الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَحْدَاثِ بِذَلِكَ الْغُسْلِ أَوْ الْوُضُوءِ (ارْتَفَعَ سَائِرُهَا) أَيْ ارْتَفَعَتْ كُلُّهَا، لِأَنَّهَا تَتَدَاخَلُ، فَإِذَا نَوَى بَعْضَهَا غَيْرَ مُقَيَّدٍ ارْتَفَعَ جَمِيعُهَا كَمَا لَوْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ وَأَطْلَقَ، وَإِنْ نَوَى رَفْعَ حَدَثٍ مِنْهَا عَلَى أَنْ لَا يَرْتَفِعَ غَيْرُهُ فَعَلَى مَا نَوَى، لِحَدِيثِ " وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى " وَإِنْ نَوَى رَفْعَ حَدَثِ نَوْمٍ مَثَلًا غَلَطًا مَنْ عَلَيْهِ حَدَثُ بَوْلٍ ; ارْتَفَعَ لِتَدَاخُلِ الْأَحْدَاثِ.
[فَصْلٌ صِفَةُ الْوُضُوءِ]
فَصْلٌ وَصْفَةُ الْوُضُوءِ أَيْ كَيْفِيَّتُهُ الْكَامِلَةُ (أَنْ يَنْوِيَ) رَفْعَ الْحَدَثِ أَوْ اسْتِبَاحَةَ نَحْوِ صَلَاةٍ أَوْ الْوُضُوءِ لَهَا (ثُمَّ يُسَمِّي) فَيَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ، لِمَا تَقَدَّمَ (وَيَغْسِلُ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا) لِمَا سَبَقَ (ثُمَّ يَتَمَضْمَضُ ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا) إنْ شَاءَ مِنْ سِتٍّ وَإِنْ شَاءَ مِنْ ثَلَاثٍ (وَ) كَوْنُهُمَا (مِنْ غُرْفَةٍ) وَاحِدَةٍ (أَفْضَلُ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، لِحَدِيثِ عَلِيٍّ " أَنَّهُ تَوَضَّأَ، فَتَمَضْمَضَ ثَلَاثًا وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا بِكَفٍّ وَاحِدَةٍ وَقَالَ: هَذَا وُضُوءُ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم " رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَيَشْهَدُ لِلثَّلَاثِ حَدِيثُ عَلِيٍّ أَيْضًا " أَنَّهُ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَيَشْهَدُ لِلسِّتِّ حَدِيثُ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ «: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَفْصِلُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَوُضُوءُهُ كَانَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَلَزِمَ كَوْنُهُمَا مِنْ سِتٍّ.
(وَيَصِحُّ أَنْ يُسَمَّيَا) أَيْ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ (فَرْضَيْنِ) إذْ الْفَرْضُ وَالْوَاجِبُ وَاحِدٌ، وَهُمَا وَاجِبَانِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ لِمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ، وَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ مِنْ الْوُضُوءِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ» رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي.
وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ» . وَفِيَ حَدِيثِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ " إذَا تَوَضَّأْت فَتَمَضْمَضْ " أَخْرَجَهُمَا الدَّارَقُطْنِيُّ، وَلِأَنَّ الَّذِينَ وَصَفُوا وُضُوءَهُ عليه الصلاة والسلام ذَكَرُوا أَنَّهُ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَمُدَاوَمَتُهُ عَلَيْهِمَا تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِمَا، لِأَنَّ فِعْلَهُ يَصْلُحُ لَأَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِأَمْرِهِ تَعَالَى.
(ثُمَّ) يَغْسِلُ (وَجْهَهُ)
ثَلَاثًا وَحَدُّهُ (مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ غَالِبًا) فَلَا عِبْرَةَ (بِالْأَفْرَعِ) - بِالْفَاءِ - الَّذِي نَبَتَ شَعْرُهُ فِي بَعْضِ جَبْهَتِهِ، وَلَا (بِالْأَجْلَحِ) الَّذِي انْحَسَرَ شَعْرُهُ عَنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ (إلَى النَّازِلِ مِنْ اللَّحْيَيْنِ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا، وَهُمَا عَظْمَانِ فِي أَسْفَلِ الْوَجْهِ قَدْ اكْتَنَفَاهُ.
