الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَوْقُوفَةٍ، أَوْ يَأْوِي إلَى مَكَان جُعِلَ لِلْمَارَّةِ وَنَحْوِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَعْرُوفِ الَّتِي لَا غَضَاضَةَ فِيهَا، وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِهَا فِي حَقِّ الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ، مَعَ أَنَّ فِي الْخَبَرِ «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ» وَلِكُلِّ مَنْ مُنِعَ الزَّكَاةَ مِنْ هَاشِمِيٍّ (و) غَيْرِهِ الْأَخْذُ (مِنْ نَذْرٍ) مُطْلَقٍ دُخُولُهُ فِيهَا غَيْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم و (لَا) يَأْخُذُ مَنْ مُنِعَ الزَّكَاةَ مِنْ (كَفَّارَةٍ) لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ وَاجِبَةٌ بِالشَّرْعِ، أَشْبَهَتْ الزَّكَاةَ، بَلْ أَوْلَى. لِأَنَّ مَشْرُوعِيَّتِهَا لِمَحْوِ الذَّنْبِ فَهِيَ مِنْ أَشَدِّ أَوْسَاخِ النَّاسِ.
(وَيُجْزِئُ) دَفْعُ زَكَاتِهِ (إلَى ذَوِي أَرْحَامِهِ) غَيْرِ عَمُودِيِّ نَسَبِهِ كَأَخْوَالِهِ وَأَوْلَادِ أُخْتِهِ (وَلَوْ وَرِثُوا) لِحَدِيثِ «الصَّدَقَةُ عَلَى الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ لِذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ» وَلِأَنَّ قَرَابَتَهُمْ ضَعِيفَةٌ.
(وَ) يُجْزِئُ دَفْعُ زَكَاةٍ إلَى (بَنِي الْمُطَّلِبِ) لِشُمُولِ الْأَدِلَّةِ لَهُمْ خَرَجَ مِنْهَا بَنُو هَاشِمٍ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُمْ عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّ بَنِي هَاشِمٍ أَشْرَفُ وَأَقْرَبُ إلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَشَارَكُوهُمْ فِي الْخُمْسِ بِالنُّصْرَةِ مَعَ الْقَرَابَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«إنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونِي فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ» وَالنُّصْرَةُ لَا تَقْتَضِي حِرْمَانَ الزَّكَاةِ.
(و) يُجْزِئُ مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ دَفْعُهَا إلَى (مَنْ تَبَرَّعَ بِنَفَقَتِهِ بِضَمِّهِ إلَى عِيَالِهِ) كَيَتِيمٍ غَيْرِ وَارِثٍ، لِدُخُولِهِ فِي الْعُمُومَاتِ، وَلَا نَصَّ وَلَا إجْمَاعَ يُخْرِجُهُ، بَلْ رَوَى الْبُخَارِيُّ «أَنَّ امْرَأَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ سَأَلَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَنِي أَخٍ لَهَا أَيْتَامٌ فِي حِجْرِهَا فَتُعْطِيهِمْ زَكَاتَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ» (أَوْ) مَنْ (تَعَذَّرَتْ نَفَقَتُهُ مِنْ زَوْجٍ أَوْ قَرِيبٍ بِغَيْبَةٍ أَوْ امْتِنَاعٍ أَوْ غَيْرِهِمَا) كَمَنْ لَهُ عَقَارٌ وَتَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهُ.
(وَإِنْ دَفَعَهَا) أَيْ: الزَّكَاةَ رَبُّ الْمَالِ (لِغَيْرِ مُسْتَحِقِّهَا لِجَهْلٍ) مِنْهُ بِحَالِهِ، بِأَنْ دَفَعَهَا لِعَبْدٍ أَوْ كَافِرٍ أَوْ هَاشِمِيٍّ أَوْ وَارِثِهِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ (ثُمَّ عَلِمَ)(لَمْ تُجْزِئْهُ) لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى حَالُهُ غَالِبًا كَدَيْنِ آدَمِيٍّ، وَتُرَدُّ بِنَمَائِهَا مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا، فَإِنْ تَلِفَتْ ضَمِنَهَا قَابِضٌ، وَإِنْ كَانَ الدَّافِعُ الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، (إلَّا لِغَنِيٍّ إذَا ظَنَّهُ فَقِيرًا) فَدَفَعَهَا إلَيْهِ فَتُجْزِئُهُ ; لِأَنَّ الْغَنِيَّ مِمَّا يُخْفِي، وَلِذَلِكَ اكْتَفَى فِيهِ بِقَوْلِ الْآخِذِ.
