الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ الشَّهَادَاتِ]
(وَاحِدُهَا شَهَادَةٌ) مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمَشَاهِدِ لِإِخْبَارِ الشَّاهِدِ عَمَّا يُشَاهِدُهُ يُقَالُ: شَهِدَ الشَّيْءَ إذَا رَآهُ، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ لِمَحْضَرِ النَّاسِ مَشْهَدٌ ; لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ فِيهِ مَا يَحْضُرُونَهُ وقَوْله تَعَالَى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] أَيْ عَلِمَهُ بِرُؤْيَةِ هِلَالَهُ أَوْ إخْبَارِ مَنْ رَآهُ وَنَحْوَهُ، وَأَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ الشَّهَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَقَوْلِهِ {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] ، وَلِحَدِيثِ " «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ» " وَتَقَدَّمَ وَغَيْرُهُ، وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا لِحُصُولِ التَّجَاحُدِ قَالَ شُرَيْحٌ: الْقَضَاءُ جَمْرٌ فَنَحِّهِ عَنْكَ بِعُودَيْنِ يَعْنِي الشَّاهِدَيْنِ، وَإِنَّمَا الْخَصْمُ دَاءٌ وَالشُّهُودُ شِفَاءٌ فَأَفْرِغْ الشِّفَاءَ عَلَى الدَّاءِ، (وَهِيَ) أَيْ الشَّهَادَةُ لَهُ (حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ) لِمَا تَقَدَّمَ (تُظْهِرُ الْحَقَّ) الْمُدَّعَى بِهِ أَيْ تُبَيِّنُهُ، وَلِهَذَا سُمِّيَتْ بَيِّنَةً (وَلَا تُوجِبُهُ) أَيْ الْحَقَّ بَلْ الْحَاكِمُ يُلْزِمُهُ بِهِ بِشَرْطِهِ، (فَهِيَ) أَيْ الشَّهَادَةُ بِمَعْنَى الْأَدَاءِ (الْإِخْبَارُ بِمَا عَلِمَهُ) الشَّاهِدُ (بِلَفْظٍ خَاصٍّ) كَشَهِدْتُ أَوْ أَشْهَدُ وَيَأْتِي
(تَحَمُّلُ) الشَّهَادَةِ عَلَى (الْمَشْهُودِ بِهِ فِي غَيْرِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى) لَا مَا كَانَ حَقَّ الْآدَمِيِّ كَالْبَيْعِ وَالْغَصْبِ أَوْ غَيْرِهِ كَحَدِّ قَذْفٍ (فَرْضُ كِفَايَةٍ) إذَا قَامَ بِهِ مَنْ يَكْفِي سَقَطَ عَنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا مَنْ يَكْفِي تَعَيَّنَ عَلَيْهِ وَلَوْ عَبْدًا، وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ: الْمُرَادُ بِهِ التَّحَمُّلُ لِلشَّهَادَةِ وَإِثْبَاتُهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ فِي إثْبَاتِ الْحُقُوقِ وَالْعُقُودِ كَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ; وَلِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى امْتِنَاعِ النَّاسِ مِنْ تَحَمُّلِهَا فَيُؤَدِّيَ إلَى ضَيَاعِ الْحُقُوقِ، (وَتُطْلَقُ الشَّهَادَةُ عَلَى التَّحَمُّلِ وَعَلَى الْأَدَاءِ) فَيَكُونُ الْأَدَاءُ أَيْضًا فَرْضَ
كِفَايَةٍ قَدَّمَهُ الْمُوَفَّقُ وَجَزَمَ بِهِ جَمْعٌ. وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَنَصُّهُ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] وَخَصَّ الْقَلْبَ بِالْإِثْمِ ; لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْعِلْمِ بِهَا
