الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(زَوْجٍ ثَانٍ وَيَرْضَى) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} [البقرة: 233] وَقَوْلِهِ: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، وَلِأَنَّ أُمَّهُ أَشْفَقُ، وَلَبَنُهَا أَمْرَأُ عَلَيْهِ، فَإِنْ طَلَبَتْ الْأُمُّ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهَا وَوَجَدَ الْأَبُ مَنْ يَرْضِعُهُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ أَوْ مُتَبَرِّعَةً فَلِأَبٍ أَخْذُهُ مِنْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6] وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مُرْضِعَةً إلَّا بِمَا طَلَبَتْهُ الْأُمُّ، فَالْأُمُّ أَحَقُّ لِمَا سَبَقَ.
وَإِنْ مَنَعَ الْأُمَّ زَوْجُهَا غَيْرُ أَبِي الطِّفْلِ مِنْ رَضَاعِهِ سَقَطَ حَقُّهَا لِتَعَذُّرِ وُصُولِهَا إلَيْهِ (وَيَلْزَمُ حُرَّةً) إرْضَاعُ وَلَدِهَا (مَعَ خَوْفِ تَلَفِهِ) بِأَنْ لَمْ يَقْبَلْ ثَدْيَ غَيْرِهَا وَنَحْوَهُ حِفْظًا لَهُ عَنْ الْهَلَاكِ كَمَا لَوْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا، وَلَهَا أُجْرَةُ مِثْلِهَا، فَإِنْ لَمْ يُخَفْ تَلَفُهُ لَمْ تُجْبَرْ دَنِيَّةً كَانَتْ أَوْ شَرِيفَةً فِي حِبَالِهِ أَوْ مُطَلَّقَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6] .
(وَ) يَلْزَمُ (أُمَّ وَلَدٍ) إرْضَاعُ وَلَدِهَا (مُطْلَقًا) أَيْ خِيفَ عَلَى الْوَلَدِ أَمْ لَا مِنْ سَيِّدِهَا أَوْ غَيْرِهِ (مَجَّانًا) أَيْ بِلَا أُجْرَةٍ ; لِأَنَّ نَفْعَهَا لِسَيِّدِهَا (وَمَتَى عَتَقَتْ) أُمُّ الْوَلَدِ (فَكَ) حُرَّةٍ (بَائِنٍ) لَا تُجْبَرُ عَلَى إرْضَاعِهِ. فَإِنْ فَعَلَتْ فَلَهَا أُجْرَةُ مِثْلِهَا: وَإِنْ بَاعَهَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ زَوَّجَهَا سَقَطَتْ حَضَانَتُهَا عَلَى ظَاهِرِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ. وَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ حَقُّهَا مِنْ الرَّضَاعِ.
قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ (وَلِزَوْجٍ ثَانٍ) أَيْ غَيْرِ أَبِ الرَّضِيعِ (مَنْعُهَا مِنْ إرْضَاعِ وَلَدِهَا مِنْ) الزَّوْجِ (الْأَوَّلِ) أَوْ مِنْ شُبْهَةٍ أَوْ زِنًا ; لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ حَقَّهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ (إلَّا لِضَرُورَتِهِ) أَيْ الْوَلَدِ بِأَنْ لَا يُوجَدَ مَنْ يَرْضِعُهُ غَيْرُهَا أَوْ لَا يَقْبَلَ ثَدْيَ غَيْرِهَا (أَوْ شَرْطِهَا) بِأَنْ شَرَطَتْ فِي الْعَقْدِ أَنْ لَا يَمْنَعَهَا رَضَاعَ وَلَدِهَا فَلَهَا شَرْطُهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَمَنْ أَرْضَعَتْ وَلَدَهَا وَهِيَ فِي حِبَالِ أَبِيهِ فَاحْتَاجَتْ لِزِيَادَةِ نَفَقَةٍ لَزِمَهُ ; لِأَنَّ عَلَيْهِ كِفَايَتَهَا.
