الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَنَحْوُهُ، وَكَنِمْسٍ وَفَأْرٍ وَقُنْفُذٍ، وَدَجَاجَةٍ وَبَهِيمَةٍ: نَجَاسَةً (أَوْ أَكَلَ طِفْلٌ نَجَاسَةً ثُمَّ شَرِبَ) الْهِرُّ وَنَحْوُهُ أَوْ الطِّفْلُ (وَلَوْ قَبْلَ، أَنْ يَغِيبَ) بَعْدَ أَكْلِ النَّجَاسَةِ (مِنْ مَاءٍ يَسِيرٍ) أَوْ مَائِعٍ لَا يُؤَثِّرُ، لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ.
(أَوْ وَقَعَ فِيهِ) أَيْ الْمَاءِ الْيَسِيرِ أَوْ مَائِعٍ غَيْرِهِ (هِرٌّ وَنَحْوُهُ مِمَّا يَنْضَمَّ دُبُرُهُ إذَا وَقَعَ فِي مَائِعٍ) كَالْفَأْرِ (وَخَرَجَ حَيًّا. لَمْ يُؤَثِّرْ) لِعَدَمِ وُصُولِ نَجَاسَةٍ إلَيْهِ (وَكَذَا) لَوْ وَقَعَ (فِي جَامِدٍ) وَخَرَجَ حَيًّا. لَمْ يُؤَثِّرْ (وَهُوَ) أَيْ الْجَامِدُ (مَا يَمْنَعُ انْتِقَالَهَا) أَيْ النَّجَاسَةِ (فِيهِ) لِكَثَافَتِهِ
(وَإِنْ مَاتَ) حَيَوَانٌ يَنْجُسُ بِمَوْتٍ، (أَوْ وَقَعَ مَيِّتًا فِي دَقِيقٍ وَنَحْوِهِ) كَسَمْنٍ جَامِدٍ (أَلْقَى) الْمَيِّتَ (وَمَا حَوْلَهُ) مِنْ دَقِيقٍ وَنَحْوِهِ، لِمُلَاقَاتِهِ النَّجَسَ وَاسْتُعْمِلَ الْبَاقِي (وَإِنْ اخْتَلَطَ) النَّجَسُ بِغَيْرِهِ (وَلَمْ يَنْضَبِطْ. حَرُمَ) الْكُلُّ، تَغْلِيبًا لِلْحَظْرِ. وَكَذَا لَوْ كَانَ مَائِعًا لِلْخَبَرِ.
[بَابُ الْحَيْضِ]
ِ) لُغَةً: السَّيَلَانُ، مَصْدَرُ حَاضَ، مَأْخُوذٌ مِنْ حَاضَ الْوَادِي. إذَا سَالَ. وَحَاضَتْ الشَّجَرَةُ إذَا سَالَ مِنْهَا شِبْهُ الدَّمِ وَهُوَ الصَّمْغُ الْأَحْمَرُ، وَتَحَيَّضَتْ: قَعَدَتْ أَيَّامَ حَيْضِهَا عَنْ نَحْوِ صَلَاةٍ. وَمِنْ أَسْمَائِهِ: الطَّمْثُ وَالْعِرَاكُ وَالضَّحِكُ وَالْإِعْصَارُ وَالْإِكْبَارُ وَالنِّفَاسُ وَالْفِرَاكُ وَالدِّرَاسُ، وَاسْتُحِيضَتْ الْمَرْأَةُ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ بَعْدَ أَيَّامِهَا.
وَشَرْعًا (دَمُ طَبِيعَةٍ وَجِبِلَّةٍ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا، أَيْ سَجِيَّةً وَخِلْقَةً. جَبَلَ اللَّهُ بَنَاتِ آدَمَ عَلَيْهَا (تُرْخِيهِ الرَّحِمُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا مَعَ كَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِهَا فِيهِمَا، بَيْتُ مَنْبَتِ الْوَلَدِ وَوِعَائِهِ، وَمَخْرَجُهُ مِنْ قَعْرِهِ (يَعْتَادُ) ذَلِكَ الدَّمُ (أُنْثَى إذَا بَلَغَتْ، فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَةٍ) فِي الْغَالِبِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ سِتَّةَ أَيَّامٍ، أَوْ سَبْعَةً، إنْ لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ حَامِلًا وَلَا مُرْضِعًا، وَلِأَنَّهُ لَا مَصْرِفَ لَهُ إذَنْ، فَإِذَا حَمَلَتْ صَرَفَهُ اللَّهُ لِغِذَاءِ الْوَلَدِ. وَلِذَلِكَ لَا تَحِيضُ الْحَامِلُ.
