الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يَجِبُ اسْتِقْبَالُهُ وَأَدِلَّةُ الْقِبْلَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]
(وَفَرْضُ مَنْ قَرُبَ مِنْهَا) أَيْ الْكَعْبَةِ: وَهُوَ مَنْ يُمْكِنُهُ الْمُشَاهَدَةُ أَوْ مَنْ يُخْبِرُهُ عَنْ يَقِينٍ إصَابَةُ عَيْنِ الْكَعْبَةِ بِبَدَنِهِ، بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ عَنْهَا، فَإِنْ كَانَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، أَوْ عَلَى ظَهْرِهِ، فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ خَارِجَهُ فَإِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ بِنَظَرِهِ أَوْ عِلْمِهِ، أَوْ خَبَرِ عَالِمٍ بِهِ،
فَإِنَّ مَنْ نَشَأَ بِمَكَّةَ أَوْ أَقَامَ بِهَا كَثِيرًا يُمْكِنُهُ الْيَقِينُ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ مَعَ حَائِلٍ حَادِثٍ كَالْأَبْنِيَةِ (أَوْ) أَيْ وَفَرْضُ مَنْ قَرُبَ (مِنْ مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إصَابَةُ الْعَيْنِ بِبَدَنِهِ) لِأَنَّ قِبْلَتَهُ مُتَيَقَّنَةُ الصِّحَّةِ ; لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَا يُقِرُّ عَلَى الْخَطَأِ. وَرَوَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ قِبَلَ الْقِبْلَةِ وَقَالَ: هَذِهِ الْقِبْلَةُ» قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ صَلَاةَ الصَّفِّ الْمُسْتَطِيلِ فِي مَسْجِدِهِ صلى الله عليه وسلم صَحِيحَةٌ مَعَ خُرُوجِ بَعْضِهِمْ عَنْ اسْتِقْبَالِ عَيْنِ الْكَعْبَةِ، لِكَوْنِ الصَّفِّ أَطْوَلَ مِنْهَا.
وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَا يُقِرُّ عَلَى الْخَطَأِ: صَحِيحٌ لَكِنْ إنَّمَا الْوَاجِبُ عَلَيْهِ اسْتِقْبَالُ الْجِهَةِ، وَقَدْ فَعَلَهُ، وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيث الْمَذْكُورِ انْتَهَى. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ: فَرْضُهُ: اسْتِقْبَالُ الْعَيْنِ، أَيْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَمَا قَرُبَ مِنْهُ الِانْحِرَافُ عَنْهُ يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً، كَمَنْ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ; لِأَنَّ قِبْلَتَهُ بِالنَّصِّ فَلَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ:
قَالَ النَّاظِمُ: وَفِي مَعْنَاهُ أَيْ مَسْجِدِهِ صلى الله عليه وسلم كُلُّ مَوْضِعٍ ثَبَتَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِيهِ إذَا ضُبِطَتْ جِهَتُهُ (وَلَا يَضُرُّ عُلُوٌّ) عَنْ الْكَعْبَةِ، كَالْمُصَلِّي عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ.
(وَ) لَا يَضُرُّ (نُزُولٌ) عَنْهَا، كَمَنْ فِي حُفْرَةٍ فِي الْأَرْضِ، فَنَزَلَ بِهَا عَنْ مُسَامَتَتِهَا، لِأَنَّ الْجِدَارَ لَا أَثَرَ لَهُ، وَالْمَقْصُود الْبُقْعَةُ وَهَوَاؤُهَا. وَلِذَلِكَ يُصَلِّي إلَيْهَا حَيْثُ لَا جِدَارَ (إلَّا إنْ تَعَذَّرَ) عَلَى مَنْ قَرُبَ مِنْ الْكَعْبَةِ إصَابَةُ عَيْنِهَا (بِحَائِلٍ أَصْلِيٍّ كَجَبَلٍ) كَالْمُصَلِّي خَلْفَ أَبِي قُبَيْسٍ (فَ) إنَّهُ (يَجْتَهِدُ إلَى عَيْنِهَا) لِحَدِيثِ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» .
