الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ الصَّلَاةِ]
كِتَابُ الصَّلَاةِ لُغَةً الدُّعَاءُ، قَالَ تَعَالَى:{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] أَيْ اُدْعُ لَهُمْ، وَعُدِّيَ بِعَلَى لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الْإِنْزَالِ، أَيْ أَنْزِلْ رَحْمَتَك عَلَيْهِمْ. وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:«إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ، وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيَصِلْ» . وَشَرْعًا (أَقْوَالٌ) وَلَوْ مُقَدَّرَةً، كَمَنْ أُخْرِسَ (وَأَفْعَالٌ) مَعْلُومَةٌ (مُفْتَتَحَةٌ بِالتَّكْبِيرِ مُخْتَتَمَةٌ بِالتَّسْلِيمِ) لِلْخَبَرِ، سُمِّيَتْ صَلَاةً لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الدُّعَاءِ، مُشْتَقَّةٌ مِنْ الصَّلَوَيْنِ تَثْنِيَةُ صَلَا كَعَصَا. وَهُمَا عِرْقَانِ مِنْ جَانِبَيْ الذَّنَبِ، أَوْ عَظْمَانِ يَنْحَنِيَانِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ; لِأَنَّ رَأْسَ الْمَأْمُومِ عِنْدَ صَلَوَى إمَامِهِ. وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ: إنَّهَا مِنْ صَلَيْت الْعُودَ، إذَا لَيَّنْته، لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَلِينُ وَيَخْشَعُ.
وَفَرْضُهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَكَانَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ بَعْدَ بَعْثَتِهِ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِ خَمْسِ سِنِينَ، وَهِيَ آكَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ (وَتَجِبُ) الصَّلَاةُ (الْخَمْسُ) فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ أَوْ مُبَعَّضٍ (مُكَلَّفٍ) أَيْ بَالِغٍ عَاقِلٍ (غَيْرِ حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ) فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا.
كَمَا تَقَدَّمَ وَإِلَّا لَأُمِرَتَا بِقَضَائِهَا (وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ) أَيْ الْمُسْلِمَ الْمَذْكُورَ (الشَّرْعُ) كَمَنْ أَسْلَمَ بِدَارِ حَرْبٍ وَلَمْ يَبْلُغْهُ أَحْكَامُ الصَّلَاةِ فَيَقْضِيَهَا إذَا عَلِمَ، كَالنَّائِمِ (أَوْ) كَانَ (نَائِمًا) أَوْ سَاهِيًا لِحَدِيثِ «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (أَوْ) كَانَ (مُغَطًّى عَقْلُهُ بِإِغْمَاءٍ) لِمَا رُوِيَ " أَنَّ عَمَّارًا أُغْمِيَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: هَلْ صَلَّيْتُ؟ قَالُوا: مَا صَلَّيْتَ مُنْذُ ثَلَاثٍ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى تِلْكَ الثَّلَاثَ " وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ نَحْوُهُ.
وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ ; وَلِأَنَّ الْإِغْمَاءَ لَا تَطُولُ مُدَّتُهُ غَالِبًا. وَلَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ عَلَى مَنْ تَلَبَّسَ بِهِ. وَيَجُوزُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَلَا يُسْقِطُ الصَّوْمَ. فَكَذَا
الصَّلَاةُ، كَالنَّوْمِ (أَوْ) كَانَ مُغَطًّى عَقْلُهُ (بِشُرْبِ) دَوَاءٍ فَيَقْضِي كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَأَوْلَى أَوْ كَانَ مُغَطًّى عَقْلُهُ بِشُرْبِ (مُحَرَّمٍ) اخْتِيَارًا، لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ.
فَلَا يُنَاسِبُهَا إسْقَاطُ الْوَاجِبِ، أَوْ كُرْهًا، إلْحَاقًا لَهُ بِمَا تَقَدَّمَ (فَيَقْضِي) السَّكْرَانُ زَمَنَ سُكْرِهِ (حَتَّى زَمَنَ جُنُونٍ طَرَأَ) عَلَى السُّكْرِ (مُتَّصِلًا بِهِ) تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَقِيَاسُهُ. الصَّوْمُ وَغَيْرُهُ (وَيَلْزَمُ) مُتَيَقِّظًا (إعْلَامُ نَائِمٍ بِدُخُولِ وَقْتِهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (مَعَ ضِيقِهِ) أَيْ الْوَقْتِ.
وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ نَامَ قَبْلَ دُخُولِهِ ; لِأَنَّهُ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ الْمَأْمُورِ بِهِ، فِي قَوْله تَعَالَى:{وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ} [لقمان: 17] وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ: أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَجِبُ عَلَى كَافِرٍ، بِمَعْنَى: أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِهَا حَالَ كُفْرِهِ وَلَا بِقَضَائِهَا إذَا أَسْلَمَ، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّنْفِيرِ عَنْ الْإِسْلَامِ. وَإِلَّا فَهُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ كَالتَّوْحِيدِ (وَلَا تَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ) لِعَدَمِ النِّيَّةِ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ أَشْبَهَ الطِّفْلَ، حَتَّى لَوْ ضَرَبَ رَأْسَهُ فَجُنَّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَلَا عَلَى الْأَبْلَهِ الَّذِي لَا يُفِيقُ.
(وَإِذَا صَلَّى) كَافِرٌ يَصِحُّ إسْلَامُهُ. حُكِمَ بِهِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. فَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْعِصْمَةَ تَثْبُتُ بِالصَّلَاةِ، وَهِيَ لَا تَكُونُ بِدُونِ الْإِسْلَامِ وَلِقَوْلِ أَنَسٍ " مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَصَلَّى صَلَاتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَهُوَ الْمُسْلِمُ. لَهُ مَا لِلْمُسْلِمِ وَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُسْلِمِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مَوْقُوفًا.
وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ " وَصَلَّى صَلَاتَنَا " أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَةً ; لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُصَلِّيًا بِدُونِهَا، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَشْرُوعَةِ تَخْتَصُّ بِشَرْعِنَا أَشْبَهَتْ الْأَذَانَ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ بِدَارِ إسْلَامٍ أَوْ حَرْبٍ جَمَاعَةً أَوْ مُنْفَرِدًا، بِمَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ أَذَّنَ وَلَوْ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ) أَيْ الْأَذَانِ (كَافِرٌ يَصِحُّ إسْلَامُهُ) وَهُوَ الْمُمَيِّزُ الَّذِي يَعْقِلُهُ (حُكِمَ بِهِ) أَيْ إسْلَامِهِ، لِإِتْيَانِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ. وَمَعْنَى الْحُكْمِ بِهِ: أَنَّهُ لَوْ مَاتَ عَقِبَ ذَلِكَ غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَدُفِنَ بِمَقَابِرِنَا، وَوَرِثَهُ أَقَارِبُهُ الْمُسْلِمُونَ، دُونَ الْكُفَّارِ.
وَلَوْ أَرَادَ الْبَقَاءَ عَلَى الْكُفْرِ، وَقَالَ: صَلَّيْت مُسْتَهْزِئًا وَنَحْوَهُ. لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ (وَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ) أَيْ الْكَافِرِ (ظَاهِرًا) فَيُؤْمَرُ بِإِعَادَتِهَا: لِفَقْدِ شَرْطِهَا، وَهُوَ الْإِسْلَامُ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ وَاغْتَسَلَ وَصَلَّى بِنِيَّةٍ صَحِيحَةٍ فَهِيَ صَحِيحَةٍ (وَلَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِهِ) لِفَقْدِ شَرْطِهِ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ، فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ. وَلَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي صَلَاةٍ وَفِطْرٍ وَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ مَالِهِ، وَلَا
حَجِّهِ، وَلَا صَوْمِهِ قَاصِدًا رَمَضَانَ
(وَلَا تَجِبُ) الصَّلَاةُ (عَلَى صَغِيرٍ) لِحَدِيثِ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ مِنْ جُنُونِهِ» وَلِضَعْفِ عَقْلِهِ وَنِيَّتِهِ. وَلَا تَصِحُّ مِمَّنْ لَمْ يُمَيِّزْ لِفَقْدِ شَرْطِهَا (وَتَصِحُّ) الصَّلَاةُ (مِنْ مُمَيِّزٍ، وَهُوَ مَنْ بَلَغَ) أَيْ اسْتَكْمَلَ (سَبْعًا) مِنْ السِّنِينَ.