فَإِذَا أَرْضَعَتْ قَلَبَهُ اللَّهُ لَبَنًا يَتَغَذَّى بِهِ، وَلِذَلِكَ قَلَّ أَنْ تَحِيضَ الْمُرْضِعُ (وَيَمْنَعُ الْحَيْضُ) اثْنَيْ عَشَرَ شَيْئًا (الْغُسْلَ لَهُ، فَلَا) يَصِحُّ لِقِيَامِ مُوجِبِهِ. (وَلَا) يَمْنَعُ الْغُسْلَ (لِجَنَابَةٍ) أَوْ نَحْوِ إحْرَامٍ (بَلْ يُسَنُّ) الْغُسْلُ لِذَلِكَ، تَخْفِيفًا لِلْحَدَثِ.
(وَ) يَمْنَعُ (الْوُضُوءَ) فَلَا يَصِحُّ لِمَا
تَقَدَّمَ (وَ) يَمْنَعُ (وُجُوبَ الصَّلَاةِ) إجْمَاعًا فَلَا تَقْضِيهَا إجْمَاعًا.
قِيلَ لِأَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: فَإِنْ أَحَبَّتْ أَنْ تَقْضِيَهَا؟ قَالَ: لَا، هَذَا خِلَافٌ. أَيْ بِدْعَةٌ. وَتَفْعَلُ رَكْعَتَيْ طَوَافٍ لِأَنَّهَا نُسُكٌ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ بِمَعْنَاهُ.
(وَ) يَمْنَعُ أَيْضًا (فِعْلَهَا) أَيْ الصَّلَاةِ وَلَوْ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ لِمُسْتَمِعَةٍ لِقِيَامِ الْمَانِعِ بِهَا.
(وَ) يَمْنَعُ أَيْضًا (فِعْلَ طَوَافٍ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» وَلِأَنَّهُ صَلَاةٌ وَوُجُوبُهُ بَاقٍ فَتَفْعَلُهُ إذَا طَهُرَتْ أَدَاءً، لِأَنَّهُ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ.
وَيَسْقُطُ عَنْهَا وُجُوبُ طَوَافٍ لِلْوَدَاعِ. كَمَا يَأْتِي.
(وَ) يَمْنَعُ أَيْضًا فِعْلَ (صَوْمٍ) إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَيْسَتْ إحْدَاكُنَّ إذَا حَاضَتْ لَمْ تَصُمْ وَلَمْ تُصَلِّ؟ قُلْنَ: بَلَى» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَ (لَا) يَمْنَعُ الْحَيْضُ (وُجُوبَهُ) أَيْ الصَّوْمِ، فَتَقْضِيهِ إجْمَاعًا.
لِحَدِيثِ مُعَاذَةَ قَالَتْ " سَأَلْت عَائِشَةَ، فَقُلْت:«مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ فَقُلْت: لَسْت بِحَرُورِيَّةٍ وَلَكِنِّي أَسْأَلُ. فَقَالَتْ: كُنَّا نَحِيضُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَضَاؤُهُ بِالْأَمْرِ السَّابِقِ، لَا بِأَمْرٍ جَدِيدٍ (وَ) يَمْنَعُ أَيْضًا (مَسَّ مُصْحَفٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:(لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ)(وَ) يَمْنَعُ أَيْضًا (قِرَاءَةَ قُرْآنٍ) مُطْلَقًا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «: لَا تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.
(وَ) يَمْنَعُ أَيْضًا (اللُّبْثَ بِمَسْجِدٍ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا لِجُنُبٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (وَلَوْ) كَانَ (اللُّبْثُ) بِوُضُوءٍ، مَعَ أَمْنِ التَّلْوِيثِ.