وَالْأَعْمَى أَوْ الْغَرِيبُ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ بِنَحْوِ دَارٍ بِمَكَّةَ: فَرْضُهُ الْخَبَرُ عَنْ يَقِينٍ. وَلَيْسَ لَهُ الِاجْتِهَادُ، كَالْحَاكِمِ يَجِدُ النَّصَّ (وَ) فَرْضُ (مَنْ بَعُدَ) عَنْ الْكَعْبَةِ وَمَسْجِدِهِ صلى الله عليه وسلم و (هُوَ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمُعَايَنَةِ) كَذَلِكَ و (لَا) يَقْدِرُ (عَلَى مَنْ يُخْبِرُهُ) بِالْيَقِينِ (عَنْ عِلْمِ إصَابَةِ الْجِهَةِ) أَيْ جِهَةِ الْكَعْبَةِ (بِالِاجْتِهَادِ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ»
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ
وَلِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الِاثْنَيْنِ الْمُتَبَاعِدَيْنِ يَسْتَقْبِلَانِ قِبْلَةً وَاحِدَةً وَعَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الصَّفِّ الطَّوِيلِ عَلَى خَطٍّ مُسْتَوٍ لَا يُقَالُ: مَعَ الْبُعْدِ يَتَّسِعُ الْمُحَاذِي لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَّسِعُ مَعَ التَّقَوُّسِ، لَا مَعَ عَدَمِهِ (وَيُعْفَى عَنْ انْحِرَافٍ يَسِيرٍ) يَمْنَةً وَيَسْرَةً، لِلْخَبَرِ، وَإِصَابَةُ الْعَيْنِ بِالِاجْتِهَادِ مُتَعَذِّرَةٌ. فَسَقَطَتْ وَأُقِيمَتْ الْجِهَةُ مَقَامَهَا لِلضَّرُورَةِ (فَإِنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ) أَيْ مَعْرِفَةُ فَرْضِهِ، مِنْ عَيْنٍ أَوْ جِهَةٍ (بِخَبَرِ مُكَلَّفٍ عَدْلٍ ظَاهِرًا وبَاطِنًا) حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً (عَنْ يَقِينٍ) وَلَوْ أَخْبَرَهُ بِالْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ، أَوْ نَجْمٍ، فَأَخَذَ الْقِبْلَةَ مِنْهُ لَزِمَهُ الْعَمَلُ بِهِ وَلَمْ يَجْتَهِدْ كَالْحَاكِمِ يَجِدُ النَّصَّ. وَعُلِمَ مِنْهُ: أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِخَبَرِ صَغِيرٍ، وَلَا فَاسِقٍ وَلَا عَدْلٍ أَخْبَرَ عَنْ اجْتِهَادٍ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: يَصِحُّ التَّوَجُّهُ إلَى قِبْلَتِهِ ; أَيْ الْفَاسِقِ فِي بَيْتِهِ.
وَفِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: قُلْت: إنْ كَانَ هُوَ عَمِلَهَا فَهُوَ كَإِخْبَارِهِ بِهَا وَإِنْ شَكَّ فِي حَالِهِ قُبِلَ فِي قَوْلِهِ فِي الْأَصَحِّ. لَا إنْ شَكَّ فِي إسْلَامِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ (أَوْ) أَمْكَنَهُ (الِاسْتِدْلَال) عَلَى الْقِبْلَةِ (بِمَحَارِيبَ عُلِمَ أَنَّهَا لِلْمُسْلِمِينَ) عُدُولًا كَانُوا أَوْ فُسَّاقًا (لَزِمَهُ الْعَمَلُ بِهِ) لِأَنَّ اتِّفَاقَهُمْ عَلَيْهَا مَعَ تَكْرَارِ الْأَعْصَارِ إجْمَاعٌ عَلَيْهَا. وَإِنْ وَجَدَ مَحَارِيبَ وَلَمْ يَعْلَمْهَا لِلْمُسْلِمِينَ لَمْ يَعْمَلْ بِهَا، وَإِنْ كَانَ بِقَرْيَةٍ وَلَمْ يَجِدْ مَحَارِيبَ يَعْمَلُ بِهَا لَزِمَهُ السُّؤَالُ.
