الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُعَاوَضَةٍ وَلِهَذَا لَوْ نَقَضَهُ بَعْضُهُمْ لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُ الْبَاقِينَ. وَأَيْضًا أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ وَتَحْتَ وِلَايَتِهِ وَلَا يَخْشَى مِنْهُمْ كَثِيرَ ضَرَرٍ بِخِلَافِ أَهْلِ هُدْنَةٍ.
(وَيَجِبُ إعْلَامُهُمْ) أَيْ أَهْلِ الْهُدْنَةِ بِنَبْذِ الْعَهْدِ (قَبْلَ الْإِغَارَةِ) عَلَيْهِمْ لِلْآيَةِ (وَيُنْتَقَضُ عَهْدُ نِسَاءِ) أَهْلِ هُدْنَةٍ (وَذُرِّيَّاتِهِمْ بِنَقْضِ رِجَالِهِمْ تَبَعًا) لَهُمْ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «قَتَلَ رِجَالَ بَنِي قُرَيْظَةَ حِينَ نَقَضُوا عَهْدَهُ وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ، وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ» وَلَمَّا نَقَضَتْ قُرَيْشٌ عَهْدَهُ بَعْدَ الْهُدْنَةِ، حَلَّ لَهُ مِنْهُمْ مَا كَانَ حَرُمَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ، وَلِأَنَّ عَقْدَ الْهُدْنَةِ مُؤَقَّتٌ يَنْتَهِي بِانْتِهَاءِ مُدَّتِهِ، فَيَزُولُ بِنَقْضِهِ، وَفَسْخِهِ كَالْإِجَارَةِ بِخِلَافِ الذِّمَّةِ
(وَإِنْ نَقَضَهَا) أَيْ الْهُدْنَةَ (بَعْضُهُمْ) أَيْ الْمُهَادِنِينَ (فَأَنْكَرَ الْبَاقُونَ) عَلَى مَنْ نَقَضَ (بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ) إنْكَارًا (ظَاهِرًا أَوْ كَاتَبُونَا) أَيْ الَّذِينَ لَمْ يَنْقُضُوا بِنَقْضِ الْآخَرِينَ (أُقِرُّوا) أَيْ الْبَاقُونَ عَلَى الْعَهْدِ (بِتَسْلِيمِ مَنْ نَقَضَ) الْهُدْنَةَ، إنْ قَدَرُوا عَلَيْهِمْ (أَوْ بِتَمْيِيزِهِ) أَيْ النَّاقِضِ (عَنْهُمْ) لِيَتَمَكَّنَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ قِتَالِهِمْ وَإِذَا أَبَوْهُمَا) أَيْ التَّسْلِيمَ وَالتَّمْيِيزَ (قَادِرِينَ) عَلَى أَحَدِهِمَا (انْتَقَضَ عَهْدُ الْكُلِّ) بِذَلِكَ، لِأَنَّ غَيْرَ النَّاقِضِ مَنَعَ مِنْ قِتَالِ النَّاقِضِ فَصَارَ بِمَنْزِلَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ تَسْلِيمُ نَاقِضٍ وَلَا التَّمْيِيزُ عَنْهُ، لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُ لِأَنَّهُ كَالْأَسِيرِ.
