الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْعَيْنُ آلَةُ النَّظَرِ (بِخِلَافِ مُسْتَمِعٍ) أَعْمَى أَوْ بَصِيرٍ (وَضَعَ أُذُنَهُ فِي خَصَاصِهِ) أَيْ لِلْبَابِ الْمُغْلَقِ فَلَيْسَ لَهُ قَصْدُ أُذُنِهِ بِطَعْنٍ أَوْ نَحْوِهِ (قَبْلَ إنْذَارِهِ) ; اقْتِصَارًا عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ، وَلِأَنَّ النَّظَرَ أَبْلَغُ مِنْ السَّمْعِ فَإِنْ أَنْذَرَهُ فَأَبَى فَلَهُ طَعْنُهُ كَدَفْعِ الصَّائِلِ (وَ) بِخِلَافِ نَاظِرٍ (مِنْ) بَابٍ (مُنْفَتِحٍ) لِتَفْرِيطِ رَبِّهِ بِتَرْكِهِ مَفْتُوحًا.
[بَابُ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ]
ِ أَيْ: الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ وَالْعُدُولِ عَنْ الْحَقِّ. وَالْبَغِيُّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ: الزَّانِيَةُ (وَهُمْ الْخَارِجُونَ عَلَى الْإِمَامِ وَلَوْ غَيْرَ عَدْلٍ بِتَأْوِيلٍ سَائِغٍ وَلَهُمْ شَوْكَةٌ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُطَاعٌ) سُمُّوا بُغَاةً لِعُدُولِهِمْ عَنْ الْحَقِّ وَمَا عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَالْأَصْلُ فِي قِتَالِهِمْ قَوْله تَعَالَى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] وَلِحَدِيثِ «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ وَيُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمِيتَتُهُ مِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَاتَلَ عَلِيٌّ أَهْلَ النَّهْرَوَانُ فَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ (وَمَتَى اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ) بِأَنْ لَمْ يَخْرُجُوا عَلَى إمَامٍ أَوْ خَرَجُوا عَلَيْهِ بِلَا تَأْوِيلٍ أَوْ بِتَأْوِيلٍ غَيْرِ سَائِغٍ أَوْ كَانُوا جَمْعًا يَسِيرًا لَا شَوْكَةَ لَهُمْ كَالْعَشَرَةِ (فَ) هُمْ (قُطَّاعُ طَرِيقٍ) وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُمْ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ
(وَنَصْبُ الْإِمَامِ فَرْضُ كِفَايَةٍ) ; لِحَاجَةِ النَّاسِ لِذَلِكَ لِحِمَايَةِ الْبَيْضَةِ وَالذَّبِّ عَنْ الْحَوْزَةِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَاسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَيُخَاطَبُ بِذَلِكَ مَنْ تُوجَدُ فِيهِ شَرَائِطُ الْإِمَامَةِ حَتَّى يَنْتَصِبَ أَحَدُهُمْ لَهَا وَتَأْتِيَ شُرُوطُهَا، وَأَهْلُ الِاجْتِهَادِ حَتَّى يَخْتَارُوا وَشَرْطُهُمْ: الْعَدَالَةُ وَالْعِلْمُ الْمُوصِلُ إلَى مَعْرِفَةِ مُسْتَحِقِّ الْإِمَامَةِ وَأَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ الْمُؤَدِّيَيْنِ إلَى اخْتِيَارِ مَنْ هُوَ لِلْإِمَامَةِ أَصْلَحُ (وَيَثْبُتُ) نَصْبُ إمَامٍ (بِإِجْمَاعِ) أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ عَلَى اخْتِيَارِ صَالِحٍ لَهَا مَعَ إجَابَتِهِ كَخِلَافَةِ الصِّدِّيقِ فَيَلْزَمُ كَافَّةَ الْأُمَّةِ الدُّخُولُ فِي بَيْعَتِهِ وَالِانْقِيَادُ لِطَاعَتِهِ.