(وَمَتَى اشْتَبَهَتْ) الْقِبْلَةُ (سَفَرًا) وَحَانَ وَقْتُ الصَّلَاةِ (اُجْتُهِدَ فِي طَلَبِهَا) وُجُوبًا (بِالدَّلَائِلِ) جَمْعِ دَلِيلٍ بِمَعْنَى دَالٍّ، لِأَنَّ مَا وَجَبَ اتِّبَاعُهُ عِنْدَ وُجُودِهِ وَجَبَ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ عِنْدَ خَفَائِهِ، كَالْحَاكِمِ فِي الْحَادِثَةِ (وَيُسْتَحَبُّ تَعَلُّمُهَا) أَيْ أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ (مَعَ أَدِلَّةِ الْوَقْتِ) وَلَمْ يَجِبْ لِنُدْرَتِهِ (فَإِنْ دَخَلَ) الْوَقْتُ (وَخَفِيَتْ عَلَيْهِ) أَدِلَّةُ الْقِبْلَةِ (لَزِمَهُ) تَعَلُّمُهَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ مَعَ قِصَرِ زَمَنِهِ، فَإِنْ صَلَّى قَبْلَهُ لَمْ تَصِحَّ،
ذَكَرَهُ فِي الشَّارِحِ (وَيُقَلِّدُ لِضَيْقِهِ) أَيْ الْوَقْتِ عَنْ تَعَلُّمِ الْأَدِلَّةِ. وَلَا يُعِيدُ: لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ يَجُوزُ تَرْكُهُ لِلضَّرُورَةِ كَشِدَّةِ الْخَوْفِ، بِخِلَافِ الطَّهَارَةِ، وَالدَّلِيلُ هُنَا: أُمُورٌ، أَصَحُّهَا النُّجُومُ، قَالَ تَعَالَى:{وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: 16] وَقَالَ تَعَالَى: {جَعَلَ لَكُمْ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا} [الأنعام: 97] وَقَالَ عُمَرُ " تَعَلَّمُوا مِنْ النُّجُومِ مَا تَعْرِفُونَ بِهِ الْقِبْلَةَ وَالطَّرِيقَ " وَقَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْت لِأَحْمَدَ: مَا تَرَى فِي تَعَلُّمِ هَذِهِ النُّجُومِ، الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا
كَمْ مَضَى مِنْ النَّهَارِ، وَكَمْ يَبْقَى؟ فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ تَعَلُّمَهَا (وَأَثْبَتُهَا الْقُطْبُ) بِتَثْلِيثِ الْقَافِ، حَكَاهُ ابْنُ سِيدَهْ لِأَنَّهُ لَا يَزُولُ عَنْ مَكَانِهِ
وَيُمْكِنُ كُلُّ أَحَدٍ مَعْرِفَتُهُ، وَيَلِيه الْجَدْيُ (وَهُوَ) أَيْ الْقُطْبُ (نَجْمٌ) خَفِيٌّ شَمَالِيٌّ يَرَاهُ حَدِيدُ الْبَصَرِ إذَا لَمْ يَقْوَ نُورُ الْقَمَرِ وَحَوْلَهُ أَنْجُمٌ دَائِرَةٌ كَفَرَاشَةِ الرَّحَا فِي أَحَدِ طَرَفَيْهَا الْفَرْقَدَانِ، وَفِي الْأُخْرَى الْجَدْيُ، وَحَوْلَهَا بَنَاتُ نَعْشٍ مِمَّا يَلِي الْفَرْقَدَيْنِ، تَدُورُ حَوْلَهَا (يَكُونُ) الْقُطْبُ (وَرَاءَ ظَهْرِ الْمُصَلِّي بِالشَّامِ وَمَا حَاذَاهَا) كَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَسَائِرِ الْجَزِيرَةِ لَا تَتَفَاوَتُ فِي ذَلِكَ إلَّا تَفَاوُتًا يَسِيرًا مَعْفُوًّا عَنْهُ،