[فَصْلٌ تَلْزَمُ السَّيِّدَ نَفَقَةٌ وَسُكْنَى]
وَتَلْزَمُهُ أَيْ السَّيِّدَ نَفَقَةٌ وَسُكْنَى عُرْفًا أَيْ بِالْمَعْرُوفِ (لِرَقِيقِهِ وَلَوْ) كَانَ رَقِيقُهُ (آبِقًا) أَوْ مَرِيضًا أَوْ انْقَطَعَ كَسْبُهُ (أَوْ) كَانَ أَمَةً (نَاشِزًا أَوْ) كَانَ (ابْنَ أَمَتِهِ مِنْ حُرٍّ) ; لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِأُمِّهِ حَيْثُ لَا شَرْطَ وَلَا غُرُورَ (مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ) مُتَعَلِّقٌ بِ تَلْزَمُهُ سَوَاءٌ كَانَ قُوتَ سَيِّدِهِ أَوْ دُونَهُ أَوْ فَوْقَهُ وَأُدْمَ مِثْلِهِ.
(وَ) تَلْزَمُهُ (كِسْوَتُهُ) أَيْ رَقِيقِهِ (مُطْلَقًا) غَنِيًّا كَانَ الْمَالِكُ أَوْ فَقِيرًا أَوْ مُتَوَسِّطًا مِنْ غَالِبِ الْكِسْوَةِ
لِأَمْثَالِهِ مِنْ الْعَبِيدِ بِذَلِكَ الْبَلَدِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " «لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ» " رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي سَنَدِهِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْمَمْلُوكِ عَلَى سَيِّدِهِ وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نَفَقَةٍ، وَمَنَافِعُهُ لِسَيِّدِهِ وَهُوَ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ كَبَهِيمَتِهِ (وَلِمُبَعَّضٍ) عَلَى مَالِكِ بَعْضِهِ مِنْ نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ وَسُكْنَاهُ (بِقَدْرِ رِقِّهِ وَبَقِيَّتُهَا) أَيْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُبَعَّضِ لِاسْتِقْلَالِهِ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ فَإِنْ أَعْسَرَ وَعَجَزَ عَنْ الْكَسْبِ فَعَلَى وَارِثِهِ الْغَنِيِّ وَلِلسَّيِّدِ أَنْ يَجْعَلَ نَفَقَةَ رَقِيقِهِ فِي كَسْبِهِ وَأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ يَأْخُذُ كَسْبَهُ أَوْ يَسْتَخْدِمَهُ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ ; لِأَنَّ الْكُلَّ لَهُ، وَإِنْ جَعَلَهَا فِي كَسْبِهِ وَفَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ فَلِسَيِّدِهِ وَإِنْ أَعْوَزَ فَعَلَيْهِ تَمَامُهُ (وَعَلَى حُرَّةٍ نَفَقَةُ وَلَدِهَا مِنْ عَبْدٍ) نَصًّا.
قُلْت إنْ كَانَ مَنْ يُشْرِكُهَا فِي الْمِيرَاثِ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِهِ كَمَا سَبَقَ (وَكَذَا مُكَاتَبَةٌ وَلَوْ أَنَّهُ) أَيْ وَلَدَهَا (مِنْ مُكَاتَبٍ) فَنَفَقَةُ وَلَدِهَا عَلَيْهَا (وَكَسْبُهُ لَهَا) لِتَبَعِيَّتِهِ لَهَا (وَيُزَوَّجُ) رَقِيقٌ وُجُوبًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (بِطَلَبِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى النِّكَاحِ غَالِبًا وَكَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ وَلِأَنَّهُ يُخَافُ مِنْ تَرْكِ إعْفَافِهِ الْوُقُوعَ فِي الْمَحْظُورِ بِخِلَافِ طَلَبِ الْحَلْوَى (غَيْرَ أَمَةٍ يَسْتَمْتِعُ بِهَا) سَيِّدُهَا (وَلَوْ) كَانَتْ (مُكَاتَبَةً بِشَرْطِهِ) أَيْ كَاتَبَهَا بِشَرْطِ أَنْ يَطَأَهَا زَمَنَ كِتَابَتِهَا ; لِأَنَّ الْقَصْدَ قَضَاءُ الْحَاجَةِ، وَإِزَالَةُ دَفْعِ ضَرَرِ الشَّهْوَةِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِاسْتِمْتَاعِهِ بِهَا (وَتُصَدَّقُ) أَمَةٌ طَلَبَتْ تَزْوِيجًا وَادَّعَى سَيِّدُهَا أَنَّهُ يَطَؤُهَا (فِي أَنَّهُ لَمْ يَطَأْ) ; لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَيَجِبُ خِتَانُ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَخْتُونًا مِنْهُمْ.
