الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَالْحَرْبِيِّ الْأَصْلِيِّ وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ الْحَاكِمُ بِمَا يَرَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ
(وَلَوْ ارْتَدَّ أَهْلُ بَلَدٍ وَجَرَى فِيهِ حُكْمُهُمْ) أَيْ الْمُرْتَدِّينَ كَالدُّرُوزِ (فَ) هُمْ كَأَهْلِ (دَارِ حَرْبٍ يُغْنَمُ مَالُهُمْ وَ) يُغْنَمُ (وَلَدٌ حَدَثَ) مِنْهُمْ (بَعْدَ الرِّدَّةِ) وَعَلَى الْإِمَامِ قِتَالُهُمْ لِأَنَّهُمْ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْكُفَّارِ الْأَصْلِيِّينَ لِأَنَّ تَرْكَهُمْ رُبَّمَا أَغْرَى أَمْثَالَهُمْ بِالتَّشَبُّهِ بِهِمْ، وَقَاتَلَ الصِّدِّيقُ بِجَمَاعَةِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَهْلَ الرِّدَّةِ وَإِذَا قَاتَلَهُمْ قَتَلَ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ وَيُقْتَلُ مُدْبِرُهُمْ وَيُجْهَزُ عَلَى جَرِيحِهِمْ
(وَيُؤْخَذُ مُرْتَدٌّ بِحَدٍّ) أَيْ: مَا يُوجِبُهُ كَزِنًا وَقَذْفٍ وَسَرِقَةٍ (أَتَاهُ فِي رِدَّتِهِ) وَإِنْ أَسْلَمَ نَصًّا لِأَنَّ الرِّدَّةَ لَا تَزِيدُهُ إلَّا تَغْلِيظًا
وَ (لَا) يُؤْخَذُ (بِقَضَاءِ مَا تَرَكَ فِيهَا) أَيْ الرِّدَّةِ (مِنْ عِبَادَةٍ) كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَزَكَاةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَلَمْ يَأْمُرْ الصِّدِّيقُ الْمُرْتَدِّينَ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُمْ وَكَالْحَرْبِيِّ
(وَإِنْ لَحِقَ زَوْجَانِ مُرْتَدَّانِ بِدَارِ حَرْبٍ لَمْ يُسْتَرَقَّا) وَلَا أَحَدُهُمَا، لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى كُفْرِهِ بَلْ يُقْتَلُ بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ (وَلَا) يُسْتَرَقُّ (مِنْ وَلَدِهِمَا) أَيْ: الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ رِدَّةٍ إذَا ارْتَدَّا وَلَحِقَا بِدَارِ حَرْبٍ (أَوْ) أَيْ: وَلَا يُسْتَرَقُّ (حَمْلٌ) مِنْهُمَا حَمَلَتْ بِهِ (قَبْلَ رِدَّةٍ) لِلْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ قَبْلَ الرِّدَّةِ وَلَا يَتْبَعُهُمَا فِي الرِّدَّةِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو، ثُمَّ إنْ ثَبَتُوا عَلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ كِبَرِهِمْ فَمُسْلِمُونَ (وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمْ قُتِلَ) بَعْدَ أَنْ يُسْتَتَابَ كَآبَائِهِمْ (وَيَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ) الْوَلَدِ (الْحَادِثِ فِيهَا) أَيْ رِدَّةِ زَوْجَيْنِ لَحِقَا بِدَارٍ حَرْبٍ لِأَنَّهُ كَافِرٌ وُلِدَ بَيْنَ كَافِرَيْنِ وَلَيْسَ بِمُرْتَدٍّ نَصًّا (وَ) يَجُوزُ أَنْ (يُقَرَّ عَلَى كُفْرٍ بِجِزْيَةٍ) كَأَوْلَادِ الْحَرْبِيِّينَ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي جَوَازِ الِاسْتِرْقَاقِ انْتَهَى.
