الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَحْمَدُ: أَنَّهُ يُحْتَسَبُ مَا أَهْدَاهُ لِلْعَامِلِ مِنْ الزَّكَاةِ أَيْضًا، وَيَأْتِي مَنْ ظُلِمَ فِي خَرَاجِهِ لَمْ يَحْتَسِبْهُ مِنْ عُشْرِهِ، أَيْ: إذَا لَمْ يَنْوِهِ زَكَاةً كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْقَاضِي وَالْمُوَفَّقِ فِي بَعْضِ الْمُوَاضِعِ. .
[بَابُ مَنْ يُجْزِئُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ وَمَنْ لَا يُجْزِئُ]
وَحُكْمِ السُّؤَالِ وَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ (أَهْلُ) أَخْذِ (الزَّكَاةِ ثَمَانِيَةُ) أَصْنَافٍ، فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا لِغَيْرِهِمْ كَبِنَاءِ مَسَاجِدَ وَقَنَاطِرَ وَتَكْفِينِ مَوْتَى وَسَدِّ بُثُوقٍ، وَوَقْفِ مَصَاحِفَ وَغَيْرِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60]- الْآيَةَ " وَكَلِمَةُ " إنَّمَا " تُفِيدُ الْحَصْرَ، فَتُثْبِتُ الْمَذْكُورَيْنِ وَتَنْفِي مَنْ عَدَاهُمْ. وَكَذَا تَعْرِيفُ " الصَّدَقَاتِ " بِأَلْ، فَإِنَّهُ يَسْتَغْرِقُهَا، فَلَوْ جَازَ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْهَا إلَى غَيْرِ الثَّمَانِيَةِ لَكَانَ لَهُمْ بَعْضُهَا لَا كُلُّهَا. وَلِحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ نَبِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ فِي الصَّدَقَاتِ حَتَّى حَكَمَ هُوَ فِيهَا فَجَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ فَإِنْ كُنْت مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُكَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
الْأَوَّلُ (فَقِيرٌ، مَنْ لَمْ يَجِدْ) شَيْئًا أَوْ لَمْ يَجِدْ (نِصْفَ كِفَايَتِهِ) فَهُوَ أَشَدُّ حَاجَةً مِنْ الْمِسْكِينِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى بَدَأَ بِهِ. وَإِنَّمَا يَبْدَأُ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ، وَقَالَ تَعَالَى:{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: 79] وَلِاشْتِقَاقِ الْفَقِيرِ مِنْ فِقَر الظَّهْرِ بِمَعْنَى مَفْقُورٍ، وَهُوَ الَّذِي نُزِعَتْ فِقْرَةُ ظَهْرِهِ. فَانْقَطَعَ صُلْبُهُ.
(وَ) الثَّانِي (مِسْكِينٌ: مَنْ يَجِدُ نِصْفَهَا) أَيْ الْكِفَايَةِ (أَوْ أَكْثَرَهَا) مِنْ السُّكُونِ ; لِأَنَّهُ أَسْكَنَتْهُ الْحَاجَةُ، وَمَنْ كُسِرَ صُلْبُهُ أَشَدُّ حَاجَةً مِنْ السَّاكِنِ. فَالْفُقَرَاءُ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ الْكِفَايَةِ، كَعُمْيَانٍ وَزَمْنَى ; لِأَنَّهُمْ غَالِبًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى اكْتِسَابٍ يَقَعُ الْمَوْقِعَ مِنْ كِفَايَتِهِمْ، وَرُبَّمَا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ أَصْلًا، قَالَ تَعَالَى:{لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 273] الْآيَةَ.
و (يُعْطَيَانِ) أَيْ الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ (تَمَامَ كِفَايَتِهِمَا مَعَ) كِفَايَةِ (عَائِلَتِهِمَا سَنَةً) مِنْ الزَّكَاةِ ; لِأَنَّ وُجُوبَهَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْحَوْلِ، فَيُعْطَى مَا يَكْفِيهِ إلَى مِثْلِهِ. وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ عَائِلَتِهِمَا مَقْصُودٌ دَفْعُ حَاجَتِهِ فَيُعْتَبَرُ لَهُ مَا يُعْتَبَرُ لِلْمُنْفَرِدِ (حَتَّى وَلَوْ كَانَ احْتِيَاجُهُمَا ب) سَبَبِ (إتْلَافِ مَا لَهُمَا فِي الْمَعَاصِي) لِصِدْقِ اسْمِ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ عَلَيْهِمَا حِينَ الْأَخْذِ.
