الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي الشَّكِّ فِي الطَّهَارَةِ وَمَا يَحْرُمُ بِحَدَثٍ وَأَحْكَامُ الْمُصْحَفِ]
فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ الشَّكِّ فِي الطَّهَارَةِ وَمَا يَحْرُمُ بِحَدَثٍ، وَأَحْكَامُ الْمُصْحَفِ (مَنْ شَكَّ) أَيْ تَرَدَّدَ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الشَّكُّ خِلَافُ الْيَقِينِ (فِي طَهَارَةٍ) بَعْدَ تَيَقُّنِ حَدَثٍ (أَوْ) شَكَّ فِي (حَدَثٍ) بَعْدَ تَيَقُّنِ طَهَارَةٍ (وَلَوْ) كَانَ شَكُّهُ ذَلِكَ (فِي غَيْرِ صَلَاةٍ بَنَى عَلَى يَقِينِهِ) لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ «شُكِيَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِمُسْلِمٍ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ " فِي الصَّلَاةِ " وَلِأَنَّهُ تَعَارَضَ عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ بِالشَّكِّ، فَوَجَبَ سُقُوطُهُمَا كَبَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا. فَيَرْجِعُ إلَى الْيَقِينِ، سَوَاءٌ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَحَدُهُمَا أَوْ لَا ; لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا ضَابِطٌ فِي الشَّرْعِ لَمْ يُلْتَفَت إلَيْهَا. كَظَنِّ صِدْقِ أَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ.
وَالْيَقِينُ: مَا أَذْعَنَتْ النَّفْسُ لِلتَّصْدِيقِ بِهِ. وَقَطَعَتْ بِهِ وَقَطَعَتْ بِأَنَّ قَطْعَهَا بِهِ صَحِيحٌ. قَالَهُ الْمُوَفَّقُ فِي مُقَدِّمَةِ الرَّوْضَةِ. وَسَمَّى مَا هُنَا يَقِينًا بَعْدَ وُرُودِ الشَّكِّ عَلَيْهِ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ السَّابِقِ.
(وَإِنْ تَيَقَّنَهُمَا) أَيْ الْحَدَثَ وَالطَّهَارَةَ، أَيْ تَيَقَّنَ كَوْنَهُ اتَّصَفَ بِالْحَدَثِ وَالطَّهَارَةِ بَعْدَ الشُّرُوقِ مَثَلًا (وَجَهِلَ أَسْبَقَهُمَا) بِأَنْ لَمْ يَدْرِ: الْحَدَثَ قَبْلَ الطَّهَارَةِ أَوْ بِالْعَكْسِ (فَإِنْ جَهِلَ قَبْلَهُمَا) بِأَنْ لَمْ يَدْرِ: هَلْ كَانَ مُحْدِثًا أَوْ مُتَطَهِّرًا قَبْلَ الشُّرُوقِ؟ (تَطَهَّرَ) وُجُوبًا، إذَا أَرَادَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا، لِتَيَقُّنِهِ الْحَدَثَ فِي إحْدَى الْحَالَتَيْنِ.
وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ لِأَنَّ وُجُودَ يَقِينِ الطَّهَارَةِ فِي الْحَالِ الْأُخْرَى مَشْكُوكٌ فِيهِ: أَكَانَ قَبْلَ الْحَدَثِ أَوْ بَعْدَهُ؟ وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ طَهَارَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ أَوْ مَظْنُونَةٍ أَوْ مُسْتَصْحَبَةٍ، وَلَا شَيْءَ مِنْ ذَلِكَ هُنَا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَجْهَلْ حَالَةً قَبْلَهُمَا بَلْ عَلِمَهَا (فَهُوَ عَلَى ضِدِّهَا) فَإِنْ كَانَ مُتَطَهِّرًا فَمُحْدِثٌ، وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا فَمُتَطَهِّرٌ، لِأَنَّهُ قَدْ تَيَقَّنَ زَوَالَ تِلْكَ الْحَالِ إلَى ضِدِّهَا.
وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ، لِأَنَّ مَا يُغَيِّرُهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ (وَإِنْ
عَلِمَهَا) أَيْ قَبْلَهُمَا (وَتَيَقَّنَ فِعْلَهُمَا) أَيْ الطَّهَارَةِ وَالْحَدَثِ حَالَ كَوْنِ فِعْلِ الطَّهَارَةِ (رَفْعًا لِحَدَثٍ وَ) حَالَ كَوْنِ فِعْلِ الْحَدَثِ (نَقْضًا لِطَهَارَةٍ) فَهُوَ عَلَى مِثْلِهَا، فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُمَا مُتَطَهِّرًا فَمُتَطَهِّرٌ ; لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ أَنَّهُ نَقَضَ تِلْكَ الطَّهَارَةَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَوَضَّأَ مَعَ بَقَاءِ تِلْكَ الطَّهَارَةِ، لِتَيَقُّنِ كَوْنِ طَهَارَتِهِ عَنْ حَدَثٍ.
وَنَقْضُ هَذِهِ الطَّهَارَةِ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَلَا يَزُولُ بِهِ الْيَقِينُ، وَإِنْ كَانَ قَبْلُ مُحْدِثًا فَهُوَ الْآنَ مُحْدِثٌ، لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ أَنَّهُ انْتَقَلَ عَنْهُ إلَى طَهَارَةٍ ثُمَّ أَحْدَثَ عَنْهَا وَلَمْ يَتَيَقَّنْ بَعْدَ الْحَدَثِ الثَّانِي طَهَارَةً، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ قَبْلَهُمَا تَطَهَّرَ لِمَا سَبَقَ (أَوْ عَيَّنَ) لِفِعْلِ طَهَارَةٍ وَحَدَثٍ (وَقْتًا لَا يَسَعُهُمَا فَهُوَ عَلَى مِثْلِهَا) أَيْ مِثْلِ حَالِهِ قَبْلَهُمَا، لِسُقُوطِ هَذَا الْيَقِينِ لِلتَّعَارُضِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ قَبْلَهُمَا ; تَطَهَّرَ.
(فَإِنْ جَهِلَ حَالَهُمَا) بِأَنْ لَمْ يَدْرِ: الْحَدَثَ عَنْ طَهَارَةٍ أَوْ لَمْ يَدْرِ الطَّهَارَةَ عَنْ حَدَثٍ أَوْ لَا (وَ) جَهِلَ أَيْضًا (أَسْبَقَهُمَا فَبِضِدِّهَا) أَيْ ضِدِّ حَالِهِ قَبْلَهُمَا إنْ عَلِمَهَا لِمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا لَوْ تَيَقَّنَ طَهَارَةً وَفِعْلَ حَدَثٍ، أَوْ حَدَثًا وَفِعْلَ طَهَارَةٍ فَقَطْ، لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَا تَيَقَّنَهُ هُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ ضِدُّ ذَلِكَ هُوَ الطَّارِئُ، وَقَدْ أَوْضَحْتُ الْكَلَامَ عَلَى أَصْلِ الْمَتْنِ وَمَا شُطِبَ مِنْهُ فِي الْحَاشِيَةِ
(وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّ الطَّهَارَةَ عَنْ حَدَثٍ وَلَمْ يَدْرِ: الْحَدَثَ عَنْ طَهَارَةٍ أَوْ لَا) وَجَهِلَ أَسْبَقَهُمَا (فَمُتَطَهِّرٌ مُطْلَقًا) مُحْدِثًا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ مُتَطَهِّرًا، لِتَيَقُّنِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ بِالطَّهَارَةِ وَشَكِّهِ فِي وُجُودِهِ بَعْدَهَا
(وَعَكْسُ هَذِهِ) بِأَنْ تَيَقَّنَ أَنَّ الْحَدَثَ عَنْ طَهَارَةٍ وَلَمْ يَدْرِ: الطَّهَارَةَ عَنْ حَدَثٍ أَوْ لَا (بِعَكْسِهَا) فَيَكُونُ مُحْدِثًا مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْدِثًا أَوْ مُتَطَهِّرًا لِتَيَقُّنِهِ نَقْضَ الطَّهَارَةِ بِالْحَدَثِ وَشَكِّهِ فِي الطَّهَارَةِ بَعْدَهُ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الشَّكُّ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ فِيهَا، وَأَمَّا بَعْدَهَا فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا مُطْلَقًا
(وَلَا وُضُوءَ عَلَى سَامِعِي صَوْتِ) رِيحٍ مِنْ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ (أَوْ شَامِّي رِيحٍ مِنْ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ، فَهُوَ مُتَيَقِّنُ الطَّهَارَةِ شَاكٌّ فِي الْحَدَثِ
(وَلَا) وُضُوءَ (إنْ مَسَّ وَاحِدٌ ذَكَرَ خُنْثَى وَ) مَسَّ (آخَرُ فَرْجَهُ) لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَيَّهُمَا مَسَّ الْأَصْلِيَّ مِنْ الْفَرْجَيْنِ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُ مَسِّ ذَكَرٍ ذَكَرَهُ وَأُنْثَى قُبُلَهُ (وَإِنْ أَمَّ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ اثْنَيْنِ وَجَبَتْ الطَّهَارَةُ عَلَى أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ (الْآخَرَ أَوْ صَافَّهُ وَحْدَهُ أَعَادَا) صَلَاتَهُمَا، لِتَيَقُّنِ كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّ أَحَدَهُمَا مُحْدِثٌ.
