الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْخَصْمِ بِمَا يَهْدِرُ دَمَ الْقَتِيلِ.
(وَإِنْ اجْتَمَعَ قَوْمٌ بِمَحَلٍّ فَقَتَلَ) بَعْضٌ بَعْضًا (أَوْ جَرَحَ بَعْضٌ مِنْهُمْ) بَعْضًا (وَجُهِلَ الْحَالُ) أَيْ حَالُ الْقَاتِلِينَ وَالْمَقْتُولِينَ (فَعَلَى عَاقِلَةِ الْمَجْرُوحِينَ دِيَةُ الْقَتْلَى) مِنْهُمْ (يَسْقُطُ مِنْهَا) أَيْ الدِّيَةِ (أَرْشَ الْجِرَاحِ) نَصَّ عَلَيْهِ لِرِوَايَتِهِ بِإِسْنَادِهِ إلَى الشَّعْبِيِّ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى عَلِيٍّ أَنَّهُ قَضَى بِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِهِ جُرْحٌ قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَتَلَ مُورِثَهُ فَقَالَ: إنَّمَا قَتَلَهُ زَيْدٌ فَصَدَقَ زَيْدٌ) بِأَنَّ أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَهُ (أَخَذَ) زَيْدٌ (بِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا وَقَالَ: قُلْتُ أَلَيْسَ قَدْ ادَّعَى عَلَى الْأَوَّلِ قَالَ إنَّمَا هَذَا بِالظَّنِّ فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ يُؤْخَذُ الَّذِي أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَهُ.
[بَابُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا]
اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا وَهُوَ أَيْ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ (فِعْلُ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ) فِيمَا دُونَ النَّفْسِ (أَوْ) فِعْلُ (وَلِيِّهِ) إنْ كَانَتْ فِي النَّفْسِ (بِجَانٍ مِثْلَ فِعْلِهِ) أَيْ الْجَانِي (أَوْ شِبْهِهِ) أَيْ فِعْلِ الْجَانِي وَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ (وَشُرُوطُهُ) أَيْ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ (ثَلَاثَةٌ أَحَدُهَا: تَكْلِيفُ مُسْتَحِقِّهِ) ; لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَيْسَ أَهْلًا لِلِاسْتِيفَاءِ وَلَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ لِمَا يَأْتِي (وَمَعَ صِغَرِهِ) أَيْ مُسْتَحَقِّهِ (أَوْ جُنُونِهِ يُحْبَسُ جَانٍ لِبُلُوغِ) صَغِيرٍ يَسْتَحِقُّهُ (أَوْ) إلَى (إفَاقَةِ) مَجْنُونٍ يَسْتَحِقُّهُ ; لِأَنَّ مُعَاوِيَةَ حَبَسَ هُدْبَةَ بْنَ خَشْرَمِ بْنِ حُبَيْشٍ فِي قِصَاصٍ حَتَّى بَلَغَ ابْنُ الْقَتِيلِ وَكَانَ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكَرْ وَبَذَلَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَسَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ لِابْنِ الْمَقْتُولِ سَبْعَ دِيَاتٍ فَلَمْ يَقْبَلْهَا وَلِأَنَّ فِي تَخْلِيَتِهِ تَضْيِيعًا لِلْحَقِّ إذْ لَا يُؤْمَنُ هَرَبُهُ، وَأَمَّا الْمُعْسِرُ بِالدَّيْنِ فَلَمْ يُحْبَسْ ; لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَجِبُ مَعَ الْإِعْسَارِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ هُنَا وَإِنَّمَا تَأَخَّرَ لِقُصُورِ الْمُسْتَوْفِي وَأَيْضًا الْمُعْسِرُ إذَا حُبِسَ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْكَسْبُ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ فَحَبْسُهُ يَضُرُّ بِالْجَانِبَيْنِ وَهُنَا الْحَقُّ هُوَ نَفْسُهُ فَيَفُوتُ بِالتَّخْلِيَةِ (وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ) أَيْ الْقِصَاصِ (لَهُمَا) أَيْ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ (أَبٌ كَوَصِيٍّ وَحَاكِمٍ) إذْ لَا يَحْصُلُ بِاسْتِيفَائِهِمْ التَّشَفِّي لِلْمُسْتَحَقِّ لَهُ فَتَفُوتُ حِكْمَةُ الْقِصَاصِ.