(وَ) يَثْبُتُ أَيْضًا (بِ) نَصٍّ أَيْ: عَهْدِ إمَامٍ بِالْإِمَامَةِ لِمَنْ يَصْلُحُ لَهَا نَاصًّا عَلَيْهِ بَعْدَهُ وَلَا يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى مُوَافَقَةِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ كَعَهْدِ أَبِي بَكْرٍ إلَى عُمَرَ رضي الله عنهما فِي الْخِلَافَةِ (وَ) يَثْبُتُ أَيْضًا بِ (اجْتِهَادٍ) لِأَنَّ عُمَرَ جَعَلَ أَمْرَ الْإِمَامَةِ شُورَى بَيْنَ سِتَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
(وَ) يَثْبُتُ أَيْضًا بِ (قَهْرِ) مَنْ يَصْلُحُ لَهَا غَيْرَهُ عَلَيْهَا فَتَلْزَمُ الرَّعِيَّةَ طَاعَتُهُ لِأَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ خَرَجَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَتَلَهُ وَاسْتَوْلَى عَلَى الْبِلَادِ وَأَهْلِهَا حَتَّى بَايَعُوهُ طَوْعًا وَكَرْهًا وَدَعَوْهُ إمَامًا وَلِأَنَّ فِي الْخُرُوجِ عَلَى مَنْ ثَبَتَتْ إمَامَتُهُ بِالْقَهْرِ شَقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ وَإِرَاقَةَ دِمَائِهِمْ وَإِذْهَابَ أَمْوَالِهِمْ (لِقُرَشِيٍّ) مُتَعَلِّقٌ بِيَثْبُتُ لِقَوْلِ الْمُهَاجِرِينَ لِلْأَنْصَارِ إنَّ الْعَرَبَ لَا تَدِينُ إلَّا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ وَرَوَوْا لَهُمْ فِي ذَلِكَ الْأَخْبَارَ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا لَا يَكُونُ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ خَلِيفَةٌ (حُرٍّ) فَلَا يَكُونُ الْإِمَامُ رَقِيقًا وَلَا مُبَعَّضًا لِأَنَّ لَهُ الْوِلَايَةَ الْعَامَّةَ فَلَا يَكُونُ مُوَلًّى عَلَيْهِ (ذَكَرٍ) فَلَا وِلَايَةَ لِأُنْثَى كَالْقَاضِي وَأَوْلَى (عَدْلٍ) لِمَا سَبَقَ، وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَبْدُوسِ بْنِ مَالِكٍ الْعَطَّارِ: وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِمْ بِالسَّيْفِ حَتَّى صَارَ خَلِيفَةً وَسُمِّيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ إنْ يَبِيتَ وَلَا يَرَاهُ إمَامًا بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا (عَالِمٍ) بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى مُرَاعَاتِهَا فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ (كَافٍ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا) أَيْ: قَائِمًا بِأَمْرِ الْحَرْبِ وَالسِّيَاسَةِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ لَا تَلْحَقُهُ رَأْفَةٌ فِي ذَلِكَ وَلِذَبٍّ عَنْ الْأُمَّةِ وَالْإِغْمَاءُ لَا يَمْنَعُ عَقْدَهَا وَلَا اسْتِدَامَتَهَا لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي مَرَضِهِ وَيَمْنَعُهَا