الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَسَأَلَهُ حَرْبٌ: رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى رَجُلٍ فَقَالَ يَا ابْنَ كَذَا وَكَذَا إلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ؟ فَعَظَّمَهُ جِدًّا وَقَالَ عَنْ الْحَدِّ: لَمْ يَبْلُغْنِي فِيهِ شَيْء وَذَهَبَ إلَى حَدٍّ وَاحِدٍ
(وَمَنْ قَذَفَ جَمَاعَةً يُتَصَوَّرُ زِنَاهُمْ عَادَةً بِكَلِمَةٍ) وَاحِدَةٍ كَقَوْلِهِ: هُمْ زُنَاةٌ (فَطَالَبُوهُ) كُلُّهُمْ (أَوْ) طَلَبَ (أَحَدُهُمْ فَ) عَلَيْهِ (حَدٌّ) وَاحِدٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ قَذْفِ وَاحِدٍ وَجَمَاعَةٍ وَلِأَنَّهُ قَذْفٌ وَاحِدٌ فَلَا يَجِبُ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ حَدٍّ وَلِأَنَّ الْحَدَّ شُرِعَ لِإِزَالَةِ الْمَعَرَّةِ بِالْقَذْفِ عَنْ الْمَقْذُوفِ وَبِحَدٍّ وَاحِدٍ يَظْهَرُ كَذِبُ الْقَاذِفِ. وَتَزُولُ الْمَعَرَّةُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَذَفَ كُلًّا مِنْهُمْ قَذْفًا مُفْرَدًا، فَإِنْ كَذِبَهُ فِي قَذْفٍ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ كَذِبُهُ فِي قَذْفٍ آخَرَ، وَالْحَقُّ إذَنْ يَثْبُتُ لَهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ فَأَيُّهُمْ طَلَبَهُ اسْتَوْفَى وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ لِغَيْرِ الْمُسْتَوْفِي، وَإِنْ أَسْقَطَهُ أَحَدُهُمْ فَلِغَيْرِهِ الطَّلَبُ، لِأَنَّ الْمَعَرَّةُ لَمْ تَزُلْ عَنْهُ بِعَفْوِ صَاحِبِهِ.
(وَ) إنْ قَذَفَهُمْ (بِكَلِمَاتٍ) بِأَنْ قَذَفَ كُلًّا بِكَلِمَةٍ أَيْ: جُمْلَةٍ (فَ) عَلَيْهِ (لِكُلِّ وَاحِدٍ) مِنْهُمْ (حَدٌّ) لِتَعَدُّدِ الْقَذْفِ وَتَعَدُّدِ مَحَلِّهِ كَمَا لَوْ قَذَفَ كُلًّا مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْذِفَ الْآخَرَ
(وَمَنْ حُدَّ لِقَذْفٍ ثُمَّ أَعَادَهُ) أَيْ: الْقَذْفَ عُزِّرَ. لِأَنَّهُ قَذْفٌ وَاحِدٌ حُدَّ لَهُ فَلَا يُعَادُ كَمَا لَوْ أَعَادَهُ قَبْلَ الْحَدِّ (أَوْ) أَعَادَ مُلَاعِنٌ الْقَذْفَ (بَعْدَ لِعَانِهِ عُزِّرَ وَلَا) يُعَادُ (لِعَانٌ) لِأَنَّهُ قَذْفٌ وَاحِدٌ لَاعَنَ عَلَيْهِ مَرَّةً كَمَا لَوْ أَعَادَهُ قَبْلَ اللِّعَانِ
(وَ) إنْ قَذَفَهُ (بِزِنًا آخَرَ) غَيْرِ الَّذِي حُدَّ لَهُ (حُدَّ مَعَ طُولِ الزَّمَنِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ وَحُرْمَةَ الْمَقْذُوفِ لَمْ تَسْقُطْ (وَإِلَّا) يَطُلْ الزَّمَنُ (فَلَا) يُعَادُ عَلَيْهِ الْحَدُّ