(وَيَجِبَانِ) أَيْ التَّحَمُّلُ وَالْأَدَاءُ (إذَا دُعِيَ) إلَيْهِمَا (أَهْلٌ لَهُمَا) ; لِأَنَّ مَقْصُودَ الشَّهَادَةِ لَا يَحْصُلُ مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا (بِدُونِ مَسَافَةِ قَصْرٍ) عِنْدَ سُلْطَانٍ لَا يُخَافُ تَعَدِّيهِ نَقَلَ مِنْهَا أَوْ حَاكِمٍ عَدْلٍ، (وَقَدَرَ) عَلَى التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ (بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ)، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي التَّحَمُّلِ أَوْ الْأَدَاءِ فِي بَدَنِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَقْبَلُ الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُ أَوْ يَحْتَاجُ إلَى التَّبَذُّلِ فِي التَّزْكِيَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ لِقَوْلِهِ:{وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» " وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَضُرَّ نَفْسَهُ لِنَفْعِ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ غَيْرَ عَدْلٍ فَقَالَ أَحْمَدُ: كَيْفَ أَشْهَدُ عِنْدَ رَجُلٍ لَيْسَ عَدْلًا لَا أَشْهَدُ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " «يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أُمَرَاءُ ظَلَمَةٌ وَوُزَرَاءُ فَسَقَةٌ وَقُضَاةٌ خَوَنَةٌ وَفُقَهَاءُ كَذَبَةٌ، فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ ذَلِكَ الزَّمَانَ فَلَا يَكُونَنَّ لَهُمْ كَاتِبًا وَلَا عَرِّيفًا وَلَا شُرْطِيًّا» "
(فَلَوْ أَدَّى شَاهِدٌ وَأَبَى الْآخَرُ) الشَّهَادَةَ (وَقَالَ) لِلْمَشْهُودِ لَهُ: (احْلِفْ بِهِ لِي أَثِمَ) اتِّفَاقًا قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَيَخْتَصُّ الْأَدَاءُ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ
(وَلَا يُقِيمُهَا) أَيْ الشَّهَادَةَ (عَلَى مُسْلِمٍ بِقَتْلِ كَافِرٍ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ يَحْرُمُ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ عِنْدَ مَنْ يَقْتُلُهُ بِهِ، (وَمَتَى وَجَبَتْ) الشَّهَادَةُ (وَجَبَتْ كِتَابَتُهَا عَلَى مَنْ وَجَبَتْ) عَلَيْهِ لِئَلَّا يَنْسَاهَا
(وَإِنْ دُعِيَ فَاسِقٌ لِتَحَمُّلِهَا) أَيْ الشَّهَادَةِ (فَلَهُ الْحُضُورُ مَعَ عَدَمِ غَيْرِهِ) ، إذْ التَّحَمُّلُ لَا يُعْتَبَرُ لَهُ الْعَدَالَةُ، فَلَوْ لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى صَارَ عَدْلًا قُبِلَتْ (وَلَا يَحْرُمُ أَدَاؤُهُ) أَيْ الْفَاسِقِ الشَّهَادَةَ، (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِسْقُهُ ظَاهِرًا) ; لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِدْقَهُ. وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ مَنْ بَانَ فِسْقُهُ
