الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِيَقِينٍ (أَمْكِنَةٌ ضَيِّقَةٌ) بَعْضُهَا نَجِسٌ وَاشْتَبَهَ فَلَا يَتَحَرَّى، بَلْ إنْ اشْتَبَهَتْ زَاوِيَةٌ مِنْهَا طَاهِرَةٌ بِنَجِسَةٍ وَلَا سَبِيلَ إلَى مَكَان طَاهِرٍ بِيَقِينٍ صَلَّى مَرَّتَيْنِ فِي زَاوِيَتَيْنِ مِنْهُ، فَإِنْ تَنَجَّسَتْ زَاوِيَتَانِ كَذَلِكَ صَلَّى فِي ثَلَاثٍ، وَكَذَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَ عَدَدَ النَّجَاسَةِ صَلَّى، حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ صَلَّى فِي مَكَان طَاهِرٍ، احْتِيَاطًا وَيُصَلِّي فِي فَضَاءٍ وَاسِعٍ حَيْثُ شَاءَ، بِلَا تَحَرٍّ، دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ، وَلَمَّا انْتَهَى مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْمَاءِ، وَكَانَ لَا يُقَوَّمُ إلَّا بِالْآنِيَةِ أَعْقَبَهُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَيُنَاسِبُهَا، فَقَالَ:
[بَابُ الْآنِيَةِ]
لُغَةً وَعُرْفًا (الْأَوْعِيَةُ) جَمْعُ إنَاءٍ وَوِعَاءٍ كَسِقَاءٍ وَأَسْقِيَةٍ. وَجَمْعُ الْآنِيَةِ: أَوَانٍ، وَالْأَوْعِيَةِ: أَوَاعٍ. وَأَصْلُ أَوَانٍ: أَآنِي بِهَمْزَتَيْنِ، أُبْدِلَتْ ثَانِيَتُهُمَا وَاوًا، كَرَاهَةَ اجْتِمَاعِهِمَا. كَأَوَادِمَ فِي جَمْعِ آدَمَ (وَيَحْرُمُ اتِّخَاذُهَا) أَيْ الْآنِيَةِ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، بِأَنْ يُجْعَلَا عَلَى هَيْئَةِ الْآنِيَةِ، وَكَذَا تَحْصِيلُهُمَا بِنَحْوِ شِرَاءٍ، لِأَنَّ مَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ مُطْلَقًا حَرُمَ اتِّخَاذُهُ عَلَى هَيْئَةِ الِاسْتِعْمَالِ، كَالْمَلَاهِي.
(وَ) يَحْرُمُ (اسْتِعْمَالُهَا) أَيْ الْآنِيَةِ (مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ) لِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا «لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهِمَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ» وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ تَرْفَعُهُ «الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
وَالْجَرْجَرَةُ: صَوْتُ وُقُوعِ الْمَاءِ بِانْحِدَارِهِ فِي الْجَوْفِ، وَغَيْرُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي مَعْنَاهُمَا لِأَنَّهُمَا خَرَجَا مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ سَرَفًا وَخُيَلَاءَ، وَكَسْرَ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ وَتَضْيِيقَ النَّقْدَيْنِ.
(وَ) يَحْرُمُ أَيْضًا اتِّخَاذُ الْآنِيَةِ وَاسْتِعْمَالُهَا مِنْ (عَظْمِ آدَمِيٍّ وَجِلْدِهِ) لِحُرْمَتِهِ، وَفِي مَعْنَى الْآنِيَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ: الْآلَةُ، كَالْقَلَمِ (حَتَّى الْمِيلُ وَنَحْوُهُ) كَالْمِجْمَرَةِ وَالْمِدْخَنَةِ، وَالدَّوَاةِ وَالْمُشْطِ، وَالسِّكِّينِ وَالْكُرْسِيِّ، وَالسَّرِيرِ، وَالْخُفَّيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ، وَلَا يَخْتَصُّ التَّحْرِيمُ بِالذَّكَرِ، فَلِذَا قَالَ.
(وَ) حَتَّى (عَلَى أُنْثَى) لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ، وَعَدَمِ الْمُخَصِّصِ، وَأَمَّا التَّحَلِّي فَأُبِيحَ لَهُنَّ لِحَاجَتِهِنَّ إلَيْهِ لِلزَّوْجِ.
وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ (وَتَصِحُّ الطَّهَارَةُ مِنْ إنَاءٍ مِنْ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ تَحْرِيمُهُ (وَ) مِنْ إنَاءٍ (مَغْصُوبٍ) وَنَحْوُهُ (أَوْ) إنَاءٍ (ثَمَنُهُ مُحَرَّمٌ) لِكَوْنِهِ نَحْوَ مَغْصُوبٍ، أَوْ
خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فِي غَصْبٍ أَوْ مُحَرَّمٍ، وَالْفَرْقُ: أَنَّ الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فِي الْمُحَرَّمِ مُحَرَّمٌ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لَهُ، وَأَفْعَالُ نَحْوِ الْوُضُوءِ مِنْ الْغُسْلِ وَالْمَسْحِ لَيْسَتْ بِمُحَرَّمَةٍ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لِلْمَاءِ لَا لِلْإِنَاءِ.
وَأَيْضًا فَالنَّهْيُ عَنْ نَحْوِ الْوُضُوءِ مِنْ الْإِنَاءِ الْمُحَرَّمِ يَعُودُ لِخَارِجٍ، إذْ الْإِنَاءُ لَيْسَ رُكْنًا وَلَا شَرْطًا فِيهِ، بِخِلَافِ الْبُقْعَةِ وَالثَّوْبِ فِي الصَّلَاةِ.
(وَ) تَصِحُّ الطَّهَارَةُ أَيْضًا (فِيهِ) أَيْ فِي إنَاءٍ مُحَرَّمٍ، كَمَا لَوْ غَصَبَ حَوْضًا يَسَعُ قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ، فَمَلَأَهُ مَاءً مُبَاحًا وَانْغَمَسَ فِيهِ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ، فَيَرْتَفِعُ حَدَثُهُ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْإِنَاءَ لَيْسَ شَرْطًا.
كَمَا لَوْ صَلَّى وَفِي يَدِهِ خَاتَمُ ذَهَبٍ (وَ) تَصِحُّ طَهَارَةٌ أَيْضًا (إلَيْهِ) أَيْ إلَى إنَاءٍ مِنْ ذَلِكَ. بِأَنْ جَعَلَهُ مَصَبًّا لِمَاءِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، كَالطَّشْتِ. لِأَنَّ الْمَاءَ يَقَعُ فِيهِ بَعْدَ أَنْ رُفِعَ الْحَدَثُ وَكَذَا الطَّهَارَةُ بِهِ بِأَنْ اغْتَرَفَ بِهِ وَتَوَضَّأَ أَوْ اغْتَسَلَ.
(وَ) إنَاءٌ (مُمَوَّهٌ) بِالرَّفْعِ مُبْتَدَأٌ، وَهُوَ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ مَوَّهَ، وَهُوَ إنَاءٌ مِنْ نَحْوِ نُحَاسٍ يُلْقَى فِيمَا أَذِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَيَكْتَسِبُ لَوْنَهُ، كَمُصْمَتٍ.
(وَ) إنَاءٌ (مَطْلِيٌّ) بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، بِأَنْ يُجْعَلَا كَالْوَرِقِ وَيُطْلَى بِهِ الْإِنَاءُ مِنْ نَحْوِ حَدِيدٍ، كَمُصْمَتٍ.
(وَ) إنَاءٌ (مُطَعَّمٌ) بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، بِأَنْ يَحْفِرَ فِي الْإِنَاءِ مِنْ نَحْوِ خَشَبٍ حَفْرًا، وَيُوضَعُ فِيهِ قِطَعُ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ بِقَدْرِهَا، كَمُصْمَتٍ.
(وَ) إنَاءٌ (مُكَفَّتٌ) بِأَنْ يُبَرَّدَ الْإِنَاءُ حَتَّى يَصِيرَ فِيهِ شَبَهُ الْمَجَارِي فِي غَايَةِ الدِّقَّةِ، وَيُوضَعُ فِيهَا شَرِيطٌ دَقِيقٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَيُدَقُّ عَلَيْهِ حَتَّى يَلْصَقُ (كَمُصْمَتٍ) أَيْ كَمُنْفَرِدٍ مِمَّا مُوِّهَ أَوْ طُلِيَ أَوْ طُعِّمَ أَوْ كُفِّتَ بِهِ فِي التَّحْرِيمِ.
لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «مَنْ شَرِبَ مِنْ إنَاءٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ مِنْ إنَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَلِوُجُودِ الْعِلَّةِ الَّتِي لِأَجْلِهَا حُرِّمَ الْمُصْمَتُ، وَهِيَ الْخُيَلَاءُ وَكَسْرُ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ وَتَضْيِيقُ النَّقْدَيْنِ (وَكَذَا) إنَاءٌ (مُضَبَّبٌ) بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَيُحَرَّمُ كَالْمُصْمَتِ.
(لَا) إنْ ضُبِّبَ (ب) ضَبَّةٍ (يَسِيرَةٍ عُرْفًا مِنْ فِضَّةٍ لِحَاجَةٍ) كَأَنْ انْكَسَرَ إنَاءُ خَشَبٍ أَوْ نَحْوُهُ فَضُبِّبَ كَذَلِكَ فَلَا يَحْرُمُ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم انْكَسَرَ، فَاِتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَهَذَا مُخَصَّصٌ بِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ.
فَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ كَبِيرَةً مِنْ فِضَّةٍ حَرُمَتْ مُطْلَقًا، وَكَذَا إنْ كَانَتْ يَسِيرَةً لِغَيْرِ حَاجَةٍ (وَهِيَ) أَيْ الْحَاجَةُ (أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا) أَيْ الضَّبَّةِ الْمَذْكُورَةِ (غَرَضٌ غَيْرُ زِينَةٍ) بِأَنْ تَدْعُوَ الْحَاجَةُ إلَى فِعْلِهِ، لَا أَنْ لَا تَنْدَفِعَ
بِغَيْرِهِ فَتُبَاحَ (وَلَوْ وَجَدَ غَيْرَهَا) أَيْ الْفِضَّةِ، كَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مُرَادُهُمْ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى تِلْكَ الصُّورَةِ، لَا إلَى كَوْنِهَا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَإِنَّ هَذِهِ ضَرُورَةٌ، وَهِيَ تُبِيحُ الْمُنْفَرِدَ.
(وَتُكْرَهُ مُبَاشَرَتُهَا) أَيْ ضَبَّةِ الْفِضَّةِ الْمُبَاحَةِ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لِلْفِضَّةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْآنِيَةِ (بِلَا حَاجَةٍ) إلَى مُبَاشَرَتِهَا، فَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهَا، بِأَنْ كَانَ الْمَاءُ يَنْدَفِقُ لَوْ شُرِبَ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهَا وَنَحْوِهِ لَمْ يُكْرَهْ، دَفْعًا لِلْحَرَجِ (وَكُلُّ) إنَاءٍ (طَاهِرٍ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَعَظْمِ آدَمِيٍّ وَجِلْدِهِ (مُبَاحٌ) اتِّخَاذًا وَاسْتِعْمَالًا.
(وَلَوْ) كَانَ (ثَمِينًا) أَيْ كَثِيرَ الثَّمَنِ، كَالْمُتَّخَذِ مِنْ جَوْهَرٍ وَيَاقُوتٍ وَزُمُرُّدٍ، لِعَدَمِ الْعِلَّةِ الَّتِي لِأَجْلِهَا حُرِّمَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ لِأَنَّ هَذِهِ الْجَوَاهِرَ لَا يَعْرِفُهَا إلَّا خَوَّاصُ النَّاسِ. فَلَا تَنْكَسِرُ قُلُوبُ الْفُقَرَاءِ، لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَهَا وَلَا يَحْصُلُ بِاتِّخَاذِهَا تَضْيِيقٌ، لِأَنَّهَا لَا يَكُونُ مِنْهَا دِرْهَمٌ وَلَا دِينَارٌ، وَأَيْضًا فَلِقِلَّتِهَا لَا يَحْصُلُ اتِّخَاذُ آنِيَةٍ مِنْهَا إلَّا نَادِرًا، وَلَوْ اُتُّخِذَتْ كَانَتْ مَصُونَةً لَا تُسْتَعْمَلُ غَالِبًا قَالَ فِي شَرْحِهِ: فَلَوْ جَعَلَ فَصَّ خَاتَمٍ جَوْهَرَةً ثَمِينَةً جَازَ، وَلَوْ جَعَلَهُ ذَهَبًا لَمْ يَجُزْ، وَمَعْنَاهُ فِي الْمُبْدِعِ.
