الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَنَامُ بَيْنَ جَالِسِينَ، أَوْ يَخْرُجُ عَنْ مُسْتَوَى الْجُلُوسِ بِلَا عُذْرٍ، أَوْ يَحْكِي الْمُضْحِكَاتِ وَنَحْوِهِ) مِنْ كُلِّ مَا فِيهِ سَخَفٌ وَدَنَاءَةٌ، لِأَنَّ مَنْ رَضِيَهُ لِنَفْسِهِ وَاسْتَخَفَّهُ فَلَيْسَ لَهُ مُرُوءَةٌ وَلَا تَحْصُلُ الثِّقَةُ بِقَوْلِهِ. وَلِحَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ مَرْفُوعًا " «إنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى: إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» ; وَلِأَنَّ الْمُرُوءَةَ تَمْنَعُ الْكَذِبَ وَتَزْجُرُ عَنْهُ، وَلِهَذَا يَمْتَنِعُ عَنْهُ ذُو الْمُرُوءَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَدَيِّنًا. قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ هَذَا مُخْتَفِيًا بِهِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ ; لِأَنَّ مُرُوءَتَهُ لَا تَسْقُطُ بِهِ، وَكَذَا إنْ فَعَلَهُ مَرَّةً أَوْ شَيْئًا قَلِيلًا انْتَهَى. وَيُبَاحُ الْحُدَاءُ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَقَدْ تُكْسَرُ أَيْ الْإِنْشَادُ الَّذِي تُسَاقُ بِهِ الْإِبِلُ، وَكَذَا سَائِرُ أَنْوَاعِ الْإِنْشَادِ مَا لَمْ يَخْرُجْ إلَى حَدِّ الْغِنَاءِ، وَعَنْهُ عليه السلام " «إنَّ مِنْ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً» " وَكَانَ يَضَعُ لِحَسَّانَ مِنْبَرًا يَقُومُ عَلَيْهِ فَيَهْجُوَ مَنْ هَجَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْشَدَهُ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ قَصِيدَتَهُ
بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ
فِي الْمَسْجِدِ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى:{وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمْ الْغَاوُونَ} [الشعراء: 224] وَنَحْوُهُ مِمَّا وَرَدَ فِي ذَمِّ الشِّعْرِ، فَالْمُرَادُ مَنْ أَسْرَفَ وَكَذَبَ بِدَلِيلِ مَا بَعْدُ، وَمَا اتَّخَذَهُ أَرْبَابُ الدُّنْيَا مِنْ الْعَادَاتِ وَالنَّزَاهَةِ الَّتِي لَمْ يُقَبِّحْهَا السَّلَفُ وَلَا اجْتَنَبَهَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَتَقَذُّرِهِمْ مِنْ حَمْلِ الْحَوَائِجِ وَالْأَقْوَاتِ لِلْعِيَالِ وَلُبْسِ الصُّوفِ وَرُكُوبِ الْحِمَارِ وَحَمْلِ الْمَاءِ عَلَى الظَّهْرِ وَالرِّزْمَةِ إلَى السُّوقِ، فَلَا يَضُرُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمُرُوءَةِ الشَّرْعِيَّةِ لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالْأَلْحَانِ بِلَا تَلْحِينٍ لَا بَأْسَ بِهَا وَإِنْ حَسُنَ صَوْتُهُ بِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ ; لِحَدِيثِ:" «زَيِّنُوا أَصْوَاتَكُمْ بِالْقُرْآنِ» " وَلِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَتَقَدَّمَتْ أَحْكَامُ اللَّعِبِ فِي أَوَّلِ الْمُسَابِقَةِ، (وَمَتَى وُجِدَ الشَّرْطُ) أَيْ شَرْطُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ فِيمَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِفًا بِهِ قُبِلَ (بِأَنْ بَلَغَ صَغِيرٌ أَوْ عَقِلَ مَجْنُونٌ أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ أَوْ تَابَ فَاسِقٌ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ) ; لِزَوَالِ الْمَانِعِ.
