الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ الْأَذَانِ]
ِ لُغَةً الْإِعْلَامُ. قَالَ تَعَالَى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] أَيْ أَعْلِمْهُمْ بِهِ يُقَالُ: أَذَّنَ بِالشَّيْءِ يُؤَذِّنُ أَذَانًا وَتَأْذِينًا وَأَذِينًا كَعَلِيمٍ، إذَا أَعْلَمَ بِهِ، فَهُوَ اسْمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ، وَأَصْلُهُ مِنْ الْأُذُنِ، وَهُوَ الِاسْتِمَاعُ. كَأَنَّهُ يُلْقِي فِي آذَانِ النَّاسِ مَا يُعْلِمُهُمْ بِهِ. وَشَرْعًا (إعْلَامٌ بِدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ) أَوْ إعْلَامُ (قُرْبِهِ) أَيْ وَقْتِهَا (كَفَجْرٍ) فَقَطْ (وَالْإِقَامَةُ) مَصْدَر قَامَ.
وَحَقِيقَتُهُ: إقَامَةُ الْقَاعِدِ، فَكَأَنَّ الْمُؤَذِّنَ، إذَا أَتَى بِأَلْفَاظِ الْإِقَامَةِ أَقَامَ الْقَاعِدِينَ وَأَزَالَهُمْ عَنْ قُعُودِهِمْ. وَشَرْعًا (إعْلَامٌ بِالْقِيَامِ إلَيْهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (بِذِكْرٍ مَخْصُوصٍ فِيهِمَا) أَيْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ. وَيُطْلَقَانِ عَلَى نَفْسِ الذِّكْرِ الْمَخْصُوصِ (وَهُوَ) أَيْ الْأَذَانُ (أَفْضَلُ مِنْهَا) أَيْ الْإِقَامَةِ. لِأَنَّهُ أَكْثَرُ أَلْفَاظًا.
وَأَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ (وَ) الْأَذَانُ أَفْضَلُ أَيْضًا (مِنْ الْإِمَامَةِ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «الْإِمَامُ ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ، اللَّهُمَّ أَرْشِدْ الْأَئِمَّةَ وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالْأَمَانَةُ أَعْلَى مِنْ الضَّمَانِ، وَالْمَغْفِرَةُ أَعْلَى مِنْ الْإِرْشَادِ. وَإِنَّمَا لَمْ يَتَوَلَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَخُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ الْأَذَانَ لِضِيقِ وَقْتِهِمْ.
قَالَ عُمَرُ: " لَوْلَا الْخِلَافَةُ لَأَذَّنْت " وَيَشْهَدُ لِفَضْلِ الْأَذَانِ: قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «الْمُؤَذِّنُ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَوْلُهُ «مَنْ أَذَّنَ سَبْعَ سِنِينَ مُحْتَسِبًا كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَأَحَادِيثُ الْبَابِ كَثِيرَةٌ.
وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ. مَا رَوَى أَنَسٌ قَالَ: «لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ ذَكَرُوا أَنْ يُعَلِّمُوا وَقْتَ الصَّلَاةِ بِشَيْءٍ يَعْرِفُونَهُ. فَذَكَرُوا أَنْ يُوقِدُوا نَارًا أَوْ يَضْرِبُوا نَاقُوسًا؟ فَأُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ (وَسُنَّ أَذَانٌ فِي يَمِينِ أُذُنِ مَوْلُودٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (حِينَ يُولَدُ.
و) سُنَّ (إقَامَةٌ فِي) الْأُذُنِ (الْيُسْرَى) لِخَبَرِ ابْنِ السُّنِّيِّ مَرْفُوعًا «مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى لَمْ تَضُرَّهُ أُمُّ الصِّبْيَانِ» أَيْ التَّابِعَةِ مِنْ الْجِنِّ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ حِينَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ فَاطِمَةُ» وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَلِيَكُونَ إعْلَامُهُ
بِالتَّوْحِيدِ أَوَّلَ مَا يَقْرَعُ سَمْعَهُ عِنْدَ قُدُومِهِ إلَى الدُّنْيَا. كَمَا يُلَقَّنُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْهَا، وَلِأَنَّهُ يَطْرُدُ الشَّيْطَانَ عَنْهُ ; لِأَنَّهُ يُدْبِرُ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَذَانِ.
وَفِي مُسْنَدِ رَزِينٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ فِي أُذُنِ مَوْلُودٍ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ» قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَالْمُرَادُ أُذُنُهُ الْيُمْنَى (وَهُمَا) أَيْ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ (فَرْضُ كِفَايَةٍ) لِحَدِيثِ «إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ.
وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا «مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ لَا يُؤَذَّنُ وَلَا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلَاةُ إلَّا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ. وَلِأَنَّهُمَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ كَالْجِهَادِ وَلَا يُشْرَعَانِ لِكُلِّ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ. بَلْ تَكْفِيهِمْ الْمُتَابَعَةُ، وَتَحْصُلُ لَهُمْ الْفَضِيلَةُ. كَقِرَاءَةِ الْإِمَامِ قِرَاءَةٌ لِلْمَأْمُومِ (لِل) صَلَوَاتِ (الْخَمْسِ) دُونَ الْمَنْذُورَةِ وَغَيْرِهَا (الْمُؤَدَّاةِ) لَا الْمُقْتَضَيَاتِ؟ (وَالْجُمُعَةِ) عَطْفٌ عَلَى الْخَمْسِ.
