الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَلِأَنَّ فِي إخْدَامِهَا غَيْرَهَا تَوْفِيرًا لَهَا عَلَى حُقُوقِهِ وَتَرَفُّهًا لَهُ وَرَفْعًا لِقَدْرِهَا، وَذَلِكَ يَفُوتُ بِخِدْمَةِ نَفْسِهَا، وَأَمَّا الزَّوْجَةُ فَلِأَنَّ غَرَضَهَا مِنْ الْخِدْمَةِ قَدْ لَا يَحْصُلُ بِهِ ; لِأَنَّهَا تَحْتَشِمُهُ وَفِيهِ غَضَاضَةٌ عَلَيْهَا.
(وَيَلْزَمُهُ) لِزَوْجَتِهِ (مُؤْنِسَةٌ لِحَاجَةٍ) كَخَوْفِ مَكَانِهَا، وَعَدُوٍّ تَخَافُ عَلَى نَفْسِهَا مِنْهُ. ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ إقَامَتُهَا بِمَكَانٍ لَا تَأْمَنُ فِيهِ عَلَى نَفْسِهَا، وَتَعْيِينُ الْمُؤْنِسَةِ إلَى الزَّوْجِ، وَيَكْتَفِي هُوَ بِتَوْنِيسِهِ هُوَ لَهَا وَ (لَا) يَلْزَمُهُ (أُجْرَةُ مَنْ يُوَضِّئُ) زَوْجَةً (مَرِيضَةً) ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حَوَائِجِهَا الْمُعْتَادَةِ (بِخِلَافِ رَقِيقِهِ) الْمَرِيضِ فَيَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مَنْ يُوَضِّئُهُ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْوُضُوءُ بِنَفْسِهِ ; لِأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ لِتَمَلُّكِهِ إيَّاهُ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ فَهِيَ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِهَا وَلَا دَخْلَ لِلْوُضُوءِ فِيهِ.
[فَصْلٌ الْوَاجِبُ عَلَى زَوْجٍ دَفْعُ قُوتٍ]
وَالْوَاجِبُ عَلَى زَوْجٍ دَفْعُ قُوتٍ مِنْ خُبْزٍ وَأُدْمٍ وَنَحْوَهُ لِزَوْجَةٍ وَخَادِمِهَا وَكُلِّ مَنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ (لَا) دَفْعُ (بَدَلِهِ) أَيْ الْقُوتِ مِنْ نَقْدٍ أَوْ فُلُوسٍ، وَلَا يَلْزَمُهَا قَبُولٌ ; لِأَنَّهُ ضَرَرٌ عَلَيْهَا لِحَاجَتِهَا إلَى مَا يَشْتَرِيهِ لَهَا وَقَدْ لَا يَحْصُلُ أَوْ فِيهِ مَشَقَّةٌ بِخُرُوجِهَا لَهُ أَوْ تَكْلِيفُ مَنْ يَمُنُّ عَلَيْهَا بِهِ (وَلَا) دَفْعُ (حَبٍّ) وَلَا يَلْزَمُهَا قَبُولٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْلِيفِهَا طَحْنَهُ وَعَجْنَهُ وَخَبْزَهُ. وَلِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي قَوْله تَعَالَى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] قَالَ: الْخُبْزُ وَالزَّيْتُ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: الْخُبْزُ وَالسَّمْنُ وَالْخُبْزُ وَالزَّيْتُ وَالْخُبْزُ وَالتَّمْرُ، وَأَفْضَلُ مَا تُطْعِمُونَهُنَّ الْخُبْزُ وَاللَّحْمُ وَلِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالْإِيجَابِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ وَلَا تَقْيِيدٍ فَرَجَعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ، وَهُوَ دَفْعُ الْقُوتِ وَكَنَفَقَةِ الْمَمَالِيكِ فَإِنْ طَلَبَتْ مَكَانَ الْخُبْزِ حَبًّا أَوْ دَقِيقًا أَوْ دَرَاهِمَ لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ (وَيَكُونُ) الدَّفْعُ (أَوَّلَ نَهَارِ كُلِّ يَوْمٍ) أَيْ عِنْدَ طُلُوعِ شَمْسِهِ ; لِأَنَّهُ أَوَّلُ وَقْتِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْهُ (وَيَجُوزُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ تَعْجِيلٍ وَتَأْخِيرٍ) عَنْ وَقْتِ وُجُوبٍ (وَ) مِنْ (دَفْعِ عِوَضٍ) كَدَرَاهِمَ عَنْ نَفَقَةٍ أَوْ كِسْوَةٍ ; لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ عَنْهُ بَعْدَ التَّرَاضِي فِي الْمُسْتَقْبَلِ (وَلَا يُجْبَرُ مَنْ أَبَى) مِنْهُمَا ذَلِكَ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ.