(وَيَحْرُمُ أَخْذُ أُجْرَةٍ) عَلَى شَهَادَةٍ (وَ) أَخْذُ (جُعْلٍ عَلَيْهَا، وَلَوْ لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ) ; لِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ. وَمَنْ قَامَ بِهِ فَقَدْ قَامَ بِفَرْضٍ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ وَلَا الْجُعْلِ عَلَيْهِ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، (لَكِنْ إنْ عَجَزَ) الشَّاهِدُ (عَنْ الْمَشْيِ) إلَى مَحَلِّهَا (أَوْ تَأَذَّى بِهِ) أَيْ الْمَشْيِ (فَلَهُ أَخْذُ أُجْرَةِ مَرْكُوبٍ) مِنْ رَبِّ الشَّهَادَةِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَأُجْرَةُ مَرْكُوبٍ وَالنَّفَقَةُ عَلَى رَبِّهَا، ثُمَّ قَالَ: قُلْت هَذَا إنْ تَعَذَّرَ حُضُورُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ إلَى مَحَلِّ الشَّاهِدِ لِمَرَضٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ جَاهٍ أَوْ خَفَرٍ، وَقَالَ أَيْضًا: وَكَذَا حُكْمُ مُزَكٍّ وَمُعَرِّفٍ وَمُتَرْجِمٍ وَمُفْتٍ وَمُقِيمِ حَدٍّ وَقَوَدٍ وَحَافِظِ بَيْتِ
الْمَالِ أَوْ مُحْتَسِبِ الْخَلِيفَةِ انْتَهَى. لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي الْمُغْنِي تَفْصِيلُ
(وَ) يُبَاحُ (لِمَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ بِحَدٍّ لِلَّهِ) تَعَالَى كَزِنًى وَشُرْبِ خَمْرٍ (إقَامَتُهَا وَتَرْكُهَا) ; لِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَلَا ضَرَرَ فِي تَرْكِهَا عَلَى أَحَدٍ، وَالسَّتْرُ مَأْمُورٌ بِهِ وَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ فِي الزِّنَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ، وَشَدَّدَ فِيهِ عَلَى الشُّهُودِ مَا لَمْ يُشَدِّدْ عَلَى غَيْرِهِمْ طَلَبًا لِلسَّتْرِ، وَاسْتَحَبَّ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَأَبُو الْفَرَجِ وَالشَّيْخُ وَالتَّرْغِيبُ تَرْكَهُ لِلتَّرْغِيبِ فِي السَّتْرِ.
وَفِي آخِرِ الرِّعَايَةِ وُجُوبُ الْإِغْضَاءِ عَمَّنْ سَتَرَ الْمَعْصِيَةَ، (وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُعَرِّضَ لَهُمْ) أَيْ الشُّهُودِ (بِالتَّوَقُّفِ عَنْهَا) أَيْ الشَّهَادَةِ (كَتَعْرِيضِهِ لِمُقِرٍّ) بِحَدِّ لَلَهُ (لِيَرْجِعَ) عَنْ إقْرَارِهِ ; لِأَنَّ عُمَرَ لَمَّا شَهِدَ عِنْدَهُ الثَّلَاثَةُ عَلَى الْمُغِيرَةِ بِالزِّنَا وَجَاءَ زِيَادٌ لِيَشْهَدَ عَرَّضَ لَهُ بِالرُّجُوعِ وَقَالَ:" مَا عِنْدَكَ يَا سَلْحَ الْعُقَابِ " وَصَاحَ بِهِ فَلَمَّا لَمْ يُصَرِّحْ بِالزِّنَا وَقَالَ: رَأَيْتُ أَمْرًا قَبِيحًا فَرِحَ عُمَرُ وَحَمِدَ اللَّهَ وَكَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم لِلسَّارِقِ: " «مَا إخَالُكَ سَرَقْتَ مَرَّتَيْنِ» وَأَعْرَضَ عَنْ الْمُقِرِّ بِالزِّنَا حَتَّى أَقَرَّ أَرْبَعًا