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِدُخُولِهَا فِي الْخَمْسِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُفْرَضَا فِي غَيْرِهَا، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا: الْإِعْلَامُ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ عَلَى الْأَعْيَانِ وَالْقِيَامُ إلَيْهَا، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا (عَلَى الرِّجَالِ) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ، لَا الْوَاحِدِ، وَلَا النِّسَاءِ وَلَا الْخَنَاثَى (الْأَحْرَارِ) لَا الْأَرِقَّاءِ وَالْمُبَعَّضِينَ (إذْ فَرْضُ الْكِفَايَةِ لَا يَلْزَمُ رَقِيقًا) لِاشْتِغَالِهِمْ بِخِدْمَةِ مَالِكِهِمْ، أَيْ فِي الْجُمْلَةِ.
وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ وُجُوبُ نَحْوِ رَدِّ سَلَامٍ، وَتَغْسِيلِ مَيِّتٍ، وَصَلَاةٍ عَلَى رَقِيقٍ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِتَعَيُّنِ أَخْذِ اللَّقِيطِ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ (حَضَرًا) فِي الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ، وَمَنْ صَلَّى بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ صَحَّتْ، لَكِنْ ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرُهُ:؟ وَيُكْرَهُ. وَإِنْ اقْتَصَرَ مُسَافِرٌ أَوْ مُنْفَرِدٌ عَلَى الْإِقَامَةِ لَمْ يُكْرَهْ
(وَيُسَنَّانِ) أَيْ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ (لِمُنْفَرِدٍ) لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا «يَعْجَبُ رَبُّكَ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ الشَّظِيَّةِ لِلْجَبَلِ يُؤَذِّنُ لِلصَّلَاةِ وَيُصَلِّي، فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل: اُنْظُرُوا إلَى عَبْدِي هَذَا يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ، يَخَافُ مِنِّي. أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْت لِعَبْدِي وَأَدْخَلْته الْجَنَّةَ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
(وَ) يُسَنَّانِ أَيْضًا (سَفَرًا) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَلِابْنِ عَمٍّ لَهُ «إذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا، وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَ) يُسَنَّانِ أَيْضًا (لِمَقْضِيَّةٍ) مِنْ الْخَمْسِ.
لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ. فَنَامَ عَنْ الصُّبْحِ، حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَاسْتَيْقَظَ، فَقَالَ: تَنَحَّوْا عَنْ هَذَا الْمَكَانِ. ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، فَصَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الصُّبْحِ» رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد. وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ إنْ خَافَ تَلْبِيسًا. كَمَا لَوْ أَذَّنَ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْأَذَانِ.
(وَيُكْرَهَانِ) أَيْ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ (لِخَنَاثَى وَنِسَاءٍ، وَلَوْ) كَانَ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ مِنْهُمَا (بِلَا رَفْعِ صَوْتٍ) لِأَنَّهُمَا وَظِيفَةُ الرِّجَالِ، فَفِيهِ نَوْعُ تَشَبُّهٍ بِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِي التَّحْرِيمِ جَهْرًا الْخِلَافُ فِي قِرَاءَةٍ وَتَلْبِيَةٍ، انْتَهَى. وَيَأْتِي: لَا يَصِحَّانِ مِنْهُمَا (وَلَا يُنَادَى) بِأَذَانٍ وَلَا غَيْرِهِ (لِ) صَلَاةِ (جِنَازَةٍ وَتَرَاوِيحَ) نَصًّا. لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ (بَلْ) يُنَادَى (لِعِيدٍ)" الصَّلَاةَ جَامِعَةً " أَوْ الصَّلَاةُ قِيَاسًا عَلَى الْكُسُوفِ، وَفِيهِ نَظَرٌ.
لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ «لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ يَوْمَ الْفِطْرِ حِينَ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَلَا بَعْدَمَا يَخْرُجُ، وَلَا إقَامَةَ، وَلَا نِدَاءَ، وَلَا شَيْءَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَ) يُنَادَى لِصَلَاةِ (كُسُوفٍ) لِأَنَّهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (وَ) يُنَادَى أَيْضًا لِصَلَاةِ (اسْتِسْقَاءٍ) بِأَنْ يُقَالَ: (الصَّلَاةَ جَامِعَةً) بِنَصْبِ الْأَوَّلِ عَلَى الْإِغْرَاءِ وَالثَّانِي عَلَى الْحَالِ.
وَفِي الرِّعَايَةِ: بِنَصْبِهِمَا وَرَفْعِهِمَا (أَوْ) يُقَالُ (الصَّلَاةَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْأَوَّلِ، أَوْ بِهِ وَبِالرَّفْعِ عَلَى الثَّانِي (وَكُرِهَ) النِّدَاءُ فِي عِيدٍ وَكُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ (بِحَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ) ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ (وَيُقَاتَلُ أَهْلُ بَلَدٍ تَرَكُوهُمَا) أَيْ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ ; لِأَنَّهُمَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ، كَالْعِيدِ، فَيُقَاتِلُهُمْ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ. وَإِذَا قَامَ بِهِمَا مَنْ يَحْصُلُ بِهِ الْإِعْلَامُ غَالِبًا، وَلَوْ وَاحِدًا أَجْزَأَ عَنْ الْكُلِّ نَصًّا.
وَمَنْ صَلَّى بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُ. لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ أَنَّهُمَا قَالَا: " دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَصَلَّى بِنَا بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ " وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ لَكِنْ يُكْرَهُ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرُهُ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: إلَّا بِمَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ، وَإِنْ اقْتَصَرَ مُسَافِرٌ أَوْ مُنْفَرِدٌ عَلَى الْإِقَامَةِ لَمْ يُكْرَهْ.