(وَلَا يَمْلِكُ حَاكِمٌ) تَرَافَعَ إلَيْهِ زَوْجَانِ (فَرْضَ غَيْرِ الْوَاجِبِ كَدَرَاهِمَ مَثَلًا إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ فَلَا يُجْبَرُ مَنْ امْتَنَعَ مِنْهُمَا قَالَ فِي الْهَدْيِ أَمَّا فَرْضُ الدَّرَاهِمِ فَلَا أَصْلَ لَهُ فِي كِتَابٍ
وَلَا سُنَّةٍ وَلَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ ; لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ بِغَيْرِ الرِّضَا عَنْ غَيْرِ مُسْتَقِرٍّ (وَفِي الْفُرُوعِ) وَهَذَا مُتَّجِهٌ مَعَ عَدَمِ الشِّقَاقِ وَعَدَمِ الْحَاجَةِ (فَأَمَّا مَعَ الشِّقَاقِ وَالْحَاجَةِ كَالْغَائِبِ مَثَلًا فَيَتَوَجَّهُ الْفَرْضُ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى) قَطْعًا لِلنِّزَاعِ (وَلَا يُعْتَاضُ عَنْ) الْوَاجِبِ (الْمَاضِي بِرِبَوِيٍّ) كَأَنْ عَوَّضَهَا عَنْ الْخُبْزِ حِنْطَةً أَوْ دَقِيقُهَا فَلَا يَصِحُّ وَلَوْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ رِبًا
(وَ) الْوَاجِبُ دَفْعُ (كِسْوَةٍ وَغِطَاءٍ وَوِطَاءٍ وَنَحْوِهِمَا) كَسِتَارَةٍ يُحْتَاجُ إلَيْهَا (أَوَّلَ كُلِّ عَامٍ مِنْ زَمَنِ الْوُجُوبِ) ; لِأَنَّهُ أَوَّلُ وَقْتِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ فَيُعْطِيهَا السَّنَةَ ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَرْدِيدُ الْكِسْوَةِ شَيْئًا فَشَيْئًا بَلْ هُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ يُسْتَدَامُ إلَى أَنْ يَبْلَى
(وَتَمْلِكُ) زَوْجَةٌ (ذَلِكَ) أَيْ وَاجِبَ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ (بِقَبْضٍ) كَمَا يَمْلِكُ رَبُّ الدَّيْنِ بِقَبْضِهِ (فَلَا بَدَلَ) عَلَى زَوْجٍ (لِمَا سُرِقَ) مِنْ ذَلِكَ (أَوْ بَلِيَ) مِنْهُ كَالدَّيْنِ يَفِيهِ فَيَضِيعُ مِنْ قَابِضِهِ (وَ) تَمْلِكُ (التَّصَرُّفَ فِيهِ) أَيْ مَا قَبَضَتْهُ مِنْ وَاجِبِ نَفَقَتِهَا وَكِسْوَتِهَا عَلَى زَوْجِهَا (عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِهَا) وَلَا يُنْهِكُ بَدَنَهَا مِنْ بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَنَحْوِهِ كَسَائِرِ مَالِهَا فَإِنْ ضَرَّ ذَلِكَ بِبَدَنِهَا أَوْ نَقَصَ فِي اسْتِمْتَاعِهِ بِهَا لَمْ تَمْلِكْهُ بَلْ تُمْنَعُ مِنْهُ لِتَفْوِيتِ حَقِّ زَوْجِهَا بِهِ.
(وَإِنْ أَكَلَتْ) زَوْجَةٌ (مَعَهُ) أَيْ زَوْجِهَا (عَادَةً أَوْ كَسَاهَا بِلَا إذْنٍ) مِنْهَا أَوْ مِنْ وَلِيُّهَا وَكَانَ ذَلِكَ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ (سَقَطَتْ) نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا عَمَلًا بِالْعُرْفِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بَعْدَ فَرْضِ نَحْوِ دَرَاهِمَ عَنْ نَفَقَتِهَا فَإِنْ ادَّعَتْ تَبَرُّعَهُ بِذَلِكَ حَلَفَ (وَمَتَى انْقَضَى الْعَامُ وَالْكِسْوَةُ) الَّتِي قَبَضَتْهَا لَهُ (بَاقِيَةٌ فَعَلَيْهِ كِسْوَةٌ لِ) الْعَامِ (الْجَدِيدِ) اعْتِبَارًا بِمُضِيِّ الزَّمَانِ دُونَ حَقِيقَةِ الْحَاجَةِ كَمَا أَنَّهَا لَوْ بَلِيَتْ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ بَدَلُهَا وَلَوْ أَهْدَى إلَيْهَا كِسْوَةً لَمْ تَسْقُطْ كِسْوَتُهَا وَكَذَا لَوْ أَهْدَى إلَيْهَا مَا أَكَلَتْهُ وَبَقِيَ قُوتُهَا إلَى الْغَدِ لَمْ يَسْقُطْ قُوتُهَا فِيهِ بِخِلَافِ مَاعُونٍ وَنَحْوِهِ كَمُشْطٍ إذَا انْقَضَى الْعَامُ وَهُوَ بَاقٍ فَلَا يَلْزَمُهُ بَدَلُهُ اعْتِبَارًا لِحَقِيقَةِ الْحَاجَةِ ; لِأَنَّهُ امْتِنَاعٌ وَأَلْحَقَ بِهِ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ غِطَاءً وَوِطَاءً، وَقَوَّاهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ.
(وَإِنْ قَبَضَتْهَا) أَيْ الْكِسْوَةَ (ثُمَّ مَاتَ) الزَّوْجُ قَبْلَ مُضِيِّ الْعَامِ (أَوْ مَاتَتْ) قَبْلَ مُضِيِّهِ (أَوْ بَانَتْ قَبْلَ مُضِيِّهِ رَجَعَ بِقِسْطِ مَا بَقِيَ) مِنْ الْعَامِ لِتَبَيُّنِ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهَا لَهُ (وَكَذَا نَفَقَةٌ تَعَجَّلَهَا) بِأَنْ دَفَعَ إلَيْهَا نَفَقَةَ مُدَّةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ ثُمَّ مَاتَ أَوْ مَاتَتْ أَوْ بَانَتْ قَبْلَ مُضِيِّهَا فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِقِسْطِ مَا بَقِيَ (لَكِنْ لَا يَرْجِعُ) زَوْجٌ عَجَّلَ نَفَقَةً (بِبَقِيَّةِ) نَفَقَةٍ (يَوْمَ الْفُرْقَةِ) لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ بِطُلُوعِ نَهَارِهِ فَإِنْ أَعَادَهَا فِي ذَلِكَ