فَلَا يَصِحُّ اعْتِكَافُهَا وَ (لَا) يَمْنَعُ الْحَيْضُ (الْمُرُورَ) بِالْمَسْجِدِ (إنْ أَمِنَتْ تَلْوِيثَهُ نَصًّا) فَإِنْ لَمْ تَأْمَنْهُ مُنِعَتْ.
(وَ) يَمْنَعُ الْحَيْضُ أَيْضًا وَطْئًا فِي فَرْجٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] الْآيَةَ وَهُوَ مَوْضِع الْحَيْضِ، صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ. وَلَيْسَ بِكَبِيرَةٍ. وَإِنْ أَرَادَ وَطْأَهَا فَادَّعَتْهُ قُبِلَ مِنْهَا. نَصًّا إنْ أَمْكَنَ كَطُهْرِهَا (إلَّا لِمَنْ بِهِ شَبَقٌ) مَرَضٌ مَعْرُوفٌ.
فَيُبَاحُ لَهُ الْوَطْءُ فِي الْحَيْضِ (بِشَرْطِهِ) بِأَنْ يُخَافَ تَشَقُّقُ أُنْثَيَيْهِ، إنْ لَمْ يَطَأْ، وَلَا تَنْدَفِعُ شَهْوَتُهُ بِدُونِهِ فِي الْفَرْجِ. وَلَا يَجِدُ غَيْرَ الْحَائِضِ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ سُرِّيَّةٍ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى مَهْرِ حُرَّةٍ أَوْ ثَمَنِ أَمَةٍ.
(وَ) يَمْنَعُ الْحَيْضُ أَيْضًا (سُنَّةَ طَلَاقٍ) لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِيهِ بِدْعَةٌ مُحَرَّمَةٌ. كَمَا يَأْتِي مُوَضَّحًا فِي بَابِهِ (مَا لَمْ تَسْأَلْهُ) أَيْ الْحَائِضُ الزَّوْجَ (خُلْعًا أَوْ طَلَاقًا
عَلَى عِوَضٍ) فَيُبَاحُ لَهُ إجَابَتُهَا. لِأَنَّ الْمَنْعَ لِتَضَرُّرِهَا بِطُولِ الْعِدَّةِ، وَمَعَ سُؤَالِهَا قَدْ أَدْخَلَتْ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهَا.
وَعُلِمَ مِنْهُ: أَنَّهُ لَا يُبَاحُ إنْ سَأَلَتْهُ طَلَاقًا بِلَا عِوَضٍ. وَلَا إنْ كَانَ السَّائِلُ غَيْرَهَا.
(وَ) يَمْنَعُ أَيْضًا (اعْتِدَادًا بِأَشْهُرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] فَأَوْجَبَ الْعِدَّةَ بِالْقُرُوءِ، وَلِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى:{وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [الطلاق: 4] الْآيَةَ (إلَّا) الِاعْتِدَادُ (لِوَفَاةٍ) فَبِالْأَشْهُرِ إنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا، وَلَوْ أَنَّهَا تَحِيضُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234]
(وَيُوجِبُ) الْحَيْضُ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ (الْغُسْلَ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا. ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَ) يُوجِبُ (الْبُلُوغَ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، فَأَوْجَبَ أَنْ تَسْتَتِرَ لِأَجْلِ الْحَيْضِ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّكْلِيفَ حَصَلَ بِهِ.
(وَ) يُوجِبُ (الِاعْتِدَادَ بِهِ إلَّا لِوَفَاةٍ) وَتَقَدَّمَ مَعْنَاهُ. زَادَ فِي الْإِقْنَاعِ الْحُكْمَ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ فِي الِاعْتِدَادِ وَالِاسْتِبْرَاءِ إذْ الْحَامِلُ لَا تَحِيضُ.