(وَمَنْ قَذَفَ مُقِرًّا بِزِنًا وَلَوْ) أَقَرَّ بِهِ (دُونَ أَرْبَعِ) مَرَّاتٍ (عُزِّرَ) لِارْتِكَابِهِ مُحَرَّمًا وَلَا يُحَدُّ. لِأَنَّ الْمَعَرَّةَ عَلَى الْمَقْذُوفِ بِإِقْرَارِهِ لَا بِالْقَذْفِ وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ تَوْبَةٍ مِنْ قَذْفٍ وَغِيبَةٍ وَنَحْوِهِمَا إعْلَامُهُ وَالتَّحَلُّلُ مِنْهُ. وَحَرَّمَهُ الْقَاضِي وَعَبْدُ الْقَادِرِ وَصَحَّحَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يَجِبُ الِاعْتِرَافُ لَوْ سَأَلَهُ فَيُعَرِّضُ وَلَوْ مَعَ اسْتِحْلَافِهِ لِأَنَّهُ مَظْلُومٌ لِصِحَّةِ تَوْبَتِهِ وَمَنْ أَصْبَحَ فَتَصَدَّقَ بِعِرْضِهِ عَلَى النَّاسِ لَمْ يَمْلِكْهُ وَلَمْ يُبَحْ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِهِ لَا يَصِحُّ وَإِذْنُهُ فِي عَرْضِهِ كَإِذْنِهِ فِي قَذْفِهِ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ تَوْجِيهًا لَهُ فِي الْأَخِيرَةِ.
[بَابُ حَدِّ تَنَاوُلِ الْمُسْكِرِ]
ِ وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ السُّكْرِ أَيْ: اخْتِلَافِ الْعَقْلِ (كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ يَحْرُمُ شُرْبُ قَلِيلِهِ
وَكَثِيرِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90] وَحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا «إنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ الْخَمْرَ فَمَنْ أَدْرَكَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ وَعِنْدَهُ شَيْءٌ فَلَا يَشْرَبْ وَلَا يَبِعْ فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ بِمَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْهَا طُرُقَ الْمَدِينَةِ فَسَفَكُوهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُخْتَصَرًا وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِيمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُهُ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ الْعِنَبِ أَوْ الشَّعِيرِ أَوْ غَيْرِهِمَا لِحَدِيثِ «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ. وَمَا أَسْكَرَ مِنْهُ الْفَرَقُ فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْفَرَقُ بِالتَّحْرِيكِ مِكْيَالٌ يَسَعُ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا، وَتَقَدَّمَ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَهُ. وَعَنْ جَابِرٍ مِثْلُهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. وَعَنْ عُمَرَ " نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِيَ مِنْ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالْعَسَلِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ. وَالْخَمْرُ: مَا خَامَرَ الْعَقْلَ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(وَلَوْ) شَرِبَ الْمُسْكِرَ (لِعَطَشٍ) لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ رِيٌّ، بَلْ مَا فِيهِ مِنْ الْحَرَارَةِ يُزِيدُ الْعَطَشَ (بِخِلَافِ مَا نَجَسَ) فَيَجُوزُ شُرْبُهُ لِعَطَشٍ عِنْدَ عَدَمِ غَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْبَرْدِ وَالرُّطُوبَةِ، وَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ لِدَوَاءٍ وَتَقَدَّمَ