الْجُنُونُ وَالْخَبَلُ الْمُطْبَقُ، وَكَذَا إنْ كَانَ فِي أَكْثَرِ زَمَانِهِ، وَلَا يَمْنَعُهَا ضَعْفُ الْبَصَرِ إنْ عَرَفَ بِهِ الْأَشْخَاصَ إذَا رَآهَا، وَلَا فَقْدُ الشَّمِّ وَذَوْقُ الطَّعَامِ ; لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُمَا فِي الرَّأْيِ وَالْعَمَلِ، وَلَا تَمْتَمَةُ اللِّسَانِ، وَلَا ثِقَلُ السَّمْعِ مَعَ إدْرَاكِ الصَّوْتِ إذَا عَلَا وَلَا، فَقْدُ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ بِخِلَافِ قَطْعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لِعَجْزِهِ عَمَّا يَلْزَمُهُ مِنْ حُقُوقِ الْأُمَّةِ مِنْ الْعَمَلِ بِالْيَدِ أَوْ النَّهْضَةِ بِالرِّجْلِ، وَإِنْ قَهَرَهُ مِنْ أَعْوَانِهِ مَنْ يَسْتَبِدُّ بِتَدْبِيرِ الْأُمُورِ مِنْ غَيْرِ تَظَاهُرٍ بِمَعْصِيَةٍ وَلَا مُجَاهَرَةٍ بِشِقَاقٍ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ اسْتِدَامَتِهِ، ثُمَّ إنْ جَرَتْ أَفْعَالُهُ عَلَى أَحْكَامِ الدِّينِ جَازَ إقْرَارُهُ عَلَيْهَا تَنْفِيذًا لَهَا وَإِمْضَاءً لِئَلَّا يَعُودَ الْأَمْرُ بِفَسَادٍ عَلَى الْأُمَّةِ، وَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ أَحْكَامِ الدِّينِ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ عَلَيْهَا وَلَزِمَهُ أَنْ يَسْتَنْصِرَ مِنْ يَقْبِضُ عَلَى يَدِهِ وَيُزِيلُ تَغَلُّبَهُ
(وَيُجْبَرُ) عَلَى إمَامَةٍ (مُتَعَيَّنٌ لَهَا) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ حَاكِمٍ لِئَلَّا تَذْهَبَ حُقُوقُ النَّاسِ
(وَهُوَ) أَيْ: الْإِمَامُ (وَكِيلُ) الْمُسْلِمِينَ (فَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ) مُطْلَقًا كَسَائِرِ الْوُكَلَاءِ (وَلَهُمْ) أَيْ الْمُسْلِمِينَ (عَزْلُهُ إنْ سَأَلَهَا) أَيْ: الْعُزْلَةَ بِمَعْنَى الْعَزْلِ لَا الْإِمَامَةِ لِقَوْلِ الصِّدِّيقِ: أَقِيلُونِي أَقِيلُونِي، قَالُوا: لَا نُقِيلُك. وَرَدَ فِي الْإِقْنَاعِ كَلَامُ التَّنْقِيحِ هُنَا كَمَا نَقَلْتُهُ فِي الْحَاشِيَةِ وَلَوْ حَمَلَهُ عَلَى مَا أَشَرْت إلَيْهِ لَمْ يُعَارِضْ كَلَامَهُ
كَلَامُ غَيْرِهِ (وَإِلَّا) يَسْأَلْ الْعَزْلَ (فَلَا) يَعْزِلُونَهُ سَأَلَ الْإِمَامَةَ أَوْ لَا لِمَا فِيهِ مِنْ شَقِّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ
(وَيَحْرُمُ قِتَالُهُ) أَيْ الْإِمَامِ لِحَدِيثِ «مَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي وَهُمْ جَمْعٌ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ»