(وَتَحْرُمُ الْأُجْرَةُ) أَيْ أَخْذُهَا (عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ. لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ «وَاِتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَقَالَ: الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَالْإِقَامَةِ كَأَذَانٍ مَعْنًى وَحُكْمًا (فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مُتَطَوِّعٌ) بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ (رَزَقَ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) مِنْ مَالِ الْفَيْءِ (مَنْ يَقُومُ بِهِمَا) لِأَنَّ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَّةً إلَيْهِمَا. وَهَذَا الْمَالُ مُعَدٌّ لِلْمَصَالِحِ كَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ. وَعُلِمَ مِنْهُ: أَنَّهُ إذَا وُجِدَ الْمُتَطَوِّعُ لَمْ يُعْطَ غَيْرُهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ.
(وَشُرِطَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ: فِي الْمُؤَذِّنِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ (كَوْنُهُ مُسْلِمًا) فَلَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِ كَافِرٍ لِعَدَمِ النِّيَّةِ. وَكَوْنُهُ (ذَكَرًا) فَلَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِ أُنْثَى وَخُنْثَى.
قَالَ جَمَاعَةٌ: وَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، كَالْحِكَايَةِ. وَكَوْنُهُ (عَاقِلًا) فَلَا يَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ (وَبَصِيرًا أَوْلَى) بِالْأَذَانِ مِنْ أَعْمَى. لِأَنَّهُ يُؤَذِّنُ عَنْ يَقِينٍ، بِخِلَافِ الْأَعْمَى. فَرُبَّمَا غَلِطَ فِي الْوَقْتِ.
وَمِثْلُهُ عَارِفٌ بِالْوَقْتِ مَعَ جَاهِلٍ بِهِ. وَعُلِمَ مِنْهُ: صِحَّةُ أَذَانِ أَعْمَى. لِأَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ كَانَ يُؤَذِّنُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي بِالصَّلَاةِ حَتَّى يُقَالَ: أَصْبَحَتْ أَصْبَحَتْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ بَصِيرٌ، كَمَا كَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، يُؤَذِّنُ بَعْدَ بِلَالٍ، قَالَهُ فِي الشَّرْحِ.
(وَسُنَّ كَوْنُهُ) أَيْ الْمُؤَذِّنِ (صَيِّتًا) أَيْ رَفِيعَ الصَّوْتِ. لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ «أَلْقِهِ عَلَى بِلَالٍ. فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْك» وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ الْمَقْصُود بِالْأَذَانِ، وَسُنَّ أَيْضًا كَوْنُهُ (أَمِينًا) لِحَدِيثِ «أُمَنَاءُ النَّاسِ عَلَى صَلَاتِهِمْ وَسُحُورِهِمْ الْمُؤَذِّنُونَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ.
وَفِيهِ كَلَامٌ (وَ) سُنَّ أَيْضًا كَوْنُهُ (عَالِمًا بِالْوَقْتِ) لِيُؤْمَنَ خَطَؤُهُ (وَيُقَدَّمُ مَعَ التَّشَاحِّ) بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي الْأَذَانِ (الْأَفْضَلُ فِي ذَلِكَ) الْمَذْكُورُ مِنْ الْخِصَالِ ; لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «قَدَّمَ بِلَالًا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ» لِأَنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْهُ. وَقَدَّمَ أَبَا مَحْذُورَةَ لِصَوْتِهِ.
وَقِيسَ عَلَيْهِ بَاقِي الْخِصَالِ (ثُمَّ) يُقَدَّمُ (إنْ اسْتَوَوْا) فِي الْخِصَالِ الْمَذْكُورَةِ وَالْأَفْضَلُ (فِي دِينٍ وَعَقْلٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «لِيُؤَذِّنْ لَكُمْ خِيَارُكُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ (ثُمَّ) يُقَدَّمُ مَعَ التَّسَاوِي فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ (مَنْ يَخْتَارُهُ أَكْثَرَ الْجِيرَانِ) الْمُصَلِّينَ، لِأَنَّ الْأَذَانَ لِإِعْلَامِهِمْ.
وَلِأَنَّهُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ يَبْلُغُهُمْ صَوْتُهُ، وَمَنْ هُوَ أَعَفُّ نَظَرًا (ثُمَّ) مَعَ التَّسَاوِي أَيْضًا فِي رِضَا الْجِيرَانِ (يُقْرَعُ) فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ قُدِّمَ. لِحَدِيثِ " لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْأَذَانِ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ سَعْدٌ (وَيَكْفِي مُؤَذِّنٌ) فِي الْمِصْرِ (بِلَا حَاجَةٍ) إلَى زِيَادَةٍ نَصًّا. وَلَا يُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَى اثْنَيْنِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: عَلَى أَرْبَعَةٍ لِفِعْلِ عُثْمَانَ، إلَّا مِنْ حَاجَةٍ وَالْأَوْلَى أَنْ يُؤَذِّنَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ (وَيُزَادُ) مَعَ الْحَاجَةِ أَكْثَرُ بِأَنْ لَمْ يَحْصُلْ الْإِعْلَامُ بِوَاحِدٍ (بِقَدْرِهَا) أَيْ الْحَاجَةِ كُلُّ وَاحِدٍ فِي جَانِبٍ أَوْ دَفْعَةً وَاحِدَةً (وَيُقِيمُ) الصَّلَاةَ (مَنْ يَكْفِي) فِي الْإِقَامَةِ، وَيُقَدَّمُ مَنْ أَذَّنَ أَوَّلًا (وَهُوَ) أَيْ الْأَذَانُ (خَمْسَ عَشْرَةَ كَلِمَةً) أَيْ جُمْلَةً (بِلَا تَرْجِيعٍ) لِلشَّهَادَتَيْنِ، بِأَنْ يَخْفِضَ بِهِمَا صَوْتَهُ، ثُمَّ يُعِيدُهُمَا رَافِعًا بِهِمَا صَوْتَهُ، فَيَكُونُ التَّكْبِيرُ فِي أَوَّلِهِ أَرْبَعًا.
قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ: إلَى أَيْ الْأَذَانِ تَذْهَبُ؟ فَقَالَ: إلَى أَذَانِ بِلَالٍ. فَقِيلَ لَهُ: أَلَيْسَ حَدِيثُ
أَبِي مَحْذُورَةَ بَعْدَ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ؟ لِأَنَّ حَدِيثَ أَبِي مَحْذُورَةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ رَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى الْمَدِينَةِ وَأَقَرَّ بِلَالًا عَلَى أَذَانِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ؟ (وَهِيَ) أَيْ الْإِقَامَةُ (إحْدَى عَشْرَةَ جُمْلَةً بِلَا تَثْنِيَةٍ) لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ.
وَلِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «إنَّمَا كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً مَرَّةً، إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ «أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَفِيهِ إجْمَالٌ فَسَّرَهُ مَا سَبَقَ
(وَيُبَاحُ تَرْجِيعُهُ) أَيْ الْأَذَانُ. لِحَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ (وَ) يُبَاحُ (تَثْنِيَتُهَا) أَيْ الْإِقَامَةِ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ «كَانَ أَذَانُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَفْعًا فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ» فَالِاخْتِلَافُ فِي الْأَفْضَل (وَسُنَّ) أَذَانٌ (أَوَّلَ الْوَقْتِ) لِيُصَلِّيَ الْمُتَعَجِّلُ. وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا مَا دَامَ الْوَقْتُ.
وَيَتَوَجَّهُ سُقُوطُ مَشْرُوعِيَّتِهِ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ (وَ) سُنَّ (تَرَسُّلٌ فِيهِ) أَيْ تَمَهُّلٌ فِي الْأَذَانِ، وَتَأَنٍّ فِيهِ مِنْ قَوْلِهِمْ: جَاءَ فُلَانٌ عَلَى رِسْلِهِ.
(وَ) سُنَّ (حَدْرُهَا) أَيْ إسْرَاعُ إقَامَةٍ. لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِبِلَالٍ «إذَا أَذَّنْتَ فَتَرَسَّلْ، وَإِذَا أَقَمْتَ فَاحْدُرْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ مَجْهُولٌ. وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِلْمُؤَذِّنِ: " إذَا أَذَّنْتَ فَتَرَسَّلْ وَإِذَا أَقَمْت فَاحْدُرْ " وَأَصْلُ الْحَدْرِ فِي الشَّيْءِ: الْإِسْرَاعُ وَلِأَنَّ الْأَذَانَ إعْلَامُ الْغَائِبِينَ
فَالتَّثَبُّتُ فِيهِ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ، وَالْإِقَامَةُ إعْلَامُ الْحَاضِرِينَ، فَلَا حَاجَةَ فِيهَا لَهُ.
(وَ) يُسَنُّ فِيهِمَا (الْوَقْفُ عَلَى كُلِّ جُمْلَةٍ) قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ شَيْئَانِ مَجْزُومَانِ كَانُوا لَا يُعْرِبُونَهُمَا: الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ.
وَقَالَ أَيْضًا: الْأَذَانُ جَزْمٌ وَمَعْنَاهُ: اسْتِحْبَابُ تَقْطِيعِ الْكَلِمَاتِ بِالْوَقْفِ عَلَى كُلِّ جُمْلَةٍ " تَتِمَّةٌ " لَا يَصِحُّ الْأَذَانُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مُطْلَقًا.
(وَ) يُسَنُّ (قَوْلُ) مُؤَذِّنٍ (الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ. بَعْدَ حَيْعَلَةِ أَذَانِ الْفَجْرِ) وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ قَبْلَ طُلُوعِهِ. لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي مَحْذُورَةَ «فَإِذَا كَانَ أَذَانُ الْفَجْرِ فَقُلْ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
وَالْحَيْعَلَةُ: قَوْلُ " حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ "(وَيُسَمَّى) قَوْلُهُ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ (التَّثْوِيبُ) مِنْ ثَابَ إذَا رَجَعَ ; لِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ دَعَا إلَى الصَّلَاةِ بِالْحَيْعَلَتَيْنِ ثُمَّ دَعَا إلَيْهَا بِالتَّثْوِيبِ. وَيُكْرَهُ التَّثْوِيبُ فِي غَيْرِ أَذَانِ فَجْرٍ، وَبَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالنِّدَاءِ بِالصَّلَاةِ بَعْدَ الْأَذَانِ، وَنِدَاءُ الْأَمِيرِ بَعْدَ الْأَذَانِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: الصَّلَاةُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَنَحْوُهُ ; لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ.
وَكَذَا قَوْلُهُ قَبْلَهُ " {وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ
وَلَدًا} [الإسراء: 111] الْآيَةَ وَوَصَلَهُ بَعْدَهُ بِذِكْرٍ ذَكَرَهُ فِي الْعُمْدَةِ. وَقَوْلُهُ قَبْلَ الْإِقَامَةِ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَنَحْوِهِ، وَكَذَا مَا يُفْعَلُ قَبْلَ الْفَجْرِ مِنْ التَّسْبِيحِ وَالنَّشِيدِ وَالدُّعَاءِ. وَلَا بَأْسَ بِالنَّحْنَحَةِ قَبْلَهُمَا.