(وَتُقْبَلُ) الشَّهَادَةُ (بِحَدٍّ قَدِيمٍ) قَالَ فِي الْإِنْصَافِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: هَلْ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِحَدٍّ قَدِيمٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ انْتَهَى. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْقَبُولُ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ انْتَهَى. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا شَهَادَةٌ بِحَقٍّ فَجَازَتْ مَعَ تَقَادُمِ الزَّمَانِ كَالشَّهَادَةِ بِالْقِصَاصِ ; وَلِأَنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ لِلشَّاهِدِ مَا يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ حِينَهَا وَيَتَمَكَّنُ مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ
(وَمَنْ قَالَ) لِرَجُلَيْنِ (اُحْضُرَا لِتَسْمَعَا قَذْفَ زَيْدٍ لِي لَزِمَهُمَا) ذَلِكَ، وَإِنْ دَعَا زَوْجٌ أَرْبَعَةً لِتَحَمُّلِهَا بِزِنَا امْرَأَتِهِ جَازَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: 15] الْآيَةَ (وَمَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لِآدَمِيٍّ يَعْلَمُهَا لَمْ يُقِمْهَا حَتَّى يَسْأَلَهُ) رَبُّ الشَّهَادَةِ إقَامَتَهَا، «وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ; وَلِأَنَّ أَدَاءَهَا حَقٌّ لِلْمَشْهُودِ لَهُ فَلَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِرِضَاهُ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، (وَإِلَّا) يَعْلَمْ رَبُّ الشَّهَادَةِ بِأَنَّ الشَّاهِدَ تَحَمَّلَهَا (اُسْتُحِبَّ) لِمَنْ عِنْدَهُ الشَّهَادَةُ (إعْلَامُهُ) أَيْ رَبِّ الشَّهَادَةِ بِأَنَّ لَهُ عِنْدَهُ شَهَادَةً (قَبْلَ إقَامَتِهَا)، وَلَهُ إقَامَتُهَا قَبْلَ إعْلَامِهِ لِحَدِيثِ: " «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ؟ الَّذِي يَأْتِي بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَحُمِلَ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ رَبُّ الشَّهَادَةِ وَالْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا عَلِمَ جَمْعًا بَيْنَهُمَا. (وَيَحْرُمُ) عَلَى مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ بِحَقِّ آدَمِيٍّ لَا يَعْلَمُهَا (كَتْمُهَا) لِلْآيَةِ (فَيُقِيمُهَا) أَيْ الشَّهَادَةَ (بِطَلَبِهِ) أَيْ الْمَشْهُودِ لَهُ، (وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْهَا حَاكِمٌ) مِنْهُ لِمَا تَقَدَّمَ، (وَلَا يَقْدَحُ)
أَدَاءُ الشَّهَادَةِ بِلَا طَلَبِ حَاكِمٍ وَبِلَا طَلَبِ مَشْهُودٍ لَهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ (فِيهِ كَشَهَادَةِ حِسْبَةً) بِحَقٍّ لَلَهُ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ دَعْوَى