(فَإِذَا احْتَاجَا) أَيْ الصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ (لِنَفَقَةٍ فَلِوَلِيِّ مَجْنُونٍ لَا) وَلِيِّ (صَغِيرٍ الْعَفْوُ إلَى الدِّيَةِ)
لِأَنَّ الْجُنُونَ لَا حَدَّ لَهُ يَنْتَهِي إلَيْهِ عَادَةً بِخِلَافِ الصِّغَرِ لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي اللَّقِيطِ لِوَلِيِّهِ الْعَفْوُ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَاجَا فَلَيْسَ لَهُ الْعَفْوُ عَلَى حَالٍ (وَإِنْ قَتَلَا) أَيْ الصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ (قَاتِلَ مُورِثِهِمَا أَوْ قَطَعَا قَاطِعَهُمَا قَهْرًا) أَيْ بِلَا إذْنِ جَانٍ (سَقَطَ حَقُّهُمَا) لِاسْتِيفَائِهِمَا مَا وَجَبَ لَهُمَا كَمَا لَوْ كَانَ بِيَدِهِ مَالٌ لَهُمَا فَأَخَذَاهُ مِنْهُ قَهْرًا فَأَتْلَفَاهُ وَ (كَمَا لَوْ اقْتَصَّا مِمَّنْ لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ دَيْنَهُ) كَالْعَبْدِ فَيَسْقُطُ حَقُّهُمَا وَجْهًا وَاحِدًا لَا يُمْكِنُ إيجَابُ دَيْنِهِ عَلَى أَحَدٍ.
الشَّرْطُ (الثَّانِي اتِّفَاقُ الْمُشْتَرِكِينَ فِيهِ) أَيْ الْقِصَاصِ (عَلَى اسْتِيفَائِهِ) فَلَيْسَ لِبَعْضِهِمْ اسْتِيفَاؤُهُ بِدُونِ إذْنِ. الْبَاقِينَ ; لِأَنَّهُ يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ أَشْبَهَ الدَّيْنَ (وَيُنْتَظَرُ قُدُومُ) وَارِثٍ (غَائِبٍ وَبُلُوغُ) وَارِثٍ (صَغِيرٍ وَإِفَاقَةُ) وَارِثٍ مَجْنُونٍ ; لِأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ فِي الْقِصَاصِ وَلِأَنَّهُ أَحَدُ بَدَلَيْ النَّفْسِ (فَلَا يَنْفَرِدُ بِهِ بَعْضُهُمْ كَدِيَةٍ) أَيْ لَا يَنْفَرِدُ بَعْضُهُمْ بِالدِّيَةِ لَوْ وَجَبَتْ.
(وَ) كَ (قِنٍّ مُشْتَرَكٍ) قُتِلَ فَلَا يَنْفَرِدُ بَعْضُهُمْ بِقَتْلِ قَاتِلِهِ الْمُكَافِئِ لَهُ (بِخِلَافِ) قَتْلٍ (فِي مُحَارَبَةٍ) فَلَا يُشْتَرَطُ اتِّفَاقُ الْمُشْتَرِكِينَ فِيهِ (لِتَحَتُّمِهِ) أَيْ تَحَتُّمِ قَتْلٍ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى.
(وَ) بِخِلَافِ (حَدِّ قَذْفٍ) فَيُقَامُ إذَا طَلَبَهُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ حَيْثُ يُورَثُ (لِوُجُوبِهِ) أَيْ حَدِّ الْقَذْفِ (لِكُلِّ وَاحِدٍ) مِنْ الْوَرَثَةِ إذَا طَلَبَهُ (كَامِلًا) وَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ يَسْتَوْفِي الْإِمَامُ الْقِصَاصَ فِيهِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ لَا بِحُكْمِ الْإِرْثِ وَإِنَّمَا قُتِلَ الْحَسَنُ ابْنُ مُلْجِمٍ كُفْرًا ; لِأَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ حِلَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ كَافِرٌ وَقِيلَ لِسَعْيِهِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَنْتَظِرْ قُدُومَ مَنْ غَابَ مِنْ الْوَرَثَةِ (وَمَنْ مَاتَ) مِنْ وَرَثَةِ مَقْتُولٍ (فَوَارِثُهُ) أَيْ الْمَيِّتِ (كَهُوَ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ ; لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ فَانْتَقَلَ إلَى وَارِثِهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ.