(وَ) يُسَنُّ (كَوْنُهُ قَائِمًا فِيهِمَا) أَيْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِبِلَالٍ " قُمْ فَأَذِّنْ " وَكَانَ مُؤَذِّنُو النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُؤَذِّنُونَ قِيَامًا وَالْإِقَامَةُ أَحَدُ الْأَذَانَيْنِ (فَيُكْرَهَانِ) أَيْ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ (قَاعِدًا) أَيْ مِنْ قَاعِدٍ (لِغَيْرِ مُسَافِرٍ وَمَعْذُورٍ) لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ.
وَكَذَا رَاكِبًا وَمَاشِيًا وَمُضْطَجِعًا، وَصَحَّا مِنْ نَحْوِ قَاعِدٍ ; لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِآكَدَ مِنْ الْخُطْبَةِ (وَ) يُسَنُّ كَوْنُهُ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ (مُتَطَهِّرًا) مِنْ الْحَدَثَيْنِ. لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا يُؤَذِّنُ إلَّا مُتَوَضِّئٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ. .
وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ أَصَحُّ.
وَالْإِقَامَةُ آكَدُ مِنْ الْأَذَانِ، لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى الصَّلَاةِ (فَيُكْرَهُ أَذَانُ جُنُبٍ) لَا مُحْدِثٍ نَصًّا.
(وَ) تُكْرَهُ (إقَامَةُ مُحْدِثٍ) لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ (وَ) يُسَنُّ كَوْنُ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ (عَلَى عُلْوٍ) أَيْ مَوْضِعٍ عَالٍ، كَمَنَارَةٍ، لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ.
وَرُوِيَ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ قَالَتْ: " كَانَ بَيْتِي مِنْ أَطْوَلِ بَيْتٍ حَوْلَ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ عَلَيْهِ الْفَجْرَ، فَيَأْتِي بِسَحَرٍ، فَيَجْلِسُ عَلَى الْبَيْتِ، فَيَنْتَظِرُ إلَى الْفَجْرِ، فَإِذَا رَآهُ تَمَطَّى، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَعِينُك وَأَسْتَهْدِيك عَلَى قُرَيْشٍ أَنْ يُقِيمُوا دِينَك. قَالَتْ: ثُمَّ يُؤَذِّنُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
(وَ) يُسَنُّ (كَوْنُهُ رَافِعًا وَجْهَهُ) إلَى السَّمَاءِ فِي أَذَانِهِ كُلِّهِ. وَيُسَنُّ أَيْضًا كَوْنُهُ (جَاعِلًا سَبَّابَتَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ) لِقَوْلِ أَبِي جُحَيْفَةَ " إنَّ بِلَالًا وَضَعَ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَعَنْ سَعْدِ الْقَرَظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَجْعَلَ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، وَقَالَ: إنَّهُ أَرْفَعُ لِصَوْتِك» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
(وَ) يُسَنّ أَيْضًا كَوْنُهُ (مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ) لِفِعْلِ مُؤَذِّنِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ أَخَلَّ بِهِ كُرِهَ.
(وَ) يُسَنُّ كَوْنُهُ (يَتَلَفَّتْ) بِرَأْسِهِ وَعُنُقِهِ وَصَدْرِهِ (يَمِينًا لُحَيٌّ عَلَى الصَّلَاةِ، وَشِمَالًا لُحَيٌّ عَلَى الْفَلَاحِ) فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ (وَلَا يُزِيلُ قَدَمَيْهِ) لِقَوْلِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: " رَأَيْت بِلَالًا يُؤَذِّنُ، فَجَعَلْت أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَهُنَا وَهَهُنَا، يَقُولُ يَمِينًا وَشِمَالًا: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَسَوَاءٌ كَانَ عَلَى مَنَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (وَ) سُنَّ أَيْضًا (أَنْ يَتَوَلَّاهُمَا) أَيْ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ رَجُلٌ (وَاحِدٌ) أَيْ أَنْ يَتَوَلَّى الْإِقَامَةَ مَنْ يَقُولُ الْأَذَانَ. لِمَا فِي حَدِيثِ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ حِينَ أَذَّنَ قَالَ: فَأَرَادَ بِلَالٌ أَنْ يُقِيمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:
«يُقِيمُ أَخُو صُدَاءٍ فَإِنَّهُ مَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَكَالْخُطْبَتَيْنِ وَيُسَنُّ أَيْضًا كَوْنُهُمَا (بِمَحَلٍّ وَاحِدٍ) بِأَنْ يُقِيمَ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي أَذَّنَ فِيهِ.
لِقَوْلِ بِلَالٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «لَا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ» لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يُقِيمُ بِالْمَسْجِدِ لَمَا خَافَ أَنْ يَسْبِقَهُ بِهَا، كَذَا اسْتَنْبَطَهُ أَحْمَدُ وَاحْتَجَّ بِهِ. وَلِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ " كُنَّا إذَا سَمِعْنَا الْإِقَامَةَ تَوَضَّأْنَا ثُمَّ خَرَجْنَا إلَى الصَّلَاةِ " وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ، وَكَالْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ (مَا لَمْ يَشُقَّ) ذَلِكَ عَلَى الْمُؤَذِّنِ، كَمَنْ أَذَّنَ فِي مَنَارَةٍ أَوْ كَانَ بَعِيدًا عَنْ الْمَسْجِدِ، فَيُقِيمُ فِيهِ، لِئَلَّا يَفُوتَهُ بَعْضُ الصَّلَاةِ، لَكِنْ لَا يُقِيمُ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ.
وَلَا تُعْتَبَرُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ، إنْ أَقَامَ عِنْدَ إرَادَةِ الدُّخُولِ فِيهَا. وَيَجُوزُ الْكَلَامُ بَعْدَ الْإِقَامَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ. .
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ.