(وَمَنْ غَابَ عَنْ أَمَتِهِ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً) وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا مَا لَا تُقْطَعُ إلَّا بِكُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ (فَطَلَبَتْ التَّزْوِيجَ زَوَّجَهَا مَنْ يَلِي مَالَهُ) أَيْ مَالَ الْغَائِبِ قَالَ فِي الِانْتِصَارِ أَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَتَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ زَوَّجَهَا الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ عَنْ الْقَاضِي (وَكَذَا أَمَةُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ) طَلَبَتْ التَّزْوِيجَ فَيُزَوِّجُهَا مَنْ يَلِي مَالَهُ (وَإِنْ غَابَ) سَيِّدٌ (عَنْ أُمِّ وَلَدِهِ زُوِّجَتْ لِحَاجَةِ نَفَقَةٍ) قَالَ فِي الرِّعَايَةِ زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ وَحَفِظَ مَهْرَهَا لِلسَّيِّدِ قَالَ (الْمُنَقِّحُ وَكَذَا) لِحَاجَةِ (وَطْءٍ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ أَوْ وَطْءٍ عِنْدَ مَنْ جَعَلَهُ كَنَفَقَةٍ أَيْ أَوْجَبَهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ (وَيَجِبُ أَنْ لَا يُكَلَّفُوا) أَيْ الْأَرِقَّاءُ (مَشَقًّا كَثِيرًا) لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا " إخْوَانُكُمْ
(وَ) يَجِبُ (أَنْ يُرَاحُوا وَقْتَ قَيْلُولَةٍ وَ) وَقْتَ (نَوْمٍ وَ) أَدَاءِ (صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ) لِأَنَّهَا الْعَادَةُ وَلِأَنَّ تَرْكَهُ إضْرَارٌ بِهِمْ وَلَا يَجُوزُ تَكْلِيفُ أَمَةٍ رَعْيًا لِأَنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ الطَّمَعِ فِيهَا لِبُعْدِ مَنْ يَدْفَعُ عَنْهَا
(وَ) يَجِبُ أَنْ (يُرْكِبَهُمْ عَقِبَهُ لِحَاجَةٍ) إذَا سَافَرَ بِهِمْ لِئَلَّا يُكَلِّفَهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَهُ (وَمَنْ بُعِثَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (مِنْهُمْ) أَيْ الْأَرِقَّاءِ (فِي حَاجَةٍ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُ مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ) وَلَا عُذْرَ لَهُ فِي التَّأْخِيرِ (صَلَّى أَوَّلًا ثُمَّ قَضَى حَاجَتَهُ)(فَلَوْ عُذِرَ) بِنَحْوِ خَشْيَةِ إضْرَارِ سَيِّدِهِ بِهِ (أَخَّرَ) الصَّلَاةَ (وَقَضَاهَا) أَيْ الْحَاجَةَ ثُمَّ صَلَّى، لِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُشَاحَّةِ (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ) أَنَّهُ لَا يَجِدُ مَسْجِدًا (فَوَجَدَ مَسْجِدًا قَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ صَلَّى) لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ (فَلَوْ صَلَّى قَبْلَ) قَضَاءِ الْحَاجَةِ (فَلَا بَأْسَ) نَصًّا لِأَنَّهُ قَضَى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ سَيِّدِهِ