وَالْكَفَّارَةُ بِالْوَطْءِ فِيهِ (وَنِفَاسٌ مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الْحَيْضِ فِيمَا يَمْنَعُهُ وَيُوجِبُهُ (إلَّا) فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءٍ (اعْتِدَادٍ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرُوءٍ، فَلَا تَتَنَاوَلُهُ الْآيَةُ (وَكَوْنُهُ) أَيْ النِّفَاسِ (لَا يُوجِبُ بُلُوغًا) لِأَنَّهُ حَصَلَ بِالْإِنْزَالِ السَّابِقِ لِلْحَمْلِ (وَ) كَوْنُهُ (لَا يُحْتَسَبُ بِهِ فِي مُدَّةِ إيلَاءٍ) أَيْ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ الَّتِي تُضْرَبُ لِلْمَوْلَى لِطُولِ مُدَّتِهِ، بِخِلَافِ الْحَيْضِ (وَلَا يُبَاحُ قَبْلَ غُسْلٍ بِانْقِطَاعِ دَمِ الْحَيْضِ غَيْرَ صَوْمٍ) لِأَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ لَا يَمْنَعُ فِعْلَهُ كَالْجَنَابَةِ (وَ) غَيْرَ (طَلَاقٍ) لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ لِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ.
وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ وَيُبَاحُ أَيْضًا بَعْدَ انْقِطَاعِهِ: لُبْثٌ بِمَسْجِدٍ بِوُضُوءٍ. وَتَقَدَّمَ (وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ) زَوْجٌ وَسَيِّدٌ (مِنْ حَائِضٍ بِدُونِ فَرْجٍ) مِمَّا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتَيْهَا. لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] أَيْ اعْتَزِلُوا نِكَاحَ فُرُوجِهِنَّ. وَلِأَنَّ الْمَحِيضَ اسْمٌ لِمَكَانِ الْحَيْضِ كَالْمَقِيلِ وَالْمَبِيتِ، فَيُخَصُّ التَّحْرِيمُ بِهِ.
وَلِهَذَا لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي لَفْظٍ " إلَّا الْجِمَاعَ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ «أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: مَا يَحِلُّ مِنْ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ؟ فَقَالَ: لَكَ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، فَأُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ حِزَامِ بْنِ حَكِيمٍ. وَقَدْ ضَعَّفَهُ ابْنُ حَزْمٍ
وَغَيْرُهُ،
وَبِهِ تَسْلِيمُ صِحَّتِهِ فَإِنَّهُ يُؤَوَّلُ بِالْمَفْهُومِ. وَالْمَنْطُوقُ رَاجِحٌ عَلَيْهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ «أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُنِي أَنْ أَتَّزِرَ فَيُبَاشِرَنِي وَأَنَا حَائِضٌ» فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ أَيْضًا لِلتَّحْرِيمِ ; لِأَنَّهُ كَانَ يَتْرُكُ بَعْضَ الْمُبَاحِ تَعَذُّرًا،
كَتَرْكِهِ أَكْلَ الضَّبِّ (وَيُسَنُّ سَتْرُهُ) أَيْ الْفَرْجِ (إذَا) أَيْ حِينَ اسْتِمْتَاعِهِ بِمَا دُونَهُ، لِحَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ مِنْ الْحَائِضِ شَيْئًا أَلْقَى عَلَى فَرْجِهَا خِرْقَةً " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (فَإِنْ أَوْلَجَ) فِي فَرْجِ حَائِضٍ (قَبْلَ انْقِطَاعِهِ) أَيْ الْحَيْضِ (مَنْ يُجَامِعُ مِثْلُهُ) وَهُوَ ابْنُ عَشْرٍ: حَشَفَتَهُ، أَوْ قَدْرَهَا إنْ كَانَ مَقْطُوعَهَا (وَلَوْ بِحَائِلٍ) لَفَّهُ عَلَى ذَكَرِهِ (فَعَلَيْهِ) أَيْ الْمُولِجِ (كَفَّارَةُ دِينَارٍ أَوْ نِصْفِهِ عَلَى التَّخْيِيرِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ: يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.