(إلَّا لِدَفْعِ لُقْمَةٍ غَصَّ بِهَا وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ) أَيْ الْمُسْكِرِ (وَخَافَ تَلَفًا) فَيَجُوزُ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ (وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ) أَيْ الْخَمْرِ فِي دَفْعِ لُقْمَةٍ غَصَّ بِهَا (بَوْلٌ) لِوُجُوبِ الْحَدِّ بِاسْتِعْمَالِ الْمُسْكِرِ دُونَ الْبَوْلِ (وَ) يُقَدَّمُ (عَلَيْهِمَا) أَيْ الْمُسْكِرِ وَالْبَوْلِ فِي ذَلِكَ (مَاءٌ نَجِسٌ) لِأَنَّ أَصْلُهُ مَطْعُومٌ بِخِلَافِ الْبَوْلِ
(فَإِذَا شَرِبَهُ) أَيْ الْمُسْكِرَ (أَوْ) شَرِبَ (مَا خُلِطَ بِهِ) أَيْ الْمُسْكِرِ (وَلَمْ يُسْتَهْلَكْ) الْمُسْكِرُ (فِيهِ) أَيْ: الْمَاءِ حُدَّ، فَإِنْ اُسْتُهْلِكَ فِي الْمَاءِ فَلَا حَدَّ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلُبْ عَنْ الْمَاءِ اسْمَهُ (أَوْ اسْتَعَطَ) بِمُسْكِرٍ (أَوْ احْتَقَنَ بِهِ أَوْ أَكَلَ عَجِينًا لُتَّ بِهِ) أَيْ الْمُسْكِرِ لَا إنْ خُبِزَ فَأَكَلَهُ (مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ) لَا صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (عَالِمًا أَنَّ كَثِيرَهُ يُسْكِرُ، وَيَصْدُقُ إنْ قَالَ: لَمْ أَعْلَمْ) أَنَّ كَثِيرَهُ يُسْكِرُ (مُخْتَارًا) لِشُرْبِهِ فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ لَمْ يُحَدَّ (لِحِلِّهِ) أَيْ: الْمُسْكِرِ (لِمُكْرَهٍ) عَلَى شُرْبِهِ بِإِلْجَاءٍ أَوْ وَعِيدٍ مِنْ قَادِرٍ لِحَدِيثِ «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» (وَصَبْرُهُ) أَيْ: الْمُكْرَهِ عَلَى شُرْبِ مُسْكِرٍ (عَلَى الْأَذَى أَفْضَلُ) مِنْ شُرْبِهَا مُكْرَهًا نَصًّا، وَكَذَا كُلُّ مَا جَازَ لِمُكْرَهٍ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَإِنْ أُكْرِهَ
بِالْقَتْلِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْفِعْلُ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ التَّخَلُّفُ لِأَنَّهُ إلْقَاءٌ بِنَفْسِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ
(أَوْ وُجِدَ) مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ (سَكْرَانَ أَوْ تَقَايَأَهُ) أَيْ الْخَمْرَ مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ (حُدَّ) لِأَنَّهُ لَمْ يَسْكَرْ أَوْ يَتَقَيَّؤُهَا إلَّا وَقَدْ شَرِبَهَا (حُرٌّ) وُجِدَ مِنْهُ شَيْء مِمَّا تَقَدَّمَ (ثَمَانِينَ) جَلْدَةً لِمَا رَوَى الْجُوزَجَانِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُمَا: أَنَّ عُمَرَ اسْتَشَارَ النَّاسَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ: فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: اجْعَلْهُ كَأَخَفِّ الْحُدُودِ ثَمَانِينَ فَضَرَبَ عُمَرُ ثَمَانِينَ وَكَتَبَ بِهِ إلَى خَالِدٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بِالشَّامِ. وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْمَشُورَةِ: أَنَّهُ إذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى فَحُدُّوهُ حَدَّ الْمُفْتَرِي.
