الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَدَثٌ بِغَيْرِ مَاءٍ طَهُورٍ مُبَاحٍ (وَزَوَالُ خَبَثٍ) أَيْ نَجَسٍ حُكْمِيٍّ (بِهِ) أَيْ بِالْمَاءِ الطَّهُورِ.
(وَلَوْ لَمْ يُبَحْ) فَتَزُولُ النَّجَاسَةُ بِنَحْوِ مَغْصُوبٍ، لِأَنَّ إزَالَتَهَا مِنْ قِسْمِ التُّرُوكِ، بِخِلَافِ رَفْعِ الْحَدَثِ، وَتَزُولُ النَّجَاسَةُ بِالْمَاءِ وَحْدَهُ إنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ نَحْوِ كَلْبٍ (أَوْ) بِمَاءٍ طَهُورٍ (مَعَ تُرَابٍ طَهُورٍ أَوْ نَحْوِهِ) كَصَابُونٍ وَأُشْنَانٍ إنْ كَانَتْ مِنْهُ، فَلَا يَكْفِي فِيهَا الْمَاءُ وَحْدَهُ (أَوْ) زَوَالُ خَبَثٍ (بِنَفْسِهِ) أَيْ بِغَيْرِ شَيْءٍ يُفْعَلُ بِهِ، كَخَمْرَةٍ انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا خَلًّا، وَمَاءٍ كَثِيرٍ مُتَغَيِّرٍ بِنَجَاسَةٍ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ، فَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ (أَوْ ارْتِفَاعِ حُكْمِهِمَا) أَيْ الْحَدَثِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَالْخَبَثِ (بِمَا يَقُومُ مَقَامَهُ) أَيْ الْمَاءُ كَالتَّيَمُّمِ وَالِاسْتِجْمَارِ - وَهَذَا الْحَدُّ لِصَاحِبِ التَّنْقِيحِ، وَسَبَقَهُ إلَى قَرِيبٍ مِنْهُ الْمُوَفَّقُ، وَاعْتَرَضَهُ الْحَجَّاوِيُّ، كَمَا أَوْضَحْتُهُ فِي الْحَاشِيَةِ.
[بَابُ بَيَانِ أَنْوَاعِ الْمِيَاهِ وَأَحْكَامِهَا وَمَا يَتْبَعُهَا]
وَبَابُ الشَّيْءِ مَا تُوُصِّلَ إلَيْهِ مِنْهُ فَبَابُ الْمِيَاهِ مَا تُوُصِّلَ مِنْهُ إلَى الْوُقُوفِ عَلَى مَسَائِلِهَا (الْمِيَاهُ) جَمْعُ مَاءٍ بِاعْتِبَارِ مَا يَتَنَوَّعُ إلَيْهِ شَرْعًا (ثَلَاثَةٌ) بِالِاسْتِقْرَاءِ (طَهُورٌ) وَهُوَ أَشْرَفُهَا.
قَالَ ثَعْلَبُ: طَهُورٌ بِفَتْحِ الطَّاءِ: الطَّاهِرُ فِي ذَاتِهِ الْمُطَهِّرُ لِغَيْرِهِ انْتَهَى، فَهُوَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُتَعَدِّيَةِ، قَالَ تَعَالَى:{وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] وَقَالَ صلى الله عليه وسلم عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بِمَعْنَى الْمُطَهِّرِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ جَوَابًا لِلْقَوْمِ حِينَ سَأَلُوهُ عَنْ الْوُضُوءِ بِهِ، إذْ لَيْسَ كُلُّ طَاهِرٍ مُطَهِّرًا، وَلَا يُنَافِيه: خُلِقَ الْمَاءُ طَهُورًا لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ.
فَقَدْ جَمَعَ الْوَصْفَيْنِ كَوْنُهُ نَزِهًا لَا يَتَنَجَّسُ بِغَيْرِهِ وَأَنَّهُ يُطَهِّرُ غَيْرَهُ (يَرْفَعُ الْحَدَثَ) أَيْ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ غَيْرُهُ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ (وَهُوَ) أَيْ الْحَدَثُ (مَا) أَيْ مَعْنَى يَقُومُ بِالْبَدَنِ (أَوْجَبَ وُضُوءًا) أَيْ جَعَلَهُ الشَّرْعُ سَبَبًا لِوُجُوبِهِ، وَيُوصَفُ بِالْأَصْغَرِ (أَوْ) أَوْجَبَ غُسْلًا، وَيُوصَفُ بِالْأَكْبَرِ وَلَيْسَ نَجَاسَةً. فَلَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِحَمْلِ مُحْدِثٍ، وَالْمُحْدِثُ مَنْ لَزِمَهُ لِنَحْوِ صَلَاةٍ وُضُوءٌ، أَوْ غُسْلٌ أَوْ تَيَمُّمٌ.
فَالطَّاهِرُ ضِدُّ الْمُحْدِثِ وَالنَّجِسِ، وَالْمُحْدِثُ لَيْسَ نَجِسًا وَلَا طَاهِرًا (إلَّا حَدَثَ رَجُلٍ) إلَّا امْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ.
(وَ) إلَّا حَدَثَ (خُنْثَى) مُشْكِلٍ بَالِغٍ احْتِيَاطِيًّا فَلَا يَرْتَفِعُ (ب) مَاءٍ (قَلِيلٍ) لَا يَبْلُغُ قُلَّتَيْنِ (خَلَتْ بِهِ امْرَأَةٌ) مُكَلَّفَةٌ (وَلَوْ كَانَتْ)(كَافِرَةً) ; لِأَنَّهَا أَدْنَى مِنْ الْمُسْلِمَةِ وَأَبْعَدُ مِنْ
الطَّهَارَةِ وَلِعُمُومِ الْخَبَرِ الْآتِي (لِطَهَارَةٍ كَامِلَةٍ) لَا بَعْضِهَا (عَنْ حَدَثٍ) بِحَيْثُ تَكُونُ خَلْوَتُهَا بِاسْتِعْمَالٍ (كَخَلْوَةِ نِكَاحٍ) فَلَا أَثَرَ إذَا شَاهَدَهَا مُمَيِّزٌ أَوْ كَافِرٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ قِنٌّ (تَعَبُّدًا) أَيْ قُلْنَا ذَلِكَ تَعَبُّدًا، لِأَمْرِ الشَّارِعِ بِهِ، وَعَدَمِ عَقْلِ مَعْنَاهُ قَالَ الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو الْغِفَارِيُّ ( «نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ.» ) رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَنَّ النَّسَائِيّ وَابْنَ مَاجَهْ قَالَا:" وُضُوءِ الْمَرْأَةِ " وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ أَكْثَرُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُونَ ذَلِكَ، وَهُوَ لَا يَقْتَضِيه الْقِيَاسُ، فَيَكُونُ تَوْقِيفًا، وَمِمَّنْ كَرِهَهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَرْجِسَ، وَخُصِّصَ بِالْخَلْوَةِ لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ " تَوَضَّأْ أَنْتَ هَاهُنَا وَهِيَ هَاهُنَا فَإِذَا خَلَتْ بِهِ فَلَا تَقْرَبَنَّهُ " وَبِالْقَلِيلِ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْكَثِيرِ، فَهَذَا أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى النِّسَاءِ أَنْ يَتَطَهَّرْنَ مِنْ الْقَلِيلِ.
وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ: أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِخَلْوَتِهَا بِالتُّرَابِ، وَلَا بِالْمَاءِ لِإِزَالَةِ خَبَثٍ، أَوْ طُهْرٍ مُسْتَحَبٍّ، وَلَا لِخَلْوَةِ خُنْثَى مُشْكِلٍ، وَلَا لِغَيْرِ بَالِغَةٍ، وَلَا لِبَعْضِ طَهَارَةٍ (وَيُزِيلُ) الْمَاءُ الطَّهُورُ، عَطَفَ عَلَى يَرْفَعُ، أَيْ وَيُزِيلُ (الْخَبَثَ الطَّارِئَ) عَلَى مَحَلٍّ طَاهِرٍ قَبْلَهُ غَيَّرَهُ، لِمَا يَأْتِي فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ نَجَسَ الْعَيْنِ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ (وَهُوَ) أَيْ الْمَاءُ الطَّهُورُ الْمَاءُ (الْبَاقِي عَلَى خِلْقَتِهِ) أَيْ صِفَتِهِ، وَهِيَ الطَّهُورِيَّةُ، أَيْ هُوَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ الَّذِي لَمْ يُقَيَّدْ بِوَصْفٍ دُونَ آخَرَ، وَهُوَ مَاءُ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَنَبْعِ الْأَرْضِ مِنْ عَيْنٍ أَوْ بِئْرٍ، وَمَا نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَطَرٍ وَثَلْجٍ وَبَرَدٍ، عَذْبًا كَانَ أَوْ مَالِحًا بَارِدًا أَوْ حَارًّا.
(وَلَوْ تَصَاعَدَ) الْمَاءُ (ثُمَّ قَطَرَ كَبُخَارِ الْحَمَّامَاتِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ مَا يُزِيلُ طَهُورِيَّتَهُ (أَوْ اُسْتُهْلِكَ فِيهِ) أَيْ الطَّهُورِ مَاءٌ (يَسِيرٌ مُسْتَعْمَلٌ، أَوْ) اُسْتُهْلِكَ فِيهِ (مَائِعٌ طَاهِرٌ) كَلَبَنٍ (وَلَوْ) كَانَ اسْتِهْلَاكُهُ فِيهِ (لِعَدَمِ كِفَايَةِ) الطَّهُورِ لِلطَّهَارَةِ قَبْلَهُ (وَلَمْ يُغَيِّرْهُ) مَا اُسْتُهْلِكَ فِيهِ إنْ كَانَ مُخَالِفًا لَهُ فِي الصِّفَةِ أَوْ الْفَرْضِ، فَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ وَتَصِحُّ الطَّهَارَةُ بِهِ.