(وَمَا لَمْ تُعْلَمْ نَجَاسَتُهُ مِنْ آنِيَةِ كُفَّارٍ وَلَوْ لَمْ تَحِلَّ ذَبِيحَتُهُمْ) كَالْمَجُوسِ.
(وَ) مَا لَمْ تُعْلَمْ نَجَاسَتُهُ مِنْ (ثِيَابِهِمْ وَلَوْ وَلِيَتْ عَوْرَاتِهِمْ) كَالسَّرَاوِيلِ (وَكَذَا) مَا لَمْ تُعْلَمْ نَجَاسَتُهُ مِنْ آنِيَةٍ وَثِيَابٍ (مَنْ لَابَسَ النَّجَاسَةَ كَثِيرًا) كَمُدْمِنِ الْخَمْرِ (طَاهِرٌ مُبَاحٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] وَهُوَ يَتَنَاوَلُ مَا لَا يَقُومُ إلَّا بِآنِيَةٍ. وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ رضي الله عنهم " تَوَضَّئُوا مِنْ مَزَادَةِ امْرَأَةٍ مُشْرِكَةٍ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ، فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ، وَبَدَنُ الْكَافِرِ طَاهِرٌ.
وَكَذَا طَعَامُهُ وَمَاؤُهُ وَمَا صَبَغَهُ أَوْ نَسَجَهُ، وَقِيلَ لِأَحْمَدَ: عَنْ صَبْغِ الْيَهُودِ بِالْبَوْلِ؟ فَقَالَ: الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ فِي هَذَا، أَيْ الصَّبْغِ، سَوَاءٌ وَلَا تَسْأَلْ عَنْ هَذَا. وَلَا تَبْحَثْ عَنْهُ، فَإِنْ عَلِمْت نَجَاسَتَهُ فَلَا تُصَلِّ فِيهِ. حَتَّى تَغْسِلَهُ انْتَهَى. وَيَطْهُرُ بِغَسْلِهِ وَلَوْ بَقِيَ اللَّوْنُ وَسَأَلَهُ أَبُو الْحَارِثِ عَنْ اللَّحْمِ يُشْتَرَى مِنْ الْقَصَّاب؟ قَالَ: يُغْسَلُ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: بِدْعَةٌ
(وَيُبَاحُ دَبْغُ جِلْدِ) حَيَوَانٍ كَانَ طَاهِرًا حَيًّا (نُجِّسَ بِمَوْتٍ) مَأْكُولًا، كَانَ كَالشَّاةِ، أَوْ لَا كَالْهِرِّ.
(وَ) يُبَاحُ (اسْتِعْمَالُهُ بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ الدَّبْغِ فِي يَابِسٍ، لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَجَدَ شَاةً مَيِّتَةً أُعْطِيَتْهَا مَوْلَاةٌ لِمَيْمُونَةَ مِنْ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: أَلَا أَخَذُوا إهَابَهَا فَدَبَغُوهُ، فَانْتَفَعُوا بِهِ» وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمَّا فَتَحُوا فَارِسَ انْتَفَعُوا بِسُرُوجِهِمْ
وَأَسْلِحَتِهِمْ، وَذَبَائِحِهِمْ مَيِّتَةً وَلِأَنَّ نَجَاسَتَهُ لَا تَمْنَعُ الِانْتِفَاعَ بِهِ، كَالِاصْطِيَادِ بِالْكَلْبِ، وَكَرُكُوبِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ اسْتِعْمَالُهُ قَبْلَ الدَّبْغِ مُطْلَقًا، وَلَا بَعْدَهُ فِي مَائِعٍ.
(وَ) يُبَاحُ اسْتِعْمَالُ (مُنْخُلٍ مِنْ شَعْرٍ نَجِسٍ) كَشَعْرِ بَغْلٍ (فِي يَابِسٍ) لَا مَائِعٍ لِتَعَدِّي نَجَاسَتِهِ إلَيْهِ (وَلَا يَطْهُرُ) الْجِلْدُ (بِهِ) أَيْ بِالدَّبْغِ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِهِ وَعَائِشَةَ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ كَتَبَ إلَى جُهَيْنَةَ: إنِّي كُنْت رَخَّصْت لَكُمْ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ، فَإِذَا جَاءَكُمْ كِتَابِي هَذَا فَلَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلَيْسَ فِيهِ " كُنْت رَخَّصْت " بَلْ هُوَ مِنْ رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيّ.