[فَصْلُ فِي السِّحْرِ]
ِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَهُوَ عُقَدٌ وَرُقًى وَكَلَامٌ يَتَكَلَّمُ بِهِ فَاعِلُهُ أَوْ يَكْتُبُهُ أَوْ يَعْمَلُ شَيْئًا يُؤَثِّرُ فِي بَدَنِ مَسْحُورٍ أَوْ قَلْبِهِ أَوْ عَقْلِهِ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ لَهُ، وَلَهُ حَقِيقَةٌ فَمِنْهُ مَا يَقْتُلُ وَمِنْهُ مَا يُمْرِضُ وَمِنْهُ مَا يَأْخُذُ الرَّجُلَ عَنْ امْرَأَتِهِ فَيَمْنَعُهُ عَنْ وَطْئِهَا، وَمِنْهُ مَا يُفَرِّقُ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ، وَمَا يُبَغِّضُ أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ وَيُحَبِّبُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102]- إلَى قَوْلِهِ - {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة: 102] . وَحَدِيثِ عَائِشَةَ
وَرُوِيَ مِنْ أَخْبَارِ السَّحَرَةِ مَا لَمْ يُمْكِنْ التَّوَاطُؤُ عَلَى الْكَذِبِ فِيهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ إبْطَالُ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لِأَنَّهُ لَا يَبْلُغُ مَا يَأْتُونَ بِهِ، فَلَا يَنْتَهِي إلَى أَنْ تَسْعَى الْعَصَا وَالْحِبَالُ، وَيُحَرَّمُ تَعَلُّمُ السِّحْرِ وَتَعْلِيمُهُ (وَسَاحِرٌ يَرْكَبُ الْمَكْنَسَةَ فَتَسِيرُ بِهِ فِي الْهَوَاءِ وَنَحْوِهِ) كَمُدَّعِي أَنَّ الْكَوَاكِبَ تُخَاطِبُهُ (كَافِرٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} [البقرة: 102]- أَيْ مَا كَانَ سَاحِرًا كَفَرَ بِسِحْرِهِ - {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] . وَقَوْلِهِ: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] أَيْ: لَا تَتَعَلَّمْهُ فَتَكْفُرْ بِذَلِكَ (كَمُعْتَقِدٍ حِلَّهُ) لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِهِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
وَ (لَا) يَكْفُرُ وَلَا يُقْتَلُ (مَنْ سَحَرَ بِأَدْوِيَةٍ وَتَدْخِينٍ وَسَقْيٍ شَيْئًا يَضُرُّ) لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعِصْمَةُ وَلَمْ يَثْبُتْ مَا يُزِيلُهَا (وَيُعَزَّرُ) سَاحِرٌ بِذَلِكَ (بَلِيغًا) لِيَنْكَفَّ هُوَ وَمِثْلُهُ عَنْهُ (وَلَا) يَكْفُرُ (مَنْ يُعَزِّمُ عَلَى الْجِنِّ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ يَجْمَعُهَا وَتُطِيعُهُ) وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي السَّحَرَةِ الَّذِينَ يُقْتَلُونَ (وَلَا) يَكْفُرُ (كَاهِنٌ) أَيْ: مَنْ لَهُ رِدْءٌ مِنْ الْجِنِّ يَأْتِيهِ بِالْأَخْبَارِ (وَلَا) يَكْفُرُ (عَرَّافٌ) أَيْ مِنْ يَحْدُسُ أَوْ يَتَخَرَّصُ (وَلَا) يَكْفُرُ (مُنَجِّمٌ) أَيْ: نَاظِرٌ فِي النُّجُومِ يَسْتَدِلُّ بِهَا عَلَى الْحَوَادِثِ فَإِنْ أَوْهَمَ قَوْمًا بِطَرِيقَتِهِ أَنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ فَلِلْإِمَامِ قَتْلُهُ لِسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ.