(وَمَنْ مَلَكَ وَلَوْ) كَانَ مَا مَلَكَهُ (مِنْ أَثْمَانٍ
مَا) أَيْ: قَدْرًا (لَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ) وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ، وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ نِصَابٍ (فَلَيْسَ بِغَنِيٍّ) فَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ ; لِأَنَّ الْغَنِيَّ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْكِفَايَةُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا حَرُمَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا حَلَّتْ لَهُ مَسْأَلَتُهَا،
قَالَ الْمَيْمُونِيُّ: ذَاكَرْت أَحْمَدَ، فَقُلْت: قَدْ يَكُونُ لِلرَّجُلِ الْإِبِلُ وَالْغَنَمُ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَهُوَ فَقِيرٌ، وَيَكُونُ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً، وَتَكُونُ لَهُ الضَّيْعَةُ لَا تَكْفِيهِ، يُعْطَى مِنْ الصَّدَقَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَذَكَرَ قَوْلَ عُمَرَ " أَعْطُوهُمْ وَإِنْ رَاحَتْ - أَيْ: رَجَعَتْ - عَلَيْهِمْ مِنْ الْإِبِلِ كَذَا وَكَذَا " قُلْت: فَلِهَذَا قُدِّرَ مِنْ الْعَدَدِ أَوْ الْوَقْتِ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ، وَقَالَ: إذَا كَانَ لَهُ عَقَارٌ وَضِيعَةٌ يَسْتَغِلُّهَا عَشَرَةُ آلَافٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ لَا تُقِيمُهُ، أَيْ: تَكْفِيهِ، يَأْخُذُ مِنْ الزَّكَاةِ.
(وَإِنْ تَفَرَّغَ قَادِرٌ عَلَى التَّكَسُّبِ) تَفَرُّغًا كُلِّيًّا (لِلْعِلْمِ) الشَّرْعِيِّ (لَا) إنْ تَفَرَّغَ (لِلْعِبَادَةِ وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ) بَيْنَ التَّكَسُّبِ وَالِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ (أُعْطِيَ) مِنْ زَكَاةٍ لِحَاجَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعِلْمُ لَازِمًا لَهُ يَتَعَدَّى نَفْعُهُ، بِخِلَافِ الْعِبَادَةِ، وَيَجُوزُ أَخْذُهُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ الَّتِي لَا بُدَّ لِمَصْلَحَةِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ مِنْهَا. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
(وَ) الثَّالِثُ (عَامِلٌ عَلَيْهَا، كَجَابٍ) يَبْعَثُهُ إمَامٌ لِأَخْذِ زَكَاةٍ مِنْ أَرْبَابِهَا (وَحَافِظٍ، وَكَاتِبٍ، وَقَاسِمٍ) وَمَنْ يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِيهَا لِدُخُولِهِمْ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: 60]«وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَبْعَثُ عَلَى الصَّدَقَةِ سُعَاةً وَيُعْطِيهِمْ عِمَالَتَهُمْ» (وَشَرْطُهُ: كَوْنُهُ) أَيْ: الْعَامِلِ (مُكَلَّفًا) لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ لِلْقَبْضِ (مُسْلِمًا) لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَاشْتُرِطَ فِيهَا الْإِسْلَامُ ; كَسَائِرِ الْوِلَايَاتِ (أَمِينًا) لِأَنَّ غَيْرَهُ يَذْهَبُ بِمَالِ الزَّكَاةِ وَيُضَيِّعُهُ (كَافِيًا) لِأَنَّهَا ضَرْبٌ مِنْ الْوِلَايَةِ (مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْقُرْبَى) وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَمِثْلُهُمْ مَوَالِيهِمْ. «لِأَنَّ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ وَعَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ سَأَلَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبْعَثَهُمَا عَلَى الصَّدَقَةِ فَأَبِي أَنْ يَبْعَثَهَا، وَقَالَ: إنَّمَا هَذِهِ أَوْسَاخُ النَّاسِ وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ مُخْتَصَرًا (وَلَوْ) كَانَ (قِنًّا) فَلَا تُشْتَرَطُ حُرِّيَّتُهُ لِحَدِيثِ «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّهُ يَحْصُلُ مِنْهُ الْمَقْصُود، أَشْبَهَ الْحُرَّ.