(وَ) حَدُّ (رَقِيقٍ) فِيمَا تَقَدَّمَ (نِصْفُهَا) أَيْ: أَرْبَعِينَ جَلْدَةً ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَلَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أَمَّ وَلَدٍ
(وَلَوْ ادَّعَى) شَارِبٌ وَنَحْوُهُ حُرًّا كَانَ أَوْ قِنًّا (جَهْلَ وُجُوبِ الْحَدِّ) حَيْثُ عَلِمَ التَّحْرِيمَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الزِّنَا
(وَيُعَزَّرُ مَنْ وُجِدَ مِنْهُ رَائِحَتُهَا) أَيْ الْخَمْرِ وَلَا يُحَدُّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَمَضْمَضَ بِهَا أَوْ ظَنَّهَا مَاءً فَلَمَّا صَارَتْ فِيهِ مَجَّهَا وَنَحْوَهُ (أَوْ) أَيْ وَيُعَزَّرُ مَنْ (حَضَرَ شُرْبَهَا) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَ (لَا) يُحَدُّ وَلَا يُعَزَّرُ (شَارِبُ) خَمْرٍ (جَهِلَ التَّحْرِيمَ) أَيْ: تَحْرِيمَ الْخَمْرِ ; لِقَوْلِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ: لَا حَدَّ إلَّا عَلَى مَنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ، وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ مَنْ شَرِبَهَا غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّهَا خَمْرٌ (وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى الْجَهْلِ) بِالتَّحْرِيمِ (مِمَّنْ نَشَأَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يَخْفَى، بِخِلَافِ حَدِيثِ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ وَنَاشِئٍ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْإِسْلَامِ فَيُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ
(وَلَا حَدَّ عَلَى كَافِرٍ) وَلَوْ ذِمِّيًّا (لِشُرْبِ) خَمْرٍ لِاعْتِقَادِهِ حِلَّهُ كَنِكَاحِ مَجُوسِيٍّ ذَاتَ مَحْرَمِهِ
(وَيَثْبُتُ) شُرْبُ مُسْكِرٍ (بِإِقْرَارٍ) بِهِ (مَرَّةً كَقَذْفٍ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَتَضَمَّنُ إتْلَافًا بِخِلَافِ زِنًا وَسَرِقَةٍ (أَوْ) بِ (شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ) عَلَى الشُّرْبِ أَوْ الْإِقْرَارِ بِهِ (وَلَوْ لَمْ يَقُولَا) شَرِبَ (مُخْتَارًا عَالِمًا) بِ (تَحْرِيمِهِ) لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَتَقَدَّمَ وَيُقْبَلُ رُجُوعُ مُقِرٍّ بِهِ فَلَا يُحَدَّ
(وَيَحْرُمُ عَصِيرُ) عِنَبٍ أَوْ قَصَبٍ أَوْ رَكَانِ أَوْ غَيْرُهُ (غَلَى) كَغَلَيَانِ الْقِدْرِ بِأَنْ قَذَفَ بِزَبَدِهِ نَصًّا وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ لَمْ يُسْكِرْ لِأَنَّ عِلَّةَ التَّحْرِيمِ الشِّدَّةُ الْحَادِثَةُ فِيهِ وَهِيَ تُوجَدُ بِوُجُودِ الْغَلَيَانِ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصُومُ فَتَحَيَّنْت فِطْرَهُ بِنَبِيذٍ صَنَعْته فِي دُبَّاءَ ثُمَّ أَتَيْته بِهِ فَإِذَا هُوَ يَنُشُّ. فَقَالَ: اضْرِبْ بِهَذَا الْحَائِطَ فَإِنَّ هَذَا شَرَابُ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ»