وَالْخِلَافُ الْمُشَارُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ، لَا فِي سَلْبِ الطَّهُورِيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ قُنْدُسٍ، خِلَافًا لِلرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ، وَتَبِعَهُمْ فِي شَرْحِهِ، فَإِنْ غَيَّرَهُ سَلَبَ الطَّهُورِيَّةَ، وَيَأْتِي تَوْضِيحُهُ (أَوْ اُسْتُعْمِلَ) الطَّهُورُ (فِي طَهَارَةٍ لَمْ تَجِبْ) كَتَجْدِيدٍ وَغُسْلِ جُمُعَةٍ (أَوْ) اُسْتُعْمِلَ فِي (غُسْلِ كَافِرٍ) وَلَوْ ذِمِّيَّةٍ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ لِحِلِّ وَطْءٍ لِمُسْلِمٍ، فَلَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ حَدَثًا، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ النِّيَّةِ (أَوْ
غُسِلَ بِهِ) أَيْ الطَّهُورِ وَلَوْ يَسِيرًا (رَأْسٌ بَدَلًا عَنْ مَسْحٍ) فِي وُضُوءٍ فَلَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ لِعَدَمِ وُجُوبِ غَسْلِهِ فِي الْوُضُوءِ (وَالْمُتَغَيِّرُ بِمَحَلِّ تَطْهِيرٍ) عُطِفَ عَلَى الْبَاقِي عَلَى خِلْقَته، ذَكَرَهُ الْحَجَّاوِيُّ فِي حَاشِيَةِ التَّنْقِيحِ.
فَإِذَا كَانَ عَلَى الْعُضْوِ طَاهِرٌ، كَزَعْفَرَانٍ وَعَجِينٍ وَتَغَيَّرَ بِهِ الْمَاءُ وَقْتَ غَسْلِهِ لَمْ يَمْنَعْ حُصُولَ الطَّهَارَةِ بِهِ، لِأَنَّهُ فِي مَحَلِّ التَّطْهِيرِ كَتَغْيِيرِ الْمَاءِ الَّذِي تُزَالُ بِهِ النَّجَاسَةُ فِي مَحَلِّهَا.
(وَ) الْمُتَغَيِّرُ (بِمَا يَأْتِي) ذِكْرُهُ (فِيمَا كُرِهَ) مِنْ الْمَاءِ.
(وَ) فِي (مَا لَا يُكْرَهُ) مِنْهُ ثُمَّ بَيَّنَ الْمَكْرُوهَ بِقَوْلِهِ (وَكُرِهَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الطَّهُورِ (مَاءُ زَمْزَمَ فِي إزَالَةِ خَبَثٍ) تَعْظِيمًا لَهُ.
وَلَا يُكْرَهُ الْوُضُوءُ مِنْهُ وَلَا الْغُسْلُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَيَأْتِي فِي الْوَقْفِ: لَوْ سُبِّلَ مَاءٌ لِلشُّرْبِ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ، وَلَا يُكْرَهُ مَا جَرَى عَلَى الْكَعْبَةِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ.
(وَ) كُرِهَ مِنْهُ أَيْضًا (مَاءُ بِئْرٍ بِمَقْبَرَةٍ) بِتَثْلِيثِ الْبَاءِ مَعَ فَتْحِ الْمِيمِ، وَبِفَتْحِ الْبَاءِ مَعَ كَسْرِ الْمِيمِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي الْأَطْعِمَةِ: وَكَرِهَ أَحْمَدُ مَاءَ بِئْرٍ بَيْنَ الْقُبُورِ، وَشَوْكُهَا وَبَقْلُهَا، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: كَمَاءٍ سُمِّدَ بِنَجِسٍ وَالْجَلَّالَةِ انْتَهَى.
فَظَاهِرُهُ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ مَائِهَا فِي أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَطَهَارَةٍ وَغَيْرِهَا.
(وَ) كُرِهَ مِنْهُ أَيْضًا (مَا اشْتَدَّ حَرُّهُ وَاشْتَدَّ بَرْدُهُ) لِأَذَاهُ وَمَنْعِهِ كَمَالَ الطَّهَارَةِ.
(وَ) كُرِهَ مِنْهُ أَيْضًا (مُسَخَّنٌ بِنَجَاسَةٍ) مُطْلَقًا ظُنَّ وُصُولُهَا إلَيْهِ أَوْ اُحْتُمِلَ أَوْ لَا، حَصِينًا كَانَ الْحَائِلُ أَوْ غَيْرَ حَصِينٍ وَلَوْ بُرِّدَ.
وَيُكْرَهُ إيقَادُ النَّجَسِ وَإِنْ عُلِمَ وُصُولُ النَّجَاسَةِ إلَيْهِ، وَكَانَ يَسِيرًا فَنَجِسٌ (إنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ) فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ تَعَيَّنَ، وَكَذَا يُقَالُ فِي كُلِّ مَكْرُوهٍ، إذْ لَا يُتْرَكُ وَاجِبٌ لِشُبْهَةٍ (أَوْ) مُسَخَّنٌ (بِمَغْصُوبٍ) وَنَحْوِهِ، وَكَذَا مَاءُ بِئْرٍ فِي مَوْضِعِ غَصْبٍ، أَوْ حَفْرُهَا أَوْ أُجْرَتُهُ غَصْبٌ. فَيُكْرَهُ الْمَاءُ لِأَنَّهُ أَثَرٌ مُحَرَّمٌ.
(وَ) يُكْرَهُ أَيْضًا (مُتَغَيِّرٌ بِمَا لَا يُخَالِطُهُ) أَيْ الْمَاءَ (مِنْ عُودٍ قَمَارِيٍّ) بِفَتْحِ الْقَافِ، نِسْبَةً إلَى بَلْدَةِ قِمَارَ قَالَهُ فِي شَرْحِهِ.
وَقَالَ فِي الْمُطْلِعِ: بِكَسْرِ الْقَافِ، مَنْسُوبٌ إلَى قِمَارٍ مَوْضِعٍ بِبِلَادِ الْهِنْدِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ الْبَكْرِيِّ (أَوْ قِطَعِ كَافُورٍ أَوْ دُهْنٍ) كَزَيْتٍ وَسَمْنٍ لِأَنَّهُ لَا يُمَازِجُ الْمَاءَ، وَكَرَاهَتُهُ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَفِي مَعْنَاهُ مَا تَغَيَّرَ بِالْقَطِرَانِ وَالزِّفْتِ وَالشَّمْعِ، لِأَنَّ فِيهِ دُهْنِيَّةً يَتَغَيَّرُ بِهَا الْمَاءُ (أَوْ) أَيْ وَكُرِهَ أَيْضًا مُتَغَيِّرٌ (بِمُخَالِطٍ أَصْلُهُ الْمَاءُ) كَالْمِلْحِ الْمَائِيِّ، لِأَنَّهُ مُنْعَقِدٌ مِنْ الْمَاءِ، بِخِلَافِ الْمَعْدِنِيّ فَيَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ.
وَ (لَا) يُكْرَهُ مُتَغَيِّرٌ (بِمَا يَشُقُّ صَوْنُهُ) أَيْ الْمَاءَ (عَنْهُ، كَطُحْلُبٍ) بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِهَا، وَهُوَ خُضْرَةٌ تَعْلُو الْمَاءَ الْمُزْمِنَ، أَيْ الرَّاكِدَ بِسَبَبِ
الشَّمْسِ (وَوَرَقِ شَجَرٍ) سَقَطَ فِيهِ بِغَيْرِ فِعْلِ آدَمِيٍّ، لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، وَكَذَا مَا بُعِثَ فِي الْمَاءِ، وَالسَّمَكُ وَنَحْوُهُ، وَالْجَرَادُ وَنَحْوُهُ، وَمَا تُلْقِيهِ الرِّيَاحُ وَالسُّيُولُ، وَمَا تَغَيَّرَ عُمْرُهُ أَوْ مَقَرُّهُ. فَكُلُّهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ لِلْمَشَقَّةِ.
(وَ) كَذَا مَا تَغَيَّرَ بِطُولِ (مُكْثٍ) فِي أَرْضٍ وَآنِيَةٍ مِنْ أُدْمٍ أَوْ نُحَاسٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «تَوَضَّأَ مِنْ بِئْرٍ كَأَنَّ مَاءَهُ نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ» .
(وَ) لَا يُكْرَهُ أَيْضًا مُتَغَيِّرٌ ب (رِيحٍ) تَحْمِلُ الرَّائِحَةَ الْخَبِيثَةَ إلَى الطَّهُورِ، فَيَتَرَوَّحُ بِهَا لِلْمَشَقَّةِ (وَلَا) يُكْرَهُ (مَاءُ الْبَحْرِ) الْمِلْحُ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخَبَرِ.
(وَ) لَا مَاءُ (الْحَمَّامِ) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم دَخَلُوا الْحَمَّامَ وَرَخَّصُوا فِيهِ وَمَنْ نَقَلَ عَنْهُمْ الْكَرَاهَةَ عَلَّلَ بِخَوْفِ مُشَاهَدَةِ الْعَوْرَةِ، أَوْ قَصْدِ التَّنَعُّمِ بِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ، وَ (لَا) يُكْرَهُ (مُسَخَّنٌ بِشَمْسٍ) وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ لِلْكَرَاهَةِ مِنْ النَّهْيِ لَمْ يَصِحَّ. كَمَا أَوْضَحْته فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ (أَوْ) أَيْ وَلَا يُكْرَهُ مُسَخَّنٌ (بِطَاهِرٍ) إنْ لَمْ يَشْتَدَّ حَرُّهُ.