وَفِي الْمَطْلَعِ: مَنْ يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيَرُدُّ الْجَوَابَ. وَلَا يَنْضَبِطُ بِسِتٍّ، بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْإِفْهَامِ، وَصَوَّبَهُ فِي الْإِنْصَافِ، وَقَالَ: إنَّ الِاشْتِقَاقَ يَدُلُّ عَلَيْهِ اهـ. وَلَا خِلَافَ فِي صِحَّتِهَا مِنْ الْمُمَيِّزِ.
وَيُشْتَرَطُ لِصَلَاتِهِ مَا يُشْتَرَطُ لِصَلَاةِ الْكَبِيرِ، إلَّا فِي السُّتْرَةِ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ مُفَصَّلًا (وَالثَّوَابُ) أَيْ ثَوَابُ عَمَلِ الْمُمَيِّزِ (لَهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ} [فصلت: 46] فَهُوَ يُكْتَبُ لَهُ، وَلَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ (وَيَلْزَمُ الْوَلِيَّ أَمْرُهُ) أَيْ الْمُمَيِّزِ (بِهَا) أَيْ بِالصَّلَاةِ (ل) تَمَامِ (سَبْعِ) سِنِينَ (وَ) يَلْزَمُهُ (تَعْلِيمُهُ إيَّاهَا) أَيْ الصَّلَاةَ.
(وَ) تَعْلِيمُهُ (الطَّهَارَةَ ك) مَا يَلْزَمُ الْوَلِيَّ فِعْلُ مَا فِيهِ (إصْلَاحُ مَالِهِ.
و) كَمَا يَلْزَمُهُ (كَفُّهُ عَنْ الْمَفَاسِدِ) لِيَنْشَأَ عَلَى الْكَمَالِ (وَ) لَزِمَهُ أَيْضًا (ضَرْبُهُ عَلَى تَرْكِهَا لِعَشْرِ) سِنِينَ تَامَّةٍ، لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَالْأَمْرُ وَالتَّأْدِيبُ لِتَمْرِينِهِ عَلَيْهَا حَتَّى يَأْلَفَهَا وَيَعْتَادَهَا، فَلَا يَتْرُكَهَا.
وَأَمَّا وُجُوبُ تَعْلِيمِهِ إيَّاهَا وَالطَّهَارَةَ فَلِتَوَقُّفِ فِعْلِهَا عَلَيْهِ، فَإِنْ احْتَاجَ إلَى أُجْرَةٍ فَمِنْ مَالِ الصَّغِيرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ (وَإِنْ بَلَغَ) الصَّغِيرُ (فِي) صَلَاةٍ (مَفْرُوضَةٍ) بِأَنْ تَمَّتْ مُدَّةُ الْبُلُوغِ وَهُوَ فِيهَا فِي وَقْتِهَا لَزِمَهُ إعَادَتُهَا.
وَسُمِّيَ بُلُوغًا لِبُلُوغِهِ حَدَّ التَّكْلِيفِ (أَوْ) بَلَغَ (بَعْدَهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (فِي وَقْتِهَا لَزِمَهُ إعَادَتُهَا) كَالْحَجِّ. وَلِأَنَّهَا نَافِلَةٌ فِي حَقِّهِ. فَلَمْ تُجْزِئْهُ عَنْ الْفَرِيضَةِ، فَإِنْ بَلَغَ بَعْدَ الْوَقْتِ، فَلَا إعَادَةَ عَلَى مَا يَأْتِي (مَعَ) إعَادَةِ (تَيَمُّمٍ) لَهَا ; لِأَنَّ تَيَمُّمَهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ كَانَ لِنَافِلَةٍ،
فَلَا يَسْتَبِيحُ بِهِ الْفَرِيضَةَ (وَ) لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ (وُضُوءٍ) وَلَا غُسْلِ نَحْوِ جِمَاعٍ ; لِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ.