[فَصْلٌ تُسَنُّ صَدَقَةُ تَطَوُّعٍ بِفَاضِلٍ عَنْ كِفَايَةٍ دَائِمَةٍ]
فَصْلٌ وَتُسَنُّ صَدَقَةُ تَطَوُّعٍ بِفَاضِلٍ عَنْ كِفَايَةٍ دَائِمَةٍ (بِمُتَّجَرٍ أَوْ غَلَّةٍ أَوْ صَنْعَةٍ عَنْهُ) أَيْ: الْمُتَصَدِّقِ (وَعَمَّنْ يَمُونُهُ) لِحَدِيثِ «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(كُلَّ وَقْتٍ) لِإِطْلَاقِ الْحَثِّ عَلَيْهَا فِي الْكِتَابِ وَالْأَخْبَارِ. (وَ) كَوْنُهَا (سِرًّا بِطِيبِ نَفْسٍ فِي صِحَّةٍ) أَفْضَلُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271] وَلِحَدِيثِ " وَأَنْتَ صَحِيحٌ ".
(وَ) كَوْنُهَا فِي شَهْرِ (رَمَضَانَ) أَفْضَلُ. لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ» الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي حَدِيثِ «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ» . (وَ) كَوْنُهَا فِي (وَقْتِ حَاجَةٍ) أَفْضَلُ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ إطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [البلد: 14](و) فِي (كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ فَاضِلٍ، كَالْعَشْرِ) الْأُوَلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ (وَ) كَ (الْحَرَمَيْنِ) أَفْضَلُ، لِكَثْرَةِ التَّضَاعُفِ.
(وَ) كَوْنُهَا عَلَى (جَارٍ) أَفْضُلُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ} [النساء: 36] وَحَدِيثِ «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» . (وَ) كَوْنُهَا عَلَى (ذِي رَحِمٍ) لَهُ (لَا سِيَّمَا مَعَ عَدَاوَةٍ) بَيْنَهُمَا لِحَدِيثِ «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ الصَّدَقَةُ عَلَى الرَّحِمِ الْكَاشِحِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ (وَهِيَ) أَيْ: الصَّدَقَةُ (عَلَيْهِمْ) أَيْ: ذَوِي رَحِمِهِ صَدَقَةٌ وَ (صِلَةٌ) لِلْخَيْرِ (أَفْضَلُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى} [النساء: 36] وَلِلْخَبَرِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَخُصَّ بِالصَّدَقَةِ مَنْ اشْتَدَّتْ حَاجَتُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{أَوْ إطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 14] .
(وَمَنْ تَصَدَّقَ بِمَا يُنْقِصُ مُؤْنَةً تَلْزَمُهُ) كَمُؤْنَةِ زَوْجَةٍ أَوْ قَرِيبٍ أَثِمَ لِحَدِيثِ «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» إلَّا أَنْ يُوَافِقَهُ عِيَالُهُ عَلَى الْإِيثَارِ فَهُوَ أَفْضَلُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ جَهْدٌ مِنْ مُقِلٍّ إلَى فَقِيرٍ فِي السِّرِّ» .
(أَوْ أَضَرَّ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَرِيمِهِ أَوْ بِكَفِيلِهِ) بِسَبَبِ صَدَقَةٍ (أَثِمَ) لِحَدِيثِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» .
