الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي حُكْمِ سُجُودِ السَّهْوِ]
ِ نَفْسِهِ، وَمَحَلِّهِ وَكَيْفِيَّتِهِ وَحُكْمِ تَرْكِهِ (وَسُجُودُ السَّهْوِ: لِمَا) أَيْ: لِفِعْلِ شَيْءٍ، أَوْ تَرْكِهِ (يُبْطِلُ عَمْدُهُ) أَيْ: تَعَمُّدُهُ الصَّلَاةَ، وَاجِبٌ كَسَلَامٍ عَنْ نَقْصٍ، وَزِيَادَةِ رَكْعَةٍ، أَوْ رُكُوعٍ، أَوْ سُجُودٍ وَنَحْوِهِ، وَتَرْكِ تَسْبِيحٍ وَنَحْوِهِ، وَإِتْيَانِهِ بِبَدَلِ رَكْعَةٍ، أَوْ رُكْنٍ شَكَّ فِيهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهُ وَأَمَرَ بِهِ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَقَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «فَإِنْ سَهَا الْإِمَامُ فَعَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ خَلْفَهُ السَّهْوُ» " وَلَفْظَةُ " عَلَى " لِلْوُجُوبِ، وَلِأَنَّهُ جُبْرَانٌ يَقُومُ مَقَامَ مَا يَجِبُ فِعْلُهُ، أَوْ تَرْكُهُ فَكَانَ وَاجِبًا، كَجُبْرَانَاتِ الْحَجِّ.
وَأَمَّا قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «: فَإِنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ تَامَّةً كَانَتْ الرَّكْعَةُ وَالسَّجْدَتَانِ نَافِلَةً لَهُ» " فَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ يَقَعُ مَوْقِعَ النَّفْلِ فِي زِيَادَةِ الثَّوَابِ لَا أَنَّهُ نَافِلَةٌ فِي الْحُكْمِ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مَوْضِعَ التَّنَفُّلِ بِالرَّكْعَةِ كَحَدِيثِ عُثْمَانَ مَرْفُوعًا «تَوَضَّأَ وَقَالَ: مَنْ تَوَضَّأَ هَكَذَا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَكَانَتْ صَلَاتُهُ وَمَشْيُهُ إلَى الْمَسْجِدِ نَافِلَةً» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَإِنْ لَمْ يُبْطِلْ عَمْدُهُ الصَّلَاةَ، كَتَرْكِ سُنَّةٍ، أَوْ إتْيَانٍ بِقَوْلٍ مَشْرُوعٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ لَمْ يَجِبْ السُّجُودُ لَهُ.
وَيُسَنُّ لِإِتْيَانِهِ بِقَوْلِهِ مَشْرُوعٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَيُبَاحُ لِتَرْكِ سُنَّةِ (وَ) سُجُودِ السَّهْوِ (لِلَحْنٍ يُحِيلُ الْمَعْنَى،) فِي الصُّورَةِ (سَهْوًا، أَوْ جَهْلًا: وَاجِبٌ) لِأَنَّ عَمْدَهُ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ فَوَجَبَ السُّجُودُ لِسَهْوِهِ وَفِي مَعْنَاهُ: سَبَقَ لِسَانُهُ بِتَغْيِيرِ نَظْمِ الْقُرْآنِ بِمَا هُوَ مِنْهُ عَلَى وَجْهٍ يُحِيلُ مَعْنَاهُ، نَحْوُ {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [البقرة: 277] " ثُمَّ {أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 39] ".
وَهَذَا مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ رَدًّا لِخِلَافِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ فِيهِ (إلَّا إذَا تَرَكَ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ سُجُودِ السَّهْوِ الْوَاجِبِ (مَا مَحَلُّهُ) أَيْ: مَا نُدِبَ كَوْنُهُ (قَبْلَ السَّلَامِ) وَيَأْتِي (فَتَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (بِتَعَمُّدِ تَرْكِهِ) كَتَعَمُّدِهِ تَرْكَ وَاجِبٍ مِنْ الصَّلَاةِ.
وَ (لَا) يُشْرَعُ (سُجُودٌ لِسَهْوِهِ) أَيْ: لِتَرْكِهِ سَهْوًا، لِئَلَّا يَتَسَلْسَلَ فَإِنْ ذَكَرَهُ قَرِيبًا أَتَى بِهِ نَفْسَهُ، وَإِلَّا فَاتَ (وَلَا تَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (بِتَعَمُّدِ تَرْكِ) سُجُودِ سَهْوٍ (مَشْرُوعٍ) أَيْ: مَسْنُونٍ مُطْلَقًا، كَسَائِرِ الْمَسْنُونَاتِ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ يَتَنَاوَلُ الْوَاجِبَ أَيْضًا، وَلَكِنَّ الْعَطْفَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادًا (وَلَا) تَبْطُلُ أَيْضًا بِتَعَمُّدِ تَرْكِ سُجُودِ سَهْوٍ (وَاجِبٍ مَحَلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ) لِأَنَّهُ
خَارِجٌ عَنْهَا.
فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي إبْطَالِهَا وَإِنْ كَانَ مَشْرُوعًا لَهَا كَالْأَذَانِ، لَكَن يَأْثَمُ بِتَعَمُّدِ تَرْكِهِ (وَهُوَ) أَيْ: السُّجُودُ الَّذِي مَحَلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ (مَا إذَا سَلَّمَ) مِنْ صَلَاةٍ (قَبْلَ إتْمَامِهَا) لِقِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ (وَكَوْنُهُ) أَيْ: السُّجُودِ (قَبْلَ السَّلَامِ، أَوْ بَعْدَهُ نُدِبَ) لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ وَرَدَتْ بِكُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ،
فَلَوْ سَجَدَ لِلْكُلِّ قَبْلَ السَّلَامِ، أَوْ بَعْدَهُ جَازَ لَكِنْ قَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: أَنَا أَقُولُ: كُلُّ سَهْوٍ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يَسْجُدُ فِيهِ بَعْدَ السَّلَامِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ فِيهِ بَعْدَ السَّلَامِ، وَسَائِرُ السَّهْوِ يَسْجُدُ فِيهِ قَبْلَ السَّلَامِ وَوَجْهُهُ: أَنَّهُ مِنْ شَأْنِ الصَّلَاةِ فَيَقْضِيهِ قَبْلَ السَّلَامِ، كَسُجُودِ صُلْبِهَا إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ (وَإِنْ نَسِيَهُ) أَيْ: السُّجُودَ وَقَدْ نُدِبَ (قَبْلَهُ) أَيْ: السَّلَامُ (قَضَاهُ) وُجُوبًا إنْ وَجَبَ (وَلَوْ) كَانَ (شُرِعَ فِي) صَلَاةٍ (أُخْرَى فَ) يَقْضِيهِ (إذَا سَلَّمَ) مِنْهَا إنْ قَرُبَ الْفَصْلُ، وَلَمْ يُحْدِثْ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ لِبَقَاءِ مَحَلِّهِ (وَإِنْ طَالَ فَصْلٌ عُرْفًا، أَوْ أَحْدَثَ، أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ لَمْ يَقْضِهِ) أَيْ: السُّجُودَ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ (وَصَحَّتْ) صَلَاتُهُ، كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ إذَا تَرَكَهَا سَهْوًا.
وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ وَقَضَاهُ لَمْ يَصِرْ عَائِدًا إلَى الصَّلَاةِ، لِأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْهَا حَصَلَ بِالسَّلَامِ، لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نِيَّةُ الْعَوْدِ لِلصَّلَاةِ فَلَا تَبْطُلُ بِمُفْسِدٍ، مِنْ نَحْوِ حَدَثٍ، أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا يَجِبُ الْإِتْمَامُ عَلَى مَنْ يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ إذَا نَوَاهُ فِيهِ وَلَا يَصِحُّ دُخُولُ مَسْبُوقٍ مَعَهُ فِيهِ (وَيَكْفِي لِجَمِيعِ السَّهْوِ سَجْدَتَانِ، وَلَوْ اخْتَلَفَ مَحَلُّهُمَا) أَيْ: السَّهْوَيْنِ، بِأَنْ كَانَ مَحَلُّ أَحَدِهِمَا قَبْلَ السَّلَامِ، كَتَرْكِ تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ وَالْآخَرِ: بَعْدَهُ كَمَا لَوْ سَلَّمَ أَيْضًا قَبْلَ تَمَامِ صَلَاتِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ قَرِيبًا وَأَتَمَّهَا.
وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا جَمَاعَةً وَالْآخَرُ مُنْفَرِدًا لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «إذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» " وَهُوَ يَتَنَاوَلُ السَّهْوَ فِي مَوْضِعَيْنِ فَأَكْثَرَ وَكَمَا لَوْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ وَأَمَّا حَدِيثُ «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، فَفِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ.
ثُمَّ الْمُرَادُ: لِكُلِّ سَهْوٍ فِي صَلَاةٍ، وَالسَّهْوُ وَإِنْ كَثُرَ دَاخِلٌ فِي لَفْظِ: السَّهْوِ، لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ، فَالتَّقْدِيرُ: لِكُلِّ صَلَاةٍ فِيهَا سَهْوٌ سَجْدَتَانِ.
(وَ) إذَا اجْتَمَعَ مَا مَحَلُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ وَمَا مَحَلُّهُ بَعْدَهُ (يَغْلِبُ مَا قَبْلَ السَّلَامِ) فَيَسْجُدُ لِلسَّهْوَيْنِ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ السَّلَامِ لِأَنَّهُ أَسْبَقُ وَآكَدُ، وَقَدْ وُجِدَ سَبَبُهُ وَلَمْ يُوجَدْ قَبْلَهُ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ
فَإِذَا سَجَدَ لَهُ سَقَطَ الثَّانِي، وَإِنْ شَكَّ فِي مَحَلِّ سُجُودِهِ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ (وَمَتَى سَجَدَ