(أَوْ) كَانَ الْعَامِلُ (غَنِيًّا) لِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ: لِعَامِلٍ أَوْ رَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ، أَوْ غَارِمٍ، أَوْ غَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ مِسْكِينٍ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ مِنْهَا فَأَهْدَى مِنْهَا لِغَنِيٍّ»
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، وَلَا كَوْنُهُ فَقِيهًا، إذَا عَلِمَ بِمَا يَأْخُذُهُ، وَكَتَبَ لَهُ، كَمَا كَتَبَ صلى الله عليه وسلم لِعُمَّالِهِ فَرَائِضَ الصَّدَقَةِ. وَكَذَا الصِّدِّيقُ رضي الله عنه. وَاشْتِرَاطُ ذُكُورِيَّتِهِ أَوْلَى، لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ.
(وَيُعْطَى) عَامِلٌ (قَدْرَ أُجْرَتِهِ مِنْهَا) أَيْ: الزَّكَاةِ جَاوَزَتْ ثَمَنَ مَا جَبَاهُ أَوْ لَا نَصًّا. وَذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (إلَّا إنْ تَلِفَتْ) الزَّكَاةُ (بِيَدِهِ) أَيْ: الْعَامِلِ (بِلَا تَفْرِيطٍ) مِنْهُ (ف) أَنَّهُ يُعْطَى أُجْرَتَهُ (مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّ لِلْإِمَامِ رِزْقَهُ عَلَى عَمَلِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَيُوَفِّرُ الزَّكَاةَ عَلَى أَهْلِهَا، فَإِذَا تَلِفَتْ تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَلَا ضَمَانَ عَلَى عَامِلٍ لَمْ يُفَرِّطْ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَلَهُ الْأَخْذُ وَلَوْ تَطَوَّعَ بِعَمَلِهِ لِقِصَّةِ عُمَرَ، وَلَهُ تَفْرِقَةُ الزَّكَاةِ إنْ أَذِنَ لَهُ. وَكَذَا مَعَ الْإِطْلَاقِ وَإِلَّا فَلَا، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُسَمِّيَ أَوْ يَعْقِدَ لَهُ إجَارَةً وَأَنْ يَبْعَثَهُ بِغَيْرِهِمَا.
(وَإِنْ عَمِلَ) عَلَيْهَا أَيْ: الزَّكَاةِ (إمَامٌ أَوْ) عَمِلَ عَلَيْهَا (نَائِبُهُ) بِأَنْ جَبَاهَا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ بِلَا بَعْثِ عُمَّالٍ (لَمْ يَأْخُذْ) مِنْهَا (شَيْئًا) لِأَنَّهُ يَأْخُذُ رِزْقَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.
(وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ مَالِكِ) مَالٍ مُزَكًّى (عَلَى عَامِلٍ بِوَضْعِهَا) أَيْ: الزَّكَاةِ (فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا) لِأَنَّ شَهَادَتَهُ لَا تَدْفَعُ عَنْهُ ضَرَرًا، وَلَا تَجُرُّ إلَيْهِ نَفْعًا، لِبَرَاءَتِهِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ مُطْلَقًا بِخِلَافِ شَهَادَةِ الْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ، فَلَا تُقْبَلُ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ فِيهَا (وَيُصَدَّقُ) رَبُّ الْمَالِ (فِي دَفْعِهَا إلَيْهِ) أَيْ: الْعَامِلِ (بِلَا يَمِينٍ) لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ عَلَى عِبَادَتِهِ (وَيَحْلِفُ عَامِلٌ) أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ (وَيَبْرَأُ) مِنْ عُهْدَتِهَا فَتَضِيعُ عَلَى الْفُقَرَاءِ ; لِأَنَّهُ أَمِينٌ (وَإِنْ ثَبَتَ) عَلَى عَامِلٍ أَخَذَ زَكَاةٍ مِنْ أَرْبَابِهَا (وَلَوْ بِشَهَادَةِ بَعْضٍ) مِنْهُمْ (لِبَعْضٍ بِلَا تَخَاصُمٍ) بَيْنَ عَامِلٍ وَشَاهِدٍ قُبِلَتْ، و (غَرِمَ) الْعَامِلُ لِأَهْلِ الزَّكَاةِ مَا ثَبَتَ عَلَيْهِ أَخْذُهُ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الزَّكَاةِ لِعَامِلٍ أَوْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ (وَيُصَدَّقُ عَامِلٌ فِي) دَعْوَى (دَفْعِ) زَكَاةٍ (لِفَقِيرٍ) فَيَبْرَأُ مِنْهَا (وَ) يُصَدَّقُ (فَقِيرٌ فِي عَدَمِهِ) أَيْ: الدَّفْعِ إلَيْهِ مِنْهَا، وَظَاهِرُهُ: بِلَا يَمِينٍ، فَيَأْخُذُ مِنْ زَكَاةٍ أُخْرَى، وَيُقْبَلُ إقْرَارُ عَامِلٍ بِقَبْضِ زَكَاةٍ وَلَوْ بَعْدَ عَزْلِهِ، كَحَاكِمٍ أَقَرَّ بِحُكْمٍ بَعْدَ عَزْلِهِ.