فَإِنْ صَافَّهُ مَعَ غَيْرِهِ فَلَا إعَادَةَ لِانْتِفَاءِ الْفِدْيَةِ. وَإِنْ أَمَّهُ مَعَ آخَرَ الْمُؤْتَمُّ مِنْهُمَا صَلَاتُهُ (وَإِنْ أَرَادَا ذَلِكَ) أَيْ أَنْ يَؤُمَّ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ أَوْ يُصَافِفُهُ وَحْدَهُ (تَوَضَّأَ)
لِيَزُولَ الِاعْتِقَادُ الَّذِي بَطَلَتْ صَلَاتُهُمَا لِأَجْلِهِ. قَالَهُ فِي شَرْحِهِ وَلَا يَكْفِي فِي ذَلِكَ وُضُوءُ أَحَدِهِمَا. لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الَّذِي أَحْدَثَ مِنْهُمَا هُوَ الَّذِي لَمْ يَتَوَضَّأْ اهـ. قُلْت: وَكَذَا فِي جُمُعَةٍ إنْ لَمْ يَتِمَّ الْعَدَدُ إلَّا بِهِمَا
(وَيَحْرُمُ بِحَدَثٍ) أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ مَعَ قُدْرَةٍ عَلَى طَهَارَةٍ (صَلَاةٌ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ. وَسَوَاءٌ الْفَرْضُ أَوْ النَّفَلُ وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ.
وَلَا يُكَفَّرُ مَنْ صَلَّى مُحْدِثًا (وَ) يَحْرُمُ أَيْضًا بِهِ (طَوَافٌ) فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا. لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ، إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ فِيهِ الْكَلَامَ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ.
(وَ) يَحْرُمُ بِهِ أَيْضًا (مَسُّ مُصْحَفٍ وَبَعْضِهِ) وَلَوْ مِنْ صَغِيرٍ. لِقَوْلِهِ سبحانه وتعالى: {لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] .
وَلِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ كِتَابًا. وَفِيهِ: لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ مُتَّصِلًا. وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ. وَرَوَاهُ مَالِكٌ مُرْسَلًا (حَتَّى جِلْدَهُ) أَيْ الْمُصْحَفِ (وَحَوَاشِيهِ) وَمَا فِيهِ مِنْ وَرَقٍ أَبِيضَ، لِأَنَّهُ يَشْمَلُهُ اسْمُ الْمُصْحَفِ، وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِهِ (بِيَدٍ وَغَيْرِهَا) كَصَدْرِهِ إذْ كُلُّ شَيْءٍ لَاقَى شَيْئًا فَقَدْ مَسَّهُ (بِلَا حَائِلٍ) فَإِنْ كَانَ بِحَائِلٍ لَمْ يَحْرُمْ لِأَنَّ الْمَسّ إذَنْ لِلْحَائِلِ.
وَ (لَا) يَحْرُمُ عَلَى مُحْدِثٍ (حَمْلُهُ بِعِلَاقَةٍ وَفِي كِيسٍ وَكُمٍّ) مِنْ غَيْرِ مَسٍّ، كَحَمْلِهِ فِي رَحْلِهِ. لِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ فِي الْمَسِّ، وَالْحَمْلُ لَيْسَ بِمَسٍّ.