(وَإِنْ تَنَازَعَهَا) أَيْ الْإِمَامَةَ (مُتَكَافِئَانِ) ابْتَدَءُوا دَوَامًا (أَقُرِعَ) بَيْنَهُمَا فَيُبَايَعُ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ (وَإِنْ بُويِعَا) وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ (فَالْإِمَامُ) هُوَ (الْأَوَّلُ) مِنْهُمَا (وَ) إنْ بُويِعَا (مَعًا أَوْ جُهِلَ السَّابِقُ) مِنْهُمَا (بَطَلَ الْعَقْدُ) لِامْتِنَاعِ تَعَدُّدِ الْإِمَامِ وَعَدَمِ الْمُرَجِّحِ لِأَحَدِهِمَا، وَصِفَةُ الْعَقْدِ أَنْ يَقُولَ لَهُ كُلٌّ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ: قَدْ بَايَعْنَاك عَلَى إقَامَةِ الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ وَالْقِيَامِ بِفُرُوضِ الْأُمَّةِ وَلَا يُحْتَاجُ مَعَ ذَلِكَ إلَى صَفْقَةِ الْيَدِ فَإِذَا ثَبَتَتْ إمَامَتُهُ لَزِمَهُ حِفْظُ الدِّينِ عَلَى أُصُولِهِ الَّتِي أَجْمَعَ عَلَيْهَا سَلْفُ الْأُمَّةِ فَإِنْ زَاغَ ذُو شُبْهَةٍ عَنْهُ بَيَّنَ لَهُ الْحُجَّةَ، وَأَخَذَهُ بِمَا يَلْزَمُهُ حِرَاسَةً لِلدِّينِ مِنْ الْخَلَلِ، وَتَنْفِيذُ الْأَحْكَامِ بَيْنَ الْمُتَشَاجِرِينَ وَقَطْعُ خُصُومَتِهِمْ وَحِمَايَةُ الْبَيْضَةِ وَالذَّبُّ عَنْ الْحَوْزَةِ ; لِيَتَصَرَّفَ النَّاسُ فِي مَعَايِشِهِمْ وَيَسِيرُوا فِي الْأَسْفَارِ آمِنِينَ، وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ لِتُصَانَ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقُ عِبَادِهِ، وَتَحْصِينُ الثُّغُورِ بِالْعُدَّةِ الْمَانِعَةِ وَجِهَادُ مَنْ عَانَدَ الْإِسْلَامَ بَعْدَ الدَّعْوَةِ، وَجِبَايَةُ الْفَيْءِ وَالصَّدَقَاتِ عَلَى مَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ وَتَقْدِيرُ مَا يُسْتَحَقُّ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بِلَا سَرَفٍ وَلَا تَقْصِيرٍ وَدَفْعُهُ فِي وَقْتِهِ بِلَا تَقْدِيمٍ وَلَا تَأْخِيرٍ وَاسْتِكْفَاءُ الْأُمَنَاءِ وَتَقْلِيدُ النُّصَحَاءِ فِيمَا يُفَوِّضُهُ إلَيْهِمْ ضَبْطًا لِلْأَعْمَالِ وَحِفْظًا لِلْأَمْوَالِ، وَأَنْ يُبَاشِرَ بِنَفْسِهِ مُشَارَفَةَ الْأُمُورِ وَيَتَصَفَّحَ الْأَحْوَالَ لِيَنْهَضَ بِسِيَاسَةِ الْأُمَّةِ وَحِرَاسَةِ الْمِلَّةِ وَلَا يُعَوِّلُ عَلَى التَّفْوِيضِ فَرُبَّمَا خَانَ الْأَمِينُ وَغَشَّ النَّاصِحُ فَإِذَا قَامَ الْإِمَامُ بِحُقُوقِ الْأُمَّةِ فَلَهُ عَلَيْهِمْ حَقَّانِ: الطَّاعَةُ وَالنُّصْرَةُ (وَتَلْزَمُهُ مُرَاسَلَةُ بُغَاةٍ) لِأَنَّهَا طَرِيقٌ إلَى الصُّلْحِ وَرُجُوعِهِمْ إلَى الْحَقِّ.
وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رَاسَلَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ قَبْلَ وَقْعَةِ الْجَمَلِ، وَلَمَّا اعْتَزَلَتْهُ الْحَرُورِيَّةُ بَعَثَ إلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ فَوَاضَعُوهُ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ.