وَمَتَى انْفَرَدَ بِهِ) أَيْ الْقِصَاصِ (مَنْ مُنِعَ) مِنْ الِانْفِرَادِ بِهِ (عُزِّرَ فَقَطْ) لِافْتِيَاتِهِ بِالِانْفِرَادِ وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَمُنِعَ مِنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ لِعَدَمِ التَّجَزِّي فَإِذَا اسْتَوْفَى وَقَعَ نَصِيبُهُ قِصَاصًا وَبَقِيَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى بَعْضِ النَّفْسِ فَيَتَعَذَّرُ فِيهِ الْقِصَاصُ (وَلِشَرِيكِ) مُقْتَصٍّ (فِي تَرِكَةِ جَانٍ حَقُّهُ) أَيْ الَّذِي لَمْ يَقْتَصّ (مِنْ الدِّيَةِ) بِقِسْطِهِ مِنْهَا (وَيَرْجِعُ وَارِثُ جَانٍ عَلَى مُقْتَصٍّ بِمَا فَوْقَ حَقِّهِ) فَلَوْ قَتَلَتْ امْرَأَةٌ رَجُلًا لَهُ ابْنَانِ فَقَتَلَهَا أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ فَلِمَنْ لَمْ يَأْذَنْ نِصْفُ دِيَةِ أَبِيهِ فِي تَرِكَةِ الْمَرْأَةِ الْقَاتِلَةِ وَيَرْجِعُ وَرَثَتُهَا عَلَى مَنْ اقْتَصَّ مِنْهَا بِنِصْفِ دِيَتِهَا (وَإِنْ عَفَا بَعْضُهُمْ) أَيْ مُسْتَحِقِّي الْقِصَاصِ (وَلَوْ) كَانَ الْعَافِي (زَوْجًا أَوْ زَوْجَةً
أَوْ شَهِدَ بَعْضُهُمْ) أَيْ بَعْضُ مُسْتَحِقِّي الْقِصَاصِ (وَلَوْ مَعَ فِسْقِهِ بِعَفْوِ شَرِيكِهِ سَقَطَ الْقَوَدُ) أَمَّا السُّقُوطُ بِعَفْوِ الْبَعْضِ فَلِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ جُمْلَةِ الْوَرَثَةِ.
وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " «فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ» " بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " «مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي وَمَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إلَّا خَيْرًا وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إلَّا خَيْرًا وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إلَّا مَعِي» " يُرِيدُ عَائِشَةَ وَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ أَهْلُكَ وَلَا نَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا وَعَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ أَنَّ عُمَرَ " أُتِيَ بِرَجُلٍ قَتَلَ قَتِيلًا فَجَاءَ وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ لِيَقْتُلُوهُ فَقَالَتْ امْرَأَةُ الْمَقْتُولِ وَهِيَ أُخْتُ الْقَاتِلِ قَدْ عَفَوْتُ عَنْ حَقِّي فَقَالَ عُمَرُ: اللَّهُ أَكْبَرُ قَدْ عَتَقَ الْقَتِيلُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَأَمَّا سُقُوطُهُ بِشَهَادَةِ بَعْضِهِمْ بِعَفْوِ شَرِيكِهِ وَلَوْ مَعَ فِسْقِهِ فَلِإِقْرَارِهِ بِسُقُوطِ نَصِيبِهِ وَإِذَا أَسْقَطَ بَعْضُهُمْ حَقَّهُ سَرَى إلَى الْبَاقِي كَالْعِتْقِ (وَلِمَنْ لَمْ يَعْفُ) مِنْ الْوَرَثَةِ (حَقُّهُ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى جَانٍ) سَوَاءٌ عَفَا شَرِيكُهُ مُطْلَقًا أَوْ إلَى الدِّيَةِ ; لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَمَّا فَاتَهُ مِنْ الْقِصَاصِ كَمَا لَوْ وَرِثَ الْقَاتِلُ بَعْضَ دَمِهِ (ثُمَّ إنْ قَتَلَهُ عَافٍ قُتِلَ وَلَوْ ادَّعَى