(وَ) لَا يَحْرُمُ عَلَى مُحْدِثٍ (تَصَفُّحُهُ) أَيْ الْمُصْحَفِ (بِهِ) أَيْ بِكُمِّهِ (أَوْ بِعُودٍ) لِمَا تَقَدَّمَ وَلَا يَحْرُمُ عَلَى مُحْدِثٍ أَيْضًا (مَسُّ تَفْسِيرٍ) وَنَحْوِهِ كَكُتُبِ فِقْهٍ وَرَسَائِلَ فِيهَا آيَاتٌ مِنْ قُرْآنٍ ; لِأَنَّهُ لَا يَمَسُّ مُصْحَفًا.
(وَ) لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَسُّ (مَنْسُوخٍ تِلَاوَتُهُ) وَمَأْثُورٍ عَنْ اللَّهِ كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَلَا حَمْلُ رُقًى وَتَعَاوِيذَ فِيهَا قُرْآنٌ وَلَا مَسُّ ثَوْبٍ رُقِّمَ بِقُرْآنٍ أَوْ فِضَّةٍ نُقِشَتْ بِهِ.
(وَ) لَا عَلَى وَلِيٍّ (صَغِيرٍ) تَمْكِينُهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ (لَوْحًا فِيهِ قُرْآنٌ) مِنْ مَحَلٍّ خَالٍ مِنْ الْكِتَابَةِ دُونَ الْمَكْتُوبِ. وَإِنْ رُفِعَ الْحَدَثُ عَنْ عُضْوٍ لَمْ يَجُزْ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِهِ قَبْلَ كَمَالِ طَهَارَتِهِ
(وَيَحْرُمُ مَسُّ مُصْحَفٍ بِعُضْوٍ مُتَنَجِّسٍ) قِيَاسًا عَلَى مَسِّهِ مَعَ الْحَدَثِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَذَا مَسُّ ذِكْرِ اللَّهِ بِنَجِسٍ اهـ.
وَلَا يَحْرُمُ مَسُّهُ بِعُضْوٍ طَاهِرٍ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِهِ نَجَاسَةٌ
(وَ) يَحْرُمُ (سَفَرٌ بِهِ) أَيْ الْمُصْحَفِ (لِدَارِ حَرْبٍ) لِلْخَبَرِ (وَ)(يَحْرُمُ تَوَسُّدُهُ) أَيْ الْمُصْحَفِ (وَ) تَوَسُّدُ (كُتُبِ عِلْمٍ فِيهَا قُرْآنٌ) وَإِلَّا كُرِهَ، وَيَحْرُمُ الْوَزْنُ بِهِ
وَالِاتِّكَاءُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ، فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ: إنْ خَافَ سَرِقَةً فَلَا بَأْسَ، وَيَحْرُمُ كَتْبُ قُرْآنٍ وَذِكْرٍ بِنَجِسٍ. (وَعَلَيْهِ قَالَ فِي الْفُنُونِ: إنْ قَصَدَ بِكَتْبِهِ بِنَجَسِ إهَانَةً، فَالْوَاجِبُ قَتْلُهُ وَإِنْ كُتِبَا بِنَجَسٍ أَوْ عَلَيْهِ أَوْ فِيهِ أَوْ تَنَجَّسَا وَجَبَ غَسْلُهُمَا (وَ) يَحْرُمُ كَتْبُهُ) أَيْ الْقُرْآنِ (بِحَيْثُ يُهَانُ) بِبَوْلِ حَيَوَانٍ، أَوْ جُلُوسٍ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إجْمَاعًا، فَيَجِبُ إزَالَتُهُ وَيَحْرُمُ دَوْسُهُ وَدَوْسُ ذِكْرٍ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَنْبَغِي تَعْلِيقُ شَيْءٍ فِيهِ قُرْآنٌ يُهَانُ بِهِ.