(وَ) تَلْزَمُهُ (إزَالَةُ شُبَهِهِمْ) لِيَرْجِعُوا إلَى الْحَقِّ (وَ) تَلْزَمُهُ إزَالَةُ (مَا يَدْعُونَهُ مِنْ مَظْلَمَةٌ) لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى الصُّلْحِ الْمَأْمُورِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] فَإِنْ نَقَمُوا مِمَّا لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ أَزَالَهُ، وَإِنْ نَقَمُوا مِمَّا يَحِلُّ فِعْلُهُ لِالْتِبَاسِ الْأَمْرِ فِيهِ عَلَيْهِمْ فَاعْتَقَدُوا مُخَالَفَتَهُ لِلْحَقِّ بَيَّنَ لَهُمْ دَلِيلَهُ وَأَظْهَرَ لَهُمْ وَجْهَهُ ; لِبَعْثِ عَلِيٍّ ابْنَ عَبَّاسٍ إلَى الْخَوَارِجِ لَمَّا تَظَاهَرُوا بِالْعِبَادَةِ وَالْخُشُوعِ وَحَمْلِ الْمَصَاحِفِ فِي أَعْنَاقِهِمْ لِيَسْأَلَهُمْ
عَنْ سَبَبِ خُرُوجِهِمْ وَبَيَّنَ لَهُمْ الْحُجَّةَ الَّتِي تَمَسَّكُوا بِهَا فِي قِصَّةٍ مَشْهُورَةٍ
(فَإِنْ فَاءُوا) أَيْ رَجَعُوا عَنْ الْبَغْيِ وَطَلَبِ الْقِتَالِ تَرَكَهُمْ (وَإِلَّا) يَفِيئُوا (لَزِمَ) إمَامًا (قَادِرًا قِتَالُهُمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] .
(وَ) يَجِبُ (عَلَى رَعِيَّتِهِ مَعُونَتُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] وَحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا «مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَرِبْقَةُ الْإِسْلَامِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا اسْتِعَارَةٌ لِمَا يَلْزَمُ الْعُنُقَ مِنْ حُدُودِ الْإِسْلَامِ وَأَحْكَامِهِ (فَإِنْ اسْتَنْظَرُوهُ) أَيْ قَالُوا أَنْظِرْنَا (مُدَّةً) حَتَّى نَرَى رَأْيَنَا (وَرَجَا فَيْئَتَهُمْ) فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ (أَنْظَرَهُمْ) وُجُوبًا حِفْظًا لِدِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ (وَإِنْ خَافَ مَكِيدَةً) كَمَدَدٍ يَأْتِيهِمْ أَوْ تَحَيُّزِهِمْ إلَى فِئَةٍ تَمْنَعُهُمْ أَوْ يَكْثُرُ جَمْعُهُمْ وَنَحْوُهُ (فَلَا) يَجُوزُ لَهُ إنْظَارُهُمْ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إلَى قَهْرِ أَهْلِ الْحَقِّ (وَلَوْ أَعْطَوْهُ مَالًا أَوْ رَهْنًا) عَلَى تَأْخِيرِ الْقِتَالِ، أَذِنَ لِأَنَّ الرَّهْنَ يُخْلِي سَبِيلَهُ إذَا انْقَضَتْ الْحَرْبُ كَالْأُسَارَى وَإِنْ سَأَلُوهُ الْإِنْظَارَ أَبَدًا وَيَدَعُهُمْ وَمَا عَلَيْهِ وَيُكَفُّوا عَنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فَإِنْ قَوِيَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُمْ وَإِلَّا جَازَ
(وَيُحَرَّمُ قِتَالُهُمْ بِمَا يَعُمُّ إتْلَافُهُ) الْمُقَاتِلَ وَغَيْرَهُ وَالْمَالَ (كَمَنْجَنِيقِ وَنَارٍ) لِأَنَّ إتْلَافَ أَمْوَالِهِمْ وَغَيْرِ الْمُقَاتِلِ لَا يَجُوزُ إلَّا لِضَرُورَةٍ تَدْعُوهُ إلَيْهِ كَدَفْعِ الصَّائِلِ.