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عُمَرَ " أَنَّهُ كَانَ يُسَخَّنُ لَهُ مَاءٌ فِي قُمْقُمٍ فَيَغْتَسِلُ بِهِ " وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ بِالْحَمِيمِ "(وَلَا يُبَاحُ غَيْرُ بِئْرِ النَّاقَةِ مِنْ) آبَارِ دِيَارِ (ثَمُودَ) قَوْمُ صَالِحٍ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّاسَ نَزَلُوا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْحِجْرِ أَرْضَ ثَمُودَ، فَاسْتَقَوْا مِنْ آبَارِهَا وَعَجَنُوا بِهِ الْعَجِينَ، فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُهْرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا مِنْ آبَارِهَا، وَيَعْلِفُوا الْإِبِلَ الْعَجِينَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنْ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَظَاهِرُهُ مَنْعُ الطَّهَارَةِ بِهِ كَالْمَغْصُوبِ، وَبِئْرُ النَّاقَةِ هِيَ الْبِئْرُ الْكَبِيرَةُ الَّتِي يَرِدُهَا الْحُجَّاجُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَمْ نَجِدْهَا.
النَّوْعُ (الثَّانِي) مِنْ الْمِيَاهِ (طَاهِرٌ) غَيْرُ مُطَهِّرٍ (كَمَاءِ وَرْدٍ) وَكُلِّ مُسْتَخْرَجٍ بِعِلَاجٍ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَاءِ بِلَا قَيْدٍ، وَلَا يَلْزَمُ مَنْ وَكَّلَ فِي شِرَاءِ مَاءٍ قَبُولُهُ.
(وَ) ك (طَهُورٍ تَغَيَّرَ كَثِيرٌ مِنْ لَوْنِهِ أَوْ طَعْمِهِ أَوْ رِيحِهِ) بِمُخَالِطٍ طَاهِرٍ طُبِخَ فِيهِ، كَمَاءِ الْبَاقِلَاءِ وَالْحِمَّصِ، أَوْ لَا، كَزَعْفَرَانٍ سَقَطَ فِيهِ فَتَغَيَّرَ بِهِ كَذَلِكَ وَأَنَّهُ زَالَ إطْلَاقُ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ، وَزَالَ عَنْهُ أَيْضًا، مَعْنَى الْمَاءِ، فَلَا يُطْلَبُ بِشُرْبِهِ الْإِرْوَاءُ
وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَا تَغَيَّرَ جَمِيعُ أَوْصَافِهِ أَوْ كُلُّ صِفَةٍ مِنْهَا بِطَاهِرٍ أَوْ غَلَبَ عَلَيْهِ طَاهِرٌ بِالْأَوْلَى، وَأَنَّ يَسِيرَ صِفَةٍ لَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ، لِحَدِيثِ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «اغْتَسَلَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ مَيْمُونَةُ مِنْ قَصْعَةٍ فِيهَا أَثَرُ الْعَجِينِ» .
وَيَأْتِي حُكْمُ النَّبِيذِ فِي حَدِّ الْمُسْكِرِ (فِي غَيْرِ مَحَلِّ
التَّطْهِيرِ) فَإِنْ تَغَيَّرَ فِي مَحَلِّهِ لَمْ يُؤَثِّرْ، وَتَقَدَّمَ (وَلَوْ) كَانَ التَّغَيُّرُ (بِوَضْعِ) آدَمِيٍّ فِي الْمَاءِ (مَا يَشُقُّ صَوْنُهُ عَنْهُ) كَطُحْلُبٍ وَوَرَقِ شَجَرٍ وَضَعَهُ فِي الْمَاءِ قَصْدًا، فَيَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ إذَا تَغَيَّرَ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، كَسَائِرِ الطَّاهِرَاتِ الَّتِي لَا يَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهَا (أَوْ بِخَلْطِ) أَيْ اخْتِلَاطِ الْمَاءِ ب (مَا لَا يَشُقُّ) صَوْنُهُ عَنْهُ، كَحِبْرٍ، سَوَاءٌ كَانَ بِفِعْلِ آدَمِيٍّ أَوْ لَا.
وَإِنْ تَغَيَّرَ بَعْضُ الْمَاءِ دُونَ بَعْضٍ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ، وَمَتَى زَالَ تَغَيُّرُهُ عَادَتْ طَهُورِيَّتُهُ (غَيْرَ تُرَابٍ) طَهُورٍ، فَلَا يَسْلُبُ الْمَاءَ الطَّهُورِيَّةَ (وَلَوْ) وُضِعَ فِيهِ (قَصْدًا) لِأَنَّهُ أَحَدُ الطَّهُورَيْنِ.
(وَ) غَيْرُ (مَا مَرَّ) فِي قِسْمِ الطَّهُورِ، كَاَلَّذِي لَا يُخَالِطُ الْمَاءَ.
كَعُودٍ قَمَارِيٍّ، وَقِطَعِ كَافُورٍ، وَكَمِلْحٍ مَائِيٍّ سَوَاءٌ وُضِعَ قَصْدًا أَوْ لَا، وَمَا يَشُقُّ صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ.
(وَ) كَطَهُورٍ (قَلِيلٌ اُسْتُعْمِلَ فِي رَفْعِ حَدَثٍ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا يَغْتَسِلَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ» وَلِأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي عِبَادَةٍ عَلَى وَجْهِ الْإِتْلَافِ، فَلَمْ يُمْكِنْ اسْتِعْمَالُهُ فِيهَا ثَانِيًا، كَالرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ، " وَصَبَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى جَابِرٍ مِنْ وَضُوئِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، فَدَلَّ عَلَى طَهَارَتِهِ وَمِثْلُهُ مَاءٌ غُسِّلَ بِهِ مَيِّتٌ وَلَا فَرْقَ فِيمَا تَقَدَّمَ بَيْنَ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ.
وَلَا بَيْنَ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ الَّذِي تَصِحُّ طَهَارَتُهُ (وَلَوْ) كَانَ اسْتِعْمَالُهُ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ (بِغَمْسِ بَعْضِ عُضْوِ مَنْ عَلَيْهِ حَدَثٌ أَكْبَرُ) كَجَنَابَةٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ (بَعْدَ نِيَّةِ رَفْعِهِ) أَيْ الْحَدَثِ.
وَكَذَا لَوْ انْغَمَسَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ، ثُمَّ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ فِيهِ، فَيَتَسَالَبُ الطَّهُورِيَّةَ لِمَا تَقَدَّمَ، وَلَا يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ عَنْ ذَلِكَ الْمَغْمُوسِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: أَكْبَرُ: مَنْ عَلَيْهِ حَدَثٌ أَصْغَرُ فَلَا يَضُرُّ اغْتِرَافُ مُتَوَضِّئٍ وَلَوْ بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ، إنْ لَمْ يَنْوِ غَسْلَهَا فِيهِ لِمَشَقَّةِ تَكَرُّرِهِ.
(وَلَا يَصِيرُ) الْمَاءُ (مُسْتَعْمَلًا) فِي الطَّهَارَتَيْنِ (إلَّا بِانْفِصَالِهِ) عَنْ الْمَغْسُولِ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ، وَمَا دَامَ الْمَاءُ مُتَرَدِّدًا عَلَى الْعُضْوِ فَطَهُورٌ، كَالْكَثِيرِ، لَكِنْ يُكْرَهُ الْغُسْلُ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ، وَيَرْتَفِعُ حَدَثُهُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ (أَوْ) أَيْ وَكَقَلِيلِ طَهُورٍ اُسْتُعْمِلَ فِي (إزَالَةِ خَبَثٍ) طَارِئٍ عَلَى أَرْضٍ أَوْ غَيْرِهَا (وَانْفَصَلَ) فَإِنْ لَمْ يَنْفَصِلْ فَطَهُورٌ، وَإِنْ تَغَيَّرَ بِالنَّجَاسَةِ مَا دَامَ فِي مَحَلِّ التَّطْهِيرِ (غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ) فَإِنْ انْفَصَلَ مُتَغَيِّرٌ بِالنَّجَاسَةِ فَنَجِسٌ (مَعَ زَوَالِهِ) أَيْ الْخَبَثِ فَإِنْ انْفَصَلَ وَالْخَبَثُ بَاقٍ فَنَجِسٌ مُطْلَقًا مُتَغَيِّرٌ أَوْ غَيْرُ مُتَغَيِّرٍ (عَنْ مَحَلٍّ، طَهُرَ) أَيْ صَارَ طَاهِرًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَحِلُّ طَهُرَ، كَمَا قَبْلَ السَّابِعَةَ حَيْثُ اُعْتُبِرَ السَّبْعُ: فَنَجِسٌ مُطْلَقًا،
وَحَيْثُ وُجِدَتْ الْقُيُودُ الْمَذْكُورَةُ فَهُوَ طَاهِرٌ، لِأَنَّ الْمُنْفَصِلَ بَعْضُ الْمُتَّصِلِ.