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ (أَوْ) أَيْ وَيَحْرُمُ عَصِيرٌ (أَتَى عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ) وَإِنْ لَمْ يَغْلِ نَصًّا. لِحَدِيثِ «اشْرَبُوا الْعَصِيرَ ثَلَاثًا مَا لَمْ يَغْلِ» رَوَاهُ الشَّالَنْجِيُّ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي الْعَصِيرِ: اشْرَبْهُ مَا لَمْ يَأْخُذْهُ شَيْطَانُهُ، قِيلَ: وَفِي كَمْ يَأْخُذُهُ شَيْطَانُهُ؟ . قَالَ فِي ثَلَاثَةٍ حَكَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَلِحُصُولِ الشِّدَّةِ فِي الثَّلَاثِ غَالِبًا وَهِيَ خَفِيَّةٌ تَحْتَاجُ لِضَابِطٍ، وَالثَّلَاثُ تَصْلُحُ لِذَلِكَ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهَا بِهَا (وَإِنْ طُبِخَ) عَصِيرٌ (قَبْلَ تَحْرِيمٍ) أَيْ: قَبْلَ غَلَيَانِهِ وَإِتْيَانِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ عَلَيْهِ (حَلَّ إنْ ذَهَبَ) بِطَبْخِهِ (ثُلُثَاهُ) فَأَكْثَرَ نَصًّا، وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ أَبَا مُوسَى كَانَ يَشْرَبُ مِنْ الطِّلَاءِ مَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَلَهُ مِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَلِذَهَابِ أَكْثَرَ رُطُوبَتِهِ فَلَا يَكَادُ يَغْلِي فَلَا تَحْصُلُ فِيهِ الشِّدَّةُ، بَلْ يَصِيرُ كَالرُّبِّ (وَوَضْعُ زَبِيبٍ فِي خَرْدَلٍ كَعَصِيرٍ) فَيَحْرُمُ إنْ غَلَى أَوْ أَتَى عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ (وَإِنْ صُبَّ عَلَيْهِ) أَيْ زَبِيبٍ فِي خَرْدَلٍ (خَلٌّ أُكِلَ) نَصًّا وَلَوْ بَعْدَ ثَلَاثٍ لِأَنَّ الْخَلَّ يَمْنَعُ غَلَيَانُهُ
(وَيُكْرَهُ الْخَلِيطَانِ كَنَبِيذِ تَمْرٍ مَعَ زَبِيبٍ) أَوْ بُسْرٍ مَعَ تَمْرٍ أَوْ رُطَبٍ (وَكَذَا) نَبِيذٌ (مُذَنِّبٌ) أَيْ: مَا نِصْفُهُ بُسْرٌ وَنِصْفُهُ رُطَبٌ (وَحْدَهُ) لِأَنَّهُ بُسْرٌ وَرُطَبٌ لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «نَهَى أَنْ يُنْبَذَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا، وَنَهَى أَنْ يُنْبَذَ الرُّطَبُ وَالْبُسْرُ جَمِيعًا» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ «نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَخْلِطَ بُسْرًا بِتَمْرٍ وَزَبِيبًا بِتَمْرٍ أَوْ زَبِيبًا بِبُسْرٍ. وَقَالَ مَنْ شَرِبَهُ مِنْكُمْ فَلْيَشْرَبْهُ زَبِيبًا فَرْدًا أَوْ تَمْرًا فَرْدًا أَوْ بُسْرًا فَرْدًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ «كُنَّا نَنْبِذُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سِقَاءٍ فَنَأْخُذُ قَبْضَةً مِنْ تَمْرٍ وَقَبْضَةً مِنْ زَبِيبٍ فَنَطْرَحُهُمَا فِيهِ وَنَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ فَنَنْبِذُهُ غَدْوَةً فَيَشْرَبُهُ عَشِيَّةً وَنَنْبِذُهُ عَشِيَّةً فَيَشْرَبُهُ غَدْوَةً» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ قَالَ فِي شَرْحِهِ: فَمَحْمُولٌ عَلَى نَسْخِهِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْجَمْعِ بِغَيْرِ ذَلِكَ. انْتَهَى.
وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ شَرْطُ النَّسْخِ عِلْمُ التَّارِيخِ وَ (لَا) يُكْرَهُ (وَضْعُ تَمْرٍ) وَحْدَهُ (أَوْ) وَضْعُ (زَبِيبٍ) وَحْدَهُ (أَوْ) وَضْعُ (نَحْوَهُمَا) كَمِشْمِشٍ أَوْ عُنَّابٍ وَحْدَهُ (فِي مَاءٍ لِتَحْلِيَتِهِ) أَيْ: الْمَاءِ لِمَا تَقَدَّمَ (مَا لَمْ يَشْتَدَّ) أَيْ يَفْعَلْ (أَوْ تَتِمَّ لَهُ ثَلَاثُ) لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ كَانَ يُنْقَعُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الزَّبِيبُ فَيَشْرَبُهُ الْيَوْمَ وَالْغَدَ بَعْدَ الْغَدِ إلَى مَسَاءِ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِ فَيُسْقَى ذَلِكَ الْخَدَمَ أَوْ يُهْرَاقُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ
(وَلَا) يُكْرَهُ (فُقَاعٌ) حَيْثُ لَمْ يَشْتَدَّ وَلَمْ يَغْلِ، لِأَنَّهُ نَبِيذٌ يُتَّخَذُ