(وَيَجِبُ إشْهَادُ) اثْنَيْنِ (عَلَى نِكَاحٍ) ; لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِدُونِهَا وَتَقَدَّمَ (وَيُسَنُّ) الْإِشْهَادُ (فِي كُلِّ عَقْدٍ سِوَاهُ) مِنْ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَصُلْحٍ وَغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282]، وَحُمِلَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي ائْتُمِنَ أَمَانَتَهُ.} [البقرة: 283]
(وَيَحْرُمُ أَنْ يَشْهَدَ) أَحَدٌ (إلَّا بِمَا يَعْلَمُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ هُنَا وَهُوَ يَعْلَمُ مَا شَهِدَ بِهِ عَنْ بَصِيرَةٍ وَإِيقَانٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الشَّهَادَةِ؟ فَقَالَ «تَرَى الشَّمْسَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: عَلَى مِثْلِهَا فَاشْهَدْ أَوْ دَعْ» رَوَاهُ الْخَلَّالُ فِي جَامِعِهِ، وَالْمُرَادُ الْعِلْمُ فِي أَصْلِ الْمُدْرَكِ لَا فِي دَوَامِهِ، وَلِذَلِكَ يُشْهَدُ بِالدَّيْنِ مَعَ جَوَازِ دَفْعِ الْمَدِينِ لَهُ وَبِالْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ مَعَ جَوَازِ الْإِقَالَةِ وَنَحْوِهَا. أَشَارَ إلَيْهِ الْقَرَافِيُّ. فَمُدْرِكُ الْعِلْمِ الَّذِي تَقَعُ بِهِ الشَّهَادَاتُ يَكُونُ (بِرُؤْيَةٍ أَوْ سَمَاعٍ غَالِبًا لِجَوَازِهَا) أَيْ الشَّهَادَةِ (بِبَقِيَّةِ الْحَوَاسِّ) كَالذَّوْقِ وَاللَّمْسِ (قَلِيلًا) كَدَعْوَى مُشْتَرٍ مَأْكُولًا عَيَّبَهُ لِمَرَارَتِهِ وَنَحْوِهَا، فَتَشْهَدُ الْبَيِّنَةُ بِهِ، (فَإِنَّ) تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ عَلَى مَنْ يَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ وَاسْمِهِ وَنَسَبِهِ جَازَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ مَعَ حُضُورِهِ وَغَيْبَتِهِ، وَإِنْ (جَهِلَ) الشَّاهِدُ (حَاضِرًا) أَيْ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ وَقَدْ تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ عَلَيْهِ (جَازَ أَنْ يَشْهَدَ) عَلَيْهِ (فِي حَضْرَتِهِ) فَقَطْ (لِمَعْرِفَتِهِ عَيْنَهُ) نَصًّا، (وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَ) لَا يَشْهَدُ حَتَّى يَعْرِفَ اسْمَهُ، فَإِنْ عَرَفَهُ أَيْ الشَّاهِدُ (بِهِ) أَيْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ (مَنْ يَسْكُنُ) أَيْ يَطْمَئِنُّ الشَّاهِدُ (إلَيْهِ) وَلَوْ وَاحِدًا، (جَازَ) لَهُ (أَنْ يَشْهَدَ) عَلَيْهِ، (وَلَوْ عَلَى امْرَأَةٍ) لِحُصُولِ الْمَعْرِفَةِ بِهِ، (وَلَا تُعْتَبَرُ إشَارَتُهُ) أَيْ الشَّاهِدِ حَالَ الشَّهَادَةِ (إلَى) مَشْهُودٍ عَلَيْهِ (حَاضِرٍ مَعَ) ذِكْرِ (نَسَبِهِ وَوَصْفِهِ) اكْتِفَاءً بِهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُمَا أَشَارَ إلَيْهِ لِحُصُولِ التَّعْيِينِ، (وَإِنْ شَهِدَ) شَاهِدٌ (بِإِقْرَارٍ بِحَقٍّ لَمْ يُعْتَبَرْ) لِصِحَّةِ الشَّهَادَةِ (ذِكْرُ سَبَبِهِ) أَيْ الْحَقِّ أَوْ الْإِقْرَارِ (ك) مَا لَا يُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ الشَّهَادَةِ بِالْإِقْرَارِ ذِكْرُ (اسْتِحْقَاقِ مَالِهِ) بِأَنْ يَقُولَ: أُقِرُّ لَهُ بِكَذَا وَهُوَ يَسْتَحِقُّهُ عِنْدَهُ اكْتِفَاءً بِالظَّاهِرِ، (وَلَا يُعْتَبَرُ) لِلشَّهَادَةِ بِالْإِقْرَارِ (قَوْلُهُ) أَيْ الشَّاهِدِ أُقِرُّ (طَوْعًا فِي صِحَّتِهِ مُكَلَّفًا عَمَلًا بِالظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الْحَالِ ; لِأَنَّ مَنْ سِوَى ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى تَقْيِيدِ الشَّهَادَةِ بِتِلْكَ الْحَالِ
(وَإِنْ شَهِدَ) شَاهِدٌ (بِسَبَبٍ يُوجِبُ الْحَقَّ) كَتَفْرِيطٍ فِي أَمَانَةٍ
(أَوْ) شَهِدَ بِ (اسْتِحْقَاقِ غَيْرِهِ) كَقَوْلِهِ: أَشْهَدُ أَنَّ زَيْدًا يَسْتَحِقُّ بِذِمَّةِ عَمْرو كَذَا (ذِكْرُهُ) أَيْ الْمُوجِبَ لِلِاسْتِحْقَاقِ ; لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَعْتَقِدُهُ الْحَاكِمُ مُوجِبًا، (وَالرُّؤْيَةُ تَخْتَصُّ بِالْفِعْلِ كَقَتْلٍ وَسَرِقَةٍ وَغَصْبٍ وَشُرْبِ خَمْرٍ وَرَضَاعٍ وَوِلَادَةٍ) وَعُيُوبٍ مَرْئِيَّةٍ فِي نَحْوِ مَبِيعٍ ; لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الشَّهَادَةُ عَلَى ذَلِكَ قَطْعًا فَلَا يَرْجِعُ إلَى غَيْرِهِ، (وَالسَّمَاعُ ضَرْبَانِ.) الْأَوَّلُ:(سَمَاعٌ مِنْ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ كَعِتْقٍ وَطَلَاقٍ وَعَقْدٍ) مِنْ بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ وَنَحْوِهِمَا (وَإِقْرَارٌ) بِمَالٍ أَوْ حَدٍّ أَوْ نَسَبٍ أَوْ قَوَدٍ أَوْ رِقٍّ أَوْ غَيْرِهِ (وَحُكْمُ حَاكِمٍ وَإِنْفَاذُهُ) حُكْمَ غَيْرِهِ، فَإِذَا سَمِعَ إنْسَانٌ مِنْ غَيْرِهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَعَرَفَ الْقَائِلَ يَقِينًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي (فَيَلْزَمُهُ) أَيْ الشَّخْصَ (الشَّهَادَةُ بِمَا سَمِعَ) مِنْ قَائِلٍ عَرَفَهُ يَقِينًا، كَمَا فِي الْكَافِي (سَوَاءٌ وَقَّتَ الْحَاكِمُ الْحُكْمَ) بِأَنْ قَالَ: حَكَمْتُ بِكَذَا فِي زَمَنِ كَذَا، أَوْ لَمْ يُؤَقِّتْهُ، (أَوْ اسْتَشْهَدَهُ مَشْهُودٌ عَلَيْهِ) ، أَوْ لَمْ يَسْتَشْهِدْهُ لِئَلَّا يَمْتَنِعَ ثُبُوتُ الْغَصْبِ وَسَائِرُ مَا يَتَضَمَّنُ الْعُدْوَانَ، فَإِنَّ فَاعِلَهَا لَا يَشْهَدُ بِهَا عَلَى نَفْسِهِ، (أَوْ كَانَ الشَّاهِدُ مُسْتَخْفِيًا حِينَ تَحَمُّلِهِ) الشَّهَادَةَ (أَوْ لَا) ، فَمَنْ عِنْدَهُ حَقٌّ يُنْكِرُهُ بِحَضْرَةِ مَنْ يَشْهَدُ عَلَيْهِ فَسَمِعَ إقْرَارَهُ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِهِ الْمُقِرُّ جَازَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمَا سَمِعَهُ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ بِسَمَاعِهِ الْمُقِرَّ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِالْمَشْهُودِ بِهِ كَمَا لَوْ رَآهُ يَفْعَلُ شَيْئًا وَلَمْ يَعْلَمْ الْفَاعِلَ أَنَّ أَحَدًا رَآهُ.