(وَ) يُحَرَّمُ (اسْتِعَانَةٌ) عَلَيْهِمْ (بِكَافِرٍ) لِأَنَّهُ تَسْلِيطٌ لَهُ عَلَى دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141](إلَّا لِضَرُورَةٍ) كَعَجْزِ أَهْلِ الْحَقِّ عَنْهُمْ (وَكَفِعْلِهِمْ) بِنَا (إنْ لَمْ نَفْعَلْهُ) بِهِمْ فَيَجُوزُ رَمْيُهُمْ بِمَا يَعُمُّ إتْلَافُهُ إذَا فَعَلُوهُ بِنَا لَوْ لَمْ نَفْعَلْهُ وَكَذَا الِاسْتِعَانَةُ بِكَافِرٍ.
(وَ) يُحَرَّمُ (أَخْذُ مَالِهِمْ) لِأَنَّهُ مَالٌ مَعْصُومٌ.
(وَ) يُحَرَّمُ أَخْذُ وَقَتْلُ (ذُرِّيَّتِهِمْ) لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ لَا قِتَالَ مِنْهُمْ وَلَا بَغْيَ.
(وَ) يُحَرَّمُ (قَتْلُ مُدْبِرِهِمْ وَ) قَتْلُ (جَرِيحِهِمْ) وَلَوْ مِنْ نَحْوِ خَوَارِجَ، إنْ لَمْ نَقُلْ بِكُفْرِهِمْ وَمَا فِي الْإِقْنَاعِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِكُفْرِهِمْ كَمَا فِي الْكَافِي لِعِصْمَتِهِ وَزَوَالِ قِتَالِهِ وَرَوَى سَعِيدٌ عَنْ مَرْوَانَ قَالَ صَرَخَ صَارِخٌ لِعَلِيٍّ يَوْمَ الْجَمَلِ لَا يُقْتَلَنَّ مُدْبِرٌ وَلَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ وَعَنْ عَمَّارٍ نَحْوُهُ وَكَالصَّائِلِ وَلِأَنَّهُ قَتْلُ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: الْمُدْبِرُ: مَنْ انْكَسَرَتْ شَوْكَتُهُ إلَّا الْمُنْحَرِفَ إلَى مَوْضِعٍ.
(وَ) يُحَرَّمُ قَتْلُ (مَنْ تَرَكَ الْقِتَالَ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا قَوَدَ فِيهِ) أَيْ: فِي قَتْلِ مَنْ يُحَرَّمُ قَتْلُهُ مِنْهُمْ لِلشُّبْهَةِ
(وَيُضْمَنُ بِالدِّيَةِ) لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ (وَيُكْرَهُ) لِعَدْلٍ (قَصْدُ رَحْمَةِ الْبَاغِي) كَأَخِيهِ وَعَمِّهِ (بِقَتْلٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ جَاهَدَاك عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] وَقَالَ الشَّافِعِيُّ «كَفَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةُ عَنْ قَتْلِ أَبِيهِ»
(وَتُبَاحُ اسْتِعَانَةٌ عَلَيْهِمْ) أَيْ الْبُغَاةِ (بِسِلَاحِ أَنْفُسِهِمْ وَخَيْلِهِمْ وَعَبِيدِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ لِضَرُورَةٍ فَقَطْ) لِعِصْمَةِ الْإِسْلَامِ أَمْوَالَهُمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ قِتَالُهُمْ لِرَدِّهِمْ إلَى الطَّاعَةِ وَأَمَّا جَوَازُهُ مَعَ الضَّرُورَةِ فَكَأَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ فِي الْمَخْمَصَةِ
(مَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ) أَيْ الْبُغَاةِ (وَلَوْ صَبِيًّا أَوْ أُنْثَى حُبِسَ حَتَّى مَنْ لَا شَوْكَةَ لَهُ وَلَا حَرْبَ) دَفْعًا لِضَرَرِهِمْ عَنْ أَهْلِ الْعَدْلِ ; لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَحْصُلُ مِنْهُمْ مُسَاعَدَةُ الْمُقَاتِلَةِ وَفِي حَبْسِهِمْ كَسْرُ قُلُوبِ الْبُغَاةِ