(وَيَجُوزُ كَوْنُ حَامِلِهَا) أَيْ: الزَّكَاةِ (وَرَاعِيهَا مِمَّنْ مَنَعَهَا) أَيْ: الزَّكَاةَ، لِقِيَامِ مَانِعٍ بِهِ كَكَوْنِهِ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى أَوْ كَافِرًا، قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: بِلَا خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ; لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ أُجْرَةً لِعَمَلِهِ لَا لِعِمَالَتِهِ.
(وَ) الرَّابِعُ (مُؤَلَّفٌ لِلْآيَةِ) وَهُوَ (السَّيِّدُ الْمُطَاعُ فِي عَشِيرَتِهِ مِمَّنْ يُرْجَى إسْلَامُهُ أَوْ يُخْشَى شَرُّهُ) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ: وَإِنَّمَا الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْيَمَنِ الصَّدَقَةُ (أَوْ يُرْجَى بِعَطِيَّتِهِ قُوَّةُ إيمَانِهِ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ «هُمْ قَوْمٌ كَانُوا يَأْتُونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَرْضَخُ لَهُمْ مِنْ الصَّدَقَاتِ فَإِذَا أَعْطَاهُمْ مِنْ الصَّدَقَةِ، قَالُوا هَذَا دِينٌ صَالِحٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ عَابُوهُ» رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّفْسِيرِ (أَوْ) يُرْجَى بِعَطِيَّتِهِ (إسْلَامُ نَظِيرِهِ) لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه أَعْطَى عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ وَالزِّبْرِقَانَ بْنَ بَدْرٍ، مَعَ حُسْنِ نِيَّاتِهِمَا وَإِسْلَامِهِمَا، رَجَاءَ إسْلَامِ نَظَائِرِهِمَا (أَوْ) لِأَجْلِ (جِبَايَتِهَا) أَيْ: الزَّكَاةِ (مِمَّنْ لَا يُعْطِيهَا) إلَّا بِالتَّخْوِيفِ (أَوْ) لِأَجْلِ (دَفْعٍ عَنْ الْمُسْلِمِينَ) بِأَنْ يَكُونُوا فِي أَطْرَافِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، إذَا أُعْطُوا مِنْ الزَّكَاةِ دَفَعُوا الْكُفَّارَ عَمَّنْ يَلِيهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَإِلَّا فَلَا.
(وَيُعْطَى) مُؤَلَّفٌ مِنْ زَكَاةٍ (مَا) أَيْ قَدْرًا (يَحْصُلُ بِهِ التَّأْلِيفُ) لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ (يُقْبَلُ قَوْلُهُ) أَيْ: الْمُطَاعِ فِي عَشِيرَتِهِ (فِي ضَعْفِ إسْلَامِهِ) لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ و (لَا) يُقْبَلُ قَوْلُهُ (إنَّهُ مُطَاعٌ) فِي عَشِيرَتِهِ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ) لِعَدَمِ تَعَذُّرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ: بَقَاءُ حُكْمِ مُؤَلَّفَةٍ ; لِأَنَّ الْآيَةَ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ، وَصَحَّتْ الْأَحَادِيثُ بِإِعْطَائِهِمْ وَدَعْوَى الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ تَأَلُّفِهِمْ خَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ، فَإِنَّ الْكَلَامَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ، وَرَآهُ الْإِمَامُ مَصْلَحَةً، وَعَدَمُ إعْطَاءِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ لَهُمْ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، لَا لِسُقُوطِ سَهْمِهِمْ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الصَّرْفُ لَهُمْ رَدَّ عَلَى بَاقِي الْأَصْنَافِ، وَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ مَا يَأْخُذُهُ لِيَكُفَّ شَرَّهُ، كَأَخْذِ الْعَامِلِ الْهَدِيَّةَ.