وَتَخْيِيرُهُ بَيْنَ الشَّيْءِ وَنِصْفِهِ، كَتَخْيِيرِ الْمُسَافِرِ بَيْنَ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ. وَالدِّينَارُ هُنَا: الْمِثْقَالُ مِنْ الذَّهَبِ مَضْرُوبًا أَوْ لَا. وَيُجْزِي قِيمَتُهُ مِنْ الْفِضَّةِ فَقَطْ، سَوَاءٌ وَطِئَ فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ أَوْ آخِرِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الدَّمُ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ وَكَذَا لَوْ جَامَعَهَا وَهِيَ طَاهِرَةٌ فَحَاضَتْ، فَنَزَعَ فِي الْحَالِ لِأَنَّ النَّزْعَ جِمَاعٌ (وَلَوْ) كَانَ الْوَاطِئُ (مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا) الْحَيْضَ (أَوْ جَاهِلًا الْحَيْضَ وَالتَّحْرِيمَ) لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَكَالْوَطْءِ فِي الْإِحْرَامِ (وَكَذَا هِيَ) أَيْ وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي الْكَفَّارَةِ، قِيَاسًا عَلَيْهِ (إنْ طَاوَعَتْهُ) عَلَى الْوَطْءِ.
فَإِنْ أَكْرَهَهَا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا وَقِيَاسُهُ: لَوْ كَانَتْ نَاسِيَةً أَوْ جَاهِلَةً (وَتُجْزِئُ) الْكَفَّارَةُ إنْ دَفَعَهَا (إلَى) مِسْكِينٍ (وَاحِدٍ) لِعُمُومِ الْخَبَرِ (كَنَذْرٍ مُطْلَقٍ) أَيْ كَمَا لَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِشَيْءٍ، وَأَطْلَقَ. جَازَ دَفْعُهُ لِوَاحِدٍ (وَتَسْقُطُ) الْكَفَّارَةُ (بِعَجْزٍ) عَنْهَا كَكَفَّارَةِ الْوَطْءِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَإِنْ كَرَّرَ الْوَطْءَ فِي حَيْضَةٍ أَوْ حَيْضَتَيْنِ فَكَالصَّوْمِ. وَبَدَنُ الْحَائِضِ طَاهِرٌ، وَلَا يُكْرَهُ عَجْنُهَا وَنَحْوُهُ، وَلَا وَضْعُ يَدِهَا فِي مَائِعٍ
(وَأَقَلُّ سِنِّ حَيْضٍ) أَيْ مِنْ امْرَأَةٍ يُمْكِنُ أَنْ تَحِيضَ (تَمَامُ تِسْعِ سِنِينَ) تَحْدِيدًا. لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ النِّسَاءِ مَنْ تَحِيضُ قَبْلَ هَذَا السِّنِّ. وَلِأَنَّهُ خُلِقَ لِحِكْمَةِ تَرْبِيَةِ الْوَلَدِ، وَهَذِهِ لَا تَصْلُحُ لِلْحَمْلِ، فَلَا تُوجَدُ فِيهَا حِكْمَتُهُ. وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ «إذَا بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ تِسْعَ سِنِينَ فَهِيَ امْرَأَةٌ» وَرُوِيَ مَرْفُوعًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ،
وَالْمُرَادُ حُكْمُهَا حُكْمُ الْمَرْأَةِ. فَمَتَى رَأَتْ دَمًا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا حُكِمَ بِكَوْنِهِ حَيْضًا وَبِبُلُوغِهَا وَإِنْ رَأَتْهُ قَبْلَ هَذَا السِّنِّ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا (وَأَكْثَرُهُ) أَيْ أَكْثَرُ سِنٍّ
تَحِيضُ فِيهِ النِّسَاءُ (خَمْسُونَ سَنَةً) لِقَوْلِ عَائِشَةَ " إذَا بَلَغَتْ الْمَرْأَةُ خَمْسِينَ سَنَةً خَرَجَتْ مِنْ حَدِّ الْحَيْضِ " وَعَنْهَا أَيْضًا " لَنْ تَرَى الْمَرْأَةُ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا بَعْدَ الْخَمْسِينَ "(وَالْحَامِلُ لَا تَحِيضُ) نَصًّا. لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا فِي سَبْيِ أَوْطَاسٍ «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. فَجَعَلَ الْحَيْضَ عَلَمًا عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَهُ.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «لَمَّا طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ زَوْجَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ: لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا» فَجَعَلَ الْحَمْلَ عَلَمًا عَلَى عَدَمِ الْحَيْضِ، كَالطُّهْرِ. احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ. وَقَالَ: إنَّمَا تَعْرِفُ النِّسَاءُ الْحَمْلَ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ. وَلِأَنَّهُ زَمَنٌ لَا يُرَى فِيهِ الدَّمُ غَالِبًا، فَلَمْ يَكُنْ مَا تَرَاهُ حَيْضًا كَالْآيِسَةِ. فَإِذَا رَأَتْ دَمًا فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ، فَلَا تُتْرَكُ لَهُ الصَّلَاةُ وَلَا يُمْنَعُ زَوْجُهَا مِنْ وَطْئِهَا.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَغْتَسِلَ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ نَصًّا (وَأَقَلُّهُ) أَيْ أَقَلُّ زَمَنٍ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ دَمُهُ حَيْضًا (يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) بِلَيَالِيِهَا.