(وَالذَّقَنُ) مَجْمَعُ اللِّحْيَةِ (طُولًا) نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ، فَيَجِبُ غَسْلُ ذَلِكَ (مَعَ مُسْتَرْسَلِ) شَعْرِ (اللِّحْيَةِ) بِكَسْرِ اللَّامِ طُولًا، وَمَا خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ عَرْضًا، لِأَنَّ اللِّحْيَةَ تُشَارِكُ الْوَجْهَ فِي مَعْنَى التَّوَجُّهِ وَالْمُوَاجِهَةِ بِخِلَافِ مَا نَزَلَ مِنْ الرَّأْسِ عَنْهُ، لِأَنَّهُ لَا يُشَارِكُ الرَّأْسَ فِي التَّرَؤُّسِ (وَ) حَدُّ الْوَجْهِ (مِنْ الْأُذُنِ إلَى الْأُذُنِ عَرْضًا) أَيْ مَا بَيْنَ الْأُذُنَيْنِ، فَهُمَا لَيْسَا مِنْهُ.
وَأَمَّا إضَافَتُهُمَا إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَلِلْمُجَاوَرَةِ. وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ أَنَّهُ غَسَلَهُمَا مَعَ الْوَجْهِ (فَيَدْخُلُ) فِيهِ (عِذَارٌ وَهُوَ شَعْرٌ نَابِتٌ عَلَى عَظْمٍ نَاتِئٍ يُسَامِتُ) أَيْ يُحَاذِي (صِمَاخَ) بِكَسْرِ الصَّادِ (الْأُذُنِ) أَيْ خَرْقَهَا (وَ) يَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا (عَارِضٌ و) وَهُوَ (مَا تَحْتَهُ) أَيْ الْعِذَارِ (إلَى ذَقَنٍ) وَهُوَ مَا نَبَتَ عَلَى الْخَدِّ وَاللَّحْيَيْنِ.
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: مَا جَاوَزَتْهُ الْأُذُنُ عَارِضٌ وَ (لَا) يَدْخُلُ فِيهِ (صُدْغٌ) بِضَمِّ الصَّادِ (وَهُوَ مَا فَوْقَ الْعِذَارِ، يُحَاذِي رَأْسَ الْأُذُنِ وَيَنْزِلُ عَنْهُ قَلِيلًا) بَلْ هُوَ مِنْ الرَّأْسِ، لِأَنَّ فِي حَدِيثِ الرُّبَيِّعِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَصُدْغَيْهِ وَأُذُنَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ أَنَّهُ غَسَلَهُ مَعَ الْوَجْهِ.
(وَلَا) يَدْخُلُ ((تَحْذِيفٌ) ، وَهُوَ) الشَّعْرُ (الْخَارِجُ إلَى طَرَفَيْ الْجَبِينِ مِنْ جَانِبَيْ الْوَجْهِ بَيْنَ النَّزَعَةِ) بِفَتْحِ الزَّايِ، وَقَدْ تُسَكَّنُ (وَمُنْتَهَى الْعِذَارِ) لِأَنَّهُ شَعْرٌ مُتَّصِلٌ بِشَعْرِ الرَّأْسِ. لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَدِّهِ أَشْبَهَ الصُّدْغَ (وَلَا) يَدْخُلُ فِي الْوَجْهِ أَيْضًا ((النَّزْعَتَانِ) وَهُمَا مَا انْحَسَرَ عَنْهُ الشَّعْرُ مِنْ جَانِبَيْ الرَّأْسِ) أَيْ جَانِبَيْ مُقَدَّمِهِ. لِأَنَّهُ لَا تَحْصُلُ بِهِمَا الْمُوَاجَهَةُ. وَلِدُخُولِ ذَلِكَ فِي الرَّأْسِ. لِأَنَّهُ مَا تَرَأَّسَ وَعَلَا.