وَالْمُتَّصِلُ طَاهِرٌ، فَكَذَلِكَ الْمُنْفَصِلُ (أَوْ) أَيْ وَكَطَهُورٍ قَلِيلٍ (غَسَلَ بِهِ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَيْهِ لِخُرُوجِ مَذْيٍ دُونَهُ) أَيْ الْمَذْيِ لِتَنَجُّسِهِ بِهِ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى غَسْلِ يَدَيْ الْقَائِمِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ (أَوْ) أَيْ وَكَطَهُورٍ قَلِيلٍ (غُمِسَ فِيهِ كُلُّ يَدِ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ قَائِمٍ مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ نَاقِضٌ لِوُضُوءٍ) لَوْ كَانَ (أَوْ حَصَلَ) الْمَاءُ الْقَلِيلُ (فِي كُلِّهَا) أَيْ الْيَدِ، بِأَنْ صَبَّ عَلَى جَمِيعِ يَدِهِ مِنْ الْكُوعِ إلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ (وَلَوْ بَاتَتْ) أَيْ الْيَدُ الْمَذْكُورَةُ (مَكْتُوفَةً أَوْ بِجِرَابٍ) بِكَسْرِ الْجِيمِ (وَنَحْوَهُ) كَكِيسِ صَفِيقٍ (قَبْلَ غَسْلِهَا) أَيْ الْيَدِ (ثَلَاثًا) فَلَا يَكْفِي غَسْلُهَا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ (نَوَاهُ) أَيْ الْغَسْلَ (بِذَلِكَ) الْغَمْسِ أَوْ الْحُصُولُ (أَوْ لَا) أَيْ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ.
لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الْإِنَاءِ ثَلَاثًا. فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَكَذَا الْبُخَارِيُّ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ ثَلَاثًا فَلَوْلَا أَنَّهُ يُفِيدُ مَعْنًى لَمْ يَنْهَ عَنْهُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِغَمْسِ بَعْضِ الْيَدِ وَلَا يَدِ كَافِرٍ، وَلَا غَيْرِ مُكَلَّفٍ، وَلَا غَيْرِ قَائِمٍ مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، كَنَوْمِ النَّهَارِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ الْمُكَلَّفِينَ هُمْ الْمُخَاطَبُونَ بِذَلِكَ، وَالْمَبِيتُ إنَّمَا يَكُونُ بِاللَّيْلِ وَالْخَبَرُ إنَّمَا وَرَدَ فِي كُلِّ الْيَدِ، وَهُوَ تَعَبُّدِيٌّ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ بَعْضُهَا.
وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُطْلَقَةِ وَالْمَشْدُودَةِ بِنَحْوِ جِرَابٍ، لِعُمُومِ الْخَبَرِ. وَلِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا عُلِّقَ عَلَى الْمَظِنَّةِ لَمْ تُعْتَبَرْ حَقِيقَةُ الْحِكْمَةِ، كَالْعِدَّةِ لِاسْتِبْرَاءِ الرَّحِمِ مِنْ الصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ (وَيُسْتَعْمَلُ ذَا) الْمَاءُ الَّذِي غَمَسَ فِيهِ كُلَّ الْيَدِ أَوْ حَصَلَ فِي كُلِّهَا: فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَكَذَا مَا غَسَلَ بِهِ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَيْهِ لِخُرُوجِ مَذْيٍ دُونَهُ (إنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ) لِقُوَّةِ الْخِلَافِ فِيهِ، وَالْقَائِلُونَ بِطَهُورِيَّتِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْقَائِلِينَ بِسَلْبِهَا (مَعَ تَيَمُّمٍ) أَيْ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ وُجُوبًا حَيْثُ شَرَعَ، لِأَنَّ الْحَدَثَ لَمْ يَرْتَفِعْ لِكَوْنِ الْمَاءِ غَيْرَ طَهُورٍ فَإِنْ تَرَكَ اسْتِعْمَالَهُ أَوْ التَّيَمُّمَ بِلَا عُذْرٍ، أَعَادَ مَا صَلَّى بِهِ، لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ.
فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ فَلَا، كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِيمَا يَأْتِي، وَلَا أَثَرَ لِغَمْسِهَا فِي مَائِعٍ طَاهِرٍ، لَكِنْ يُكْرَهُ غَمْسُهَا فِي مَائِعٍ وَأَكْلُ شَيْءٍ رَطْبٍ بِهَا، قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ (وَطَهُورٍ مُنِعَ مِنْهُ لِخَلْوَةِ الْمَرْأَةِ) الْمُكَلَّفَةِ بِهِ لِطَهَارَةٍ كَامِلَةٍ عَنْ حَدَثٍ (أَوْلَى) بِالِاسْتِعْمَالِ، مَعَ عَدَمِ غَيْرِهِ مِنْ هَذَا الْمَاءِ، لِبَقَاءِ طَهُورِيَّتِهِ، وَيَتَيَمَّمُ فِي مَحَلِّهِ.
وَعَلَى هَذَا لَوْ وَجَدَ هَذَيْنِ الْمَاءَيْنِ وَعَدِمَ غَيْرَهُمَا فَالطَّهُورُ الْمَذْكُورُ أَوْلَى مَعَ التَّيَمُّمِ (أَوْ) أَيْ وَكَطَهُورٍ قَلِيلٍ (خُلِطَ بِمُسْتَعْمَلٍ) فِي رَفْعِ
حَدَثٍ أَوْ إزَالَةِ خَبَثٍ، وَانْفَصَلَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ مَعَ زَوَالِهِ عَنْ مَحَلِّ طُهْرٍ، أَوْ غَسَلَ بِهِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَيَيْنِ لِخُرُوجِ مَذْيٍ دُونَهُ، أَوْ غَسَلَ كُلَّ يَدِ الْقَائِمِ مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ نَاقِضٌ لِوُضُوءٍ، أَوْ غَمَسَ فِيهِ، أَوْ غُسِّلَ بِهِ مَيِّتٌ وَكَانَ الْمُسْتَعْمَلُ بِحَيْثُ (لَوْ خَالَفَهُ) أَيْ الطَّهُورُ (صِفَةً) أَيْ فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، بِأَنْ يُفْرَضَ الْمُسْتَعْمَلُ مَثَلًا أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ أَوْ أَسْوَدَ (غَيْرَهُ) أَيْ الطَّهُورِ الْقَلِيلِ، فَيَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ (وَلَوْ بَلَغَا) أَيْ الطَّهُورُ وَالْمُسْتَعْمَلُ إذَنْ (قُلَّتَيْنِ) كَالطَّاهِرِ غَيْرِ الْمَاءِ، وَكَخَلْطِ مُسْتَعْمَلٍ بِمُسْتَعْمَلٍ يَبْلُغَانِ قُلَّتَيْنِ، فَلَا يَصِيرُ طَهُورًا، وَنَصُّهُ: فِيمَنْ انْتَضَحَ مِنْ وُضُوئِهِ فِي إنَائِهِ لَا بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ الطَّهُورُ قُلَّتَيْنِ وَخُلِطَ مُسْتَعْمَلٌ لَمْ يُؤَثِّرْ مُطْلَقًا.
النَّوْعُ (الثَّالِثُ) مِنْ الْمَاءِ (نَجِسٌ) بِتَثْلِيثِ الْجِيمِ وَسُكُونِهَا، وَهُوَ ضِدُّ الطَّاهِرِ. وَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ، كَلُقْمَةٍ غَصَّ بِهَا وَلَا طَاهِرَ، أَوْ عَطَشٍ مَعَ صَوْمٍ، أَوْ طَفْيِ حَرِيقٍ مُتْلِفٍ وَيَجُوزُ بَلُّ التُّرَابِ بِهِ وَجَعْلُهُ طِينًا يُطَيَّنُ بِهِ مَا لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، لَا نَحْوَ مَسْجِدٍ (وَهُوَ) قِسْمَانِ:
الْأُوَلُ: (مَا تَغَيَّرَ) بِمُخَالَطَةِ (نَجَاسَةٍ) قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا. وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى نَجَاسَةِ الْمُتَغَيِّرِ بِالنَّجَاسَةِ وَ (لَا) يَنْجُسُ مَا تَغَيَّرَ بِنَجَاسَةٍ (بِمَحَلِّ تَطْهِيرٍ) مَا دَامَ مُتَّصِلًا لِبَقَاءِ عَمَلِهِ عَلَيْهِ.
الثَّانِي: ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَكَذَا قَلِيلٌ لَاقَاهَا) أَيْ النَّجَاسَةَ بِلَا تَغَيُّرٍ (وَلَوْ) كَانَ الْقَلِيلُ (جَارِيًا، أَوْ) كَانَتْ النَّجَاسَةُ الَّتِي لَاقَتْهُ (لَمْ يُدْرِكْهَا طَرْفٌ) أَيْ بَصَرُ النَّاظِرِ إلَيْهَا لِقِلَّتِهَا (أَوْ) لَمْ (يَمْضِ زَمَنٌ تَسْرِي فِيهِ) النَّجَاسَةُ لِمَفْهُومِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْمَاءِ يَكُونُ فِي الْفَلَاةِ، وَمَا يَنُوبُهُ مِنْ الدَّوَابِّ وَالسِّبَاعِ؟ فَقَالَ: إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ» .
وَفِي رِوَايَةٍ «لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَفْظُهُ لِأَحْمَدَ، وَسُئِلَ ابْنُ مَعِينٍ عَنْهُ فَقَالَ: إسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَصَحَّحَهُ الطَّحَاوِيُّ قَالَ الْخَطَّابِيِّ: وَيَكْفِي شَاهِدًا عَلَى صِحَّتِهِ: أَنَّ نُجُومَ أَهْلِ الْحَدِيثِ صَحَّحُوهُ.
وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «أَمَرَ بِإِرَاقَةِ مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ» وَلَمْ يُعْتَبَرْ التَّغَيُّرُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قِيلَ " يَا رَسُولَ اللَّهِ، «أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ، وَهِيَ بِئْرٌ تُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ وَلُحُومُ الْكِلَابِ وَالنَّتْنُ؟ قَالَ: إنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ أَبُو دَاوُد فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَاءَهَا كَانَ يَزِيدُ عَلَى الْقُلَّتَيْنِ وَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا
غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ مُطْلَقٌ وَحَدِيثُ الْقُلَّتَيْنِ مُقَيَّدٌ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ.