ذَكَرَهُ الْمَجْدُ (وَ) يَكُونُ الْقُطْبُ مِنْ الْمُصَلِّي (خَلْفَ أُذُنِهِ الْيُمْنَى بِالْمَشْرِقِ) ، وَيَكُونُ الْقُطْبُ مِنْ الْمُصَلِّي (عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ بِمِصْرَ وَمَا وَالَاهَا) مِنْ الْبِلَاد (وَ) مِنْ دَلِيلِ الْقِبْلَةِ (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَمَنَازِلُهُمَا وَمَا يَقْتَرِنُ بِهَا) أَيْ بِمَنَازِلِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ (وَمَا يُقَارِبُهَا، كُلُّهَا تَطْلُعُ مِنْ الْمَشْرِقِ وَتَغْرُبُ بِالْمَغْرِبِ) وَالْمَنَازِلُ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَامِيَّةً تَطْلُعُ مِنْ وَسَطِ الْمَشْرِقِ مَائِلَةً عَنْهُ إلَى الشِّمَالِ أَوَّلُهَا السَّرَطَانُ، وَآخِرُهَا السِّمَاكُ. وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ يَمَانِيَّةٌ، تَطْلُعُ مِنْ الْمَشْرِقِ مَائِلَةً إلَى الْيَمِينِ،
وَلِكُلِّ نَجْمٍ مِنْ الشَّامِيَّةِ رَقِيبٌ مِنْ الْيَمَانِيَّةِ، إذَا طَلَعَ أَحَدُهُمَا غَابَ رَقِيبُهُ. فَأَوَّلُ الْيَمَانِيَّةِ وَآخِرُ الشَّامِيَّةِ يَطْلُعُ مِنْ وَسَطِ الْمَشْرِقِ، وَلِكُلِّ نَجْمٍ مِنْ هَذِهِ النُّجُومِ نُجُومٌ تُقَارِبُهُ وَتَسِيرُ بِسَيْرِهِ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، يَكْثُرُ عَدَدُهَا، فَحُكْمُهَا حُكْمُهُ، يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَيْهِ. وَعَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.
(وَ) مِنْ دَلَائِلِ الْقِبْلَةِ (الرِّيَاحُ) قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: الِاسْتِدْلَال بِهَا ضَعِيفٌ (وَأُمَّهَاتُهَا) أَيْ الرِّيَاحِ (أَرْبَعٌ) أَحَدهَا (الْجَنُوبُ، وَمَهَبُّهَا: قِبْلَةُ أَهْلِ الشَّامِ مِنْ مَطْلَعِ سُهَيْلٍ) وَهُوَ نَجْمٌ كَبِيرٌ مُضِيءٌ يَطْلُعُ مِنْ مَهَبِّ الْجَنُوبِ ثُمَّ يَسِيرُ حَتَّى يَصِيرَ فِي قِبْلَةِ الْمُصَلِّي، وَيَتَجَاوَزَهَا حَتَّى يَغْرُبَ بِقُرْبِ مَهَبِّ الدَّبُورِ (إلَى مَطْلَعِ الشَّمْسِ فِي الشِّتَاءِ.