(وَمَنْ أَرَادَهَا) أَيْ: الصَّدَقَةَ (بِمَالِهِ كُلِّهِ وَلَهُ عَائِلَةٌ لَهُمْ كِفَايَةٌ أَوْ) لَهُ عَائِلَةٌ (يَكْفِيهِمْ بِمَكْسَبِهِ) فَلَهُ ذَلِكَ لِقِصَّةِ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه (أَوْ) كَانَ (وَحْدَهُ) لَا عِيَالَ لَهُ (وَيَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ حُسْنَ التَّوَكُّلِ وَالصَّبْرَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ. فَلَهُ ذَلِكَ) لِعَدَمِ الضَّرِّ (وَإِلَّا) يَكُنْ لِعِيَالِهِ كِفَايَةٌ وَلَمْ يَكْفِهِمْ بِمَكْسَبِهِ (حَرُمَ) وَحُجِرَ عَلَيْهِ لِإِضَاعَةِ عِيَالِهِ. وَالْحَدِيثُ «يَأْتِي أَحَدُكُمْ بِمَا يَمْلِكُ، فَيَقُولُ: هَذِهِ صَدَقَةٌ، ثُمَّ يَقْعُدُ يَسْتَكِفُّ النَّاسَ؟ خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَكَذَا إنْ كَانَ وَحْدَهُ
وَلَمْ يَعْلَمْ مِنْ نَفْسِهِ حُسْنَ التَّوَكُّلِ وَالصَّبْرَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ.
(وَكُرِهَ لِمَنْ لَا صَبْرَ لَهُ) عَلَى الضِّيقِ (أَوْ لَا عَادَةَ لَهُ عَلَى الضِّيقِ أَنْ يَنْقُصَ نَفْسَهُ عَنْ الْكِفَايَةِ التَّامَّةِ) نَصًّا ; لِأَنَّهُ نَوْعُ إضْرَارٍ بِهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ: أَنَّ الْفَقِيرَ لَا يَقْتَرِضُ لِيَتَصَدَّقَ، لَكِنْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي فَقِيرٍ لِقَرِيبِهِ وَلِيمَةٌ يَسْتَقْرِضُ، وَيُهْدِي لَهُ. ذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي الطَّبَقَاتِ.
(وَمَنْ مَيَّزَ شَيْئًا لِلصَّدَقَةِ) بِهِ (أَوْ وَكَّلَ فِيهِ) أَيْ الصَّدَقَةِ بِشَيْءٍ (ثُمَّ بَدَا لَهُ) أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ بِهِ (سُنَّ) لَهُ (إمْضَاؤُهُ) مُخَالَفَةً لِلنَّفْسِ وَالشَّيَاطِينِ. وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إمْضَاؤُهُ ; لِأَنَّهَا لَا تُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ.
و (لَا) يُسَنُّ لَهُ (إبْدَالُ مَا أَعْطَى سَائِلًا فَسَخِطَهُ) فَإِنْ قَبَضَهُ وَسَخِطَهُ لَمْ يُعْطِ لِغَيْرِهِ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ، رَوَاهُ الْخَلَّالُ، وَفِيهِ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ ضَعِيفٌ. قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ فِي الْأَظْهَرِ: أَنَّ أَخْذَ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ أَوْلَى مِنْ الزَّكَاةِ، وَإِنْ أَخَذَهَا سِرًّا أَوْلَى (وَالْمَنُّ بِالصَّدَقَةِ) وَغَيْرِهَا (كَبِيرَةٌ) عَلَى نَصِّهِ، الْكَبِيرَةُ مَا فِيهِ حَدٌّ فِي الدُّنْيَا، أَوْ وَعِيدٌ فِي الْآخِرَةِ (وَيَبْطُلُ الثَّوَابُ بِهِ) أَيْ: الْمَنِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة: 264] قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلِأَصْحَابِنَا خِلَافٌ فِيهِ وَفِي إبْطَالِ طَاعَةٍ بِمَعْصِيَةٍ. وَاخْتَارَ شَيْخُنَا الْإِحْبَاطَ بِمَعْنَى الْمُوَازَنَةِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَر السَّلَفِ.