وَبَاءُ بِضَاعَةٍ: تُضَمُّ وَتُكْسَرُ (كَمَائِعٍ) مِنْ نَحْوِ زَيْتٍ وَخَلٍّ وَلَبَنٍ (وَ) مَاءٌ (طَاهِرٌ) غَيْرُ مُطَهِّرٌ، كَمُسْتَعْمَلٍ، فَيُنَجَّسَانِ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ (وَلَوْ كَثُرَا) لِحَدِيثِ «الْفَارَةُ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ، فَإِنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ» وَلِأَنَّهُمَا لَا يَدْفَعَانِ النَّجَاسَةَ عَنْ غَيْرِهِمَا، فَكَذَا عَنْ نَفْسِهِمَا.
وَمَا ذُكِرَ مِنْ نَجَاسَةِ الطَّاهِرِ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ وَلَوْ كَثُرَ جَزَمَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ وَصَحَّحَ فِي الْإِنْصَافِ أَنَّهُ إذَا كَانَ كَثِيرًا لَا يُنَجَّسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ، كَالطَّهُورِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ، وَتَبِعَهُ فِي الْإِقْنَاعِ (وَ) الطَّهُورُ (الْوَارِدُ بِمَحَلِّ تَطْهِيرٍ) مِنْ بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ بُقْعَةٍ، أَوْ نَحْوِهَا: نَجِسَةٍ (طَهُورٌ) وَلَوْ تَغَيَّرَ لِبَقَاءِ عَمَلِهِ (كَمَا لَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْهُ) أَيْ الْوَارِدُ بِمَحَلِّ التَّطْهِيرِ (إنْ كَثُرَ) بِأَنْ كَانَ قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَحَلَّ التَّطْهِيرِ إنْ وَرَدَ عَلَى الْقَلِيلِ نَجَّسَهُ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ وَأَنَّ الرَّاكِدَ وَالْجَارِيَ سَوَاءٌ فِيمَا تَقَدَّمَ (وَعَنْهُ) أَيْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه (كُلُّ جَرْيَةٍ مِنْ) مَاءٍ (جَارٍ) تُعْتَبَرُ مُفْرَدَةً (ك) مَاءٍ (مُنْفَرِدٍ) إنْ كَانَتْ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ، فَنَجِسَةٌ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ.
قَالَ فِي الْكَافِي: وَجَعَلَ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ كُلَّ جَرْيَةٍ كَالْمَاءِ الْمُنْفَرِدِ قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ قَالَ الْأَصْحَابُ: فَيُفْضِي إلَى تَنْجِيسِ نَهْرٍ كَبِيرٍ بِنَجَاسَةٍ قَلِيلَةٍ لَا كَثِيرَةٍ، لِقِلَّةِ مَا تُحَاذِي الْقَلِيلَةَ ; إذْ لَوْ فَرَضْنَا كَلْبًا فِي جَانِبِ نَهْرٍ وَشَعْرَةً مِنْهُ فِي جَانِبِهِ الْآخَرِ لَكَانَ مَا يُحَاذِيهَا لَا يَبْلُغُ قُلَّتَيْنِ، لِقِلَّتِهِ وَالْمُحَاذِي لِلْكَلْبِ يَبْلُغُ قِلَالًا كَثِيرَةً.
(فَ) عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَة (مَتَى امْتَدَّتْ نَجَاسَةٌ ب) مَاءٍ (جَارٍ) وَكَانَتْ كُلُّ جَرْيَةٍ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ (فَكُلُّ جَرْيَةٌ نَجَاسَةٌ مُفْرَدَةٌ) وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ لِقُوَّتِهَا وَتَشْهِيرِهَا، وَذَكَرَ مَا بَنَى عَلَيْهَا لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَيْهَا لَا عَلَى الْمَذْهَبِ، كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُهُ فِي الْإِنْصَافِ، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّ الْجَارِيَ كَالرَّاكِدِ، وَيُعْتَبَرُ مَجْمُوعُهُ، فَإِنْ بَلَغَ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجَّسْ إلَّا بِالتَّغْيِيرِ، وَإِنْ كَانَتْ الْجَرْيَةُ دُونَهُمَا (وَالْجَرْيَةُ مَا أَحَاطَ بِالنَّجَاسَةِ) مِنْ الْمَاءِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً وَعُلُوًّا وَسُفْلًا إلَى قَرَارِ النَّهْرِ.
قَالَ الْمُوَفَّقُ: وَمَا انْتَشَرَتْ إلَيْهِ عَادَةٌ أَمَامَهَا وَوَرَاءَهَا (سِوَى مَا وَرَاءَهَا) أَيْ النَّجَاسَةِ مِنْ الْمَاءِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا.
(وَ) سِوَى مَا (أَمَامَهَا) لِأَنَّهَا لَمْ تَصِلْ إلَيْهِ (وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ) الطَّهُورُ (الْكَثِيرِ لَمْ يَنْجُسْ) بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ لِحَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ (إلَّا بِبَوْلِ آدَمِيٍّ) وَلَوْ صَغِيرًا (أَوْ عَذِرَةٍ) مِنْهُ (رَطْبَةٍ) مَائِعَةٍ
أَوْ لَا (أَوْ يَابِسَةٍ ذَابَتْ) فِيهِ فَيَنْجُسُ بِهِمَا، دُونَ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ (عِنْدَ أَكْثَر الْمُتَقَدِّمِينَ) مِنْ الْأَصْحَابِ (وَالْمُتَوَسِّطِينَ) .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: كَالْقَاضِي وَالشَّرِيفِ وَابْنِ الْبَنَّاءِ وَابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ،.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَهُوَ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، وَخَاصٌّ بِالْبَوْلِ، فَحُمِلَ عَلَيْهِ الْغَائِطُ، لِأَنَّهُ أَسْوَأُ مِنْهُ، وَقَيَّدَ بِهِ حَدِيثَ الْقُلَّتَيْنِ (إلَّا أَنْ تَعْظُمَ مَشَقَّةُ نَزْحِهِ) أَيْ مَا حَصَلَ فِيهِ الْبَوْلُ أَوْ الْعَذِرَةُ عَلَى مَا ذُكِرَ (كَمَصَانِعِ مَكَّةَ) وَطُرُقِهَا الَّتِي جُعِلَتْ مَوْرِدًا لِلْحُجَّاجِ يَصْدُرُونَ عَنْهَا وَلَا تَنْفُذُ، فَلَا تَنْجُسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ قَالَ فِي الشَّرْحِ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِ الْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ وَكَثِيرِهِمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا وَمُقَابِلُ قَوْلِ أَكْثَرِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَوَسِّطِينَ: أَنَّ حُكْمَ الْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ حُكْمُ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ، فَلَا يَنْجُسُ الْكَثِيرُ بِهِمَا إلَّا بِالتَّغَيُّرِ. قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: اخْتَارَهُ أَكْثَر الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ أَظْهَرُ اهـ.
قَالَ فِي شَرْحِهِ: لِأَنَّ نَجَاسَةَ بَوْلِ الْآدَمِيِّ لَا تَزِيدُ عَلَى نَجَاسَةِ بَوْلِ الْكَلْبِ، وَهُوَ لَا يُنَجِّسُ الْقُلَّتَيْنِ وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ لَا بُدَّ مِنْ تَخْصِيصِهِ، بِدَلِيلِ مَا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ إجْمَاعًا وَيَكُونُ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْقُلَّتَيْنِ أَوْلَى مِنْ تَخْصِيصِهِ بِالرَّأْيِ وَالتَّحَكُّمِ وَلَوْ تَعَارَضَا يُرَجَّحُ حَدِيثُ الْقُلَّتَيْنِ، لِمُوَافَقَتِهِ الْقِيَاسَ (فَ) عَلَى الْأَوَّلِ (مَا تَنَجَّسَ) مِنْ الْمَاءِ (بِمَا ذُكِرَ) مِنْ بَوْلِ الْآدَمِيِّ وَعَذِرَتِهِ (وَلَمْ يَتَغَيَّرْ) بِهِمَا (فَتَطْهِيرُهُ بِإِضَافَةِ مَا يَشُقُّ نَزْحُهُ) إضَافَةً (بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ) عُرْفًا بِالصَّبِّ وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ، أَوْ إجْرَاءِ سَاقِيَةٍ إلَيْهِ وَنَحْوِهِ، لِأَنَّ هَذَا الْمُضَافَ يَدْفَعُ تِلْكَ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَنْجُسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ لَوْ وَرَدَتْ عَلَيْهِ، فَأَوْلَى إذَا كَانَ وَارِدًا عَلَيْهَا، وَمِنْ ضَرُورَةِ الْحُكْمِ بِطَهُورِيَّتِهِ: طَهُورِيَّةُ مَا اخْتَلَطَ بِهِ
(وَإِنْ تَغَيَّرَ) مَا تَنَجَّسَ بِبَوْلِ الْآدَمِيِّ أَوْ عُذْرَتِهِ (فَإِنْ شَقَّ نَزْحُهُ فَ) تَطْهِيرُهُ (بِزَوَالِ تَغَيُّرِهِ بِنَفْسِهِ، أَوْ) زَوَالِ تَغَيُّرِهِ (بِإِضَافَةِ مَا يَشُقُّ نَزْحُهُ) إلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ (أَوْ) زَوَالِ تَغَيُّرِهِ (بِنَزْحٍ) مِنْهُ، وَلَوْ مُتَفَرِّقًا بِحَيْثُ (يَبْقَى بَعْدَهُ) أَيْ النَّزْحِ (مَا يَشُقُّ نَزْحُهُ) لِأَنَّهُ لَا عِلَّةَ لِتَنْجِيسِ مَا بَلَغَ هَذَا الْحَدَّ، إلَّا بِالتَّغَيُّرِ فَإِذَا زَالَ عَادَ إلَى أَصْلِهِ، كَالْخَمْرَةِ تَنْقَلِبُ بِنَفْسِهَا خَلًّا.
وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي النَّزْحِ كَثْرَةٌ، لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالطَّهُورِيَّةِ مِنْ حَيْثُ زَوَالُ التَّغَيُّرِ، وَأَنَّهُ لَوْ زَالَ التَّغَيُّرُ بِإِضَافَةِ غَيْرِ الْمَاءِ إلَيْهِ لَمْ يَطْهُرْ بِهِ بَلْ بِالْإِضَافَةِ، وَأَنَّ الْمُضَافَ إذَا لَمْ يَشُقَّ
نَزْحُهُ لَمْ يَطْهُرْ الْمَاءُ، وَإِنْ صَارَ الْمَجْمُوعُ يَشُقُّ نَزْحُهُ (وَإِنْ لَمْ يَشُقَّ) نَزْحُ الْمُتَغَيِّرِ بِهَذِهِ النَّجَاسَةِ (فَ) تَطْهِيرُهُ (بِإِضَافَةِ مَا يَشُقُّ نَزْحُهُ) إلَيْهِ فَقَطْ، لِمَا تَقَدَّمَ (مَعَ زَوَالِ تَغَيُّرِهِ) لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ تَطْهِيرُهُ، مَعَ بَقَاءِ عِلَّةِ التَّنْجِيسِ (وَمَا تَنَجَّسَ بِغَيْرِهِ) أَيْ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ (وَلَمْ يَتَغَيَّرْ) بِأَنْ كَانَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ (فَ) تَطْهِيرُهُ (بِإِضَافَةِ كَثِيرٍ) بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ عُرْفًا ; لِأَنَّ هَذَا الْمُضَافَ يَدْفَعُ هَذِهِ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ، فَيَدْفَعُهَا عَمَّا اتَّصَلَ بِهِ
(وَإِنْ تَغَيَّرَ) الْمُتَنَجِّسُ بِغَيْرِ الْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ (فَإِنْ كَثُرَ ف) تَطْهِيرُهُ (بِزَوَالِ تَغَيُّرِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِإِضَافَةِ) طَهُورٍ (كَثِيرٍ أَوْ بِنَزْحٍ) مِنْهُ بِحَيْثُ (يَبْقَى بَعْدَهُ كَثِيرٌ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَالْمَنْزُوحُ) مِمَّا تَغَيَّرَ بِالْبَوْلِ أَوْ غَيْرِهِ (طَهُورٌ بِشَرْطِهِ) .
قَالَ ابْنُ قُنْدُسٍ: وَالْمُرَادُ آخِرُ مَا نُزِحَ مِنْ الْمَاءِ، وَزَالَ مَعَهُ التَّغَيُّرُ، وَلَمْ يُضَفْ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمَنْزُوحِ الَّذِي لَمْ يَزُلْ التَّغَيُّرُ بِنَزْحِهِ.
وَفِيهِ وَجْهٌ: أَنَّهُ طَاهِرٌ قَالَ: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا كَانَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ. فَإِنْ كَانَ قُلَّتَيْنِ فَطَهُورٌ جَزْمًا، وَأَطَالَ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْإِنْصَافِ، وَاعْتَبَرَ فِي شَرْحِهِ أَيْضًا أَنْ يَبْلُغَ حَدًّا يَدْفَعُ بِهِ تِلْكَ النَّجَاسَةَ الَّتِي نَزَحَ مِنْ أَجْلِهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَلَوْ سَقَطَتْ فِيهِ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ لَكَ.
وَاعْتَبَرَ فِي الْإِنْصَافِ أَنْ لَا تَكُونَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ فِيهِ وَهُوَ وَاضِحٌ حَيْثُ كَانَ الْكَلَامُ فِي الْقَلِيلِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَاءُ النَّجِسُ الْمُتَغَيِّرُ بِغَيْرِ الْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ كَثِيرًا، بِأَنْ كَانَ قَلِيلًا (أَوْ كَانَ كَثِيرًا مُجْتَمِعًا مِنْ مُتَنَجِّسٍ يَسِيرٍ فَ) تَطْهِيرُهُ (بِإِضَافَةِ) طَهُورٍ (كَثِير) إلَيْهِ (مَعَ زَوَالِ تَغَيُّرِهِ) وَعُلِمَ مِنْهُ: أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِإِضَافَةِ الْيَسِيرِ، لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ " تَنْبِيهٌ " ظَهَرَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ نَجَاسَةَ الْمَاءِ حُكْمِيَّةٌ، وَصَوَّبَهُ فِي الْإِنْصَافِ، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ لِأَنَّهُ يُطَهِّرُ غَيْرَهُ، فَنَفْسُهُ أَوْلَى وَأَنَّهُ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ، وَنُقِلَ فِي الْفُرُوعِ عَنْ بَعْضِهِمْ: أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ قُلْتُ: وَهُوَ بَعِيدٌ إذْ نَجَاسَةُ الْخَمْرِ حُكْمِيَّةٌ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ.
(وَلَا يَجِبُ غَسْلُ جَوَانِبِ بِئْرٍ نُزِحَتْ) ضَيِّقَةً كَانَتْ أَوْ وَاسِعَةً، دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ (وَالْكَثِيرُ) مِنْ الْمَاءِ حَيْثُ أُطْلِقَ (قُلَّتَانِ فَصَاعِدًا) أَيْ فَأَكْثَر بِقِلَالِ هَجَرَ - بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْهَاءِ - قَالَ فِي الْقَامُوسِ: قَرْيَةٌ كَانَتْ قُرْبَ الْمَدِينَةِ، إلَيْهَا تُنْسَبُ الْقِلَالُ، وَالْقُلَّةُ
الْجَرَّةُ الْعَظِيمَةُ، لِأَنَّهَا تُقَلُّ بِالْأَيْدِي، أَيْ تُرْفَعُ بِهَا.
(وَالْيَسِيرُ وَالْقَلِيلُ مَا دُونَهُمَا) لِحَدِيثِ «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ» وَخُصَّتَا بِقِلَالِ هَجَرَ، لِمَا رَوَى الْخَطَّابِيِّ بِإِسْنَادِهِ إلَى ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا «إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ بِقِلَالِ هَجَرَ» وَلِأَنَّهَا أَكْبَرُ مَا يَكُونُ مِنْ الْقِلَالِ، وَأَشْهَرُهَا فِي عَصْرِهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ الْخَطَّابِيِّ: هِيَ مَشْهُورَةُ الصِّفَةِ، مَعْلُومَةُ الْمِقْدَارِ، لَا تَخْتَلِفُ كَمَا لَا تَخْتَلِفُ الصِّيعَانُ وَالْمَكَايِيلُ.
فَلِذَلِكَ حَمَلْنَا الْحَدِيثَ عَلَيْهَا، وَعَمِلْنَا بِالِاحْتِيَاطِ (وَهُمَا خَمْسُمِائَةِ رَطْلٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا (عِرَاقِيٌّ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: رَأَيْت قِلَالَ هَجَرَ فَرَأَيْت الْقُلَّةَ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا. وَالْقِرْبَةُ مِائَةُ رِطْلٍ بِالْعِرَاقِيِّ، بِاتِّفَاقِ الْقَائِلِينَ بِتَحْدِيدِ الْمَاءِ بِالْقِرَبِ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُجْعَلَ الشَّيْءُ نِصْفًا، لِمَا يَأْتِي.
(وَ) هُمَا (أَرْبَعُمِائَةُ رِطْلٍ وَسِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ) رِطْلًا (وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ رِطْلٍ مِصْرِيٍّ وَمَا وَافَقَهُ) كَالْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ.
(وَ) هُمَا (مِائَةُ) رِطْلٍ (وَسَبْعَةُ) أَرْطَالٍ (وَسُبْعُ رِطْلٍ دِمَشْقِيٍّ وَمَا وَافَقَهُ) فِي قَدْرِهِ، كَالصَّفَدِيِّ.
(وَ) هُمَا (تِسْعَةٌ وَثَمَانُونَ) رِطْلًا (وَسُبْعَا رِطْلٍ حَلَبِيٍّ.
وَمَا وَافَقَهُ) كَالْبَيْرُوتِيِّ (وَ) هُمَا (ثَمَانُونَ) رِطْلًا (وَسُبْعَانِ وَنِصْفُ سُبْعِ رِطْلٍ قُدْسِيٍّ وَمَا وَافَقَهُ) كَالنَّابُلُسِيِّ وَالْحِمْصِيِّ (وَأَحَدٌ وَسَبْعُونَ رِطْلًا وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ رِطْلٍ بَعْلِيٍّ، وَمَا وَافَقَهُ. تَقْرِيبًا) لَا تَحْدِيدًا (فَلَا يَضُرُّ نَقْصٌ يَسِيرٌ) كَرِطْلٍ عِرَاقِيٍّ أَوْ رِطْلَيْنِ، لِأَنَّ الَّذِينَ نَقَلُوا تَقْدِيرَ الْقِلَالِ لَمْ يَضْبُطُوهَا بِحَدٍّ، إنَّمَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: الْقُلَّةُ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ أَوْ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا، وَجَعَلُوا الشَّيْءَ نِصْفًا احْتِيَاطًا، لِأَنَّهُ أَقْصَى مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ شَيْءٍ مُنَكَّرًا، وَهَذَا لَا تَحْدِيدَ فِيهِ.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عَقِيلٍ: أَظُنُّهَا تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ (وَمِسَاحَتُهُمَا أَيْ الْقُلَّتَيْنِ. أَيْ مِسَاحَةُ مَا يَسَعُهُمَا مُرَبَّعًا: ذِرَاعٌ وَرُبُعٌ طُولًا وَ) ذِرَاعٌ وَرُبُعٌ (عَرْضًا. وَ) ذِرَاعٌ وَرُبُعٌ (عُمْقًا) قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُ (بِذِرَاعِ الْيَدِ) .
