الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَا يَقُومَ عِنْدَ الْأَخْذِ فِي الْأَذَانِ، بَلْ يَصْبِرُ قَلِيلًا لِئَلَّا يَتَشَبَّهَ بِالشَّيْطَانِ.
[بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ]
ِ (مَا) أَيْ أَشْيَاءٌ (يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا) أَيْ الْأَشْيَاءِ (صِحَّتُهَا) أَيْ الصَّلَاةِ. وَكَذَا سَائِرُ الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُودِ تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهَا عَلَى شُرُوطِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ يَعْجِزُ بِهِ عَنْ تَحْصِيلِ شَرْطٍ وَالشُّرُوطُ جَمْعُ شَرْطٍ كَفَلْسِ وَفُلُوسٍ، وَالشَّرَائِطُ جَمْعُ شَرِيطَةٍ. كَفَرَائِضَ وَفَرِيضَةٍ، وَالْأَشْرَاطُ جَمْعُ شَرَطٍ، كَأَقْمَارٍ وَقَمَرٍ، وَهُوَ لُغَةً: الْعَلَامَةُ، وَعُرْفًا: مَا لَا يُوجَدُ الْمَشْرُوطُ مَعَ عَدَمِهِ.
وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يُوجَدَ عِنْدَ وُجُودِهِ (وَلَيْسَتْ) شُرُوطُ الصَّلَاةِ (مِنْهَا) أَيْ مِنْ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ أَرْكَانِهَا (بَلْ تَجِبُ) شُرُوطُ الصَّلَاةِ (لَهَا قَبْلَهَا) فَتَسْبِقُهَا، وَتَسْتَمِرُّ فِيهَا وُجُوبًا إلَى انْقِضَائِهَا، بِخِلَافِ الْأَرْكَانِ.
قَالَ (الْمُنَقِّحُ: إلَّا النِّيَّةَ) فَتَكْفِي مُقَارَنَتُهَا لِلتَّحْرِيمَةِ، وَهُوَ الْأَفْضَلُ (وَهِيَ) أَيْ شُرُوطُ الصَّلَاةِ تِسْعَةٌ (إسْلَامٌ وَعَقْلٌ وَتَمْيِيزٌ) وَهَذِهِ شُرُوطٌ لِكُلِّ عِبَادَةٍ غَيْرِ الْحَجِّ فَيَصِحُّ مِمَّنْ لَمْ يُمَيِّزْ. وَيَأْتِي.
(وَ) الرَّابِعُ: (طَهَارَةٌ) لِحَدِيثِ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا
(و) الْخَامِسُ (دُخُولُ وَقْتِ) صَلَاةٍ مُؤَقَّتَةٍ. وَهَذَا الْمَقْصُودُ هُنَا وَعَبَّرَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ: بِالْمَوَاقِيتِ. قَالَ تَعَالَى: {أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " دُلُوكُهَا إذَا فَاءَ الْفَيْءُ " وَقَالَ عُمَرُ " الصَّلَاةُ لَهَا وَقْتٌ شَرَطَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا لَا تَصِحُّ إلَّا بِهِ " وَهُوَ حَدِيثُ جِبْرِيلَ حِينَ أَمَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ،
ثُمَّ قَالَ " يَا مُحَمَّدُ هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِك " وَالْوَقْتُ أَيْضًا: سَبَبُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ، لِأَنَّهَا تُضَافُ إلَيْهِ، وَتَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ، وَشَرْطٌ لِلْوُجُوبِ كَالْأَدَاءِ، وَغَيْرُهُ مِنْ الشُّرُوطِ شَرْطٌ لِلْأَدَاءِ فَقَطْ (وَهُوَ) أَيْ الْوَقْتُ (لِظُهْرٍ) . وَهُوَ لُغَةً الْوَقْتُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَشَرْعًا: صَلَاةُ هَذَا الْوَقْتِ مُشْتَقٌّ مِنْ الظُّهُورِ لِأَنَّ فِعْلَهَا يَكُونُ ظَاهِرًا وَسَطَ النَّهَارِ، وَتُسَمَّى أَيْضًا: الْهَجِيرُ، لِفِعْلِهَا وَقْتَ الْهَاجِرَةِ (وَهِيَ الْأُولَى) لِبُدَاءَةِ جِبْرِيلَ بِهَا لَمَّا صَلَّى بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الدِّينَ ظَهَرَ أَمْرُهُ وَسَطَعَ نُورُهُ، وَخَتَمَ بِالْفَجْرِ، لِأَنَّهُ وَقْتُ ظُهُورٍ فِيهِ ضَعْفٌ (مِنْ الزَّوَالِ، وَهُوَ ابْتِدَاءُ طُولِ الظِّلِّ بَعْدَ تَنَاهِي قِصَرِهِ) لِأَنَّ الظِّلَّ يَكُونُ طَوِيلًا عِنْدَ ابْتِدَاءِ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَكُلَّمَا صَعِدَتْ قَصَرَ إلَى أَنْ تَنْتَهِيَ. فَإِذَا أَخَذَتْ فِي النُّزُولِ مُغْرِبَةً
طَالَ، لِمُحَاذَاةِ الْمُنْتَصِبِ قُرْصَهَا، فَهَذَا أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ. وَيَقْصُرُ الظِّلُّ فِي الصَّيْفِ لِارْتِفَاعِهَا إلَى الْجَوِّ، وَيَطُولُ فِي الشِّتَاءِ (لَكِنْ لَا يَقْصُرُ الظِّلُّ فِي بَعْضِ بِلَادِ خُرَاسَانَ. لِسَيْرِ الشَّمْسِ نَاحِيَةً عَنْهَا) فَصَيْفُهَا كَشِتَاءِ غَيْرِهَا.
فَيُعْتَبَرُ الْوَقْتُ بِالزَّوَالِ، وَهُوَ مَيْلُهَا لِلْغُرُوبِ (وَيَخْتَلِفُ) ظِلُّ الزَّوَالِ (بِالشَّهْرِ وَالْبَلَدِ) فَيَقْصُرُ فِي الصَّيْفِ. وَكُلَّمَا قَرُبَ مِنْ الْبِلَاد مِنْ وَسَطِ الْفُلْكِ، وَيَطُولُ فِي ضِدِّ ذَلِكَ (فَأَقَلُّهُ) أَيْ أَقَلُّ ظِلِّ آدَمِيٍّ تَزُولُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ (بِإِقْلِيمِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ: قَدَمٌ وَثُلُثٌ) قَدَمٌ بِقَدَمِ ذَلِكَ الْآدَمِيِّ (فِي نِصْفِ حُزَيْرَانَ) وَسَابِعَ عَشَرَةَ أَطْوَلُ أَيَّامِ السَّنَةِ.
(وَيَتَزَايَدُ) بِقِصَرِ النَّهَارِ (إلَى عَشَرَةِ أَقْدَامٍ)(وَسُدُسِ) قَدَمٍ (فِي نِصْفِ كَانُونَ الْأَوَّلِ) وَسَابِعَ عَشَرَةَ أَقْصَرُ أَيَّامِ السَّنَةِ (وَيَكُونُ) الظِّلُّ (أَقَلَّ) قِصَرًا (وَأَكْثَرُ) طُولًا (فِي غَيْرِ ذَلِكَ) الْمُسَمَّى مِنْ الشُّهُورِ وَالْبُلْدَانِ (وَطُولُ كُلِّ إنْسَانٍ بِقَدَمِهِ) نَفْسِهِ (سِتَّةُ) أَقْدَامٍ (وَثُلُثَانِ تَقْرِيبًا) فَقَدْ يَزِيدُ أَوْ يَنْقُصُ يَسِيرًا، وَيَمْتَدُّ وَقْتُهَا مِنْ الزَّوَالِ (حَتَّى يَتَسَاوَى مُنْتَصِبٌ وَفَيْئُهُ) أَيْ ظِلُّهُ (سِوَى ظِلِّ الزَّوَالِ) فَإِذَا ضَبَطْت الظِّلَّ الَّذِي زَالَ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَبَلَغَتْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ قَدْرَ الشَّاخِصِ،
فَقَدْ انْتَهَى وَقْتُ الظُّهْرِ. وَتَجِبُ الْفَرِيضَةُ عَلَى الْمُكَلَّفِ بِهَا بِأَوَّلِ وَقْتِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا إلَّا مَعَ الْعَزْمِ عَلَى فِعْلِهَا فِيهِ (وَالْأَفْضَلُ: تَعْجِيلُهَا) أَيْ الظُّهْرِ لِحَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الْهَجِيرَ، الَّتِي تَدْعُونَهَا الْأُولَى، حِينَ تُدْحَضُ الشَّمْسُ» وَقَالَ جَابِرٌ «كَانَ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا (إلَّا مَعَ حَرٍّ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ الْبَلَدُ حَارًّا أَوْ لَا، صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ أَوْ مُنْفَرِدًا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي بَيْتِهِ.