[بَابُ عَقْدِ الذِّمَّةِ]
ِ وَهِيَ لُغَةً: الْعَهْدُ وَالضَّمَانُ وَالْأَمَانُ لِحَدِيثِ «الْمُسْلِمُونَ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» مِنْ أَذَمَّهُ يُذِمَّهُ إذَا جَعَلَ لَهُ عَهْدًا، وَمَعْنَى عَقْدِ الذِّمَّةِ: إقْرَارُ بَعْضِ الْكُفَّارِ عَلَى كُفْرِهِمْ، بِشَرْطِ بَذْلِ الْجِزْيَةِ وَالْتِزَامِ أَحْكَامِ الْمِلَّةِ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة: 29] الْآيَةَ. وَحَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ. قَالَ لِجُنْدِ كِسْرَى يَوْمَ نَهَاوَنْدَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ رَبِّنَا أَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ أَوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
(وَيَجِبُ) عَقْدُ الذِّمَّةِ (إذَا اجْتَمَعَتْ شُرُوطُهُ) أَيْ بَذْلُ الْجِزْيَةِ وَالْتِزَامُ أَحْكَامِنَا مِنْ كِتَابِيٍّ أَوْ مَنْ لَهُ شُبْهَةُ كِتَابٍ (مَا لَمْ تُخَفْ غَائِلَتُهُمْ) أَيْ غَدْرُهُمْ إنْ مُكِّنُوا مِنْ مُقَامٍ بِدَارِ إسْلَامٍ. لِحَدِيثِ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» (وَلَا يَصِحُّ) عَقْدُهَا (إلَّا مِنْ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ) لِتَعَلُّقِ نَظَرِ الْإِمَامِ بِهِ وَدِرَايَتِهِ بِجِهَةِ الْمَصْلَحَةِ ; وَلِأَنَّهُ مُؤَبَّدٌ، فَعَقْدُهُ مِنْ غَيْرِ الْإِمَامِ افْتِئَاتٌ عَلَيْهِ
(وَصِفَتُهُ) أَيْ عَقْدِ الذِّمَّةِ قَوْلُ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ (أُقْرِرْتُمْ
بِجِزْيَةٍ وَاسْتِسْلَامٍ) أَيْ انْقِيَادِ لِأَحْكَامِنَا (أَوْ يَبْذُلُونَ ذَلِكَ) مِنْ أَنْفُسِهِمْ (فَيَقُولُ) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ (أَقْرَرْتُكُمْ عَلَيْهِ أَوْ نَحْوِهَا) كَقَوْلِهِ: هَادَنْتُكُمْ عَلَى الْإِقَامَةِ بِدَارِنَا بِجِزْيَةٍ وَلَا يُعْتَبَرُ تَقْدِيرُ الْجِزْيَةِ فِي الْعَقْدِ (وَالْجِزْيَةُ) مِنْ الْجَزَاءِ (مَالٌ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ) أَيْ الْكُفَّارِ (عَلَى وَجْهِ الصَّغَارِ) بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ الذِّلَّةِ وَالِامْتِهَانِ (كُلَّ عَامٍ) فِي آخِرِهِ (بَدَلًا عَنْ قَتْلِهِمْ، وَ) عَنْ (إقَامَتِهِمْ بِدَارِنَا) فَإِنْ لَمْ يَبْذُلُوهَا لَمْ نَكُفَّ عَنْهُمْ.
(وَلَا تُعْقَدُ) الذِّمَّةُ (إلَّا لِأَهْلِ كِتَابٍ) التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَهُمْ (الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَمَنْ يَدِينُ بِالتَّوْرَاةِ كَالسَّامِرَةِ) يَدِينُونَ بِشَرِيعَةِ مُوسَى وَيُخَالِفُونَ الْيَهُودَ فِي فُرُوعٍ مِنْ دِينِهِمْ (أَوْ) يَدِينُ (بِالْإِنْجِيلِ كَالْفِرِنْجِ وَالصَّابِئِينَ) وَالرُّومِ وَالْأَرْمَنِ، وَكُلِّ مَنْ انْتَسَبَ لِدِينِ عِيسَى (أَوْ مَنْ لَهُ شُبْهَةُ كِتَابٍ كَالْمَجُوسِ) فَإِنَّهُ يُرْوَى أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ وَرُفِعَ، فَذَلِكَ شُبْهَةٌ لَهُمْ أَوْجَبَتْ حَقْنَ دِمَائِهِمْ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ. وَلِحَدِيثِ " أَخْذِهِ صلى الله عليه وسلم الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
(وَإِذَا اخْتَارَ كَافِرٌ لَا تُعْقَدُ لَهُ) الذِّمَّةُ كَوَثَنِيٍّ (دِينًا مِنْ هَؤُلَاءِ) الْأَدْيَانِ، بِأَنْ تَنَصَّرَ أَوْ تَهَوَّدَ أَوْ تَمَجَّسَ، وَلَوْ بَعْدَ بَعْثِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم (أُقِرَّ) عَلَى ذَلِكَ (وَعُقِدَتْ لَهُ) الذِّمَّةُ كَالْأَصْلِيِّ، لَكِنْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَلَا مُنَاكَحَتُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ أَبَوَاهُ كِتَابِيَّيْنِ (وَنَصَارَى الْعَرَبِ وَيَهُودُهُمْ وَمَجُوسُهُمْ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ اللَّامِ، وَظَاهِرُهُ حَتَّى حَرْبِيٌّ مِنْهُمْ لَمْ يَدْخُلْ فِي صُلْحِ عُمَرَ، خِلَافًا لِمَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَتَبِعَهُ فِي الْإِقْنَاعِ (وَغَيْرُهُمْ) .