و) مَهَبُّهَا (بِالْعِرَاقِ إلَى بَطْنِ كَتِفِ الْمُصَلِّي الْيُسْرَى مَارَّةً إلَى يَمِينِهِ، و) الثَّانِيَةُ مِنْ أُمَّهَاتِ الرِّيَاحِ (الشَّمَالُ: مُقَابِلَتُهَا) أَيْ الْجَنُوبِ، تَهُبُّ إلَى مَهَبّه (وَمَهَبُّهَا) أَيْ الشَّمَالِ (مِنْ الْقُطْبِ إلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ فِي الصَّيْفِ، وَ) الثَّالِثَةُ مِنْ أُمَّهَاتِ الرِّيَاحِ (الصَّبَا، وَتُسَمَّى الْقَبُولَ) لِأَنَّهَا تُقَابِلُ بَابَ الْكَعْبَةِ. وَمَهَبُّهَا (مِنْ يَسْرَةِ الْمُصَلِّي بِالشَّامِ. لِأَنَّهُ) أَيْ مَهَبُّهَا (مِنْ مَطْلَعِ الشَّمْسِ صَيْفًا إلَى مَطْلَعِ الْعَيُّوقِ) نَجْمٌ أَحَمَرُ مُضِيءٌ فِي طَرَفِ الْمَجَرَّةِ
الْأَيْمَنِ، يَتْلُو الثُّرَيَّا لَا يَتَقَدَّمُهَا (وَ) مَهَبُّهَا (بِالْعِرَاقِ إلَى خَلْفِ أُذُنِ الْمُصَلِّي الْيُسْرَى، مَارَّةً إلَى يَمِينِهِ، وَ) الرَّابِعَةُ مِنْ أُمَّهَاتِ الرِّيَاحِ (الدَّبُورُ مُقَابِلَتُهَا) أَيْ الصَّبَا
سُمِّيَتْ دَبُورًا ; لِأَنَّ مَهَبَّهَا مِنْ دُبُرِ الْكَعْبَةِ (لِأَنَّهَا تَهُبُّ) بِالشَّامِ (بَيْنَ الْقِبْلَةِ وَالْمَغْرِبِ وَ) تَهُبُّ (بِالْعِرَاقِ مُسْتَقْبِلَةً شَطْرَ وَجْهِ الْمُصَلِّي الْأَيْمَنِ) وَبَيْنَ كُلِّ رِيحَيْنِ مِنْ الْأَرْبَعِ: رِيحٌ تُسَمَّى النَّكْبَاءَ. لِتَنَكُّبِهَا طَرِيقَ الرِّيَاحِ الْمَعْرُوفَةِ، وَلِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ الرِّيَاحِ: صِفَاتٌ وَخَوَّاصٌ تُمَيِّزُهَا عِنْدَ ذَوِي الْخِبْرَةِ بِهَا، وَإِنَّمَا يَسْتَدِلُّ بِهَا مَنْ عَرَفَهَا فِي الصَّحَارِي وَالْقِفَارِ لَا بَيْنَ الْبُنْيَانِ وَالدُّورِ ; لِأَنَّهَا تَخْتَبِطُ، وَلَا يَنْتَظِمُ دَوَرَانُهَا عَلَى مَهَبِّهَا الْأَصْلِيِّ (وَلَا يَتْبَعُ مُجْتَهِدٌ مُجْتَهِدًا خَالَفَهُ) بِأَنْ ظَهَرَ لِكُلٍّ مِنْهَا جِهَةٌ غَيْرُ الَّتِي ظَهَرَتْ لِلْآخَرِ ; لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَعْتَقِدُ خَطَأَ الْآخَرِ. فَأَشْبَهَا الْمُجْتَهِدَيْنِ فِي الْحَادِثَةِ إذَا اخْتَلَفَا فِيهَا
وَالْمُجْتَهِدَ الْعَالِمَ بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ وَإِنْ جَهِلَ أَحْكَامَ الشَّرْعِ. (وَلَا يَقْتَدِي) أَيْ لَا يَأْتَمُّ مُجْتَهِدٌ (بِهِ) ، أَيْ بِمُجْتَهِدٍ خَالَفَهُ جِهَةً، كَمَا لَوْ خَرَجَ رِيحٌ مِنْ أَحَدِ اثْنَيْنِ، وَاعْتَقَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ مِنْ الْآخَرِ (إلَّا إنْ اتَّفَقَا) فِي الْجِهَةِ. وَلَوْ مَالَ أَحَدُهُمَا يَمِينًا وَالْآخَرُ شِمَالًا لِلْعَفْوِ عَنْهُ (فَإِنْ) اجْتَهَدَ، أَوْ اتَّفَقَتْ جِهَتُهُمَا وَائْتَمَّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ ثُمَّ (بَانَ لِأَحَدِهِمَا الْخَطَأُ) فِي اجْتِهَادِهِ (انْحَرَفَ) إلَى الْجِهَةِ الَّتِي تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ إلَيْهَا إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا ; لِأَنَّهَا تَرَجَّحَتْ فِي ظَنِّهِ (وَأَتَمَّ) صَلَاتَهُ،
