الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ الْإِقْرَارِ]
الْإِقْرَارُ وَهُوَ الِاعْتِرَافُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَقَرِّ وَهُوَ الْمَكَانُ، كَأَنَّ الْمُقِرَّ جَعَلَ الْحَقَّ فِي مَوْضِعِهِ وَأَجْمَعُوا عَلَى صِحَّةِ الْإِقْرَارِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلِأَنَّهُ إخْبَارٌ بِالْحَقِّ عَلَى وَجْهٍ مَنْفِيَّةٍ مِنْهُ التُّهْمَةُ وَالرِّيبَةُ، فَإِنَّ الْعَاقِلَ لَا يَكْذِبُ عَلَى نَفْسِهِ كَذِبًا يَضُرُّهَا، فَلِهَذَا قُدِّمَ عَلَى الشَّهَادَةِ فَلَا تُسْمَعُ مَعَ إقْرَارِ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَلَوْ أَكْذَبَ مُدَّعٍ بَيِّنَةً لَمْ تُسْمَعْ وَلَوْ أَنْكَرَ. ثُمَّ أَقَرَّ سُمِعَ إقْرَارُهُ (وَهُوَ) أَيْ الْإِقْرَارُ شَرْعًا (إظْهَارُ مُكَلَّفٍ) لَا صَغِيرٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ لَهُ وَمَجْنُونٍ لِحَدِيثِ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ» وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فَلَمْ يَصِحَّ كَفِعْلِهِ (مُخْتَارٍ) لِمَفْهُومِ «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» ، وَكَالْبَيْعِ (مَا) أَيْ حَقًّا (عَلَيْهِ) مِنْ دَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ (بِلَفْظٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ إشَارَةِ أَخْرَسَ أَوْ) إظْهَارِ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ مَا (عَلَى مُوَكِّلِهِ) فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ (أَوْ) مَا عَلَى (مُوَلِّيهِ) مِمَّا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ كَإِقْرَارِهِ بِبَيْعِ عَيْنِ مَالِهِ وَنَحْوِهِ لَا بِدَيْنٍ عَلَيْهِ (أَوْ) مَا عَلَى (مُوَرِّثِهِ بِمَا) أَيْ شَيْءٍ (يُمْكِنُ صِدْقُهُ) بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً وَسِنُّهُ عِشْرُونَ فَمَا دُونَهَا (وَلَيْسَ) الْإِقْرَارُ (بِإِنْشَاءٍ) بَلْ إخْبَارٍ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (فَيَصِحُّ) الْإِقْرَارُ (وَلَوْ مَعَ إضَافَةِ) الْمُقِرِّ (الْمِلْكَ إلَيْهِ) كَقَوْلِهِ " عَبْدِي هَذَا وَدَارِي لِزَيْدٍ " إذْ الْإِضَافَةُ تَكُونُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ فَلَا تُنَافِي الْإِقْرَارَ بِهِ
(وَ) يَصِحُّ الْإِقْرَارُ وَلَوْ (مِنْ سَكْرَانَ) وَكَذَا مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِمَعْصِيَةٍ كَمَنْ شَرِبَ مَا يُزِيلُهُ عَمْدًا بِلَا حَاجَةٍ إلَيْهِ كَطَلَاقِهِ وَبَيْعِهِ (أَوْ) مِنْ (أَخْرَسَ بِإِشَارَةٍ مَعْلُومَةٍ) لِقِيَامِهَا مَقَامَ نُطْقِهِ كَكِتَابَتِهِ. وَلَا يَصِحُّ مِنْ نَاطِقٍ بِإِشَارَةٍ (أَوْ) مِنْ (صَغِيرٍ) مُمَيِّزٍ (أَوْ قِنٍّ أُذِنَ لَهُمَا فِي تِجَارَةٍ فِي قَدْرِ مَا أَذِنَ لَهُمَا فِيهِ) مِنْ