(وَ) الْخَامِسُ (مُكَاتَبٌ) قَدَرَ عَلَى تَكَسُّبٍ أَوْ لَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60](وَلَوْ قَبْلَ حُلُولِ نَجْمٍ) عَلَى مُكَاتَبٍ، لِئَلَّا يَحِلَّ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ، فَتَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ. (وَيُجْزِئُ) مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ (أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهَا رَقَبَةً لَا تَعْتِقُ عَلَيْهِ) لِرَحِمٍ أَوْ تَعْلِيقٍ (فَيُعْتِقُهَا) عَنْ زَكَاتِهِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى:{وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60] وَهُوَ مُتَنَاوِلٌ لِلْقِنِّ، بَلْ هُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ ; لِأَنَّ الرَّقَبَةَ إذَا أُطْلِقَتْ انْصَرَفَتْ إلَيْهِ.
وَتَقْدِيرُهَا: وَفِي إعْتَاقِ الرِّقَابِ
(وَيُجْزِئُ مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ أَنْ يَفْدِيَ بِهَا أَسِيرًا مُسْلِمًا) نَصًّا ; لِأَنَّهُ فَكَّ رَقَبَةً مِنْ الْأَسْرِ، فَهُوَ كَفَكِّ الْقِنِّ مِنْ الرِّقِّ، وَإِعْزَازٌ لِلدِّينِ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَمِثْلُهُ لَوْ دَفَعَ إلَى فَقِيرٍ مُسْلِمٍ غَرَّمَهُ سُلْطَانٌ مَالًا لِيَدْفَعَ جَوْرَهُ. و (لَا) يُجْزِئُ مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ (أَنْ يُعْتِقَ قِنَّهُ أَوْ مُكَاتَبَهُ عَنْهَا) أَيْ: زَكَاتِهِ لِأَنَّ أَدَاءَ زَكَاةِ كُلِّ مَالٍ تَكُونُ مِنْ جِنْسِهِ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ. وَكَذَا لَا يُجْزِئُ الدَّفْعُ مِنْهَا لِمَنْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِأَدَاءِ مَالٍ ; لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ، وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِ تِجَارَةٍ لَمْ يُجْزِئْهُ ; لِأَنَّ الزَّكَاةَ فِي قِيمَتِهِمْ لَا فِي عَيْنِهِمْ (وَمَا أَعْتَقَ) إمَامٌ أَوْ (سَاعٍ مِنْهَا) أَيْ: الزَّكَاةِ (فَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّهُ نَائِبُهُمْ وَمَا أَعْتَقَ رَبُّ الْمَالِ مِنْهَا، فَوَلَاؤُهُ لَهُ.
(و) السَّادِسُ (غَارِمٌ) وَهُوَ ضَرْبَانِ: الْأَوَّلُ (تَدَيَّنَ لَا بِإِصْلَاحِ ذَاتِ بَيْنٍ) أَيْ: وَصْلٍ، كَقَبِيلَتَيْنِ أَوْ أَهْلِ قَرْيَتَيْنِ وَلَوْ ذِمِّيَّيْنِ تَشَاجَرُوا فِي دِمَاءٍ أَوْ أَمْوَالٍ، وَخِيفَ مِنْهُ فَتَوَسَّطَ بَيْنَهُمْ رَجُلٌ، وَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ وَأَلْزَمَ فِي ذِمَّتِهِ مَالًا عِوَضًا عَمَّا بَيْنَهُمْ، لِتَسْكِينِ الْفِتْنَةِ، فَقَدْ أَتَى مَعْرُوفًا عَظِيمًا، فَكَانَ مِنْ الْمَعْرُوفِ حَمْلُهُ عَنْهُ مِنْ الصَّدَقَةِ، لِئَلَّا يُجْحَفَ بِسَادَةِ الْقَوْمِ الْمُصْلِحِينَ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ، فَيَحْتَمِلُ الرَّجُلُ الْحَمْلَةَ - بِفَتْحِ الْحَاءِ - ثُمَّ يَخْرُجُ فِي الْقَبَائِلِ، يَسْأَلُ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا، فَأَقَرَّتْ الشَّرِيعَةُ ذَلِكَ، وَأَبَاحَتْ الْمَسْأَلَةَ فِيهِ، وَفِي مَعْنَاهُ مَا ذُكِرَ بِقَوْلِهِ (أَوْ تَحَمَّلَ إتْلَافًا أَوْ نَهْيًا عَنْ غَيْرِهِ) فَيَأْخُذُ مِنْ زَكَاتِهِ (وَلَوْ) كَانَ (غَنِيًّا) لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ فَأَشْبَهَ الْمُؤَلَّفَ، وَالْعَامِلَ (وَلَمْ يَدْفَعْ مِنْ مَالِهِ) مَا نَحْمِلُهُ ; لِأَنَّهُ إذَا دَفَعَهُ مِنْهُ لَمْ يَصِرْ مَدِينًا، وَإِنْ اقْتَرَضَ وَوَفَّاهُ فَلَهُ الْأَخْذُ بِوَفَائِهِ، لِبَقَاءِ الْغُرْمِ (أَوْ لَمْ يَحِلَّ) الدَّيْنُ، فَلَهُ الْأَخْذُ، لِظَاهِرِ حَدِيثِ قَبِيصَةَ (أَوْ) كَانَ مَا لَزِمَهُ (ضَمَانًا) بِأَنْ ضَمِنَ غَيْرَهُ فِي دَيْنٍ (وَأَعْسَرَا) أَيْ: الْمَضْمُونُ وَالضَّامِنُ، فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْأَخْذُ مِنْ زَكَاةٍ لِوَفَائِهِ، فَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ الدَّفْعُ إلَيْهِمَا، وَلَا إلَى أَحَدِهِمَا. وَالثَّانِي مِنْ ضَرْبِ الْغَارِمِ: مَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ تَدَيَّنَ لِشِرَاءِ نَفْسِهِ مِنْ كُفَّارٍ، أَوْ) تَدَيَّنَ (لِنَفْسِهِ) فِي شَيْءٍ (مُبَاحٍ، أَوْ) تَدَيَّنَ لِنَفْسِهِ (فِي) شَيْءٍ (مُحَرَّمٍ، وَتَابَ) مِنْهُ (وَأَعْسَرَ) بِالدَّيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْغَارِمِينَ} [التوبة: 60](وَيُعْطَى) غَارِمٌ (وَفَاءَ دَيْنِهِ، كَمُكَاتَبٍ) لِانْدِفَاعِ حَاجَتِهِمَا بِهِ، وَدَيْنُ اللَّهِ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ (وَلَا يُقْضَى مِنْهَا) أَيْ الزَّكَاةِ (دَيْنٌ
عَلَى مَيِّتٍ) لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِقَبُولِهَا، كَمَا لَوْ كَفَّنَهُ مِنْهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ اسْتَدَانَهُ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ بَيْنٍ أَوْ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ.
(السَّابِعُ: غَازٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60](بِلَا دِيوَانٍ، أَوْ لَهُ) فِي الدِّيوَانِ (مَا لَا يَكْفِيهِ) لِغَزْوِهِ (فَيُعْطَى) وَلَوْ غَنِيًّا ; لِأَنَّهُ لِحَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ (مَا يَحْتَاجُ) إلَيْهِ (لِغَزْوِهِ) ذَهَابًا وَإِيَابًا، وَثَمَنَ سِلَاحٍ وَدِرْعٍ وَفَرَسٍ، إنْ كَانَ فَارِسًا، وَلَا يُجْزِئُ إنْ اشْتَرَاهُ رَبُّ مَالٍ، ثُمَّ دَفَعَهُ لِغَازٍ ; لِأَنَّهُ كَدَفْعِ الْقِيمَةِ. .
(وَيُجْزِئُ) أَنْ يُعْطَى مِنْ زَكَاةِ (الْحَجِّ فَرْضَ فَقِيرٍ وَعُمْرَتَهُ) فَيُعْطَى مَا يَحُجُّ بِهِ فَقِيرٌ عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ يَعْتَمِرُ، أَوْ يُعِينُهُ فِيهِمَا لِحَدِيثِ «الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ الرِّبَاطَ كَالْغَزْوِ.
و (لَا) يُجْزِئُ (أَنْ يَشْتَرِيَ) مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ (مِنْهَا فَرَسًا يَحْبِسُهَا) فِي سَبِيلِ اللَّهِ (أَوْ) أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهَا (عَقَارًا يَقِفُهُ عَلَى الْغُزَاةِ) لِعَدَمِ الْإِيتَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ.
و (لَا) يُجْزِئُ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ (غَزْوَةً عَلَى فَرَسٍ) أَوْ بِدِرْعٍ وَنَحْوِهِ (مِنْهَا) أَيْ زَكَاتِهِ ; لِأَنَّ نَفْسَهُ لَيْسَتْ مَصْرِفًا لِزَكَاتِهِ، كَمَا لَا يَقْضِي بِهَا دَيْنَهُ.