(وَلَا يُقْتَلُ سَاحِرٌ كِتَابِيٌّ) نَصًّا (أَوْ) سَاحِرٌ (نَحْوُهُ) كَمَجُوسِيٍّ إلَّا أَنْ يَقْتُلَ بِسِحْرٍ يَقْتُلُ غَالِبًا فَيُقْتَلُ قِصَاصًا، «لِأَنَّ لَبِيدَ بْنَ الْأَعْصَمِ سَحَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَقْتُلْهُ» ، وَلِأَنَّ كُفْرَهُ أَعْظَمُ مِنْ سِحْرِهِ وَلَمْ يُقْتَلْ بِهِ، وَالْأَخْبَارُ فِي سَاحِرِ الْمُسْلِمِينَ إذَا كَفَرَ بِسِحْرِهِ (وَمُشَعْبِذٌ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَعَ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ جُمْلَةُ الشَّرْطِ (وَقَائِلٍ بِزَجْرِ طَيْرٍ وَضَارِبٌ بِحَصًى أَوْ) ضَارِبٌ بِ (شَعِيرٍ وَ) ضَارِبٌ بِ (قِدَاحٍ) جَمْعُ قِدْحٍ بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الدَّالِ: السَّهْمُ زَادَ فِي الرِّعَايَةِ وَالنَّظَرُ فِي أَكْتَافِ الْأَلْوَاحِ (إنْ لَمْ يَعْتَقِدْ إبَاحَتَهُ) أَيْ: فَعَلَ مَا سَبَقَ (وَ) لَمْ يَعْتَقِدْ (أَنَّهُ يَعْلَمُ بِهِ الْأُمُورَ الْمُغَيَّبَةَ عُزِّرَ) لِفِعْلِهِ مَعْصِيَةً (وَيُكَفُّ عَنْهُ وَإِلَّا) بِأَنْ اعْتَقَدَ إبَاحَتَهُ، وَأَنَّهُ يَعْلَمُ بِهِ الْأُمُورَ الْمُغَيَّبَةَ (كَفَرَ) فَيُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ (وَيَحْرُمُ طَلْسَمٌ) بِغَيْرِ الْعَرَبِيِّ (وَ) يَحْرُمُ (رُقْيَةٌ بِغَيْرِ الْعَرَبِيِّ) إنْ لَمْ يَعْرِفْ صِحَّةَ مَعْنَاهُ، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ سَبًّا وَكُفْرًا وَكَذَا يُحَرَّمَانِ بِاسْمِ كَوْكَبٍ وَمَا وُضِعَ عَلَى نَجْمٍ مِنْ صُورَةٍ أَوْ غَيْرِهَا.
(وَيَجُوزُ الْحَلُّ) أَيْ: حَلُّ السِّحْرِ بِالْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَالْأَقْسَامِ وَالْكَلَامِ الَّذِي
لَا بَأْسَ بِهِ. وَيَجُوزُ حَلُّهُ أَيْضًا (بِسِحْرٍ ضَرُورَةً) أَيْ: لِأَجَلِ الضَّرُورَةِ، وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ عَنْهُ وَسَأَلَهُ مُهَنَّا عَمَّنْ تَأْتِيهِ مَسْحُورَةً فَيُطْلِقُهُ عَنْهَا؟ قَالَ: لَا بَأْسَ.
قَالَ الْخَلَّالُ: إنَّمَا كَرِهَ فِعَالَهُ وَلَا يَرَى بِهِ بَأْسًا كَمَا بَيَّنَهُ مُهَنَّا.
(وَالْكُفَّارُ وَأَطْفَالُهُمْ) هُوَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ بَدَلٌ مِنْ الْكُفَّارِ (وَمَنْ بَلَغَ مِنْهُمْ) أَيْ الْكُفَّارِ (مَجْنُونًا مَعَهُمْ) أَيْ الْكُفَّارِ أَيْ: آبَائِهِ (عَلَى النَّارِ) تَبَعًا لَهُمْ. وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْجَنَّةِ كَأَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ بَلَغَ مِنْ أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ مَجْنُونًا. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ تَكْلِيفَهُمْ فِي الْقِيَامَةِ لِلْأَخْبَارِ.
(وَمَنْ وُلِدَ أَعْمَى أَبْكَمَ أَصَمَّ فَ) هُوَ (مَعَ أَبَوَيْهِ كَافِرَيْنِ) كَانَا (أَوْ مُسْلِمَيْنِ وَلَوْ أَسْلَمَا بَعْدَ مَا بَلَغَ) نَصًّا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُمَا، أَيْ: مَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا مِنْ أَوْلَادِ الْكُفَّارِ، وَمَنْ وُلِدَ أَعْمَى أَبْكَمَ أَصَمَّ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَى، قَالَهُ شَيْخُنَا وَذُكِرَ فِي الْفُنُونِ عَنْ أَصْحَابِنَا لَا يُعَاقَبُ وَمَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَجَبَتْ شَرْعًا نَصًّا، وَهُوَ أَوَّلُ وَاجِبٍ لِنَفْسِهِ وَيَجِبُ قَبْلَهَا النَّظَرُ لِتَوَقُّفِهَا عَلَيْهِ، فَهُوَ أَوَّلُ وَاجِبٍ لِغَيْرِهِ وَلَا يَقَعَانِ ضَرُورَةً