(وَ) لَا إعَادَةَ (إسْلَامٍ) لِأَنَّهُ أَصْلُ الدِّينِ، فَلَا يَصِحُّ نَفْلًا. فَإِذَا وُجِدَ فَعَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ، وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ بِفِعْلِ غَيْرِهِ كَأَبِيهِ (وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ لَزِمَتْهُ) فَرِيضَةٌ مِنْ الصَّلَوَاتِ (تَأْخِيرُهَا) عَنْ وَقْتِ الْجَوَازِ (أَوْ) تَأْخِيرُ (بَعْضِهَا عَنْ وَقْتِ الْجَوَازِ) وَهُوَ وَقْتُهَا الْمَعْلُومُ مِمَّا يَأْتِي، أَوْ
الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ فِيمَا لَهَا وَقْتَانِ ; لِأَنَّهُ تَارِكٌ لِلْوَاجِبِ مُخَالِفٌ لِلْأَمْرِ،
وَلِئَلَّا تَفُوتَ فَائِدَةُ التَّأْقِيتِ وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ (ذَاكِرًا) لِلصَّلَاةِ عِنْدَ تَأْخِيرِهَا (قَادِرًا عَلَى فِعْلِهَا) بِخِلَافِ نَحْوِ نَائِمٍ لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ مَرْفُوعًا «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ أَنْ تُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ إلَى أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (إلَّا لِمَنْ لَهُ الْجَمْعُ) بَيْنَ صَلَاتَيْنِ لِنَحْوِ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ (وَيَنْوِيه) أَيْ الْجَمْعَ فِي وَقْتِ الْأُولَى الْمُتَّسِعِ لَهَا،
فَيَجُوزُ لِفِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَتَكُونُ الْأُولَى أَدَاءً (أَوْ مُشْتَغِلٌ بِشَرْطِهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (الَّذِي يُحَصِّلُهُ) أَيْ الشَّرْطُ (قَرِيبًا) كَمَنْ بِسُتْرَتِهِ خَرْقٌ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ غَيْرُهَا. وَاشْتَغَلَ بِخِيَاطَتِهِ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ وَنَحْوُهُ، فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ. بَلْ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ تَحْصِيلُ الشَّرْطِ بَعِيدًا صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ، وَلَمْ يُؤَخِّرْ.
(وَ) يَجُوزُ (لَهُ) أَيْ لِمَنْ لَزِمَتْهُ صَلَاةٌ
(تَأْخِيرُ فِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ) أَيْ وَقْتِ الْجَوَازِ (مَعَ الْعَزْمِ عَلَيْهِ) أَيْ فِعْلِهَا لِمَفْهُومِ الْحَدِيث السَّابِقِ. فَإِنْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَى فِعْلِهَا فِيهِ أَثِمَ (مَا لَمْ يَظُنَّ مَانِعًا) مِنْ فِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ (كَمَوْتٍ وَقَتْلٍ وَحَيْضٍ) فَيَتَعَيَّنُ أَوَّلُ الْوَقْتِ. لِئَلَّا تَفُوتَهُ بِالْكُلِّيَّةِ، أَوْ أَدَاؤُهَا (أَوْ) مَا لَمْ يَعُدْ (سُتْرَةَ أَوَّلِهِ) أَيْ الْوَقْتِ (فَقَطْ) دُونَ آخِرِهِ.
فَيَتَعَيَّنُ فِعْلُهَا أَوَّلَ الْوَقْتِ (أَوْ لَا يَبْقَى وُضُوءُ عَادِمِ الْمَاءِ سَفَرًا) أَوْ حَضَرًا (إلَى آخِرِهِ) أَيْ الْوَقْتِ (وَلَا يَرْجُو وُجُودَهُ) أَيْ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ. فَيَتَعَيَّنُ أَوَّلُ الْوَقْتِ لِئَلَّا يَفُوتَهُ شَرْطُهَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ (وَمَنْ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ) الصَّلَاةَ إلَى آخِرِ وَقْتِهَا. وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَظُنَّ مَانِعًا أَوْ عَزَمَ عَلَى فِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ إذَا مَاتَ قَبْلَهُ.
(تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ) لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ. فَلَا فَائِدَةَ فِي بَقَائِهَا فِي الذِّمَّةِ، بِخِلَافِ زَكَاةٍ وَحَجٍّ (وَلَمْ يَأْثَمْ) لِأَنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ، فَإِنْ عَزَمَ عَلَى تَرْكِ فِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ فَهُوَ آثِمٌ، مَاتَ أَوْ لَمْ يَمُتْ، وَمَتَى فَعَلَهَا فِي الْوَقْتِ بَعْدَ الْعَزْمِ عَلَى تَرْكِهَا فِيهِ كَانَتْ أَدَاءً
(وَمَنْ تَرَكَهَا) أَيْ الصَّلَاةَ (جُحُودًا) يَعْنِي مَنْ جَحَدَ وُجُوبَ الصَّلَاةِ تَرَكَهَا أَوْ فَعَلَهَا (وَلَوْ) كَانَ جَحْدُهُ لِوُجُوبِهَا (جَهْلًا) بِهِ (وَعَرَفَ) الْوُجُوبَ (وَأَصَرَّ) عَلَى جُحُودِهِ (كَفَرَ) أَيْ صَارَ مُرْتَدًّا، لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ (وَكَذَا لَوْ تَرَكَهَا تَهَاوُنًا أَوْ كَسَلًا إذَا دَعَاهُ إمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ لِفِعْلِهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (وَأَبَى) فِعْلَهَا (حَتَّى تَضَايَقَ وَقْتُ الَّتِي بَعْدَهَا) بِأَنْ يُدْعَى لِلظُّهْرِ مَثَلًا، فَيَأْبَى حَتَّى يَتَضَايَقَ وَقْتُ الْعَصْرِ عَنْهَا،
فَيُقْتَلُ كُفْرًا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «: بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ»
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلِقَوْلِهِ «أَوَّلُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمْ الْأَمَانَةُ، وَآخِرُ مَا تَفْقِدُونَ الصَّلَاةُ» قَالَ أَحْمَدُ: كُلُّ شَيْءٍ ذَهَبَ آخِرُهُ لَمْ يَبِقَ مِنْهُ شَيْءٌ.
وَقَالَ عُمَرُ " لَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ " وَقَالَ عَلِيٌّ " مَنْ لَمْ يُصَلِّ فَهُوَ كَافِرٌ " وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَقِيقٍ " لَمْ يَكُنْ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ " وَلَا قَتْلَ وَلَا تَكْفِيرَ قَبْلَ الدِّعَايَةَ، وَلَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الْأُولَى، لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ عَزَمَ عَلَى تَرْكِهَا إلَّا بِخُرُوجِ وَقْتِهَا. فَإِذَا خَرَجَ عُلِمَ تَرْكُهُ لَهَا، لَكِنَّهَا فَائِتَةٌ لَا يُقْتَلُ بِهَا،
فَإِذَا ضَاقَ وَقْتُ الثَّانِيَة وَجَبَ قَتْلُهُ (وَيُسْتَتَابَانِ) أَيْ الْجَاحِدُ لِوُجُوبِهَا وَالتَّارِكُ لَهَا تَهَاوُنًا أَوْ كَسَلًا بَعْدَ الدِّعَايَةِ (وَالْإِبَاءِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) بِلَيَالِيِهَا، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِمَا وَيُدْعَيَانِ كُلَّ وَقْتِ صَلَاةٍ إلَيْهَا (فَإِنْ تَابَا بِفِعْلِهَا) مَعَ إقْرَارِ الْجَاحِدِ لِوُجُوبِهَا بِهِ، كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي الرِّدَّةِ خُلِّيَ سَبِيلُهُمَا. وَإِنْ قَالَ: أُصَلِّي بِمَنْزِلِي مَثَلًا تُرِكَ وَأُمِرَ بِهَا، وَوُكِلَ إلَى أَمَانَتِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَتُوبَا بِذَلِكَ (ضُرِبَتْ عُنُقُهُمَا) بِالسَّيْفِ. لِحَدِيثِ «إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. أَيْ الْهَيْئَةَ مِنْ الْقَتْلِ، وَلَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ.
(وَكَذَا) أَيْ كَتَرْكِ الصَّلَاةِ جُحُودًا أَوْ تَهَاوُنًا أَوْ كَسَلًا (تَرْكُ رُكْنٍ) لِلصَّلَاةِ (أَوْ) تَرْكُ (شَرْطٍ) لَهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ أَوْ مُخْتَلَفٌ فِيهِ (يَعْتَقِدُ) التَّارِكُ (وُجُوبَهُ) ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْمُوَفَّقُ: لَا يُكَفَّرُ بِمُخْتَلَفٍ فِيهِ وَهُوَ قِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي الرِّدَّةِ، وَلَا يُكَفَّرُ بِتَرْكِ فَائِتَةٍ وَنَذْرٍ وَلَا صَوْمٍ وَلَا حَجٍّ وَلَا زَكَاةٍ، إلَّا بِجَحْدِ وُجُوبِهَا.