نِسْيَانَهُ) أَيْ الْعَفْوِ (أَوْ جَوَازَهُ) أَيْ الْقَتْلِ بَعْدَ الْعَفْوِ سَوَاءٌ عَفَا مُطْلَقًا أَوْ إلَى مَالٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة: 94] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ أَيْ بَعْدَ أَخْذِهِ الدِّيَةَ وَلِأَنَّهُ قَتَلَ مَعْصُومًا مُكَافِئًا (وَكَذَا شَرِيكٌ) عَافٍ (عَالِمٌ بِالْعَفْوِ) أَيْ عَفْوِ شَرِيكِهِ (وَ) عَلِمَ بِ (سُقُوطِ الْقَوَدِ بِهِ) أَيْ بِعَفْوِ شَرِيكِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ فَيُقْتَلُ بِهِ سَوَاءٌ حُكِمَ بِالْعَفْوِ أَوْ لَا لِقَتْلِهِ مَعْصُومًا عَالِمَا بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ، وَالِاخْتِلَافُ لَا يُسْقِطُ الْقِصَاصَ إذْ لَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا بِكَافِرٍ قَتَلْنَاهُ بِهِ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي قَتْلِهِ (وَإِلَّا) يَعْلَمْ بِعَفْوِ شَرِيكِهِ وَسُقُوطِ الْقَوَدِ بِهِ بِأَنْ قَتَلَهُ غَيْرُ عَالِمٍ بِهِمَا فَلَا قِصَاصَ لِاعْتِقَادِهِ ثُبُوتَ حَقِّهِ فِيهِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ وَ (أَدَّاهُ) أَيْ أَدَّى دِيَتَهُ ; لِأَنَّهُ قَتَلَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَوَجَبَ ضَمَانُهُ كَسَائِرِ الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ.
(وَيَسْتَحِقُّ كُلُّ وَارِثٍ) لِلْمَقْتُولِ مِنْ (الْقَوَدِ بِقَدْرِ إرْثِهِ مِنْ الْمَالِ) أَيْ مَالِ الْمَقْتُولِ حَتَّى الزَّوْجَيْنِ وَذِي الرَّحِمِ ; لِأَنَّ الْقَوَدَ حَقٌّ ثَبَتَ لِلْوَارِثِ عَلَى سَبِيلِ الْإِرْثِ فَوَجَبَ لَهُ بِقَدْرِ مِيرَاثِهِ مِنْ الْمَالِ (وَيَنْتَقِلُ حَقُّ الْقَوَدِ مِنْ مُورِثِهِ) أَيْ الْمَنْقُولِ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْوَارِثِ ; لِأَنَّهُ بَدَلُ نَفْسِ الْمَقْتُولِ كَالدِّيَةِ (وَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ) مِنْ الْقَتْلَى (فَالْإِمَامُ وَلِيُّهُ) فِي الْقَوَدِ أَوْ الدِّيَةِ ; لِأَنَّهُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ (وَلَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (أَنْ يَقْتَصَّ أَوْ يَعْفُوَ إلَى مَالٍ) أَوْ دِيَةٍ فَأَكْثَرَ فَيَفْعَلَ مَا يَرَاهُ الْأَصْلَحُ ; لِأَنَّهُ
وَكِيلُ الْمُسْلِمِينَ وَ (لَا) يَعْفُو (مَجَّانًا) وَلَا عَلَى أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ ; لِأَنَّهَا حَقٌّ ثَابِتٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهَا وَلَا شَيْءَ مِنْهَا ; لِأَنَّهُ لَا حَظَّ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ.
الشَّرْطُ (الثَّالِثُ أَنْ يُؤْمَنَ فِي اسْتِيفَاءِ) قَوَدِ (تَعَدِّيهِ) أَيْ الِاسْتِيفَاءِ (إلَى غَيْرِ جَانٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [الإسراء: 33](فَلَوْ لَزِمَ الْقَوَدُ حَامِلًا) لَمْ تُقْتَلْ حَتَّى تَضَعَ (أَوْ) لَزِمَ الْقَوَدُ (حَائِلًا فَحَمَلَتْ لَمْ تُقْتَلْ حَتَّى تَضَعَ) حَمْلَهَا ; لِأَنَّ قَتْلَهَا إسْرَافٌ لِتَعَدِّيهِ إلَى حَمْلِهَا.