الْمَالِ لِفَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُمَا فِيهِ وَ (لَا) يَصِحُّ الْإِقْرَارُ مِنْ (مُكْرَهٍ عَلَيْهِ) لِلْخَبَرِ (وَلَا) يَصِحُّ الْإِقْرَارُ (بِإِشَارَةِ مُعْتَقَلٍ لِسَانُهُ) لِأَنَّهُ كَالنَّاطِقِ لِكَوْنِهِ يُرْتَجَى نُطْقُهُ وَيُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ أَنْ يَكُونَ (بِمُتَصَوَّرٍ مِنْ مُقِرٍّ الْتِزَامُهُ) وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ بِمَا يُمْكِنُ صِدْقُهُ فَلَوْ أَقَرَّ بِمَجْهُولٍ نَسَبُهُ أَنَّهُ ابْنُهُ وَهُوَ فِي سِنِّهِ أَوْ أَكْبَرَ مِنْهُ وَنَحْوَهُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى إقْرَارِهِ (بِشَرْطِ كَوْنِهِ) إنْ كَانَ عَيْنًا (بِيَدِهِ) أَيْ الْمُقِرِّ (وَوِلَايَتِهِ وَاخْتِصَاصِهِ) أَيْ أَوْ وَوِلَايَتِهِ أَوْ اخْتِصَاصِهِ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ وَ (لَا) يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُقِرِّ بِهِ (مَعْلُومًا) فَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِالْمَجْهُولِ وَيَأْتِي
(وَتُقْبَلُ) مِنْ مُقِرٍّ وَنَحْوِهِ (دَعْوَى إكْرَاهٍ) عَلَى إقْرَارٍ (بِقَرِينَةٍ) دَالَّةٍ عَلَى إكْرَاهٍ (كَتَوْكِيلٍ بِهِ) أَيْ تَرْسِيمٍ عَلَيْهِ أَوْ سِجْنِهِ (أَوْ أَخْذِ مَالِهِ أَوْ تَهْدِيدِ قَادِرٍ) عَلَى مَا هَدَّدَ بِهِ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ وَنَحْوِهِ، لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَيْهِ. قَالَ فِي النُّكَتِ: وَعَلَى هَذَا تَحْرُمُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ وَكَتْبُ حُجَّةٍ عَلَيْهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْحَالِ.
وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: " لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِأَمَارَةِ الْإِكْرَاهِ اسْتَفَادَ بِهَا أَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ (وَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ إكْرَاهٍ عَلَى) بَيِّنَةِ (طَوَاعِيَةٍ) لِأَنَّ مَعَ بَيِّنَةِ الْإِكْرَاهِ زِيَادَةَ عِلْمٍ (وَلَوْ قَالَ مَنْ) أَيْ مُقِرٌّ (ظَاهِرُ الْإِكْرَاهِ) لِتَوْكِيلٍ وَنَحْوَهُ (عَلِمْتُ أَنِّي لَوْ لَمْ أُقِرَّ أَيْضًا أَطْلَقُونِي فَلَمْ أَكُنْ مُكْرَهًا لَمْ يَصِحَّ) مِنْهُ ذَلِكَ (لِأَنَّهُ ظَنٌّ مِنْهُ فَلَا يُعَارَضُ بِيَقِينِ الْإِكْرَاهِ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ أَقَرَّ طَوْعًا وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ فِيمَنْ تَقَدَّمَ إلَى سُلْطَانٍ فَهَدَّدَهُ فَيُدْهَشُ فَيُقِرُّ فَيُؤْخَذُ بِهِ فَيَرْجِعُ وَيَقُولُ: هَدَّدَنِي وَدُهِشْتُ يُؤْخَذُ. وَمَا عَلِمَهُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْجَزَعِ وَالْفَزَعِ.