وَلَا يَسْتَأْنِفُهَا ; لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ الْأَوَّلَ لَا يُبْطِلُ الثَّانِيَ (وَيَتْبَعُهُ مَنْ قَلَّدَهُ) فَيَنْحَرِفُ إلَى مَا انْحَرَفَ إلَيْهِ ; لِأَنَّ فَرْضَهُ التَّقْلِيدُ لِعَجْزِهِ عَنْ الِاجْتِهَادِ لِنَفْسِهِ. وَإِنْ قَلَّدَ اثْنَيْنِ لَمْ يَرْجِعْ بِرُجُوعِ أَحَدِهِمَا (وَيَنْوِي الْمُؤْتَمُّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ مُجْتَهِدَيْنِ ائْتَمَّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، ثُمَّ بَانَ لِأَحَدِهِمَا الْخَطَأُ (الْمُفَارَقَةَ) لِإِمَامِهِ لِلْعُذْرِ (وَيَتْبَعُ وُجُوبًا جَاهِلٌ) بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ عَاجِزٌ عَنْ تَعَلُّمِهَا قَبْلَ خُرُوج وَقْتٍ: الْأَوْثَقَ عِنْدَهُ، وَيَتْبَعُ وُجُوبًا و (أَعْمَى، الْأَوْثَقَ عِنْدَهُ) ; لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إصَابَةٍ فِي نَظَرِهِ (وَلَا مَشَقَّةَ) عَلَيْهِ فِي مُتَابَعَتِهِ، بِخِلَافِ تَقْلِيدِ الْعَامِّيِّ الْأَعْلَمِ فِي الْأَحْكَامِ فَإِنْ فِيهِ حَرَجًا وَتَضْيِيقًا.
وَمَا زَالَ عَوَامُّ كُلِّ عَصْرٍ يُقَلِّدُ أَحَدُهُمْ مُجْتَهِدًا فِي مَسْأَلَةٍ، وَآخَرَ فِي أُخْرَى. وَهَلُمَّ جَرًّا إلَى مَا لَا يُحْصَى وَلَمْ يُنْقَلْ إنْكَارُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ; وَلِأَنَّهُمْ أُمِرُوا بِتَحَرِّي الْأَعْلَمِ وَالْأَفْضَلِ فِي نَظَرِهِمْ. وَإِنْ أَمْكَنَ أَعْمَى اجْتِهَادٌ بِنَهْرٍ كَبِيرٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ جَبَلٍ. لَزِمَهُ وَلَمْ يُقَلِّدْ (وَيُخَيَّرُ) جَاهِلٌ وَأَعْمَى وَجَدَ مُجْتَهِدَيْنِ فَأَكْثَرَ (مَعَ تَسَاوٍ) بِأَنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَفْضَلِيَّةَ وَاحِدٍ عَلَى غَيْرِهِ، فَيَتْبَعُ أَيَّهُمَا شَاءَ (ك) مَا يُخَيَّرُ (عَامِّيٌّ
فِي الْفُتْيَا) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ صَلَّى بَصِيرًا حَضَرًا فَأَخْطَأَ، أَوْ) صَلَّى (أَعْمَى بِلَا دَلِيلٍ) مِنْ اسْتِخْبَارِ بَصِيرٍ ; أَوْ اسْتِدْلَالٍ بِلَمْسِ مِحْرَابٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْقِبْلَةِ (أَعَادَا) أَيْ الْبَصِيرُ وَالْأَعْمَى وَلَوْ اجْتَهَدَ الْمُخْطِئُ وَلَوْ لَمْ يُخْطِئْ الْقِبْلَةَ ; لِأَنَّ الْحَضَرَ لَيْسَ بِمَحَلِّ الِاجْتِهَادِ، لِقُدْرَةِ مَنْ فِيهِ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْمَحَارِيبِ وَنَحْوِهَا، وَلِوُجُودِ الْمُخْبِرِ عَنْ يَقِينٍ غَالِبًا. فَهُوَ مُفَرِّطٌ، وَكَذَلِكَ الْأَعْمَى ; لِأَنَّ فَرْضَهُ التَّقْلِيدُ أَوْ الِاسْتِدْلَال، وَقَدْ تَرَكَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ (فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِمُجْتَهِدٍ جِهَةٌ) فِي السَّفَرِ، بِأَنْ تَعَادَلَتْ عِنْدَهُ الْأَمَارَاتُ، وَكَذَا لَوْ مَنَعَهُ مِنْ الِاجْتِهَادِ رَمَدٌ وَنَحْوُهُ، صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ.