[فَصْلُ الْحُرِّيَّةُ فِي الشَّهَادَةِ]
فَصْلُ وَلَا تُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ (الْحُرِّيَّةُ فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ عَبْدٍ، وَ) شَهَادَةُ (أَمَةٍ فِي كُلِّ مَا يُقْبَلُ فِيهِ حُرٌّ وَحُرَّةٌ) لِعُمُومِ آيَاتِ الشَّهَادَةِ وَأَخْبَارِهَا، وَالْعَبْدُ دَاخِلٌ فِيهَا فَإِنَّهُ مِنْ رِجَالِنَا، وَهُوَ عَدْلٌ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ وَفَتْوَاهُ وَأَخْبَارُهُ الدِّينِيَّةُ، وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: "
«تَزَوَّجْتُ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إهَابٍ فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: كَيْفَ وَقَدْ زَعَمَتْ ذَلِكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَوْلُ الْمُخَالِفِ: لَيْسَ لِلْقِنِّ مُرُوءَةٌ مَمْنُوعٌ، بَلْ هُوَ كَالْحُرِّ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ الْأَرِقَّاءِ الْعُلَمَاءُ وَالصَّالِحُونَ وَالْأُمَرَاءُ، (وَمَتَى تَعَيَّنَتْ) الشَّهَادَةُ (عَلَيْهِ) أَيْ الرَّقِيقِ (حَرُمَ) عَلَى سَيِّدِهِ (مَنْعُهُ) مِنْهَا كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ، (وَلَا) يُشْتَرَطُ لِلشَّهَادَةِ (كَوْنُ الصِّنَاعَةِ) أَيْ صِنَاعَةِ الشَّاهِدِ (غَيْرَ دَنِيئَةٍ عُرْفًا، فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ حَجَّامٍ وَحَدَّادٍ وَزَبَّالٍ) يَجْمَعُ الزِّبْلَ، (وَقَمَّامٍ) يَقُمُّ الْمَكَانَ مِنْ زِبْلٍ وَغَيْرِهِ، (وَكَنَّاسٍ) يَكْنِسُ الْأَسْوَاقَ وَغَيْرَهَا، (وَكَبَّاشٍ) يُرَبِّي الْكِبَاشَ، (وَقَرَّادٍ) يُرَبِّي الْقُرُودَ وَيَطُوفُ بِهَا لِلتَّكَسُّبِ، (وَدَبَّابٍ) يَفْعَلُ بِالدُّبِّ كَمَا يَفْعَلُ الْقَرَّادُ، (وَنَفَّاطٍ) يَلْعَبُ بِالنَّفْطِ، (وَنَخَّالٍ) أَيْ يُغَرْ بِلُ فِي الطَّرِيقِ عَلَى فُلُوسٍ وَغَيْرِهَا وَتُسَمِّيه الْعَامَّةُ الْمُقَلِّشُ، (وَصَبَّاغٍ وَدَبَّاغٍ وَجَمَّالٍ وَجَزَّارٍ وَكَسَّاحٍ) يُنَظِّفُ الْحُشُوشَ، (وَحَائِكٍ وَحَارِسٍ وَصَائِغٍ وَمَكَّارٍ وَقَيِّمٍ) أَيْ خَدَّامٍ إذَا حَسُنَتْ طَرِيقَتُهُمْ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى هَذِهِ الصَّنَائِعِ ; لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَلِيهَا بِنَفْسِهِ فَلَوْ رُدَّتْ بِهَا الشَّهَادَةُ أَفْضَى إلَى تَرْكِ النَّاسِ لَهَا فَيَشُقُّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ
(وَكَذَا) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (مَنْ لَبِسَ غَيْرَ زِيِّ بَلْدَةٍ يَسْكُنُهَا أَوْ) لَبِسَ غَيْرَ (زِيِّهِ الْمُعْتَادِ بِلَا عُذْرٍ، إذَا حَسُنْت طَرِيقَتُهُمْ) بِأَنْ حَافَظُوا عَلَى أَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَاجْتِنَابِ الْمَعَاصِي وَالرِّيَبِ
(وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ وَلَدِ زِنًا) ; لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ عَدْلٌ فَدَخَلَ فِي عُمُومِ الْآيَاتِ (حَتَّى بِهِ) أَيْ الزِّنَا إذَا شَهِدَ بِهِ ; لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ بِهِ
(وَ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (بِدَوِيٍّ عَلَى قَرَوِيٍّ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ بَدَوِيٍّ عَلَى صَاحِبِ قَرْيَةٍ» مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ تُعْرَفْ عَدَالَتُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ
(وَ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (أَعْمَى بِمَا سَمِعَ إذَا تَيَقَّنَ الصَّوْتَ وَبِالِاسْتِفَاضَةِ) لِعُمُومِ الْآيَاتِ ; وَلِأَنَّهُ عَدْلٌ مَقْبُولُ الرِّوَايَةِ، فَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ كَالْبَصِيرِ " فَإِنْ جَوَّزَ الْأَعْمَى أَنْ يَكُونَ صَوْتَ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الصَّوْتِ كَمَا لَوْ اشْتَبَهَ عَلَى الْبَصِيرِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ،.
(وَ) تَصِحُّ شَهَادَةُ أَعْمَى (بِمَرْئِيَّاتٍ تَحَمَّلَهَا قَبْلَ عَمَاهُ) إذَا عَرَفَ الْفَاعِلَ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ ; لِأَنَّ الْعَمَى فَقْدُ حَاسَّةٍ لَا تُخِلُّ بِالتَّكْلِيفِ، فَلَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ كَالصَّمَمِ فِيمَا طَرِيقُهُ السَّمْعُ، (وَ) كَذَا (لَوْ لَمْ يَعْرِفْ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ إلَّا بِعَيْنِهِ إذَا وَصَفَهُ لِلْحَاكِمِ بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ تَمْيِيزُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ. (وَكَذَا إنْ تَعَذَّرَتْ رُؤْيَةُ مَشْهُودٍ لَهُ) لِمَوْتٍ أَوْ غَيْبَةٍ فَوَصَفَهُ الشَّاهِدُ لِلْحَاكِمِ بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