(وَ) الثَّانِي: (سَمَاعٌ بِالِاسْتِفَاضَةِ) بِأَنْ يَشْتَهِرَ الْمَشْهُودُ بِهِ بَيْنَ النَّاسِ فَيَتَسَامَعُونَ بِهِ بِإِخْبَارِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَلَا تُسْمَعُ شَهَادَةٌ بِالِاسْتِفَاضَةِ إلَّا (فِيمَا يُتَعَذَّرُ عِلْمُهُ غَالِبًا بِدُونِهَا) أَيْ الِاسْتِفَاضَةِ (كَنَسَبٍ) إجْمَاعًا وَإِلَّا لَاسْتَحَالَتْ مَعْرِفَتُهُ بِهِ، إذْ لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ قَطْعًا بِغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا تُمْكِنُ الشَّهَادَةُ فِيهِ، وَكَوِلَادَةٍ (وَمَوْتٍ وَمِلْكٍ مُطْلَقٍ) ، إذْ الْوِلَادَةُ قَدْ لَا يُبَاشِرُهَا إلَّا الْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ، وَالْمَوْتُ قَدْ لَا يُبَاشِرُهُ إلَّا الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ مِمَّنْ يَحْضُرُهُ وَيَتَوَلَّى غُسْلَهُ وَتَكْفِينَهُ، وَالْمِلْكُ قَدْ يَتَقَادَمُ سَبَبُهُ فَتُوقَفُ الشَّهَادَةُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ يُؤَدِّي إلَى الْعُسْرِ خُصُوصًا مَعَ طُولِ الزَّمَنِ، وَخَرَجَ بِالْمُطْلَقِ كَقَوْلِهِ: مَلَكَهُ بِالشِّرَاءِ مِنْ فُلَانٍ أَوْ الْإِرْثِ أَوْ الْهِبَةِ، فَلَا تَكْفِي فِيهِ الِاسْتِفَاضَةُ.
(وَ) كَ (عِتْقٍ) بِأَنْ يَشْهَدَ أَنَّ هَذَا عَتِيقُ زَيْدٍ ; لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ (وَ) كَ (وَلَاءٍ وَوِلَايَةٍ وَعَزْلٍ) ; لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْضُرُهُ غَالِبًا آحَادُ النَّاسِ، وَلَكِنَّ انْتِشَارَهُ فِي أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَوْ الْقَرْيَةِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِحَّتُهُ عِنْدَ الشَّاهِدِ، بَلْ رُبَمَا قَطَعَ بِهِ لِكَثْرَةِ الْمُخْبِرِينَ وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، (وَ) كَ (نِكَاحٍ) عَقْدًا وَدَوَامًا (وَخُلْعٍ وَطَلَاقٍ) نَصًّا فِيهِمَا ; لِأَنَّهُ مِمَّا
يَشِيعُ وَيَشْتَهِرُ غَالِبًا، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ، (وَ) كَ (وَقْفٍ) بِأَنْ يَشْهَدَ أَنَّ هَذَا وَقْفُ زَيْدٍ لَا أَنَّهُ أَوْقَفَهُ، (وَ) كَ (مَصْرِفِهِ) أَيْ الْوَقْفِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ قَالَ: الْخِرَقِيِّ: وَمَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ وَاسْتَقَرَّتْ مَعْرِفَتُهُ فِي قَلْبِهِ شَهِدَ بِهِ ; وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَتَعَذَّرُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا غَالِبًا بِمُشَاهَدَتِهَا وَمُشَاهَدَةِ أَسْبَابِهَا أَشْبَهَتْ النَّسَبَ، وَكَوْنُهُ يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِمُشَاهَدَةِ سَبَبِهِ لَا يُنَافِي التَّعَذُّرَ غَالِبًا،.
(وَ) يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ (يَشْهَدَ بِاسْتِفَاضَةٍ إلَّا) إنْ سَمِعَ مَا يَشْهَدُ بِهِ (عَنْ عَدَدٍ يَقَعُ بِهِمْ) أَيْ: بِخَبَرِهِمْ (الْعِلْمُ) ; لِأَنَّ لَفْظَ الِاسْتِفَاضَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ فَيْضِ الْمَاءِ لِكَثْرَتِهِ قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَيَكُونُ ذَلِكَ الْعَدَدُ عَدَدَ التَّوَاتُرِ ; لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] .
(وَيَلْزَمُ الْحُكْمُ بِشَهَادَةٍ لَمْ يُعْلَمْ تَلَقِّيهَا مِنْ الِاسْتِفَاضَةِ، وَمَنْ قَالَ شَهِدْتُ بِهَا) أَيْ الِاسْتِفَاضَةِ (فَفَرْعٌ) ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْإِنْصَافِ وَالتَّنْقِيحِ،.