وَفِي لَفْظٍ «أَتَانَا كِتَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ» وَهُوَ نَاسِخٌ لِمَا قَبْلَهُ، لِتَأَخُّرِهِ، وَكِتَابُهُ صلى الله عليه وسلم كَلَفْظِهِ وَلِذَلِكَ لَزِمَتْ الْحُجَّةُ مَنْ كَتَبَ إلَيْهِ، وَحَصَلَ لَهُ الْبَلَاغُ ; وَلِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْمَيْتَةِ، فَلَا يَطْهُرُ بِالْعِلَاجِ كَلَحْمِهَا، وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ أَخِيرًا طَهَارَتَهُ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَلَا يَحْصُلُ الدَّبْغُ بِتَشْمِيسٍ وَلَا تَتْرِيبٍ وَلَا بِنَجِسٍ، وَلَا غَيْرِ مُنَشِّفٍ لِلرُّطُوبَةِ مُنْقٍ لِلْخَبَثِ، بِحَيْثُ لَوْ نُقِعَ الْجِلْدُ بَعْدَهُ فِي الْمَاءِ لَمْ يَفْسُدْ، وَجَعْلُ الْمُصْرَانِ وَالْكَرِشِ وَتَرًا: دِبَاغٌ.
(وَلَا) يَطْهُرُ (جِلْدٌ غَيْرُ مَأْكُولٍ بِذَكَاةٍ) كَلَحْمِهِ. وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ لِذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَوْ فِي النَّزْعِ (وَلَبَنٌ) مُبْتَدَأٌ، أَيْ مِنْ مَيْتَةٍ (وَإِنْفَحَّةٌ) مِنْهَا: بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْحَاءِ، وَقَدْ تُكْسَرُ الْفَاءُ، شَيْءٌ يُسْتَخْرَجُ مِنْ بَطْنِ الْجَدْيِ الرَّضِيعِ أَصْفَرُ، فَيُعْصَرُ فِي اللَّبَنِ فَيَغْلُظُ كَالْجُبْنِ قَالَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْقَامُوسِ (وَجِلْدَتُهَا) أَيْ جِلْدَةُ الْإِنْفَحَةِ مِنْ مَيْتَةٍ (وَعَظْمٍ وَقَرْنٍ وَظُفْرٍ وَعَصَبٍ وَحَافِرٍ مِنْ مَيْتَةٍ نَجِسٌ) خَبَرٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَيْتَةِ الْمُحَرَّمَةِ. وَاللَّبَنُ وَالْإِنْفَحَّةُ لَاقَيَا وِعَاءً نَجِسًا فَتَنَجَّسَا بِهِ.
(لَا) يَنْجُسُ (صُوفٌ وَشَعْرٌ وَرِيشٌ وَوَبَرٌ مِنْ) حَيَوَانٍ (طَاهِرٍ فِي حَيَاةٍ) بِمَوْتِ أَصْلِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إلَى حِينٍ} [النحل: 80] وَالْآيَةُ سِيقَتْ لِلِامْتِنَانِ، فَالظَّاهِرُ شُمُولُهَا الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ. وَالرِّيشُ مَقِيسٌ عَلَى الثَّلَاثَةِ، وَأَمَّا أُصُولُ ذَلِكَ فَنَجِسَةٌ، لِأَنَّهَا مِنْ أَجْزَاءِ الْمَيْتَةِ، وَيُكْرَهُ الْخَرْزُ بِشَعْرِ الْخِنْزِيرِ، وَيَجِبُ غَسْلُ مَا خُرِزَ بِهِ رَطْبًا وَيُكْرَهُ الِانْتِفَاعُ بِالنَّجَاسَةِ، وَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ شَعْرِ الْآدَمِيِّ لِحُرْمَتِهِ.
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: يَحْرُمُ نَتْفُ نَحْوِ صُوفٍ مِنْ حَيٍّ.