(وَ) حَتَّى (تَسْقِيَهُ اللِّبَأَ) ; لِأَنَّ تَرْكَهُ يَضُرُّ الْوَلَدَ وَفِي الْغَالِبِ لَا يَعِيشُ إلَّا بِهِ وَلِابْنِ مَاجَهْ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ مَرْفُوعًا " «إذَا قَتَلَتْ الْمَرْأَةُ عَمْدًا لَمْ تُقْتَلْ حَتَّى تَضَعَ مَا فِي بَطْنِهَا إنْ كَانَتْ حَامِلًا وَحَتَّى تَكْفُلَ وَلَدَهَا، وَإِنْ زَنَتْ لَمْ تُرْجَمْ حَتَّى تَضَعَ مَا فِي بَطْنِهَا وَحَتَّى تَكْفُلَ وَلَدَهَا» " وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِلْغَامِدِيَّةِ " «ارْجِعِي حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ ثُمَّ قَالَ لَهَا ارْجِعِي حَتَّى تُرْضِعِيهِ» "(ثُمَّ إنْ وُجِدَ مَنْ يُرْضِعُهُ) أَيْ وَلَدَهَا بَعْدَ سَقْيِهَا لَهُ اللِّبَأَ أُعْطِيَ لِمَنْ يُرْضِعُهُ وَأُقِيدَ مِنْهَا لِقِيَامِ غَيْرِهَا مَقَامَهَا فِي إرْضَاعِهِ وَتَرْبِيَتِهِ فَلَا عُذْرَ.
وَفِي الْإِقْنَاعِ إنْ وَجَدَ مُرْضِعَاتٍ غَيْرَ رَوَاتِبَ أَوْ شَاةً يُسْقَى مِنْ لَبَنِهَا جَازَ قَتْلُهَا وَيُسْتَحَبُّ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ تَأْخِيرُهُ إلَى الْفِطَامِ.
(وَإِلَّا) يُوجَدْ مَنْ يُرْضِعُهُ (فَ) لَا يُقَادُ مِنْهَا (حَتَّى تَفْطِمَهُ لِحَوْلَيْنِ) كَمَا تَقَدَّمَ وَلِأَنَّهُ إذَا أُخِّرَ الِاسْتِيفَاءُ لِحِفْظِهِ وَهُوَ حَمْلٌ فَلَأَنْ يُؤَخَّرَ لِحِفْظِهِ بَعْدَ وَضْعِهِ أَوْلَى (وَكَذَا حَدٌّ بِرَجْمٍ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَتُقَادُ) حَامِلٌ (فِي طُرُقٍ) بِمُجَرَّدِ وَضْعٍ (وَتُحَدُّ) حَامِلٌ (بِجَلْدٍ) لِقَذْفٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (بِمُجَرَّدِ وَضْعِ) حَمْلٍ فِي الْمُغْنِي وَسَقْيِ اللِّبَإِ.
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ وَيَفْرُغَ نِفَاسُهَا (وَمَتَى ادَّعَتْهُ) أَيْ الْحَمْلَ امْرَأَةٌ وَجَبَ عَلَيْهَا قَوَدٌ أَوْ قَطْعٌ أَوْ حَدٌّ بِرَجْمٍ أَوْ جَلْدٍ (وَأَمْكَنَ) بِأَنْ كَانَتْ فِي سِنٍّ يُمْكِنُ أَنْ تَحْمِلَ فِيهِ. قُلْتُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَوْجٌ أَوْ سَيِّدٌ (قُبِلَ) قَوْلُهَا ; لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا خُصُوصًا فِي ابْتِدَاءِ الْحَمْلِ، وَلَا يُؤْمَنُ الْخَطَرُ بِتَكْذِيبِهَا (وَحُبِسَتْ لِقَوَدٍ) كَمَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ مَعَ غَيْبَةِ وَلِيِّ مَقْتُولٍ) لِجَوَازِ أَنْ تَهْرَبَ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَوْفَى مِنْهَا (بِخِلَافِ حَبْسٍ فِي مَالِ غَائِبٍ) وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا.
وَ (لَا) تُحْبَسُ (لِحَدٍّ) بَلْ تُتْرَكُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهَا ; لِأَنَّهُ لَيْسَ لِآدَمِيٍّ يُخْشَى فَوَاتُهُ عَلَيْهِ. فَإِنْ كَانَ الْحَدُّ لِآدَمِيٍّ كَحَدِّ الْقَذْفِ فَيُتَوَجَّهُ حَبْسُهَا كَحَبْسِهَا لِلْقَوَدِ (حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهَا) فِي الْحَمْلِ وَعَدَمِهِ (وَمَنْ اقْتَصَّ مِنْ حَامِلٍ) فِي نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ فَأَجْهَضَتْ جَنِينَهَا (ضَمِنَ) الْمُقْتَصُّ