كَمَنْ تَنَصَّرَ مِنْ تَنُوخَ وَبَهْزِيٍّ، أَوْ تَهَوَّدَ مِنْ كِنَانَةَ وَحِمْيَرَ، أَوْ تَمَجَّسَ مِنْ تَمِيمٍ (لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمْ وَلَوْ بَذَلُوهَا) لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ مُؤَبَّدٌ. وَقَدْ عَقَدَهُ عُمَرُ مَعَهُمْ هَكَذَا (وَيُؤْخَذُ عِوَضُهَا) أَيْ الْجِزْيَةِ (زَكَاتَانِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِمَّا فِيهِ زَكَاةٌ) لِأَنَّ عُمَرَ ضَاعَفَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْإِبِلِ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاتَانِ، وَمِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةٍ تَبِيعَانِ، وَمِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارٌ وَمِنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَفِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْخُمْسُ وَفِيمَا سُقِيَ بِنَضْحٍ أَوْ دُولَابٍ أَوْ غَرْبٍ الْعُشْرُ (حَتَّى مِمَّا لَا تَلْزَمُهُ جِزْيَةٌ) فَتُؤْخَذُ مِنْ مَالِ صِغَارِهِمْ وَنِسَائِهِمْ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ (وَمَصْرِفُهَا) أَيْ هَذِهِ الزَّكَاةِ الْمُضَعَّفَةِ (كَ) مَصْرِفِ (جِزْيَةٍ) لِأَنَّهَا عِوَضُهَا. وَهَلْ يُطْلَبُ فِيهَا أَيْضًا أَنْ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الصَّغَارِ كَالْجِزْيَةِ أَوْ لَا؟ الظَّاهِرُ أَنَّهَا مِثْلُهَا
(وَلَا جِزْيَةَ عَلَى صَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ) لِأَنَّهُمَا لَا يُقْتَلَانِ وَهِيَ بَدَلُ الْقَتْلِ وَلِقَوْلِ عُمَرَ " وَلَا تَضْرِبُوهَا عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ " رَوَاهُ سَعِيدٌ (وَلَوْ بَذَلَتْهَا) أَيْ بَذَلَتْ
الْمَرْأَةُ الْجِزْيَةَ (لِدُخُولِ دَارِنَا) فَلَا تُؤْخَذُ مِنْهَا جِزْيَةٌ (وَتُمَكَّنُ) مِنْ دُخُولِهَا (مَجَّانًا) وَيُرَدُّ عَلَيْهَا مَا أَعْطَتْهُ لِفَسَادِ الْقَبْضِ. فَإِنْ تَبَرَّعَتْ بِشَيْءٍ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهَا قُبِلَ، فَيَكُونُ هِبَةً لَا جِزْيَةً. فَإِنْ شَرَطَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا ثُمَّ رَجَعَتْ فَلَهَا ذَلِكَ.
(وَ) لَا جِزْيَةَ عَلَى (مَجْنُونٍ وَ) لَا (قِنٍّ وَ) لَا (زَمِنٍ وَ) لَا (أَعْمَى وَ) لَا (شَيْخٍ فَانٍ وَ) لَا (رَاهِبٍ بِصَوْمَعَةٍ) لِأَنَّهُمْ لَا يُقْتَلُونَ (وَيُؤْخَذُ) مِنْ رَاهِبٍ بِصَوْمَعَةٍ (مَا زَادَ عَلَى بُلْغَتِهِ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ مَا لَنَا كَالرِّزْقِ لِلدُّيُورَةِ وَالْمَزَارِعِ إجْمَاعًا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ رَاهِبٍ يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَبِيعُ وَيَشْتَرِي وَيَكْتَسِبُ (وَ) لَا جِزْيَةَ عَلَى (خُنْثَى مُشْكِلٍ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِنْهَا وَإِذَا بَانَ) الْخُنْثَى (رَجُلًا أُخِذَ لِلْمُسْتَقْبَلِ) مِنْ اتِّضَاحِ ذُكُورَتِهِ (فَقَطْ) دُونَ الْمَاضِي، فَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ إذْ ذَاكَ (وَلَا) جِزْيَةَ (عَلَى فَقِيرٍ غَيْرِ مُعْتَمِلٍ) أَيْ مُتَكَسِّبٍ (يَعْجَزُ عَنْهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَلِأَنَّ عُمَرَ جَعَلَ الْجِزْيَةَ عَلَى ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ، جَعَلَ أَدْنَاهَا عَلَى الْفَقِيرِ الْمُعْتَمِلِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُعْتَمِلِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَالْغَنِيُّ مِنْهُمْ) أَيْ مِمَّنْ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ (مَنْ عَدَّهُ النَّاسُ غَنِيًّا) لِأَنَّ بَابَ التَّقْدِيرِ التَّوْقِيفُ وَلَا تَوْقِيفَ فِي هَذَا، فَرُجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ
(وَتَجِبُ عَلَى مُعْتَقُ وَلَوْ لِمُسْلِمٍ) لِأَنَّهُ حُرٌّ مُكَلَّفٌ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ. فَلَمْ يُقَرَّ فِي دَارِنَا بِلَا جِزْيَةٍ حُرٌّ أَصْلِيٌّ (وَ) تَجِبُ عَلَى (مُبَعَّضٍ بِحِسَابِهِ) أَيْ بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ كَالْإِرْثِ
(وَمَنْ صَارَ أَهْلًا) لِجِزْيَةٍ بِأَنْ بَلَغَ صَغِيرٌ أَوْ أَفَاقَ مَجْنُونٌ أَوْ عَتَقَ قِنٌّ أَوْ اسْتَغْنَى فَقِيرٌ (بِأَثْنَاءِ حَوْلٍ أُخِذَ مِنْهُ) إذَا تَمَّ الْحَوْلُ (بِقِسْطِهِ) وَلَمْ يُتْرَكْ حَتَّى يَتِمَّ حَوْلُهُ، لِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَى إفْرَادِهِ بِحَوْلٍ وَرُبَّمَا أَدَّى إلَى أَنْ يَصِيرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَوْلٌ (بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا فِي الْعَقْدِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَجْدِيدِهِ لَهُمْ (وَيُلَفَّقُ مِنْ إفَاقَةِ مَجْنُونٍ حَوْلٌ ثُمَّ تُؤْخَذُ) مِنْهُ جِزْيَتُهُ لِأَنَّ أَخْذَهَا مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَخَذٌ لَهَا قَبْلَ كَمَالِ حَوْلِهَا (وَمَتَى بَذَلُوا مَا) وَجَبَ (عَلَيْهِمْ) مِنْ جِزْيَةٍ (لَزِمَ قَبُولُهُ وَ) لَزِمَ (دَفْعُ مَنْ قَصَدَهُمْ بِأَذًى إنْ لَمْ يَكُونُوا بِدَارِ حَرْبٍ وَحَرُمَ قَتْلُهُمْ وَأَخْذُ مَالِهِمْ) وَلَوْ انْفَرَدُوا بِبَلَدٍ وَلَوْ شَرَطْنَا أَنْ لَا نَذُبَّ عَنْهُمْ لَمْ يَصِحَّ. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ (وَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْحَوْلِ سَقَطَتْ) الْجِزْيَةُ (عَنْهُ) نَصًّا. وَقَالَ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ» لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ لَا أُجْرَةٌ
رُوِيَ أَنَّ ذِمِّيًّا أَسْلَمَ فَطُولِبَ بِالْجِزْيَةِ، وَقِيلَ إنَّمَا أَسْلَمَ تَعَوُّذًا. قَالَ إنَّ فِي الْإِسْلَامِ مَعَاذًا، فَرُفِعَ إلَى عُمَرَ فَقَالَ
عُمَرُ " إنَّ فِي الْإِسْلَامِ مَعَاذًا وَكَتَبَ أَنْ لَا تُؤْخَذَ مِنْهُ " رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ بِمَعْنَاهُ
و (لَا) تَسْقُطُ الْجِزْيَةُ (إنْ مَاتَ) مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ (أَوْ جُنَّ وَنَحْوُهُ) كَمَا لَوْ عَمِيَ بَعْدَ الْحَوْلِ كَدُيُونِ الْآدَمِيِّينَ وَسُقُوطِ الْحَدِّ بِالْمَوْتِ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ بِفَوَاتِ مَحَلِّهِ (فَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ تَرِكَةِ مَيِّتٍ وَمَالِ حَيٍّ) جُنَّ وَنَحْوُهُ بَعْدَ الْحَوْلِ (وَ) إنْ مَاتَ أَوْ جُنَّ وَنَحْوُهُ (فِي أَثْنَائِهِ) أَيْ الْحَوْلِ (تَسْقُطُ) الْجِزْيَةُ. لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ وَلَا تُؤْخَذُ قَبْلَ كَمَالِ حَوْلِهَا