وَالْإِضَافَةُ إلَى الْوَجْهِ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ
فَلَا تَنْكِحِي إنْ فَرَّقَ الدَّهْرُ بَيْنَنَا
…
أَغَمَّ الْقَفَا وَالْوَجْهِ لَيْسَ بِأَنْزَعَا
لِلْمُجَاوَرَةِ " تَتِمَّةٌ " يُسْتَحَبُّ تَعَاهُدُ الْمِفْصَلِ بِالْغَسْلِ. وَهُوَ مَا بَيْنَ اللِّحْيَةِ وَالْأُذُنِ نَصًّا (وَلَا يُجْزِئُ غَسْلُ ظَاهِرِ شَعْرٍ) فِي الْوَجْهِ يَصِفُ الْبَشَرَةَ، لِأَنَّهَا ظَاهِرَةٌ تَحْصُلُ بِهَا الْمُوَاجَهَةُ فَوَجَبَ غُسْلُهَا كَاَلَّتِي لَا شَعْرَ فِيهَا، وَوَجَبَ غَسْلُ الشَّعْرِ مَعَهَا، لِأَنَّهُ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ
فَتَبِعَهَا (إلَّا أَنْ) يَكُونَ الشَّعْرُ كَثِيفًا (لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ) فَيُجْزِئُهُ غَسْلُ ظَاهِرِهِ، لِحُصُولِ الْمُوَاجَهَةِ بِهِ دُونَ الْبَشَرَةِ تَحْتَهُ، فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ (وَيُسَنُّ تَخْلِيلُهُ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي السُّنَنِ.
فَإِنْ كَانَ بَعْضُ شَعْرِهِ كَثِيفًا وَبَعْضُهُ خَفِيفًا فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ.
وَفِي الرِّعَايَةِ: يُكْرَهُ غَسْلُ بَاطِنِهَا، وَصَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَتَبِعَهُ فِي الْإِقْنَاعِ و (لَا) يُسَنُّ (غَسْلُ دَاخِلِ عَيْنٍ) فِي وُضُوءٍ وَلَا غُسْلٍ بَلْ يُكْرَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم فِعْلُهُ، وَلَا الْأَمْرُ بِهِ، وَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ (مِنْ نَجَاسَةٍ وَلَوْ أَمِنَ الضَّرَرَ) فَيُعْفَى عَنْ نَجَاسَةٍ بِعَيْنٍ، وَيَأْتِي، وَيُسْتَحَبُّ تَكْثِيرُ مَاءِ الْوَجْهِ، لِأَنَّ فِيهِ (غُضُونًا) ، جَمْعُ غَضْنٍ وَهُوَ التَّثَنِّي وَدَوَاخِلُ وَخَوَارِجُ، لِيَصِلَ الْمَاءُ إلَى جَمِيعه.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا (وَكَانَ يَتَعَهَّدُ الْمَاقَيْنِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَهُمَا تَثْنِيَةُ الْمَاقِ، مَجْرَى الدَّمْعِ مِنْ الْعَيْنِ.
(ثُمَّ) بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ يَغْسِلُ (يَدَيْهِ مَعَ مِرْفَقَيْهِ) ثَلَاثًا لِمَا تَقَدَّمَ (وَ) مَعَ (أُصْبُعٍ زَائِدَةٍ و) مَعَ (يَدٍ أَصْلُهَا بِمَحَلِّ الْفَرْضِ) لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِمَحَلِّ الْفَرْضِ. أَشْبَهَ الثُّؤْلُولَ (أَوْ) يَدِ أَصْلِهَا (بِغَيْرِهِ) أَيْ بِغَيْرِ مَحَلِّ الْفَرْضِ، بِأَنْ تَدَلَّى، لَهُ ذِرَاعَانِ بِيَدَيْنِ مِنْ الْعَضُدِ (وَلَمْ تَتَمَيَّزْ) الزَّائِدَةُ مِنْهُمَا فَيَغْسِلُهُمَا لِيَخْرُجَ مِنْ الْوُجُوهِ بِيَقِينٍ.