قَالَ الْقَمُولِيُّ الشَّافِعِيُّ (وَ) مِسَاحَةُ مَا يَسَعُهُمَا (مُدَوَّرًا ذِرَاعٌ طُولًا) مِنْ كُلِّ جِهَةٍ مِنْ حَافَّتِهِ إلَى مَا يُقَابِلُهَا (وَذِرَاعَانِ) قَالَ (الْمُنَقِّحُ: وَالصَّوَابُ وَنِصْفُ ذِرَاعٍ عُمْقًا) قَالَ الْمُنَقِّحُ (حَرَّرَتْ ذَلِكَ فَيَسَعُ كُلُّ قِيرَاطٍ) مِنْ قَرَارِيطِ الذِّرَاعِ مِنْ الْمُرَبَّعِ (عَشَرَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثَيْ رِطْلٍ عِرَاقِيٍّ) اهـ.
وَذَلِكَ أَنْ تَضْرِبَ الْبَسْطَ فِي الْبَسْطِ، وَالْمَخْرَجَ فِي الْمَخْرَجَ، وَتَقْسِمَ الْحَاصِلَ الْأَوَّلَ عَلَى الثَّانِي يُخْرِجُ الذِّرَاعَ، فَخُذْ قَرَارِيطَهُ وَاقْسِمْ الْخَمْسَمِائَةِ رِطْلٍ عَلَيْهَا يَخْرُجُ مَا ذُكِرَ، فَبَسْطُ الذِّرَاعِ وَالرُّبْعُ خَمْسَةٌ، وَمَخْرَجُهُ أَرْبَعَةٌ، وَقَدْ تَكَرَّرَ ثَلَاثًا: طُولًا وَعَرْضًا وَعُمْقًا، فَإِذَا ضَرَبْت
خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ وَالْحَاصِلَ فِي خَمْسَةٍ حَصَلَ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ.
وَإِذَا ضَرَبْت أَرْبَعَةً فِي أَرْبَعَةٍ وَالْحَاصِلَ فِي أَرْبَعَةٍ حَصَلَ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ فَاقْسِمْ عَلَيْهَا الْأَوَّلَ يَخْرُجْ ذِرَاعٌ وَسَبْعَةُ أَثْمَانِ ذِرَاعٍ وَخَمْسَةُ أَثْمَانِ ثُمُنِ ذِرَاعٍ، فَإِذَا جَعَلْتهَا قَرَارِيطَ وَجَدْتهَا سِتَّةً وَأَرْبَعِينَ قِيرَاطًا وَسَبْعَةَ أَثْمَانِ قِيرَاطٍ، فَاقْسِمْ عَلَيْهَا الْخَمْسَمِائَةِ يَخْرُجْ مَا ذُكِرَ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَكَ سُقُوطُ اعْتِرَاضِ الْحَجَّاوِيِّ فِي حَاشِيَةِ التَّنْقِيحِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا قِيرَاطُ الْمُرَبَّعِ نَفْسِهِ فَيَسَعُ عِشْرِينَ رِطْلًا وَخَمْسَةَ أَسْدَاسِ رِطْلٍ عِرَاقِيٍّ.
(وَ) الرِّطْلُ (الْعِرَاقِيُّ) وَزْنُهُ بِالدَّرَاهِمِ (مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ) دِرْهَمًا (وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ وَ) بِالْمَثَاقِيلِ (تِسْعُونَ مِثْقَالًا) بِالِاسْتِقْرَاءِ، فَهُوَ سُبْعُ الْبَعْلِيِّ وَ (سُبْعِ) الرِّطْلِ (الْقُدْسِيِّ وَثُمُنُ سُبْعِهِ وَسُبْعُ) الرِّطْلِ (الْحَلَبِيِّ وَرُبُعُ سُبْعِهِ وَسُبْعُ) الرِّطْلِ (الدِّمَشْقِيِّ وَنِصْفُ سُبْعِهِ وَنِصْفُ الْمِصْرِيِّ وَرُبْعُهُ وَسُبْعُهُ) وَالرِّطْلُ الْبَعْلِيُّ: تِسْعُمِائَةُ دِرْهَمٍ.
وَالْقُدْسِيُّ: ثَمَانِمِائَةُ دِرْهَمٍ، وَالْحَلَبِيُّ: سَبْعُمِائَةٍ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَالدِّمَشْقِيُّ سِتّمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَالْمِصْرِيُّ مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَكُلُّ رِطْلٍ اثْنَتَا عَشْرَةَ أُوقِيَّةً فِي كُلِّ الْبُلْدَانِ، وَأُوقِيَّةُ الْعِرَاقِيِّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَأُوقِيَّةُ الْمِصْرِيِّ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا، وَأُوقِيَّةُ الدِّمَشْقِيِّ خَمْسُونَ دِرْهَمًا، وَأُوقِيَّةُ الْحَلَبِيِّ سِتُّونَ دِرْهَمًا، وَأُوقِيَّةُ الْقُدْسِيِّ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ دِرْهَمًا وَثُلُثَا دِرْهَمٍ، وَأُوقِيَّةُ الْبَعْلِيِّ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ دِرْهَمًا (وَلَهُ) أَيْ مُرِيدِ الطَّهَارَةِ (اسْتِعْمَالُ مَا لَا يَنْجُسُ) مِنْ الْمَاءِ (إلَّا بِالتَّغَيُّرِ) وَهُوَ مَا بَلَغَ حَدًّا يَدْفَعُ بِهِ تِلْكَ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ (وَلَوْ مَعَ قِيَامِ [النَّجَاسَةِ] فِيهِ) وَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِهَا.
(وَ) لَوْ كَانَ (بَيْنَهُ) أَيْ الْمُسْتَعْمَلِ (وَبَيْنَهَا قَلِيلٌ) لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْمَجْمُوعِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا قَرُبَ مِنْهَا وَمَا بَعُدَ، فَإِنْ تَغَيَّرَ بَعْضُهُ فَالْبَاقِي طَهُورٌ إنْ كَثُرَ
(وَمَا اُنْتُضِحَ مِنْ) مَاءٍ (قَلِيلٍ لِسُقُوطِهَا) أَيْ النَّجَاسَةَ (فِيهِ: نَجُسَ) لِأَنَّهُ لَاقَى النَّجَاسَةَ، وَهُوَ قَلِيلٌ، بِخِلَافِ مَا اُنْتُضِحَ مِنْ كَثِيرٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ، لِأَنَّهُ بَعْضُ الْمُتَّصِلِ، فَيُعْطَى حُكْمَهُ (وَيُعْمَلُ) عِنْدَ الشَّكِّ (بِيَقِينٍ فِي كَثْرَة مَاءٍ وَطَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ) لِحَدِيثِ «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» .
(وَلَوْ مَعَ سُقُوطِ عَظْمٍ وَرَوْثٍ شُكَّ فِي نَجَاسَتِهِمَا) فَيُطْرَحُ الشَّكُّ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمَاءِ عَلَى حَالِهِ (أَوْ) مَعَ سُقُوطِ (طَاهِرٍ وَنَجِسٍ وَتَغَيَّرَ) أَيْ الْمَاءُ الْكَثِير بِ (أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُعْلَمْ) أَهُوَ الطَّاهِرُ أَوْ النَّجِسُ؟ عُمِلَ بِالْأَصْلِ وَهُوَ بَقَاءُ الْمَاءِ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ تَغَيُّرُهُ لَوْ فُرِضَ بِالطَّاهِرِ لَسَلَبَهُ الطَّهُورِيَّةَ، وَشَمِلَ
كَلَامُهُمْ: مَا لَوْ شُكَّ فِي وُلُوغِ كَلْبٍ أَدْخَلَ رَأْسَهُ فِي إنَاءٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ وَبِفِيهِ رُطُوبَةٌ، فَلَا يَنْجُسُ لَكِنْ يُكْرَهُ مَا ظُنَّتْ نَجَاسَتُهُ احْتِيَاطًا.
(وَإِنْ أَخْبَرَهُ) أَيْ مُرِيدَ الطَّهَارَةِ (عَدْلٌ) ظَاهِرًا، رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ، حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ، لَا كَافِرٌ وَفَاسِقٌ، وَغَيْرُ بَالِغٍ (وَعَيَّنَ السَّبَبَ) أَيْ سَبَبَ مَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ (قُبِلَ) لُزُومًا، لِأَنَّهُ خَبَرٌ دِينِيٌّ، كَالْقِبْلَةِ وَهِلَالِ رَمَضَانَ، وَشَمِل كَلَامُهُ: مَا لَوْ أَخْبَرَهُ بِأَنَّ كَلْبًا وَلَغَ فِي هَذَا الْإِنَاءِ دُونَ هَذَا الْآخِرِ، وَعَاكَسَهُ آخَرُ، فَيُعْمَلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْإِثْبَاتِ، دُونَ النَّفْيِ.
لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِمَا، مَا لَمْ يُعَيِّنَا كَلْبًا وَاحِدًا، وَقْتًا لَا يُمْكِنُ شُرْبُهُ فِيهِ مِنْهُمَا، فَيَتَسَاقَطَا فَإِنْ أَثْبَتَ أَحَدُهُمَا وَنَفَى الْآخَرَ قُدِّمَ قَوْلُ الْمُثْبِتِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يَتَحَقَّقْهُ، مِثْلُ الضَّرِيرِ الَّذِي يُخْبِرُ عَنْ حِسِّهِ، فَيُقَدَّمُ قَوْلُ الْبَصِيرِ وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ: أَنَّهُ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ السَّبَبَ لَمْ يَلْزَمْ قَبُولُ خَبَرِهِ. وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ فَقِيهًا مُوَافِقًا، لِاحْتِمَالِ نَحْوِ وَسْوَسَةٍ وَإِنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ ثُمَّ عَلِمَ نَجَاسَتَهُ أَعَادَ وَنَصُّهُ: حَتَّى يَتَيَقَّنَ بَرَاءَتَهُ، وَإِنْ شَكَّ هَلْ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ قَبْلَ نَجَاسَةِ الْمَاءِ أَوْ بَعْدَهَا؟ لَمْ يُعِدْ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ.
(وَإِنْ اشْتَبَهَ طَهُورٌ مُبَاحٌ بِمُحَرَّمٍ) لَمْ يَتَحَرَّ (أَوْ) اشْتَبَهَ طَهُورٌ مُبَاحٌ ب (نَجِسٍ لَمْ يَكُنْ تَطْهِيرُهُ بِهِ) بِأَنْ كَانَ الطَّهُورُ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إنَاءٌ يَسَعُهُمَا (وَلَا طَهُورٌ مُبَاحٌ) مِنْ الْمَاءِ عِنْدَهُ (بِيَقِينٍ لَمْ يَتَحَرَّ) أَيْ لَمْ يَجْتَهِدْ، حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَيُّهُمَا الطَّهُورُ الْمُبَاحُ؟ فَيَسْتَعْمِلُهُ (وَلَوْ زَادَ عَدَدُ الطَّهُورِ الْمُبَاحِ) لِأَنَّهُ اشْتِبَاهُ مُبَاحٍ بِمَحْظُورٍ فِيمَا لَا تُبِيحُهُ الضَّرُورَةُ، فَلَمْ يُجْزِئُ التَّحَرِّي، كَمَا لَوْ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّاتٍ أَوْ مُذَكَّاةٌ بِمَيِّتَةٍ. فَإِنْ أَمْكَنَ تَطْهِيرُهُ بِهِ كَأَنْ كَانَ الطَّهُورُ قُلَّتَيْنِ، وَعِنْدَهُ إنَاءٌ يَسَعُهُمَا لَزِمَهُ خَلْطُهُمَا وَاسْتِعْمَالُهُ.
(وَيَتَيَمَّمُ) وَلَوْ (بِلَا إعْدَامٍ) بِإِرَاقَةٍ أَوْ خَلْطٍ، خِلَافًا لِلْخِرَقِيِّ، لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الطَّهُورِ، كَمَنْ عِنْدَهُ بِئْرٌ لَا يُمْكِنُهُ وُصُولٌ لِمَائِهِ (وَلَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ) إذَا تَيَمَّمَ وَصَلَّى أَدَاءً (وَلَوْ عَلِمَهُ) أَيْ الطَّهُورَ الْمُبَاحَ (بَعْدَ) فَرَاغِهِ مِنْهَا، لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ، كَمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ، ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ. وَلَوْ تَوَضَّأَ مِنْ أَحَدِهِمَا حَالَ الِاشْتِبَاهِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ طَهُورٌ، لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ.
(وَيَلْزَمُ مَنْ عَلِمَ النَّجَسَ إعْلَامُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ) وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ قِيلَ: إنَّ إزَالَتَهَا لَيْسَتْ شَرْطًا لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ، خِلَافًا لِمَا فِي الْإِقْنَاعِ. وَمَنْ أَصَابَهُ مَاءُ مِيزَابٍ، وَلَا أَمَارَةَ عَلَى نَجَاسَتِهِ: كُرِهَ سُؤَالُهُ عَنْهُ، نَقَلَهُ صَالِحٌ لِقَوْلِ عُمَرَ لِصَاحِبِ
الْحَوْضِ (لَا تُخْبِرْنَا) فَلَا يَلْزَمُ جَوَابُهُ قَالَ الْأَزَجِيُّ: إنْ لَمْ يَعْلَمْ نَجَاسَتَهُ.
(وَيَلْزَمُهُ) أَيْ مَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ طَاهِرٌ بِنَجِسٍ (التَّحَرِّي لِحَاجَةِ شُرْبٍ أَوْ أَكْلٍ) كَمَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ مَيِّتَةٌ بِمُذَكَّاةٍ وَاحْتَاجَ لِلْأَكْلِ أَوْ طَاهِرٌ بِنَجِسٍ وَاحْتَاجَ لِلشُّرْبِ ; لِأَنَّ النَّجِسَ هُنَا تُبِيحُهُ الضَّرُورَاتُ، فَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ شَيْءٌ اسْتَعْمَلَ أَحَدَهُمَا لِأَنَّهُ حَالُ ضَرُورَةٍ وَلَا يَلْزَمُهُ إذَا اسْتَعْمَلَ أَحَدَهُمَا (غَسْلُ فَمِهِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ.
(وَ) إنْ اشْتَبَهَ طَهُورٌ (بِطَاهِرٍ) وَ (أَمْكَنَ) هـ (جَعْلُهُ) أَيْ الطَّاهِرَ (طَهُورًا بِهِ) أَيْ الطَّهُورَ، كَأَنْ كَانَ الطَّهُورُ قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَعِنْدَهُ مَا يَسَعُهُمَا (أَوْ لَا) أَيْ أَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ جَعْلُهُ طَهُورًا بِهِ (يَتَوَضَّأُ مَرَّةً) أَيْ وُضُوءًا وَاحِدًا، يَأْخُذُ لِكُلِّ عُضْوٍ (مِنْ ذَا) الْمَاءِ (غَرْفَةً، وَمِنْ ذَا) الْمَاءِ (غَرْفَةً) يَعُمُّ بِكُلِّ غَرْفَةٍ الْعُضْوَ لُزُومًا لِأَنَّ الْوُضُوءَ الْوَاحِدَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ مَجْزُومٌ بِنِيَّةِ كَوْنِهِ رَافِعًا، بِخِلَافِ الْوُضُوءَيْنِ فَلَا يُدْرَى أَيُّهُمَا الرَّافِعُ لِلْحَدَثِ.
(وَيُصَلِّي صَلَاةً) أَيْ يُصَلِّي الْفَرْضَ مَرَّةً (وَاحِدَةً) قَالَ فِي الشَّرْح: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا (وَيَصِحُّ ذَلِكَ) أَيْ الْوُضُوءُ مِنْ ذَا غُرْفَةٌ وَمِنْ ذَا غُرْفَةٌ (وَلَوْ مَعَ طَهُورٍ بِيَقِينٍ) لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الطَّهُورُ جَازِمًا بِالنِّيَّةِ، بِخِلَافِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَيْنِ وَكَذَا حُكْمُ الْغُسْلِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَعُلِمَ مِنْهُ: أَنَّهُ لَا يَتَحَرَّى فِي مُطْلَقٍ وَطَاهِرٍ.
(وَإِنْ اشْتَبَهَتْ ثِيَابٌ طَاهِرَةٌ) مُبَاحَةٌ (ب) ثِيَابٍ (نَجِسَةٍ أَوْ) بِثِيَابٍ (مُحَرَّمَةٍ، وَلَا طَاهِرَ مُبَاحَ بِيَقِينٍ) عِنْدَهُ لِيَسْتُرَ مَا يَجِبُ سَتْرُهُ (فَإِنْ عَلِمَ عَدَدَ) ثِيَابٍ (نَجِسَةٍ أَوْ) ثِيَابٍ (مُحَرَّمَةٍ، صَلَّى فِي كُلِّ ثَوْبٍ) مِنْهَا (صَلَاةً) بِعَدَدِ النَّجِسَةِ أَوْ الْمُحَرَّمَةِ (وَزَادَ) عَلَى الْعَدَدِ (صَلَاةً) يَنْوِي بِكُلِّ صَلَاةٍ الْفَرْضَ احْتِيَاطًا كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمٍ وَجَهِلَهَا لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ أَدَاءُ فَرْضِهِ بِيَقِينٍ، فَلَزِمَهُ، كَمَا لَوْ لَمْ تَشْتَبِهْ، وَلَا أَثَرَ لِعِلْمِهِ عَدَدَ الطَّاهِرَةِ أَوْ الْمُبَاحَةِ.
(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ عَدَدَ نَجِسَةٍ أَوْ مُحَرَّمَةٍ (فَ) إنَّهُ يُصَلِّي فِي كُلِّ ثَوْبٍ مِنْهَا صَلَاةً (حَتَّى يَتَيَقَّنَ صِحَّتَهَا) أَيْ حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ صَلَّى فِي طَاهِرٍ مُبَاحٍ، وَلَوْ كَثُرَتْ ; لِأَنَّ هَذَا يَنْدُرُ جِدًّا فَأُلْحِقَ بِالْغَالِبِ وَفَرَّقَ أَحْمَدُ بَيْنَ الثِّيَابِ وَالْأَوَانِي، بِأَنَّ الْمَاءَ يَلْصَقُ بِبَدَنِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ: أَنَّ عَلَيْهَا أَمَارَةً تَدُلُّ عَلَيْهَا وَلَا بَدَلَ لَهَا يُرْجَعُ إلَيْهِ، وَلَا تَصِحُّ فِي الثِّيَابِ الْمُشْتَبِهَةِ مَعَ طَاهِرٍ مُبَاحٍ يَقِينًا، وَلَوْ كَثُرَتْ لِأَنَّ هَذَا يَنْدُرُ، وَلَا إمَامَةُ مَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الثِّيَابُ.
(وَكَذَا) أَيْ كَالثِّيَابِ النَّجِسَةِ إذَا اشْتَبَهَتْ بِطَاهِرَةٍ، وَلَا طَاهِرَ