(وَإِذَا انْقَضَتْ) الْحَرْبُ (فَمَنْ وَجَدَ مِنْهُمْ) أَيْ الْبُغَاةِ (مَالَهُ بِيَدِ غَيْرِهِ) مِنْ أَهْلِ عَدْلٍ وَبَغْيٍ (أَخَذَهُ) مِنْهُمْ لِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ كَأَمْوَالِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ اغْتِنَامُهَا لِبَقَاءِ مِلْكِهِمْ عَلَيْهَا، وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الْجَمَلِ: مَنْ عَرَفَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ مَعَ أَحَدٍ فَلْيَأْخُذْهُ فَعَرَفَ بَعْضُهُمْ قِدْرًا مَعَ أَصْحَابِ عَلِيٍّ وَهُوَ يَطْبُخُ فِيهَا فَسَأَلَهُ إمْهَالَهُ حَتَّى يَنْضَجَ الطَّبِيخُ فَأَبَى وَكَبَّهُ وَأَخَذَهَا
(وَلَا يَضْمَنُ بُغَاةٌ مَا أَتْلَفُوهُ) عَلَى أَهْلِ عَدْلٍ حَالَ حَرْبٍ (كَ) مَا لَا يَضْمَنُ (أَهْلُ عَدْلٍ) مَا أَتْلَفُوهُ لِبُغَاةٍ حَالَ حَرْبٍ لِأَنَّ عَلِيًّا لَمْ يُضَمِّنْ الْبُغَاةَ مَا أَتْلَفُوهُ حَالَ الْحَرْبِ، مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ قَالَ الزُّهْرِيُّ هَاجَتْ الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَوَافِرُونَ فَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يُقَادُ وَاحِدٌ وَلَا يُؤْخَذُ مَالٌ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ إلَّا مَا وُجِدَ. ذَكَرَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ مُحْتَجًّا بِهِ (وَيَضْمَنَانِ) أَيْ أَهْلُ الْعَدْلِ وَالْبُغَاةُ (مَا أَتْلَفَاهُ فِي غَيْرِ حَرْبٍ) أَيْ يَضْمَنُ كُلٌّ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ فِي غَيْرِ حَرْبٍ ; لِإِتْلَافِهِ مَعْصُومًا بِلَا حَقٍّ وَلَا ضَرُورَةِ دَفْعٍ
(وَمَا أَخَذُوا) أَيْ الْبُغَاةُ (حَالَ امْتِنَاعِهِمْ) عَنْ أَهْلِ الْعَدْلِ، أَيْ: حَالَ شَوْكَتِهِمْ (مِنْ زَكَاةٍ وَخَرَاجٍ وَجِزْيَةٍ اُعْتُدَّ بِهِ) لِدَافِعِهِ إلَيْهِمْ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ثَانِيًا إذَا ظَفِرَ بِهِ أَهْلُ الْعَدْلِ لِأَنَّ عَلِيًّا لِمَا ظَفِرَ عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ لَمْ يُطَالِبْهُمْ بِشَيْءٍ مِمَّا جَبَاهُ الْبُغَاةُ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَسَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ يَأْتِيهِمْ سَاعِي نَجْدَةَ الْحَرُورِيُّ فَيَدْفَعُونَ إلَيْهِ زَكَاتَهُمْ وَلِأَنَّ فِي تَرْكِ الِاحْتِسَابِ بِذَلِكَ ضَرَرًا عَظِيمًا عَلَى الرَّعَايَا
(وَيُقْبَلُ بِلَا يَمِينٍ) مِمَّنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ (دَعْوَى دَفْعِ زَكَاةٍ إلَيْهِمْ) أَيْ الْبُغَاةِ كَدَعْوَى دَفْعِهَا إلَى الْفُقَرَاءِ وَلِأَنَّهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُسْتَحْلَفُ عَلَيْهَا كَالصَّلَاةِ وَ (لَا)