(وَمَنْ أُكْرِهَ لِيُقِرَّ بِدِرْهَمٍ فَأَقَرَّ بِدِينَارٍ أَوْ) أُكْرِهَ لِيُقِرَّ (لِزَيْدٍ فَأَقَرَّ لِعَمْرٍو) أَوْ عَلَى أَنْ يُقِرَّ بِدَارٍ فَأَقَرَّ بِدَابَّةٍ وَنَحْوِهِ حَيْثُ أَقَرَّ بِغَيْرِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ صَحَّ إقْرَارُهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ لَمْ يُكْرَهْ عَلَيْهِ (أَوْ) أُكْرِهَ (عَلَى وَزْنِ مَالٍ) بِحَقٍّ أَوْ غَيْرِهِ (فَبَاعَ دَارِهِ وَنَحْوَهَا) كَثَوْبٍ (فِي ذَلِكَ) الْمَالِ الَّذِي أُكْرِهَ عَلَى وَزْنِهِ (صَحَّ) الْبَيْعُ نَصًّا لِأَنَّهُ لَمْ يُكْرَهْ عَلَيْهِ (وَكُرِهَ الشِّرَاءُ مِنْهُ) أَيْ مِمَّنْ أُكْرِهَ عَلَى وَزْنِ مَالٍ لِأَنَّهُ كَالْمُضْطَرِّ إلَيْهِ لِلْخِلَافِ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ
(وَيَصِحُّ إقْرَارُ صَبِيٍّ أَنَّهُ بَلَغَ بِاحْتِلَامٍ إذَا بَلَغَ عَشْرًا) مِنْ السِّنِينَ يَعْنِي تَمَّتْ لَهُ وَمِثْلُهُ جَارِيَةٌ تَمَّ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ بَلَغَ بِاحْتِلَامٍ فِي وَقْتِ إمْكَانِهِ صُدِّقَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي إذَا لَمْ يُعْلَمْ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ (وَلَا يُقْبَلُ) قَوْلُهُ أَنَّهُ بَلَغَ (بِسِنٍّ) أَيْ تَمَّ لَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً (إلَّا بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُ عِلْمُهُ مِنْ
غَيْرِ جِهَتِهِ (وَإِنْ أَقَرَّ) مَنْ جَهِلَ بُلُوغَهُ حَالَ إقْرَارِهِ (بِمَالٍ وَقَالَ بَعْدَ) تَيَقُّنِ (بُلُوغِهِ لَمْ أَكُنْ حِينَ إقْرَارِي بَالِغًا لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ ذَلِكَ وَلَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُقُوعُهُ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ.
وَكَذَا لَوْ قَالَ: كُنْتُ حِينَ الْبَيْعِ صَبِيًّا أَوْ غَيْرَ مَأْذُونٍ لِي وَنَحْوَهُ، وَأَنْكَرَ مُشْتَرٍ وَتَقَدَّمَ مَنْ أَسْلَمَ أَبُوهُ فَادَّعَى أَنَّهُ بَالِغٌ فَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ، وَأَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَمْ يُقِرَّ بِالْبُلُوغِ إلَى حِينِ الْإِسْلَامِ فَقَدْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ قَبْلَ الْإِقْرَارِ بِالْبُلُوغِ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا ادَّعَتْ الزَّوْجَةُ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ بَعْدَ أَنْ ارْتَجَعَهَا. قَالَ: وَهَذَا يَجِيءُ فِي كُلِّ مَنْ أَقَرَّ بِالْبُلُوغِ بَعْدَ حَقٍّ ثَبَتَ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ مِثْلُ الْإِسْلَامِ وَثُبُوتِ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ تَبَعًا لِأَبِيهِ، أَوْ ادَّعَى الْبُلُوغَ بَعْدَ تَصَرُّفِ الْوَلِيِّ وَكَانَ رَشِيدًا أَوْ بَعْدَ تَزْوِيجِ وَلِيٍّ أَبْعَدَ مِنْهُ
(وَإِنْ أَقَرَّ مَنْ شَكَّ فِي بُلُوغِهِ ثُمَّ أَنْكَرَ بُلُوغَهُ حَالَ الشَّكِّ صُدِّقَ) فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّغَرُ (بِلَا يَمِينٍ) لِأَنَّا حَكَمْنَا بِعَدَمِ بُلُوغِهِ (وَإِنْ ادَّعَى) مَنْ أَنْبَتَ وَقَدْ بَاعَ أَوْ أَقَرَّ وَنَحْوَهُ أَوْ لَا (أَنَّهُ أَنْبَتَ بِعِلَاجٍ أَوْ دَوَاءٍ لَا بِبُلُوغٍ لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ ذَلِكَ وَحُكِمَ بِبُلُوغِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا يَدَّعِيهِ
(وَمَنْ ادَّعَى جُنُونًا) حَالَ إقْرَارِهِ أَوْ بَيْعِهِ أَوْ طَلَاقِهِ وَنَحْوِهِ لِإِبْطَالِ مَا وَقَعَ مِنْهُ (لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ ذَلِكَ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: يُقْبَلُ إنْ عُهِدَ مِنْهُ جُنُونٌ فِي بَعْضِ أَوَانِهِ وَإِلَّا فَلَا.
وَفِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ قَبُولُهُ مِمَّنْ غَلَبَ عَلَيْهِ
(وَالْمَرِيضُ وَلَوْ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِوَارِثٍ) قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنْ صُورَةِ الْإِقْرَارِ بِوَارِثٍ هَلْ مَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ: هَذَا وَارِثِي وَلَا يَذْكُرُ سَبَبَ إرْثِهِ أَوْ مَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا أَخِي أَوْ عَمِّي أَوْ ابْنِي أَوْ مَوْلَايَ فَيَذْكُرُ سَبَبَ الْإِرْثِ، وَحِينَئِذٍ إذَا كَانَ نَسَبًا اُعْتُبِرَ بِالْإِمْكَانِ وَالتَّصْدِيقِ وَأَنْ لَا يَدْفَعَ نَسَبًا انْتَهَى. قُلْتُ: تَقَدَّمَ عَنْ الْأَزَجِيِّ أَنَّهُ يَكْفِي فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ أَنَّهُ وَارِثُهُ بِلَا بَيَانِ سَبَبٍ لِأَنَّ أَدْنَى حَالَاتِهِ إرْثُهُ بِالرَّحِمِ وَهُوَ ثَابِتٌ عَلَى أَصْلِنَا. فَالْإِقْرَارُ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَصِحُّ بِالْمَجْهُولِ
(وَ) يَصِحُّ إقْرَارُ مَرِيضٍ وَلَوْ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ (بِأَخْذِ دَيْنٍ مِنْ غَيْرِ وَارِثِهِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي حَقِّهِ.
(وَ) يَصِحُّ إقْرَارُهُ (بِمَالٍ لَهُ) أَيْ لِغَيْرِ وَارِثِهِ لِمَا تَقَدَّمَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّ حَالَةَ الْمَرَضِ أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِيَاطِ لِنَفْسِهِ بِمَا يُرَادُ مِنْهُ وَتَحَرَّى الصِّدْقَ فَكَانَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ لِوَارِثٍ فَإِنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ (وَلَا يُحَاصُّ مُقَرٌّ لَهُ) فِي مَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ (غُرَمَاءَ الصِّحَّةِ) أَيْ مَنْ أَقَرَّ لَهُمْ حَالَ صِحَّتِهِ، بَلْ يَبْدَأُ
بِهِمْ سَوَاءٌ أَخْبَرَ بِلُزُومِهِ لَهُ قَبْلَ الْمَرَضِ أَوْ بَعْدَهُ لِإِقْرَارِهِ بَعْدَ تَعَلُّقِ الْحَقِّ بِتَرِكَتِهِ كَإِقْرَارِ مُفْلِسٍ بِدَيْنٍ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ (لَكِنْ لَوْ أَقَرَّ) مَرِيضٌ (فِي مَرَضِهِ بِعَيْنٍ ثُمَّ بِدَيْنٍ أَوْ عَكْسِهِ) بِأَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ ثُمَّ بِعَيْنٍ (فَرَبُّ الْعَيْنِ أَحَقُّ بِهَا) مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ، لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالدَّيْنِ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَبِالْعَيْنِ يَتَعَلَّقُ بِذَاتِهَا فَهُوَ أَقْوَى وَلِهَذَا لَوْ أَرَادَ بَيْعَهَا لَمْ يَصِحَّ وَمُنِعَ مِنْهُ لِحَقِّ رَبِّهَا
(وَلَوْ أَعْتَقَ) مَرِيضٌ مَرَضَ مَوْتٍ مَخُوفٍ (عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ أَوْ وَهَبَهُ ثُمَّ أَقَرَّ بِدَيْنٍ نَفَذَ عِتْقُهُ وَهِبَتُهُ) لِلْعَبْدِ (وَلَمْ يُنْقَضَا بِإِقْرَارِهِ بَعْدُ) نَصًّا لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مُنَجَّزٌ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ مَالٍ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهَا فَلَا يَنْقُضُهُ مَا تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ أَوْ وَهَبَ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ فِي حَقِّ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَلَمْ يَنْقُضْ الدَّيْنُ عِتْقَهُ وَهِبَتَهُ كَالصَّحِيحِ.