لِعُمُومِ حَدِيثِ «إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ فَإِنْ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» مُتَّفَق عَلَيْهِ، وَفَيْحُهَا غَلَيَانُهَا وَانْتِشَارُ لَهَبِهَا وَوَهَجِهَا. فَتُؤَخَّرُ مَعَ حَرٍّ (حَتَّى يَنْكَسِرَ) الْحَرُّ لِلْخَبَرِ (وَ) إلَّا (مَعَ غَيْمٍ لِمُصَلٍّ جَمَاعَةً) لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ " كَانُوا يُؤَخِّرُونَ الظُّهْرَ وَيُعَجِّلُونَ الْعَصْرَ فِي الْيَوْمِ الْمَغِيمِ " فَتُؤَخَّرُ فِيهِ (لِقُرْبِ وَقْتِ الْعَصْرِ) طَلَبًا لِلسُّهُولَةِ. لِأَنَّهُ يَخَافُ فِيهِ الْعَوَارِضَ مِنْ مَطَرٍ وَرِيحٍ
فَيَشُقُّ الْخُرُوجُ بِتَكَرُّرِهِ، فَاسْتُحِبَّ تَأْخِيرُ الْأُولَى لِيَقْرُبَ وَقْتُ الثَّانِيَةِ، فَيَخْرُجُ لَهُمَا خُرُوجًا وَاحِدًا (فَيُسَنُّ) التَّأْخِيرُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. لِمَا تَقَدَّمَ (غَيْرِ جُمُعَةٍ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْحَرِّ وَالْغَيْمِ، فَيُسَنُّ تَقْدِيمُهَا. مُطْلَقًا لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ «مَا كُنَّا نُقِيلُ وَلَا نَتَغَدَّى إلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ»
وَقَوْلِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ «كُنَّا نَجْمَعُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ نَرْجِعُ فَنَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
(وَتَأْخِيرُهَا) أَيْ الظُّهْرِ (لِمَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ) كَعَبْدٍ (أَوْ) لِمَنْ (يَرْمِي الْجَمَرَاتِ حَتَّى يَفْعَلَا) أَيْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ وَيَرْمِيَ الْجَمَرَاتِ (أَفْضَلُ) مِنْ فِعْلِهَا قَبْلَهُمَا لِمَا يَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ وَالْحَجِّ (وَيَلِيهِ) أَيْ وَقْتَ الظُّهْرِ: الْوَقْتُ (الْمُخْتَارُ لِلْعَصْرِ) فَلَا فَصْلَ، وَلَا اشْتِرَاكَ بَيْنَهُمَا (وَهِيَ) أَيْ الْعَصْرُ الصَّلَاةُ (الْوُسْطَى) لِلْخَبَرِ، بِلَا خِلَافٍ عَنْ الْإِمَامِ وَالْأَصْحَابِ فِيمَا أَعْلَمُهُ.