(وَ) يُسَنُّ أَيْضًا (أَنْ يَجْلِسَ) مُؤَذِّنٌ (بَعْدَ أَذَانٍ مَا) أَيْ صَلَاةٍ (يُسَنُّ تَعْجِيلُهَا) كَمَغْرِبٍ (جِلْسَةً خَفِيفَةً، ثُمَّ يُقِيمُ) الصَّلَاةَ لِحَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مَرْفُوعًا «يَا بِلَالُ اجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِكَ وَإِقَامَتِك نَفَسًا، يَفْرُغُ الْآكِلُ مِنْ طَعَامِهِ فِي مَهَلٍ، وَيَقْضِي حَاجَتَهُ فِي مَهَلٍ» رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ.
وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِبِلَالٍ «اجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِك وَإِقَامَتِك قَدْرَ مَا يَفْرُغُ الْآكِلُ مِنْ أَكْلِهِ وَالشَّارِبُ مِنْ شُرْبِهِ، وَالْمُقْتَضِي إذَا دَخَلَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ. وَلِيَتَمَكَّنَ الْآكِلُ مِنْ نَحْوِ إدْرَاكِ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ
(وَلَا يَصِحُّ) الْأَذَانُ (إلَّا مُرَتَّبًا) لِأَنَّهُ ذِكْرٌ يُعْتَدُّ بِهِ، فَلَمْ يَجُزْ الْإِخْلَالُ بِنَظْمِهِ. كَأَرْكَانِ الصَّلَاةِ (مُتَوَالِيًا عُرْفًا) لِيَحْصُلَ الْإِعْلَامُ. وَلِأَنَّ مَشْرُوعِيَّتَهُ كَانَتْ كَذَلِكَ (فَإِنْ تَكَلَّمَ) فِي أَثْنَاءِ أَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ (ب) كَلَامٍ (مُحَرَّمٍ) كَقَذْفٍ وَغِيبَةٍ. بَطَلَ ; لِأَنَّهُ فَعَلَ مُحَرَّمًا فِيهِ، فَكَمَا لَوْ ارْتَدَّ فِي أَثْنَائِهِ لَا بَعْدَهُ. وَلَا بِجُنُونِهِ إنْ أَفَاقَ سَرِيعًا وَأَتَمَّهُ (أَوْ سَكَتَ) سُكُوتًا (طَوِيلًا بَطَلَ) لِلْإِخْلَالِ بِالْمُوَالَاةِ.
وَكَذَا إنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، أَوْ نَامَ طَوِيلًا (وَكُرِهَ) فِي أَثْنَائِهِ كَلَامٌ (يَسِيرٌ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ مُحَرَّمٍ. وَصَحَّحَ فِي الْإِنْصَافِ بِرَدِّ السَّلَامِ بِلَا كَرَاهَةٍ.
(وَ) كُرِهَ أَيْضًا فِي أَثْنَائِهِ (سُكُوتٌ) يَسِيرٌ (بِلَا حَاجَةٍ) إلَيْهِ، وَكَذَا إقَامَةٌ، وَلَا يَصِحُّ الْأَذَانُ أَيْضًا إلَّا (مَنْوِيًّا) لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (مِنْ) شَخْصٍ (وَاحِدٍ) فَلَوْ أَذَّنَ وَاحِدٌ بَعْضَهُ وَكَمَّلَهُ آخَرُ. لَمْ يَصِحَّ، قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ (عَدْلٍ) لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم وَصَفَ الْمُؤَذِّنِينَ بِالْأَمَانَةِ، وَالْفَاسِقُ غَيْرُ أَمِينٍ.
وَأَمَّا مَسْتُورُ الْحَالِ فَيَصِحُّ أَذَانُهُ، قَالَ فِي الشَّرْحِ: بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ، وَلَا يَصِحُّ الْأَذَانُ أَيْضًا لِغَيْرِ فَجْرٍ، إلَّا (فِي الْوَقْتِ) لِحَدِيثِ
«إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ» وَلِأَنَّهُ شُرِعَ لِلْإِعْلَامِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ (وَيَصِحُّ) الْأَذَانُ (لِفَجْرٍ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ) لِحَدِيثِ «أَنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلْيَتَهَيَّأْ جُنُبٌ وَنَحْوُهُ لِيُدْرِكَ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ (وَيُكْرَهُ) أَذَانُ الْفَجْرِ (فِي رَمَضَانَ قَبْلَ) طُلُوعِ (فَجْرٍ ثَانٍ إنْ لَمْ يُؤَذِّنْ لَهُ بَعْدَهُ) لِئَلَّا يَغُرَّ النَّاسَ فَيَتْرُكُوا سُحُورَهُمْ.
وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَذَّنَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَنْ يُؤَذِّنُ فِي الْوَقْتِ. لِلْخَبَرِ. وَأَنْ يَتَّخِذَ ذَلِكَ عَادَةً، لِئَلَّا يَغْتَرَّ النَّاسُ (وَرَفْعُ الصَّوْتِ) بِأَذَانٍ (رُكْنٌ لِيَحْصُلَ السَّمَاعُ) الْمَقْصُودُ لِلْإِعْلَامِ (مَا لَمْ يُؤَذِّنْ لِحَاضِرٍ) فَبِقَدْرِ مَا يُسْمِعُهُ، وَإِنْ شَاءَ رَفَعَ صَوْتَهُ وَهُوَ أَفْضَلُ، وَإِنْ خَافَتَ بِالْبَعْضِ جَازَ. وَيُسْتَحَبُّ رَفْعُ صَوْتِهِ قَدْرَ طَاقَتِهِ، مَا لَمْ يُؤَذِّنْ لِنَفْسِهِ. وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ فَوْقَ الطَّاقَةِ
(وَمَنْ جَمَعَ) بَيْنَ صَلَاتَيْنِ أَذَّنَ لِلْأُولَى وَأَقَامَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، سَوَاءٌ كَانَ الْجَمْعُ تَقْدِيمًا أَوْ تَأْخِيرًا لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (أَوْ قَضَى فَوَائِتَ أَذَّنَ لِلْأُولَى،
وَأَقَامَ لِلْكُلِّ) لِحَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ «إنَّ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ شَغَلُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ حَتَّى ذَهَبَ مِنْ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَلَفْظُهُ لَهُ وَقَالَ: لَيْسَ بِإِسْنَادِهِ بَأْسٌ، إلَّا أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ
(وَيُجْزِي أَذَانُ مُمَيِّزٍ) لِبَالِغِينَ لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ " كَانَ عُمُومَتِي يَأْمُرُونَنِي أَنْ أُؤَذِّنَ لَهُمْ وَأَنَا غُلَامٌ لَمْ أَحْتَلِمْ " وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ شَاهِدٌ لَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ، وَكَالْبَالِغِ و (لَا) يُجْزِئُ أَذَانُ (فَاسِقٍ) ظَاهِرِ الْفِسْقِ، لِمَا تَقَدَّمَ (وَ) لَا أَذَانُ (خُنْثَى) مُشْكِلٍ. لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أُنْثَى، فَإِنْ اتَّضَحَتْ ذُكُورِيَّتُهُ صَحَّ.
(وَ) لَا أَذَانُ (امْرَأَةٍ) لِلنَّهْيِ عَنْ رَفْعِ صَوْتِهَا فَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ قُرْبَةً.
فَيَصِيرُ كَالْحِكَايَةِ (وَيُكْرَهُ) أَذَانُ (مُلْحِنٍ) بِأَنْ يُطْرِبَ فِيهِ، يُقَالُ: لَحَنَ فِي قِرَاءَتِهِ إذَا أَطْرَبَ بِهَا وَغَرَّدَ.
قَالَ أَحْمَدُ: كُلُّ شَيْءٍ مُحْدَثٍ أَكْرَهُهُ، كَالتَّطْرِيبِ. وَيَصِحُّ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ (وَ) يُكْرَهُ الْأَذَانُ أَيْضًا (مَلْحُونًا) لَحْنًا لَا يُحِيلُ الْمَعْنَى. كَرَفْعِ تَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ نَصْبِهَا أَوْ حَاءِ الْفَلَاحِ.
(وَ) يُكْرَهُ الْأَذَانُ أَيْضًا (مِنْ ذِي لُثْغَةٍ فَاحِشَةٍ) كَالْمَلْحُونِ وَأَوْلَى،
فَإِنْ لَمْ يَفْحُشْ لَمْ يُكْرَهْ (وَبَطَلَ) الْأَذَانُ (إنْ أُحِيلَ الْمَعْنَى) بِاللَّحْنِ أَوْ اللُّثْغَةِ مِثَالُ الْأَوَّلِ: مَدُّ هَمْزَةِ اللَّهِ، أَوْ
أَكْبَرُ أَوْ بَائِهِ، وَمِثَالُ الثَّانِي: إبْدَالُ الْكَافِ قَافًا أَوْ هَمْزَةً. لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا يُؤَذِّنُ لَكُمْ مَنْ يُدْغِمُ قُلْنَا: كَيْفَ يَقُولُ؟ قَالَ: يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْإِفْرَادِ.
وَفِيهِ إسْقَاطُ الْهَاءِ مِنْ كَلِمَةِ " اللَّهِ " وَيَحْرُمُ أَنْ يُؤَذِّنَ غَيْرُ الرَّاتِبِ بِلَا إذْنِهِ إلَّا إنْ خِيفَ فَوْتُ وَقْتِ التَّأْذِينِ وَمَتَى جَاءَ وَقَدْ أُذِّنَ قَبْلَهُ أَعَادَهُ اسْتِحْبَابًا.
(وَيُسَنُّ لِمُؤَذِّنٍ) مُتَابَعَةُ قَوْلِهِ سِرًّا بِمِثْلِهِ، لِيَجْمَعَ بَيْنَ إجْرَاءِ الْأَذَانِ وَالْمُتَابَعَةِ (وَ) سُنَّ أَيْضًا ل (سَامِعِهِ) أَيْ الْمُؤَذِّنِ مُتَابَعَةُ قَوْلِهِ سِرًّا: لِحَدِيثِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ أَحَدُكُمْ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ فَقَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فَقَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَقَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا دَخَلَ الْجَنَّةَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَلَوْ) سَمِعَ مُؤَذِّنًا (ثَانِيًا و) مُؤَذِّنًا (ثَالِثًا) حَيْثُ اُسْتُحِبَّ.
وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى جَمَاعَةً لِعُمُومِ الْخَبَرِ، فَإِنْ صَلَّى كَذَلِكَ لَمْ يَجِبْ. لِأَنَّهُ لَيْسَ مَدْعُوًّا بِهَذَا الْأَذَانِ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ.
(وَ) سُنَّ أَيْضًا (لِمُقِيمِ) الصَّلَاةِ مُتَابَعَةُ قَوْلِهِ سِرًّا، لِيَجْمَعَ بَيْنَ أَجْرِهِمَا.