(وَإِنْ أَقَرَّ) الْمَرِيضُ (بِمَالٍ لِوَارِثٍ لَمْ يُقْبَلْ) إقْرَارُهُ بِهِ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إجَازَةِ) بَاقِي (الْوَرَثَةِ) كَالْعَطِيَّةِ وَلِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ فَلَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ لَهُ، لَكِنْ يَلْزَمُهُ الْإِقْرَارُ إنْ كَانَ حَقًّا وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ (فَلَوْ أَقَرَّ) الْمَرِيضُ (لِزَوْجَتِهِ بِمَهْرِ مِثْلِهَا لَزِمَهُ) نَصًّا (بِالزَّوْجِيَّةِ) إلَّا بِمُقْتَضَى أَنَّهَا زَوْجَتُهُ لِدَلَالَتِهَا عَلَى الْمَهْرِ وَوُجُوبِهِ عَلَيْهِ فَإِقْرَارُهُ إخْبَارٌ بِأَنَّهُ لَمْ يُوَفِّهِ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِبَيِّنَةٍ فَأَخْبَرَ بِبَقَائِهِ بِذِمَّتِهِ وَ (لَا) يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ (بِإِقْرَارِهِ) لِأَنَّهُ إقْرَارٌ لِوَارِثٍ وَإِنْ أَقَرَّ لَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا رَجَعَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِالْعَقْدِ عَلَيْهِ أَوْ يُجِيزُوا لَهَا.
(وَإِنْ أَقَرَّ) الْمَرِيضُ (لَهَا) أَيْ لِزَوْجَتِهِ (بِدَيْنٍ ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا) أَوَّلًا (لَمْ يُقْبَلْ) إقْرَارُهُ لَهَا لِمَا تَقَدَّمَ كَمَا لَوْ بَيَّنَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ
(وَإِنْ أَقَرَّتْ) مَرِيضَةٌ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ (أَنَّهَا لَا مَهْرَ لَهَا) أَيْ عَلَى زَوْجِهَا (لَمْ يَصِحَّ) إقْرَارُهَا لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ لِوَارِثٍ فِي الْمَرَضِ فَلِوَرَثَتِهَا مُطَالَبَتُهُ بِمَهْرِهَا (إلَّا أَنْ يُقِيمَ) الزَّوْجُ (بَيِّنَةً بِأَخْذِهِ) أَيْ الْمَهْرِ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ (أَوْ) يُقِيمَ بَيِّنَةً بِ (إسْقَاطِهِ) بِنَحْوِ حَوَالَةٍ وَكَذَا بِإِبْرَاءٍ فِي غَيْرِ مَرَضِ مَوْتِهَا الْمَخُوفِ (وَكَذَا حُكْمُ كُلِّ دَيْنٍ ثَابِتٍ عَلَى وَارِثٍ) إذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِبَرَاءَتِهِ مِنْهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمَدِينُ بَيِّنَةً بِأَخْذِهِ أَوْ إسْقَاطِهِ.
(وَإِنْ أَقَرَّ) الْمَرِيضُ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ (لِوَارِثٍ وَأَجْنَبِيٍّ صَحَّ) إقْرَارُهُ (لَلْأَجْنَبِيِّ) بِحِصَّتِهِ دُونَ الْوَارِثِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِلَفْظَتَيْنِ أَوْ كَمَا لَوْ جَحَدَ الْأَجْنَبِيُّ شَرِكَةَ الْوَارِثِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ أَقْوَى مِنْهَا وَلِذَلِكَ لَمْ تُعْتَبَرْ لَهُ الْعَدَالَةُ وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِشَيْءٍ يَتَضَمَّنُ دَعْوَى عَلَى غَيْرِهِ