ذَكَرَهُ فِي الْإِنْصَافِ فَهِيَ بِمَعْنَى الْفُضْلَى وَالْمُتَوَسِّطَةُ بَيْنَ صَلَاةٍ نَهَارِيَّةٍ وَصَلَاةٍ لَيْلِيَّةٍ، أَوْ بَيْنَ رُبَاعِيَّتَيْنِ، وَيَمْتَدُّ الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ لِلْعَصْرِ (حَتَّى يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، سِوَى ظِلِّ الزَّوَالِ) أَيْ ظِلِّ الشَّاخِصِ الَّذِي زَالَتْ الشَّمْسُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ لِأَنَّ جِبْرِيلَ " صَلَّاهَا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، وَقَالَ: الْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ "(ثُمَّ هُوَ) أَيْ الْوَقْتُ بَعْدَ أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ سِوَى ظِلِّ الزَّوَالِ (وَقْتُ ضَرُورَةٍ إلَى الْغُرُوبِ) مَصْدَرُ غَرَبَتْ الشَّمْسُ، بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا.
فَتَكُونُ الصَّلَاةُ فِيهِ أَدَاءً. لِحَدِيثِ «مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْعَصْرِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ، إلَّا فِي الْإِثْمِ وَعَدَمِهِ فَيَحْرُمُ التَّأْخِيرُ إلَيْهِ بِلَا عُذْرٍ (وَتَعْجِيلُهَا) أَيْ الْعَصْرِ (مُطْلَقًا) أَيْ مَعَ حَرٍّ وَغَيْمٍ وَغَيْرِهِمَا (أَفْضَلُ) لِلْأَخْبَارِ (وَيَلِيهِ) أَيْ وَقْتَ الضَّرُورَةِ لِلْعَصْرِ الْوَقْتُ (لِلْمَغْرِبِ) وَأَصْلُهُ وَقْتُ الْغُرُوبِ، أَوْ مَكَانُهُ أَوْ هُوَ نَفْسُهُ، ثُمَّ صَارَ اسْمًا لِصَلَاةِ ذَلِكَ الْوَقْتِ كَنَظَائِرِهِ.
(وَهِيَ) أَيْ الْمَغْرِبُ (وِتْرُ النَّهَارِ) لِلْخَبَرِ لِقُرْبِهَا مِنْهُ وَاتِّصَالِهَا بِهِ. وَيَمْتَدُّ وَقْتُهَا (حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا أَيْضًا «الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ فَإِذَا غَابَ الشَّفَقُ وَجَبَتْ الْعِشَاءُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ (وَالْأَفْضَلُ تَعْجِيلُهَا) أَيْ الْمَغْرِبِ لِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ «كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا، وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِعْلُ جِبْرِيلَ لَهَا فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ دَلِيلٌ لِتَأْكِيدِ اسْتِحْبَابِ اسْتِعْجَالِهَا (إلَّا لَيْلَةَ جَمْعٍ) أَيْ مُزْدَلِفَةَ. سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا. وَهِيَ لَيْلَةُ يَوْمِ النَّحْرِ فَيُسَنُّ تَأْخِيرُهَا (لِمُحْرِمٍ) يُبَاحُ لَهُ الْجَمْعُ (قَصَدَهَا) أَيْ مُزْدَلِفَةَ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: إجْمَاعًا (إنْ لَمْ يُوَافِهَا) أَيْ مُزْدَلِفَةَ (وَقْتَ الْغُرُوبِ) فَيُصَلِّي الْمَغْرِبَ فِي وَقْتِهَا وَلَا يُؤَخِّرُهَا (وَ) لَا (فِي
غَيْمٍ لِمُصَلٍّ جَمَاعَةً) فَيُسَنُّ تَأْخِيرُهَا لِقُرْبِ وَقْتِ الْعِشَاءِ (كَمَا تَقَدَّمَ) فِي الظُّهْرِ (وَ) لَا فِي (جَمْعِ تَأْخِيرٍ إنْ كَانَ جَمْعُ التَّأْخِيرِ أَرْفَقَ) لِمَنْ يُبَاحُ لَهُ.