كَمَا لَوْ تَنَجَّسَتْ إحْدَى يَدَيْهِ وَجَهِلَهَا (وَ) مَعَ (أَظْفَارِهِ) وَلَوْ طَالَتْ لِأَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِيَدِهِ خِلْقَةً فَدَخَلَتْ فِي مُسَمَّى الْيَدِ (وَلَا يَضُرُّ وَسَخٌ يَسِيرٌ تَحْتَ ظُفْرٍ وَنَحْوِهِ) كَدَاخِلِ أَنْفٍ (يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ) لِأَنَّهُ مِمَّا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ عَادَةً، فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ الْوُضُوءُ مَعَهُ لَبَيَّنَهُ صلى الله عليه وسلم إذْ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَأَلْحَقَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِهِ كُلَّ يَسِيرٍ مَنَعَ حَيْثُ كَانَ بِالْبَدَنِ، كَدَمٍ وَعَجِينٍ وَنَحْوِهِمَا، وَاخْتَارَهُ.
وَإِنْ تَقَلَّصَتْ جِلْدَةٌ مِنْ الذِّرَاعِ وَتَدَلَّتْ مِنْ الْعَضُدِ لَمْ يَجِبْ غَسْلُهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْفَرْضِ، وَبِالْعَكْسِ يَجِبُ غَسْلُهَا ; لِأَنَّهَا صَارَتْ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ، وَإِنْ تَقَلَّصَتْ مِنْ أَحَدِ الْمَحَلَّيْنِ وَالْتَحَمَ رَأْسُهَا بِالْآخَرِ وَجَبَ غَسْلُ مَا حَاذَى مَحَلَّ الْفَرْضِ مِنْ ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا وَمَا تَحْتَهَا، دُونَ مَا لَمْ يُحَاذِهِ وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ لَهُ يَدٌ زَائِدَةٌ أَصْلُهَا بِغَيْرِ مَحَلِّ الْفَرْضِ، وَتَمَيَّزَتْ، لَمْ يَجِبْ غَسْلُهَا قَصِيرَةً كَانَتْ أَوْ طَوِيلَةً.
(وَمَنْ خُلِقَ بِلَا مِرْفَقٍ غَسَلَ إلَى قَدْرِهِ) أَيْ الْمِرْفَقِ (فِي غَالِبِ النَّاسِ) إلْحَاقًا لِلنَّادِرِ بِالْغَالِبِ (ثُمَّ يَمْسَحُ جَمِيعَ ظَاهِرِ رَأْسِهِ) بِالْمَاءِ، فَلَوْ مَسَحَ الْبَشَرَةَ لَمْ يُجْزِئْهُ، كَمَا لَوْ غَسَلَ بَاطِنَ اللِّحْيَةِ، وَلَوْ حَلَقَ الْبَعْضَ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ شَعْرُ مَا لَمْ يَحْلِقْ، أَجْزَأَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَإِنْ مَسَحَ عَلَى مَعْقُوصٍ بِمَحَلِّ الْفَرْضِ وَلَوْلَا الْعَقْصُ لَنَزَلَ
رِجْلَيْهِ، وَيَغْسِلُهُمَا بِالْيُسْرَى نَدْبًا وَالْأَوْلَى تَرْكُ الْكَلَامِ عَلَى الْوُضُوءِ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ: لَا يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْمُتَوَضِّئِ وَلَا رَدُّهُ (وَالْأَقْطَعُ مِنْ مَفْصِلِ مِرْفَقٍ) الْمَفْصِلُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الصَّادِ وَأَمَّا بِالْعَكْسِ فَهُوَ اللِّسَانُ، وَالْمِرْفَقُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَيَجُوزُ فَتْحُ الْمِيمِ وَكَسْرُ الْفَاءِ (وَ) مِنْ مَفْصِلِ (كَعْبٍ، يَغْسِلُ طَرَفَ عَضُدٍ وَ) طَرَفَ (سَاقٍ) وُجُوبًا لِأَنَّهُ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ.