وَلَا إعَادَةَ، لِحَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَةُ، فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ حِيَالَهُ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] » رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ; وَلِأَنَّ خَفَاءَ الْقِبْلَةِ فِي الْأَسْفَارِ لِوُجُودِ نَحْوِ غَيْمٍ يَكْثُرُ. فَيَشُقُّ إيجَابُ الْإِعَادَةِ (أَوْ لَمْ يَجِدْ أَعْمَى) مَنْ يُقَلِّدُهُ (أَوْ) لَمْ يَجِدْ (جَاهِلٌ) بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ (مَنْ يُقَلِّدُهُ، فَتَحَرَّيَا) وَصَلَّيَا.
فَلَا إعَادَةَ ; لِأَنَّهُمَا أَتَيَا بِمَا أُمِرَا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ. فَسَقَطَتْ عَنْهُمَا الْإِعَادَةُ، كَالْعَاجِزِ عَنْ الِاسْتِقْبَالِ (أَوْ أَخْطَأَ مُجْتَهِدٌ قَلَّدَ) جَاهِلٌ مُجْتَهِدًا (فَأَخْطَأَ مُقَلَّدَهُ) بِفَتْحِ اللَّامِ (سَفَرًا) فَصَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ (فَلَا إعَادَةَ) عَلَيْهِ ; لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَنْ قَلَّدَهُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ حَضَرًا وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلِاجْتِهَادِ (وَيَجِبُ) عَلَى عَالِمٍ بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ (تَحَرٍّ لِكُلِّ صَلَاةٍ) ; لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ مُتَجَدِّدَةٌ.
فَتَسْتَدْعِي طَلَبًا جَدِيدًا، كَطَلَبِ الْمَاءِ فِي التَّيَمُّمِ، وَكَالْحَادِثَةِ لِمُفْتٍ وَمُسْتَفْتٍ (فَإِنْ تَغَيَّرَ) اجْتِهَادُهُ (وَلَوْ فِيهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (عَمِلَ بِ) الِاجْتِهَادِ (الثَّانِي) ; لِأَنَّهُ تَرَجَّحَ فِي ظَنِّهِ. فَيَسْتَدِيرُ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي ظَهَرَتْ لَهُ، (وَبَنَى) عَلَى مَا مَضَى مِنْ الصَّلَاةِ. نَصًّا وَلَيْسَ مِنْ نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ، بَلْ عَمِلَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا. كَمَا قَالَ عُمَرُ فِي الْمُشَرَّكَةِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ " ذَاكَ عَلَى مَا قَضَيْنَاهُ. وَهَذَا عَلَى مَا نَقْضِي "(وَإِنْ ظَنَّ الْخَطَأَ) بِأَنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ يُصَلِّي إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ (فَقَطْ) بِأَنْ لَمْ تَظْهَرْ لَهُ جِهَةُ الْقِبْلَةِ (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِدَامَتُهَا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ جِهَةٌ يَتَوَجَّهُ إلَيْهَا.
فَتَعَذَّرَ إتْمَامُهَا (وَمَنْ أُخْبِرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (فِيهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (بِالْخَطَأِ) لِلْقِبْلَةِ، وَكَانَ الْإِخْبَارُ (يَقِينًا) وَالْمُخْبِرُ ثِقَةٌ (لَزِمَهُ قَبُولُهُ) أَيْ الْخَبَرِ، فَيَعْمَلُ بِهِ وَيَتْرُكُ الِاجْتِهَادَ كَمَا لَوْ أَخْبَرَهُ قَبْلَهُ