وَفِي الْفُصُولِ: يُكْرَهُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَى حِيطَانِ الْمَسْجِدِ ذِكْرٌ أَوْ غَيْرُهُ ; لِأَنَّهُ يُلْهِي الْمُصَلِّي. وَكَرِهَ أَحْمَدُ شِرَاءَ ثَوْبٍ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى يُجْلَسُ عَلَيْهِ وَيُدَاسُ.
وَفِي الْبُخَارِيِّ " أَنَّ الصَّحَابَةَ حَرَقَتْهُ - بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ - لِمَا جَمَعُوهُ ".
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: ذَلِكَ لَصِيَانَتِهِ وَتَعْظِيمِهِ. .
وَرُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ دَفَنَ الْمَصَاحِفَ بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ: إذَا بَلِيَ الْمُصْحَفُ وَانْدَرَسَ: دُفِنَ.
(وَكُرِهَ مَدُّ رِجْلٍ إلَيْهِ وَاسْتِدْبَارُهُ) أَيْ الْمُصْحَفِ، وَكَذَا كُتُبُ عِلْمٍ فِيهَا قُرْآنٌ تَعْظِيمًا (وَ) كُرِهَ (تَخَطِّيهِ) وَكَذَا رَمْيُهُ بِالْأَرْضِ بِلَا وَضْعٍ وَلَا حَاجَةٍ تَدْعُو إلَيْهِ، بَلْ هُوَ بِمَسْأَلَةِ التَّوَسُّدِ أَشْبَهُ. وَقَدْ رَمَى رَجُلٌ بِكِتَابٍ عِنْدَ أَحْمَدَ فَغَضِبَ وَقَالَ أَحْمَدُ: هَكَذَا يُفْعَلُ بِكَلَامِ الْأَبْرَارِ.
(وَ) كُرِهَ (تَحْلِيَتُهُ) أَيْ الْمُصْحَفِ (بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ) وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: يَحْرُمُ كَتْبُهُ بِذَهَبٍ ; لِأَنَّهُ مِنْ زَخْرَفَةِ الْمَصَاحِفِ وَيُؤْمَرُ بِحَكِّهِ، فَإِنْ كَانَ يَجْتَمِعُ مِنْهُ مَا يُتَمَوَّلُ زَكَّاهُ.
قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُزَكِّيهِ إنْ كَانَ نِصَابًا. وَلَهُ حَكُّهُ وَأَخْذُهُ اهـ.
وَيَحْرُمُ تَحْلِيَةُ كُتُبِ عِلْمٍ (وَيُبَاحُ تَطْيِيبُهُ وَاسْتَحَبَّهُ الْآمِدِيُّ) لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام طَيَّبَ الْكَعْبَةَ، وَهِيَ دُونَهُ وَأَمَرَ بِتَطْيِيبِ الْمَسَاجِدِ. فَالْمُصْحَفُ أَوْلَى (وَيُبَاحُ تَقْبِيلُهُ) لِعَدَمِ التَّوْقِيفِ، لِأَنَّ مَا طَرِيقُهُ الْقُرْبُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْقِيَاسِ فِيهِ مَدْخَلٌ لَا يُسْتَحَبُّ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَعْظِيمٌ، إلَّا بِتَوْقِيفٍ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ عَنْ الْحَجَرِ " لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ " وَأَنْكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ الزِّيَادَةَ عَلَى فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَبَّلَ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا. وَظَاهِرُ هَذَا: أَنَّهُ لَا يُقَامُ لَهُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إذَا اعْتَادَ النَّاسُ قِيَامَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، فَهُوَ أَحَقُّ
(وَ) تُبَاحُ (كِتَابَةُ آيَتَيْنِ فَأَقَلَّ إلَى كُفَّارٍ) قَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: كَتَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى الْمُشْرِكِينَ
وَتَحْرُمُ مُخَالَفَةُ خَطِّ عُثْمَانَ فِي وَاوٍ وَيَاءٍ وَأَلِفٍ وَغَيْرِهَا نَصًّا.
وَيُمْنَعُ الْكَافِرُ مِنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ مُطْلَقًا، وَمِنْ قِرَاءَتِهِ، وَتَمَلُّكِهِ، فَإِنْ مَلَكَهُ بِإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ أُجْبِرَ عَلَى إزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ وَلَهُ نَسْخُهُ بِدُونِ مَسٍّ