(وَ) سُنَّ أَيْضًا ل (سَامِعِهِ) أَيْ الْمُقِيمِ (وَلَوْ) كَانَ السَّامِعُ لِأَذَانٍ أَوْ إقَامَةٍ (فِي طَوَافٍ أَوْ قِرَاءَةٍ أَوْ) كَانَ السَّامِعُ لِمَفْهُومٍ (امْرَأَةً) لِعُمُومِ الْخَبَرِ
(مُتَابَعَةُ قَوْلِهِ) أَيْ الْمُؤَذِّنُ وَالْمُقِيمُ (سِرًّا بِمِثْلِهِ) أَيْ مِثْلِ قَوْلِهِ. (وَلَا) تُسَنُّ الْإِجَابَةُ (مُصَلٍّ) لِاشْتِغَالِهِ بِهَا، فَإِنْ أَجَابَ بَطَلَتْ بِلَفْظِ الْحَيْعَلَةِ، وَصَدَقْتَ وَبَرِرْتَ فِي التَّثْوِيبِ. لِأَنَّهُ خِطَابُ آدَمِيٍّ.
(وَ) لَا ل (مُتَخَلٍّ) لِاشْتِغَالِهِ بِقَضَاءِ حَاجَتِهِ (وَيَقْضِيَانِهِ) أَيْ يَقْضِي الْمُصَلِّي وَالْمُتَخَلِّي مَا فَاتَهُمَا إذَا فَرَغَا وَخَرَجَ الْمُتَخَلِّي مِنْ الْخَلَاءِ
لِزَوَالِ الْمَانِعِ (إلَّا فِي الْحَيْعَلَةِ فَيَقُولَانِ) أَيْ الْمُؤَذِّنُ وَسَامِعُهُ أَوْ الْمُقِيمُ وَسَامِعُهُ (لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ) لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ خِطَابٌ فَإِعَادَتُهُ عَبَثٌ، بَلْ سَبِيلُهُ الطَّاعَةُ وَسُؤَالُ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ، وَمَعْنَاهُمَا: إظْهَارُ الْعَجْزِ، وَطَلَبُ الْمَعُونَةِ مِنْهُ فِي كُلِّ الْأُمُورِ.
وَهُوَ حَقِيقَةُ الْعُبُودِيَّةِ (وَ) إلَّا (فِي التَّثْوِيبِ) وَهُوَ قَوْلُ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ فِي أَذَانِ فَجْرٍ، فَيَقُولَانِ (صَدَقْتَ وَبَرِرْتَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ الْأُولَى.
(وَ) إلَّا (فِي لَفْظِ الْإِقَامَةِ) وَهُوَ قَوْلُ
الْمُقِيمِ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، فَيَقُولُ هُوَ وَسَامِعُهُ (أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا) لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّ بِلَالًا أَخَذَ فِي الْإِقَامَةِ، فَلَمَّا أَنْ قَالَ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا» وَقَالَ فِي سَائِرِ الْإِقَامَةِ كَنَحْوِ حَدِيثِ عُمَرَ فِي الْأَذَانِ (ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذَا فَرَغَ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ) بِفَتْحِ الدَّالِ، أَيْ دَعْوَةِ الْأَذَانِ (التَّامَّةِ) لِكَمَالِهَا وَعِظَمِ مَوْقِعِهَا وَسَلَامَتِهَا مِنْ نَقْصٍ يَتَطَرَّقُ إلَيْهَا.
وَلِأَنَّهَا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى يُدْعَى بِهَا إلَى طَاعَةٍ (وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ) أَيْ الَّتِي سَتَقُومُ (آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ) مَنْزِلَةً عِنْدَ الْمَلِكِ، وَهِيَ مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ (وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْته) وَهُوَ الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى فِي مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ. لِأَنَّهُ يَحْمَدَهُ فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ. وَالْحِكْمَةُ فِي سُؤَالِ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ مُحَقَّقَ الْوُقُوعِ بِوَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى: إظْهَارُ كَرَامَتِهِ، وَعِظَمِ مَنْزِلَتِهِ. وَقَدْ وَقَعَ فِي الْحَدِيث مُنَكَّرًا تَأَدُّبًا مَعَ الْقُرْآنِ
فَقَوْلُهُ: " الَّذِي وَعَدْته " نُصِبَ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ أَوْ عَلَى إضْمَارِ فِعْلٍ، وَرُفِعَ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا «إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ إلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَلِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْته، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (ثُمَّ يَدْعُو هُنَا) أَيْ بَعْدَ الْأَذَانِ.
لِحَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ (وَ) يَدْعُو (عِنْدَ إقَامَةٍ) فَعَلَهُ أَحْمَدُ وَرَفَعَ يَدَيْهِ. وَيَقُول عِنْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ " اللَّهُمَّ هَذَا إقْبَالُ لَيْلِك وَإِدْبَارُ نَهَارِك، وَأَصْوَاتُ دُعَاتِك فَاغْفِرْ لِي " لِلْخَبَرِ
(وَيَحْرُمُ خُرُوجُهُ) أَيْ خُرُوجُ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ أُذِّنَ لَهَا مَعَ صِحَّتِهَا مِنْهُ إذَنْ (مِنْ مَسْجِدٍ بَعْدَهُ) أَيْ الْأَذَانِ قَبْلَهَا (بِلَا عُذْرٍ أَوْ نِيَّةِ رُجُوعٍ) إلَى الْمَسْجِدِ، لِلْخَبَرِ، فَإِنْ كَانَ لِفَجْرٍ قَبْلَ وَقْتِهِ، أَوْ لِعُذْرٍ، أَوْ بِنِيَّةِ رُجُوعٍ قَبْلَ فَوْتِ الْجَمَاعَةِ لَمْ يَحْرُمْ. وَلَا بَأْسَ بِأَذَانٍ عَلَى سَطْحِ بَيْتٍ قَرِيبٍ، فَإِنْ بَعُدَ كُرِهَ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ، فَيَغْتَرُّ بِهِ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْمَسْجِدَ فَيُضَيِّعَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