(وَسُنَّ) لِسَيِّدِهِمْ (مُدَاوَاتُهُمْ إنْ مَرِضُوا) قَالَهُ فِي التَّنْقِيحِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ يُسْتَحَبُّ وَهُوَ أَظْهَرُ، وَقَالَ قَبْلَهُ: وَيُدَاوِيهِ وُجُوبًا قَالَهُ جَمَاعَةٌ. وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ. قُلْتُ الْمَذْهَبُ أَنَّ تَرْكَ الدَّوَاءِ أَفْضَلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَوُجُوبَ الْمُدَاوَاةِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ
(وَ) يُسَنُّ لِسَيِّدٍ (إطْعَامُهُمْ) أَيْ الْأَرِقَّاءِ (مِنْ طَعَامِهِ) وَإِلْبَاسُهُمْ مِنْ لِبَاسِهِ لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَأَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ عَبِيدِهِ الذُّكُورِ فِي الْكِسْوَةِ وَبَيْنَ إمَائِهِ إنْ كُنَّ لِلْخِدْمَةِ أَوْ الِاسْتِمْتَاعِ وَإِنْ اخْتَلَفْنَ فَلَا بَأْسَ بِتَفْضِيلِ مَنْ هِيَ لِلِاسْتِمْتَاعِ فِي الْكِسْوَةِ ; لِأَنَّهُ الْعُرْفُ (وَمَنْ وَلِيَهُ) أَيْ الطَّعَامَ مِنْ رَقِيقِهِ (فَمَعَهُ أَوْ مِنْهُ) يُطْعِمُهُ وَلَوْ لَمْ يَشْتَهِهِ. لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " «إذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ قَدْ كَفَاهُ عِلَاجَهُ وَدُخَانَهُ فَلْيُجْلِسْهُ مَعَهُ فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ فَلِيُنَاوِلْهُ أَكْلَةً أَوْ أَكْلَتَيْنِ» " رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَلِأَنَّ نَفْسَ الْمُبَاشِرِ تَتُوقُ إلَى مَا لَا تَتُوقُ إلَيْهِ نَفْسُ غَيْرِهِ (وَلَا يَأْكُلُ) رَقِيقٌ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ (إلَّا بِإِذْنِهِ) نَصًّا لِأَنَّهُ افْتِيَاتٌ عَلَيْهِ. قُلْتُ إنْ مَنَعَهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فَلَهُ الْأَكْلُ بِالْمَعْرُوفِ كَالزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ
(وَلَهُ) أَيْ الزَّوْجِ وَالْأَبِ وَالسَّيِّدِ (تَأْدِيبُ زَوْجَةٍ وَ) تَأْدِيبُ (وَلَدٍ وَلَوْ) كَانَ الْوَلَدُ (مُكَلَّفًا مُزَوَّجًا بِضَرْبٍ غَيْرِ مُبَرِّحٍ وَ) كَذَا (تَأْدِيبُ رَقِيقٍ) إذَا أَذْنَبُوا وَيُسَنُّ الْعَفْوُ عَنْهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَلَا يَجُوزُ بِلَا ذَنْبٍ وَلَا أَنْ يُضْرَبُوا ضَرْبًا مُبَرِّحًا. لِحَدِيثِ
«لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ» " رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائِيّ (وَ) لِسَيِّدِ رَقِيقٍ أَنْ (يُقَيِّدَهُ إنْ خَافَ عَلَيْهِ) إبَاقًا نَصًّا وَقَالَ يُبَاعُ أَحَبُّ إلَيَّ (وَلَا يَشْتُمُ أَبَوَيْهِ) أَيْ أَبَوَيْ الرَّقِيقِ (الْكَافِرِينَ) قَالَ أَحْمَدُ لَا يُعَوِّدُ لِسَانَهُ الْخَنَا وَالرَّدَى وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ سَيِّئُ الْمَلَكَةِ وَهُوَ الَّذِي يُسِيءُ إلَى مَمَالِيكِهِ