(وَ) الْأَقْطَعُ (مِنْ دُونِهِمَا) أَيْ دُونَ مِفْصَلِ مِرْفَقٍ وَكَعْبٍ يَغْسِلُ مَا بَقِيَ مِنْ مَحَلِّ فَرْضٍ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «: إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْأَقْطَعَ مِنْ فَوْقَ مِفْصَلِ مِرْفَقٍ وَكَعْبٍ لَا غَسْلَ عَلَيْهِ، لَكَن يُسْتَحَبُّ لَهُ مَسْحُ مَحَلِّ الْقَطْعِ بِالْمَاءِ لِئَلَّا يَخْلُوَ الْعُضْوُ عَنْ طَهَارَةٍ (وَكَذَا) أَيْ كَالْوُضُوءِ فِي ذَلِكَ (تَيَمُّمٌ) فَالْأَقْطَعُ مِنْ مِفْصَلِ كَفٍّ، يَمْسَحُ مَحَلَّ قَطْعٍ بِالتُّرَابِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ دُونِهِ مَسَحَ مَا بَقِيَ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ وَمَنْ فَوْقَهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ مَسْحُ مَحَلٍّ قُطِعَ بِتُرَابٍ خِلَافًا لِلْقَاضِي وَإِنْ وَجَدَ أَقْطَعُ وَنَحْوُهُ مَنْ يُوَضِّئُهُ بِأُجْرَةِ مِثْلٍ، وَقَدَرَ عَلَيْهَا بِلَا ضَرَرٍ ; لَزِمَهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ وَوَجَدَ مَنْ يُيَمِّمُهُ لَزِمَهُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَاسْتِنْجَاءُ مِثْلِهِ، وَإِنْ تَبَرَّعَ بِتَطْهِيرِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ.
(وَسُنَّ لِمَنْ فَرَغَ) مِنْ وُضُوءٍ قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَكَذَا غُسْلٍ (رَفَعَ بَصَرَهُ إلَى السَّمَاءِ وَقَوْلُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) لِحَدِيثِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ، فَيُبْلِغُ، أَوْ يُسْبِغُ الْوُضُوءَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ; إلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَزَادَ " اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ عِبَادِكَ التَّوَّابِينَ. وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ (فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ رَفَعَ نَظَرَهُ إلَى السَّمَاءِ) وَسَاقَ الْحَدِيثَ زَادَ فِي الْإِقْنَاعِ " سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ " لِحَدِيثِ النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ (وَيُبَاحُ) لِلْمُتَوَضِّئِ (تَنْشِيفٌ) لِحَدِيثِ سَلْمَانَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ، ثُمَّ قَلَبَ جُبَّةً كَانَتْ عَلَيْهِ. فَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الصَّغِيرِ.
وَتَرْكُهُ لَهُ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ لَمَّا أَتَتْهُ بِالْمَنْدِيلِ، بَعْدَ أَنْ اغْتَسَلَ: لَا يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ ; لِأَنَّهُ قَدْ يُتْرَكُ الْمُبَاحَ، مَعَ أَنَّ هَذِهِ قَضِيَّةُ عَيْنٍ، يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَرَكَ تِلْكَ الْمَنْدِيلَ لِأَمْرٍ يَخْتَصُّ
عَنْهُ، لَمْ يُجْزِئْهُ، لِعُرُوضِ الْعَقْصِ ذَكَرَهُ الْمَجْدُ، وَكَذَا لَوْ مَسَحَ عَلَى مَخْضُوبٍ بِمَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَيْهِ وَحَدُّ الرَّأْسِ (مِنْ حَدِّ الْوَجْهِ) أَيْ مِنْ مَنَابِتَ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ غَالِبًا (إلَى مَا يُسَمَّى قَفًا) بِالْقَصْرِ وَهُوَ مُؤَخَّرُ الْعُنُقِ.