(وَلِلْإِمَامِ شِرَاءُ فَرَسٍ بِزَكَاةِ رَجُلٍ وَدَفْعِهَا) أَيْ: الْفَرَسِ (إلَيْهِ) أَيْ: رَبِّ زَكَاةٍ (يَغْزُو عَلَيْهَا) لِأَنَّهُ بَرِيءَ مِنْهَا بِدَفْعِهَا لِلْإِمَامِ، وَتَقَدَّمَ: لِإِمَامٍ رَدُّ زَكَاةٍ وَفِطْرَةٍ إلَى مَنْ أُخِذَتَا مِنْهُ (وَإِنْ لَمْ يَغْزُ) مَنْ أَخَذَ فَرَسًا أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الزَّكَاةِ (رَدَّهَا) عَلَى إمَامٍ، لِأَنَّهُ أَعْطَى عَلَى عَمَلٍ، وَلَمْ يَعْمَلْهُ، نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: إذَا خَرَجَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَكَلَ مِنْ الصَّدَقَةِ.
(الثَّامِنُ: ابْنُ السَّبِيلِ) لِلْآيَةِ وَهُوَ الْمُسَافِرُ (الْمُنْقَطِعُ بِغَيْرِ بَلَدِهِ فِي سَفَرٍ مُبَاحٍ، أَوْ) فِي سَفَرٍ (مُحَرَّمٍ وَتَابَ مِنْهُ) لِأَنَّ التَّوْبَةَ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا. وَ (لَا) يُعْطَى ابْنُ السَّبِيلِ فِي سَفَرٍ (مَكْرُوهٍ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ.
(وَ) لَا فِي سَفَرِ (نُزْهَةٍ) لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَمَنْ يُرِيدُ إنْشَاءَ سَفَرٍ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ، فَلَيْسَ بِابْنِ السَّبِيلِ ; لِأَنَّ السَّبِيلَ هِيَ الطَّرِيقُ، وَسُمِّيَ مَنْ بِغَيْرِ بَلَدِهِ ابْنَ السَّبِيلِ لِمُلَازَمَتِهِ لَهَا، كَمَا يُقَالُ: وَلَدُ اللَّيْلِ، لِمَنْ يَكْثُرُ خُرُوجُهُ فِيهِ، وَابْنُ الْمَاءِ لِطَيْرِهِ، لِمُلَازَمَتِهِ لَهُ.
(وَيُعْطَى) ابْنُ السَّبِيلِ (وَلَوْ وَجَدَ مُقْرِضًا مَا يُبَلِّغُهُ بَلَدُهُ) وَلَوْ مُوسِرًا فِي بَلَدِهِ، لِعَجْزِهِ عَنْ الْوُصُولِ لِمَالِهِ، كَمَنْ سَقَطَ مَتَاعُهُ فِي بَحْرٍ، أَوْ ضَاعَ مِنْهُ، أَوْ غُصِبَ فَعَجَزَ عَنْهُ (أَوْ) مَا يُبَلِّغُهُ (مُنْتَهَى قَصْدِهِ وَعَوْدِهِ إلَيْهَا) أَيْ: بَلَدِهِ، كَمَنْ قَصَدَ بَلَدًا، وَسَافَرَ إلَيْهِ، وَاحْتَاجَ قَبْلَ وُصُولِهِ، فَيُعْطَى مَا يَصِلُ بِهِ إلَيْهِ، ثُمَّ يَعُودُ بِهِ إلَى بَلَدِهِ بِخِلَافِ مُنْشِئِ السَّفَرِ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا فَارَقَ وَطَنَهُ لِغَرَضٍ مَقْصُودٍ وَشُرِعَ
فِيهِ، فَإِذَا انْقَطَعَ عَنْهُ بِعَدَمِ الْإِعْطَاءِ حَصَلَ لَهُ ضَرَرٌ بِضَيَاعِ تَعَبِهِ وَسَفَرِهِ، وَالْمُرِيدُ إنْشَاءَ سَفَرٍ لَمْ يَضَعْ عَلَيْهِ شَيْءٍ، بَلْ مَقَامُهُ بِبَلَدِهِ مَظِنَّةَ الرِّفْقِ بِهِ، وَيُقْبَلُ قَوْلُ ابْنِ السَّبِيلِ فِي الْحَاجَةِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ بِالْمَحَلِّ الَّذِي هُوَ بِهِ، وَفِي إرَادَةِ الرُّجُوعِ إلَى بَلَدِهِ بِلَا بَيِّنَةٍ.