وَلَا يُكْرَهُ تَسْمِيَةُ الْمَغْرِبِ بِالْعِشَاءِ (وَيَلِيهِ) أَيْ وَقْتَ الْمَغْرِبِ (الْمُخْتَارُ لِلْعِشَاءِ) وَهُوَ أَوَّلُ الظَّلَامِ وَعُرْفًا: صَلَاةُ هَذَا الْوَقْتِ يُقَالُ لَهَا: عِشَاءُ الْأَخِيرَة، وَيَمْتَدُّ وَقْتُهَا الْمُخْتَارُ (إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ) لِأَنَّ جِبْرِيلَ «صَلَّاهَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ. وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: الْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ «كَانُوا يُصَلُّونَ الْعَتَمَةَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَصَلَاتُهَا) أَيْ الْعِشَاءِ (آخِرَ الثُّلُثِ) الْأَوَّلِ مِنْ اللَّيْلِ (أَفْضَلُ) لِخَبَرِ عَائِشَةَ رضي الله عنها. وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُؤَخِّرُوا الْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ» .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ (مَا لَمْ يُؤَخَّرْ الْمَغْرِبُ) حَيْثُ جَازَ تَأْخِيرُهَا لِنَحْوِ جَمْعٍ فَتُقَدَّمُ الْعِشَاءُ (وَيُكْرَهُ التَّأْخِيرُ إنْ شَقَّ وَلَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ) أَيْ الْمُسْلِمِينَ. لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَأْمُرُ بِالتَّخْفِيفِ " رِفْقًا بِالْمَأْمُومِينَ (وَ) يُكْرَهُ (النَّوْمُ قَبْلَهَا) أَيْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ مَنْ يُوقِظُهُ (و) يُكْرَهُ (الْحَدِيثُ بَعْدَهَا) أَيْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ. لِحَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ.
وَفِيهِ «وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (إلَّا) حَدِيثًا (يَسِيرًا) وَإِلَّا حَدِيثًا مَعَ (أَهْلٍ) وَضَيْفٍ، لِأَنَّهُ خَيْرٌ نَاجِزٌ فَلَا يُتْرَكُ لِتَوَهُّمِ مَفْسَدَةٍ (ثُمَّ هُوَ) أَيْ الْوَقْتُ بَعْدَ ثُلُثِ اللَّيْلِ (وَقْتُ ضَرُورَةٍ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي) لِحَدِيثِ «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ أَنْ تُؤَخِّرَ صَلَاةً إلَى أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّهُ وَقْتٌ لِلْوِتْرِ.
وَهُوَ مِنْ تَوَابِعِ الْعِشَاءِ (وَهُوَ) أَيْ الْفَجْرُ الثَّانِي الْمُسْتَطِيلُ (الْبَيَاضُ الْمُعْتَرَضُ بِالْمَشْرِقِ وَلَا ظُلْمَةَ بَعْدَهُ) وَيُقَالُ لَهُ: الْفَجْرُ الصَّادِقُ (و) الْفَجْرُ (الْأَوَّلُ) وَيُقَالُ لَهُ: الْكَاذِبُ (مُسْتَطِيلٌ) بِلَا اعْتِرَاضٍ (أَزْرَقُ لَهُ شُعَاعٌ ثُمَّ يُظْلِمُ) وَلِدِقَّتِهِ يُسَمَّى ذَنَبَ السِّرْحَانِ، وَهُوَ الذِّئْبُ (وَيَلِيهِ) أَيْ وَقْتَ الضَّرُورَةِ لِلْعِشَاءِ الْوَقْتُ (لِلْفَجْرِ) إجْمَاعًا، وَيَمْتَدُّ (إلَى الشُّرُوقِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «وَقْتُ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَتَعْجِيلُهَا) أَيْ الْفَجْرِ (مُطْلَقًا) أَيْ صَيْفًا وَشِتَاءً (أَفْضَلُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهم: أَنَّهُمْ كَانُوا يَغْسِلُونَ بِالْفَجْرِ.
وَمُحَالٌ أَنْ يَتْرُكُوا