(وَلَا يَلْزَمُهُ) أَيْ السَّيِّدَ (بَيْعُهُ بِطَلَبِهِ) أَيْ الرَّقِيقِ (مَعَ الْقِيَامِ بِحَقِّهِ) لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلسَّيِّدِ وَالْحَقَّ لَهُ، كَمَا لَا يُجْبَرُ عَلَى طَلَاقِ زَوْجَتِهِ مَعَ قِيَامِهِ بِمَا يَجِبُ لَهَا فَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِحَقِّهِ وَطَلَبَ بَيْعَهُ لَزِمَهُ إجَابَتَهُ وَيَأْتِي (وَحَرُمَ أَنْ يَسْتَرْضِعَ أَمَةً) لَهَا وَلَدٌ (لِغَيْرِ وَلَدِهَا) وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِالْوَلَدِ لِنَقْصِهِ عَنْ كِفَايَتِهِ وَمُؤْنَتِهِ (إلَّا بَعْدَ رَيِّهِ) أَيْ الْوَلَدِ فَيَجُوزُ اسْتِرْضَاعُهَا بِمَا زَادَ لِاسْتِغْنَاءِ وَلَدِهَا عَنْهُ كَالْفَاضِلِ مِنْ كَسْبِهَا وَكَمَا لَوْ مَاتَ وَلَدُهَا وَبَقِيَ لَبَنُهَا
(وَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهَا) أَيْ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ (بِلَا إذْنِ زَوْجٍ زَمَنَ حَقِّهِ) أَيْ الزَّوْجِ ; لِأَنَّ فِيهَا تَفْوِيتًا لِحَقِّ زَوْجِهَا بِاشْتِغَالِهَا عَنْهُ بِمَا اُسْتُؤْجِرَتْ لَهُ.
(وَلَا) يَجُوزُ (جَبْرُ) قِنٍّ (عَلَى مُخَارَجَةٍ وَهِيَ) أَيْ الْمُخَارَجَةُ (جَعْلُ سَيِّدٍ عَلَى رَقِيقٍ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ) كُلَّ شَهْرٍ (شَيْئًا مَعْلُومًا لَهُ) أَيْ السَّيِّدِ ; لِأَنَّهُ عَقْدٌ بَيْنَهُمَا فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا كَكِتَابَةٍ (وَتَجُوزُ) الْمُخَارَجَةُ (بِاتِّفَاقِهِمَا إنْ كَانَتْ قَدْرَ كَسْبِهِ فَأَقَلَّ بَعْدَ نَفَقَتِهِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا طَيْبَةَ حَجَمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَاهُ أَجْرَهُ وَأَمَرَ مَوَالِيَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ يَضْرِبُونَ عَلَى رَقِيقِهِمْ خَرَاجًا، فَرُوِيَ أَنَّ الزُّبَيْرَ كَانَ لَهُ أَلْفُ مَمْلُوكٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمٌ فَإِنْ زَادَتْ عَلَى كَسْبِهِ لَمْ يَجُزْ ; لِأَنَّهُ تَكْلِيفٌ لِمَا يَغْلِبُهُ وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْغَنِيِّ لِعَبْدٍ مُخَارِجٍ هَدِيَّةُ طَعَامٍ وَإِعَارَةٍ مَتَاعٍ وَعَمَلُ دَعْوَةٍ قَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ.
(وَلَا يَتَسَرَّى عَبْدٌ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ قُلْنَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ أَوْ لَا قَالَ فِي التَّنْقِيحِ وَلَا يَتَسَرَّى عَبْدٌ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ (وَيَصِحُّ) أَيْ يَجُوزُ تَسَرِّيهِ (عَلَى) قَوْلٍ (مَرْجُوحٍ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) .
قَالَ (الْمُنَقِّحُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ وَاخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ انْتَهَى) وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَهِيَ الصَّحِيحَةُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ وَابْنِ أَبِي مُوسَى وَأَبِي إِسْحَاقَ بْنِ شَاقِلَا ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْوَاضِحِ وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَهِيَ أَصَحُّ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