مسّا من البشر
خليفة الله ماذا تأمرون بنا
…
لسنا إليكم ولا في دار منتظر
ما زلت بعدك في همّ يؤرّقني
…
قد طال في الحيّ إصعادي ومنحدري
لا ينفع الحاضر المجهود بادينا
…
ولا يعود لنا باد على حضر
إنّا لنرجو إذا ما الغيث أخلفنا
…
من الخليفة ما نرجو من المطر
نال الخلافة إذ كانت له قدرا
…
كما أتى ربّه موسى على قدر
هذي الأرامل قد قضّيت حاجتها
…
فمن لحاجة هذا الأرمل الذّكر
الخير ما دمت حيّا لا يفارقنا
…
بوركت يا عمر الخيرات من عمر
فقال: يا جرير، ما أرى لك فيما ههنا حقا. قال: بلى يا أمير المؤمنين، أنا ابن
سبيل ومنقطع بي. فأعطاه من صلب ماله مائة درهم. وقال: ويحك يا جرير، لقد ولينا هذا الأمر وما نملك إلا ثلاثمائة درهم، فمائة أخذها عبد الله، ومائة أخذتها أم عبد الله، يا غلام، أعطه المائة الباقية. فأخذها وقال: والله لهي أحب ما اكتسبت اليّ. ثم خرج فقال له الشعراء: ما وراءك؟ قال: ما يسؤكم، خرجت من عند أمير المؤمنين وهو يعطي الفقراء ويمنع الشعراء، وإني عنه لراض. وأنشأ يقول:
رأيت رقى الشّيطان لا يستفزّه
…
وقد كان شيطاني من الجنّ راقيا
قوله: نال الخلافة، كذا وقع في هذه الرواية، وكذا أورد جماعة من النحاة، ورواه طائفة بلفظ جاء الخلافة. وقوله: إذ كانت، كذا في هذه الرواية، وكذا رواه جماعة منهم ولا شاهد فيه. وإذ فيه بمعنى، أو للتعليل. ورواه جماعة بلفظ:
أو على انها بمعنى الواو والكاف للتشبيه. وما: مصدرية ومحلها نصب صفة لمصدر محذوف، وربه مفعول أتى، وضميره راجع الى موسى، وان كان مؤخرا في اللفظ، لأنه مقدم في الرتبة إذ هو فاعل. وقد استشهد به المصنف في التوضيح لذلك.
87 -
وأنشد:
وكان سيّان أن لا يسرحوا نعما
…
أو يسرحوه بها واغبرّت السّوح (1)
هذا من قصيدة لابي ذؤيب، أوّلها (2):
نام الخليّ وبتّ اللّيل مشتجرا
…
كأنّ عيني فيها الصّاب مذبوح
قال ابن يسعون: ووهم من نسبه للنبيت، رجل من النمر بن قاسط. قال ابن يسعون: قوله: سيان: مثلان. ويسرحوا: يرسلوا للمرعى نهارا، ولا تستعمل في الليل. النعم: الأبل وسائر الماشية، ويقال: ماله سارح ولا رائح. والرائح:
الراجع من المرعى. وقوله: (بها) يعني في السنة المجدبة التي دلت الحال عليها.
(1) الخزانة 2/ 342 وقال إن البيت ملفق من بيتين، وانظر اللسان (سرح).
(2)
ديوان الهذليين 1/ 104.
ويحتمل أن يريد التي وصفها بالجدب. والباء: بمعنى في. وأغبرت البقعة:
اسودّت في عين من يراها، أو أكثر فيها الغبار لعدم الأمطار. ويروى بدله (وابيضت).
والسوح: جمع ساحة، وهي فضاء يكون بين دور الحيّ. والواو: في (واغبرت) للحال. قال ابن يسعون: وقد كان ينبغي أن ينصب سيان، لأن المعرفة أولى بأن تكون اسم كان. قال: وكأنه كره اجتماع ثلاث ياآت فعدل إلى الألف، كما قالوا:
طائي، أو على لغة بالحرث، أو قدر في مكان ضمير الشأن للمبتدأ، وهو ورفعه على الخبر لأن لا يسرحوا واو بمعنى الواو وفيه الشاهد. وقد ذكرت سرّ ذلك في الحاشية قال: ويروى:
وقال رائدهم سيّان سيركم
…
وأن تقيموا به واغبرّت السّوح
ولا شاهد فيه على ذلك (1). قلت: كذا هو في أشعار هذيل وبعده:
وكان مثلين أن لا يسرحوا نعما
…
حيث استرادت مواشيهم وتسريح
فكأنه اختلط صدر البيت الثاني وعجز الأوّل، فروى على التركيب وهما. ثم رأيت صاحب المصباح في شرح أبيات الايضاح قال مثل ذلك، وزاد أن أبا حنيفة أورده كما في ديوان أشعار هذيل.
88 -
وأنشد:
إنّ بها أكتل أو رزاما
…
خوير بين ينقفان الهاما
قال ابن الشجري في أماليه: احتجوا على ورود أو بمعنى الواو يقول الأسدي:
خلّ الطّريق واجتنب أرماما
…
إنّ بها أكتل أو رزاما
خوير بين ينقفان الهاما
…
لم يدعا لسارح مقاما (2)
(1) في اشعار الهذليين 1/ 107 (وقال ماشيهم).
(2)
ويروى: (لم يتركا لمسلم طعاما). وإرمام: موضع في ديار طيء، ويقال واد لبني أسد، وانظر البكري 141.
قالوا: أراد أكتل ورزاما، وهما لصان كانا يقطعان الطريق بأرمام، فلذلك قال:
(خويربين) ولو كانت أو على بابها لقال (خويربا) وهو تصغير خارب، والخارب: لص الأبل. وأبطل البصريون ذلك بقول الخليل انه نصب على الذم، كقوله: حمّالة الحطب. انتهى. وقال غيره: اكتل بمثناة فوقية، ورزام بكسر الراء ثم زاي. والنقف: كسر الهامة عن الدماغ. والهام: الرؤس، بتخفيف الميم، واحدها هامة. وقال المبرد في الكامل (1): نصب (خويربين) على (أعني)(لا يكون غير ذلك)(2) لأنه إنما أثبت أحدهما بقوله (أو) قال: وقوله ينقفان الهام، مثل يضرب في المبالغة في الشر. انهما يكاد ان يكسرانه.
89 -
وأنشد:
قالت: ألا ليتما هذا الحمام لنا
…
إلى حمامتنا أو نصفه فقد
فحسّبوه، فألفوه كما ذكرت
…
تسعا وتسعين لم تنقص ولم تزد
هذان من قصيدة للنابغة، وقد تقدّم شرحهما في شواهد إن (3).
وأخرج الطستيّ في مسائله بسنده عن ابن عباس: أن نافع الأزرق سأله عن قوله تعالى: (ما أَلْفَيْنا) قال يعني: وجدنا. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال:
نعم أما سمعت قول نابغة بني ذبيان:
فحسّبوه فألفوه كما زعمت
…
تسعا وتسعين لم تنقص ولم تزد
90 -
وأنشد (4):
قوم إذا سمعوا الصّريخ رأيتهم
…
ما بين ملجم مهره أو سافع
(1) الكامل 755، وفيه: (إيت الطريق
…
).
(2)
مزيده من الكامل.
(3)
انظر ص 75 و 77 والخزانة 4/ 297.
(4)
ديوانه 111 (من بين ملجم). وسيرة ابن هشام، وشواهد العيني 4/ 146.