وَفِي الْمُغْنِي شَهَادَةُ أَصْحَابِ الْمَسَائِلِ يَعْنِي الشُّهُودَ اسْتِفَاضَةً لَا شَهَادَةً عَلَى شَهَادَةٍ، فَيُكْتَفَى بِمَنْ شَهِدَ بِهَا كَبَقِيَّةِ شَهَادَةِ الِاسْتِفَاضَةِ، وَفِي التَّرْغِيبِ لَيْسَ فِيهَا فَرْعٌ، وَفِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ الشَّهَادَةُ بِالِاسْتِفَاضَةِ خَبَرٌ لَا شَهَادَةٌ، وَأَنَّهَا تَحْصُلُ بِالنِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ إنْ شَهِدَ أَنَّ جَمَاعَةً يَثِقُ بِهِمْ أَخْبَرُوهُ بِمَوْتِ فُلَانٍ أَوْ أَنَّهُ ابْنُهُ أَوْ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فَهِيَ شَهَادَةُ اسْتِفَاضَةٍ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ، وَكَذَا أَجَابَ أَبُو الْخَطَّابِ يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ وَيُحْكَمُ فِيهِ بِشَهَادَةِ اسْتِفَاضَةٍ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الْقَاضِيَ يَحْكُمُ بِالتَّوَاتُرِ
(وَمَنْ سَمِعَ إنْسَانًا يُقِرُّ بِنَسَبِ أَبٍ أَوْ ابْنٍ وَنَحْوِهِمَا، فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ) جَازَ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِهِ لِتَوَافُقِ الْمُقِرِّ وَالْمُقَرِّ لَهُ عَلَى ذَلِكَ، (أَوْ سَكَتَ) الْمُقَرُّ لَهُ (جَازَ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِهِ) نَصًّا ; لِأَنَّ السُّكُوتَ فِي النَّسَبِ إقْرَارٌ ; لِأَنَّ مَنْ بُشِّرَ بِوَلَدٍ فَسَكَتَ لَحِقَهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ ; لِأَنَّ الْإِقْرَارَ عَلَى الِانْتِسَابِ الْبَاطِلِ غَيْرُ جَائِزٍ ; وَلِأَنَّ النَّسَبَ يَغْلِبُ فِيهِ الْإِثْبَاتُ ; لِأَنَّهُ يَلْحَقُ بِالْإِمْكَانِ فِي النِّكَاحِ، وَ (لَا) يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِالنَّسَبِ (إنْ كَذَّبَهُ) الْمُقَرُّ لَهُ لَبُطْلَانِ الْإِقْرَارِ بِالتَّكْذِيبِ، (وَإِنْ قَالَ الْمُتَحَاسِبَانِ) لِمَنْ حَضَرَهُمَا:(لَا تَشْهَدُوا عَلَيْنَا بِمَا يَجْرِي بَيْنَنَا لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ الشَّهَادَةَ) عَلَيْهِمَا بِمَا جَرَى بَيْنَهُمَا، (وَ) لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ (لُزُومَ إقَامَتِهَا) ; لِأَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يَشْهَدُ بِمَا عَلِمَهُ، وَلَا أَثَرَ لِمَنْعِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ كَمَنْ غَصَبَ شَيْئًا وَقَالَ لِمَنْ يَرَاهُ: لَا تَشْهَدْ عَلَيَّ بِذَلِكَ
(وَمَنْ رَأَى شَيْئًا بِيَدِ إنْسَانٍ يَتَصَرَّفُ فِيهِ مُدَّةً طَوِيلَةً) كَ (تَصَرُّفِ) مَالِكٍ مِنْ نَقْضٍ وَبِنَاءٍ وَإِجَارَةٍ وَإِعَارَةٍ فَلَهُ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ ; لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ فِيهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