(وَإِنْ سَقَطَ مَا عَلَى غَارِمٍ) مِنْ دَيْنٍ (أَوْ) سَقَطَ مَا عَلَى (مُكَاتَبٍ) مِنْ مَالِ كِتَابَةٍ (أَوْ فَضَلَ مَعَهُمَا) أَيْ: الْغَارِمِ وَالْمُكَاتَبِ شَيْءٌ عَنْ الْوَفَاءِ (أَوْ) فَضَلَ (مَعَ غَازٍ أَوْ ابْنِ سَبِيلٍ شَيْءٌ بَعْدَ حَاجَتِهِ رَدَّ) غَارِمٌ أَوْ مُكَاتَبٌ سَقَطَ مَا عَلَيْهِ (الْكُلَّ) أَيْ: مَا أَخَذَهُ (أَوْ) رَدَّ مَنْ فَضَلَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ غَارِمٍ وَمُكَاتَبٍ وَغَازٍ وَابْنِ سَبِيلٍ (مَا فَضَلَ) مَعَهُ، لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ مُرَاعِي، فَإِنْ صَرَفَهُ فِي جِهَتِهِ الَّتِي اسْتَحَقَّ أَخْذَهُ لَهَا، وَإِلَّا اسْتَرْجَعَ مِنْهُ (وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ) وَهُمْ الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ وَالْعَامِلُونَ عَلَى الزَّكَاةِ وَالْمُؤَلَّفَةُ (يَتَصَرَّفُ فِي فَاضِلٍ بِمَا شَاءَ) لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَضَافَ الزَّكَاةَ إلَيْهِمْ فَاللَّامُ الْمِلْكِ، ثُمَّ قَالَ {وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60] وَلِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ الزَّكَاةَ لِمَعْنًى يَحْصُلُ بِأَخْذِهِمْ، وَهُوَ غِنَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَأَدَاءِ أَجْرِ الْعَامِلِينَ، وَتَأْلِيفِ الْمُؤَلَّفَةِ، وَالْأَرْبَعَةُ الْآخَرُونَ يَأْخُذُونَ لِغِنًى لَا يَحْصُلُ بِأَخْذِ الزَّكَاةِ، فَافْتَرَقُوا.
(وَلَوْ اسْتَدَانَ مُكَاتَبٌ مَا) أَيْ: مَالًا أَدَّاهُ لِسَيِّدِهِ (عَتَقَ بِهِ) أَيْ: بِأَدَائِهِ (وَبِيَدِهِ) أَيْ: الْمُكَاتَبِ (مِنْهَا) أَيْ: الزَّكَاةِ (بِقَدْرِهِ) أَيْ: مَا اسْتَدَانَهُ (فَلَهُ) أَيْ: الْمُكَاتَبِ (صَرْفُهُ) أَيْ: مَا بِيَدِهِ مِنْهَا (فِيهِ) أَيْ: فِيمَا اسْتَدَانَهُ وَعَتَقَ بِهِ ; لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ، وَمَا أَخَذَهُ غَارِمٌ فَقِيرٌ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ صَرْفُهُ فِي غَيْرِهِ، وَإِنْ دُفِعَ إلَيْهِ لِفَقْرِهِ جَازَ أَنْ يَقْضِيَ بِهِ دَيْنَهُ.
(تُجْزِيهِ) أَيْ زَكَاةٌ (وَكَفَّارَةٌ وَنَحْوُهُمَا) كَنَذْرٍ وَمُطْلَقٍ (لِصَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ) لِصِغَرِهِ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، لِلْعُمُومِ، فَيُصْرَفُ فِي أُجْرَةِ رَضَاعِهِ وَكِسْوَتِهِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ (وَيُقْبَلُ) لَهُ وَلِيُّهُ (وَيَقْبِضُ لَهُ) أَيْ: الصَّغِيرِ الزَّكَاةَ وَالْكَفَّارَةَ وَالْهِبَةَ وَنَحْوَهَا (وَلِيُّهُ) فِي مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمَنْ يَلِيهِ مِنْ أُمٍّ وَغَيْرِهَا ; لِأَنَّ حِفْظَهُ مِنْ الضَّيَاعِ وَالْهَلَاكِ أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ الْوِلَايَةِ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ. مَنْصُوصُ أَحْمَدَ.
(و) تُجْزِئُ زَكَاةٌ وَكَفَّارَةٌ وَنَحْوُهُمَا (لِمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ بِنِسْبَتِهِ) أَيْ: الْبَعْضِ الْحُرِّ مِنْهُ، فَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ يَأْخُذ مِنْ زَكَاةٍ نِصْفَ كِفَايَتِهِ سَنَةً، وَمَنْ ثُلُثُهُ حُرٌّ، يَأْخُذُ ثُلُثَ كِفَايَتِهِ سَنَةً، وَهَكَذَا.
(وَيُشْتَرَطُ)