(وَتُؤْخَذُ) الْجِزْيَةُ (عِنْدَ انْقِضَاءِ كُلِّ سَنَةٍ) هِلَالِيَّةٍ كَالزَّكَاةِ لِتَكَرُّرِهَا بِتَكَرُّرِ السِّنِينَ وَإِذَا انْقَضَتْ سُنُونَ) وَلَمْ تُؤْخَذُ (اُسْتُوْفِيَتْ كُلُّهَا) فَلَا تَتَدَاخَلُ، لِأَنَّهَا حَقٌّ يَجِبُ فِي آخِرِ كُلِّ حَوْلٍ. أَشْبَهَ الزَّكَاةَ وَالدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ (وَيُمْتَهَنُونَ) أَيْ أَهْلُ الذِّمَّةِ وُجُوبًا (عِنْدَ أَخْذِهَا) أَيْ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ (وَيُطَالُ قِيَامُهُمْ وَتُجَرُّ أَيْدِيَهُمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةِ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29](وَلَا يُقْبَلُ) مِمَّنْ عَلَيْهِ جِزْيَةٌ (إرْسَالُهَا) لِفَوَاتِ الصَّغَارِ (وَلَا يَتَدَاخَلُ الصَّغَارُ) فَيُمْتَهَنُونَ عِنْدَ كُلِّ جِزْيَةٍ حَتَّى تُسْتَوْفَى كُلَّهَا (وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ تَعْجِيلِهَا) أَيْ الْجِزْيَةِ (وَلَا يَقْتَضِيهِ الْإِطْلَاقُ) لِأَنَّا لَا نَأْمَنُ مِنْ نَقْضِ أَمَانِهِ فَيَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْ الْعِوَضِ وَلَا يُعَذَّبُونَ فِي أَخْذِهَا وَلَا يُشْطَطُ عَلَيْهِمْ.
رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ " أَنَّ عُمَرَ أُتِيَ بِمَالٍ كَثِيرٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَحْسَبُهُ الْجِزْيَةَ فَقَالَ إنِّي لَأَظُنُّكُمْ قَدْ أَهْلَكْتُمْ النَّاسَ قَالُوا لَا وَاَللَّهِ مَا أَخَذْنَا إلَّا عَفْوًا صَفْوًا قَالَ بِلَا سَوْطٍ وَلَا نَوْطٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ عَلَى يَدَيَّ وَلَا فِي سُلْطَانِي "
(وَيَصِحُّ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِمْ) أَيْ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِدَارِنَا (ضِيَافَةَ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَ) عَلْفَ (دَوَابِّهِمْ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ " أَنَّ عُمَرَ شَرَطَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ ضِيَافَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَأَنْ يُصْلِحُوا الْقَنَاطِرَ " وَإِنْ قُتِلَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِأَرْضِهِمْ فَعَلَيْهِمْ دِيَتُهُ وَلِأَنَّهُمْ رُبَّمَا امْتَنَعُوا مِنْ ضِيَافَةِ الْمُسْلِمِينَ إضْرَارًا بِهِمْ.
(وَ) يَصِحُّ (أَنْ يَكْتَفِيَ بِهَا) أَيْ الضِّيَافَةِ (عَنْ الْجِزْيَةِ) لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِهَا وَلِفِعْلِ عُمَرَ.
(وَيُعْتَبَرُ بَيَانُ قَدْرِهَا) أَيْ الضِّيَافَةِ (وَ) قَدْرِ (أَيَّامِهَا وَعَدَدِ مَنْ يُضَافُ) مِنْ رِجَالٍ وَفُرْسَانٍ فَيَقُولُ: " تُضَيِّفُونَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِائَةَ يَوْمٍ مَثَلًا فِي كُلِّ يَوْمٍ عَشَرَةٌ مِنْ خُبْزِ كَذَا وَأُدْمِ كَذَا. وَلِلْفَرَسِ شَعِيرُ كَذَا وَتِبْنُ كَذَا " لِأَنَّهُ مِنْ الْجِزْيَةِ فَاعْتُبِرَ الْعِلْمُ بِهِ كَالنُّقُودِ وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا بَيَانُ مَا يُنْزِلُهُمْ فِيهِ وَمَا عَلَى الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ. وَلِلْمُسْلِمِينَ النُّزُولُ فِي الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ. فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا مَكَانًا نَزَلُوا فِي الْأَفْنِيَةِ وَفُضُولِ الْمَنَازِلِ. وَلَيْسَ لَهُمْ تَحْوِيلُ صَاحِبِ مَنْزِلٍ مِنْهُ.