لِقَوْلِ عَلِيٍّ " مَا زَادَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ اسْتِحَاضَةٌ، وَأَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ "(وَغَالِبُهُ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ)«لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِحَمْنَةَ تَحِيضِي فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا أَوْ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَكَمَا يَطْهُرْنَ لِمِيقَاتٍ» (وَأَقَلُّ طُهْرٍ بَيْنَ حَيْضَتَيْنِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَاحْتَجَّ بِهِ عَنْ " عَلِيٍّ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْهُ وَقَدْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، فَزَعَمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ فِي شَهْرٍ ثَلَاثَ حِيَضٍ.
فَقَالَ عَلِيٌّ لِشُرَيْحٍ: قُلْ فِيهَا. فَقَالَ شُرَيْحٌ: إنْ جَاءَتْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ بِطَانَةِ أَهْلِهَا مِمَّنْ يُرْضَى دِينُهُ وَأَمَانَتُهُ فَشَهِدَتْ بِذَلِكَ، وَإِلَّا فَهِيَ كَاذِبَةٌ. فَقَالَ عَلِيٌّ: قالون " أَيْ جَيِّدٌ بِالرُّومِيَّةِ. وَهَذَا لَا يَقُولُهُ إلَّا تَوْقِيفًا. وَانْتَشَرَ، وَلَمْ يُعْلَمْ خِلَافُهُ، وَوُجُودُ ثَلَاثِ حِيَضٍ فِي شَهْرٍ: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ طُهْرٌ يَقِينًا.
قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُخْتَلَفُ أَنَّ الْعِدَّةَ تَصِحُّ أَنْ تَنْقَضِيَ فِي شَهْرٍ إذَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ (وَ) أَقَلُّ الطُّهْرِ (زَمَنُ حَيْضٍ) أَيْ فِي أَثْنَائِهِ (خُلُوصُ النَّقَاءِ، بِأَنْ لَا تَتَغَيَّرَ مَعَهُ قُطْنَةٌ احْتَشَتْ بِهَا) طَالَ الزَّمَنُ أَوْ قَصُرَ (وَلَا يُكْرَهُ وَطْؤُهَا) أَيْ مَنْ انْقَطَعَ دَمُهَا فِي أَثْنَاءِ عَادَتِهَا وَاغْتَسَلَتْ (زَمَنَهُ) أَيْ زَمَنَ طُهْرِهَا فِي أَثْنَاءِ حَيْضِهَا. لِأَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ الْحَيْضَ بِكَوْنِهِ أَذًى
، فَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ وَاغْتَسَلَتْ فَقَدْ زَالَ الْأَذَى (وَغَالِبُهُ) أَيْ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ (بَقِيَّةُ الشَّهْرِ) بَعْدَ مَا حَاضَتْهُ مِنْهُ. إذْ الْغَالِبُ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَحِيضُ فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَةً، فَمَنْ تَحِيضُ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً مِنْ الشَّهْرِ، فَغَالِبُ طُهْرِهَا أَرْبَعَةٌ