(وَالْبَيَاضُ فَوْقَ الْأُذُنَيْنِ مِنْهُ) أَيْ الرَّأْسُ، فَيَجِبُ مَسْحُهُ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الرَّأْسِ إجْمَاعًا (يُمِرُّ يَدَيْهِ مِنْ مُقَدَّمِهِ) أَيْ الرَّأْسِ (إلَى قَفَاهُ ثُمَّ يَرُدُّهُمَا) إلَى مُقَدَّمِهِ، لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ «إنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ. بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
فَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ خَافَ انْتِشَارَ شَعْرِهِ وَغَيْرِهِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ (ثُمَّ) يَأْخُذُ مَاءً جَدِيدًا لِأُذُنَيْهِ و (يُدْخِلُ سَبَّابَتَيْهِ فِي صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ وَيَمْسَحُ بِإِبْهَامَيْهِ ظَاهِرَهُمَا) لِمَا فِي النَّسَائِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ، بَاطِنَهُمَا بِالسَّبَّابَتَيْنِ وَظَاهِرَهُمَا بِإِبْهَامَيْهِ» قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَلَا يَجِبُ مَسْحُ مَا اسْتَتَرَ بِالْغَضَارِيفِ، لِأَنَّ الرَّأْسَ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ لَا يَجِبُ مَسْحُ مَا اسْتَتَرَ مِنْهُ بِالشَّعْرِ، فَالْأُذُنُ أَوْلَى.
(وَيُجْزِئُ الْمَسْحُ) لِلرَّأْسِ وَالْأُذُنِ (كَيْفَ مَسَحَ و) يُجْزِئُ الْمَسْحُ أَيْضًا (بِحَائِلٍ) كَخِرْقَةٍ وَخَشَبَةٍ مَبْلُولَتَيْنِ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى:{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] وَلَا يُجْزِئُ وَضْعُ يَدِهِ أَوْ نَحْوِ خِرْقَةٍ مَبْلُولَةٍ عَلَى رَأْسِهِ، أَوْ بَلَّ خِرْقَةً عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ مَسْحٍ.
(وَ) يُجْزِئُ (غَسْلُ) رَأْسِهِ، زَادَ فِي الرِّعَايَةِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَالْإِقْنَاعِ: وَيُكْرَهُ مَعَ إمْرَارِ يَدِهِ عَلَيْهِ، لِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ " أَنَّهُ «تَوَضَّأَ لِلنَّاسِ كَمَا رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ. فَلَمَّا بَلَغَ رَأْسَهُ غَرَفَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَتَلَقَّاهَا بِشِمَالِهِ، حَتَّى وَضَعَهَا عَلَى وَسَطِ رَأْسِهِ، حَتَّى قَطَرَ الْمَاءُ أَوْ كَادَ يَقْطُرُ، ثُمَّ مَسَحَ مِنْ مُقَدَّمِهِ إلَى مُؤَخَّرِهِ، وَمِنْ مُؤَخَّرِهِ إلَى مُقَدَّمِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
فَإِنْ لَمْ يُمِرَّ يَدَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ لِعَدَمِ الْمَسْحِ (أَوْ) أَيْ وَيُجْزِئُ (إصَابَةُ مَاءِ) رَأْسَهُ مِنْ نَحْو مَطَرٍ (مَعَ إمْرَارِ يَدِهِ) لِوُجُودِ الْمَسْحِ بِمَاءٍ طَهُورٍ فَإِنْ لَمْ يُمِرَّهَا لَمْ يُجْزِئْهُ، وَالْأُذُنَانِ فِي ذَلِكَ كَالرَّأْسِ، وَلَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ مَسْحٍ وَلَا مَسْحُ عُنُقٍ (ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ مَعَ كَعْبَيْهِ) ثَلَاثًا (وَهُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ) فِي أَسْفَلِ السَّاقِ مِنْ جَانِبَيْ الْقَدَمِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْكَعْبُ هُوَ الَّذِي فِي أَصْلِ الْقَدَمِ مُنْتَهَى السَّاقِ، بِمَنْزِلَةِ كِعَابِ الْقَنَا، وقَوْله تَعَالَى {: إلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] حُجَّةٌ لِذَلِكَ أَيْ كُلُّ رِجْلٍ تُغْسَلُ إلَى الْكَعْبَيْنِ، وَلَوْ أَرَادَ جَمْعَ أَرْجُلٍ لَذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، كَمَا قَالَ:" الْمَرَافِقُ " وَيَصُبُّ الْمَاءَ بِيُمْنَى يَدَيْهِ عَلَى كِلْتَا