الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذَوِي الْعُقُولِ الْوَافِرَةِ بَرَاءً مِنْ الشَّحْنَاءِ وَالْبَغْضَاءِ فَإِذَا رَجَعُوا فَأَخْبَرَ اثْنَانِ بِالْعَدَالَةِ قَبِلَ الشَّهَادَةَ، وَإِنْ أَخْبَرَا بِالْجَرْحِ رَدَّهَا، وَإِنْ أَخْبَرَ أَحَدَهُمَا بِالْجَرْحِ وَالْآخَرُ بِالْعَدَالَةِ بَعَثَ آخَرَيْنِ، فَإِنْ عَادَا وَأَخْبَرَا بِالتَّعْدِيلِ تَمَّتْ بَيِّنَتُهُ وَسَقَطَ الْجَرْحُ ; لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ لَمْ تَتِمَّ وَإِنْ أَخْبَرَا بِالْجَرْحِ ثَبَتَ وَسَقَطَ التَّعْدِيلُ
(وَمَنْ نُصِبَ لِلْحُكْمِ فِي جَرْحٍ أَوْ تَعْدِيلٍ أَوْ) نُصِبَ ل (سَمَاعِ بَيِّنَةٍ قَنَعَ الْحَاكِمُ بِقَوْلِهِ وَحْدَهُ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عِنْدَهُ) ; لِأَنَّهُ حَاكِمٌ أَشْبَهَ غَيْرَهُ مِنْ الْحُكَّامِ
(وَمَنْ سَأَلَهُ حَاكِمٌ عَنْ تَزْكِيَةِ مَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ أَخْبَرَ) وُجُوبًا بِالْوَاقِعِ، (وَإِلَّا) يَسْأَلْهُ الْحَاكِمُ عَنْهُ (لَمْ يَجِبْ) عَلَيْهِ الْإِخْبَارُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ.
[فَصْلٌ قَالَ الْمُدَّعِي: مَا لِي بَيِّنَةٌ]
فَصْلٌ وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي مَا لِي بَيِّنَةٌ فَقَوْلُ مُنْكِرٍ بِيَمِينِهِ إلَّا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إذَا ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ (أَوْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ، فَقَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ) لِعِصْمَتِهِ (فَيُعْلِمُهُ) أَيْ الْمُدَّعِيَ (حَاكِمٌ بِذَلِكَ) أَيْ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ خَصْمِهِ الْمُنْكِرِ بِيَمِينِهِ لِحَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ: " «أَنَّ رَجُلًا مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَرَجُلًا مِنْ كِنْدَةَ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ: إنَّ هَذَا غَلَبَنِي عَلَى أَرْضِي وَرِثْتُهَا مِنْ أَبِي، وَقَالَ الْكِنْدِيُّ أَرْضِي وَفِي يَدِي لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ. فَقَالَ: إنَّهُ لَا يَتَوَرَّعُ مِنْ شَيْءٍ قَالَ: لَيْسَ لَكَ إلَّا ذَلِكَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(فَإِنْ سَأَلَ) الْمُدَّعِي (إحْلَافه) أَيْ الْمُنْكِرِ، (وَلَوْ عُلِمَ) وَقْتَ إحْلَافه (عَدَمُ قُدْرَتِهِ) أَيْ الْمُنْكِرِ (عَلَى حَقِّهِ، وَيُكْرَهُ) لَهُ إحْلَافه إذَنْ لِئَلَّا يَضْطَرَّهُ إلَى الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ لِخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْحَبْسِ إذَا أَقَرَّ لِعُسْرَتِهِ، (أُحْلِفَ عَلَى صِفَةِ جَوَابِهِ) نَصًّا لَا عَلَى صِفَةِ الدَّعْوَى ; لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ الْجَوَابِ فَيَحْلِفُ عَلَيْهِ،.
(وَ) إذَا حَلَفَ (خَلَّى) سَبِيلَهُ لِانْقِطَاعِ الْخُصُومَةِ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِلْحَضْرَمِيِّ: " «لَيْسَ لَكَ إلَّا ذَلِكَ» "
(وَتَحْرُمُ دَعْوَاهُ) أَيْ الْمُدَّعِي (ثَانِيًا وَتَحْلِيفُهُ) أَيْضًا (كَبَرِيءٍ) أَيْ كَمَا تَحْرُمُ دَعْوَاهُ عَلَى بَرِيءٍ وَتَحْلِيفُهُ ; لِأَنَّهُ ظُلْمٌ لَهُ
(وَلَا يُعْتَدُّ بِيَمِينِ) مُنْكِرٍ (إلَّا) إذَا كَانَتْ (بِأَمْرِ حَاكِمٍ) وَ (سُؤَالِ مُدَّعٍ طَوْعًا) فَإِنْ حَلَفَ بِلَا أَمْرِ حَاكِمٍ أَوْ حَلَّفَهُ حَاكِمٌ بِلَا سُؤَالِ مُدَّعٍ أَوْ بِسُؤَالِهِ كُرْهًا لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الْيَمِينُ، فَإِذَا سَأَلَ الْمُدَّعِي الْحَاكِمَ إعَادَتَهَا أَعَادَهَا
(وَلَا يَصِلُهَا) أَيْ الْيَمِينَ مُنْكِرٌ (بِاسْتِثْنَاءٍ) ; لِأَنَّهُ يُزِيلُ
حُكْمَهَا قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَكَذَا بِمَا لَا يُفْهَمُ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ إذَا لَمْ يَسْمَعْهُ الْحَاكِمُ الْمُحَلِّفُ لَهُ
(وَتَحْرُمُ تَوْرِيَةٌ) فِي حَلِفٍ، وَهِيَ إطْلَاقُ لَفْظٍ لَهُ مَعْنَيَانِ قَرِيبٌ وَبَعِيدٌ وَيُرَادُ الْبَعِيدُ اعْتِمَادًا عَلَى قَرِينَةٍ خَفِيَّةٍ، (وَ) يَحْرُمُ (تَأْوِيلٌ) فِي حَلِفٍ بِأَنْ يُرِيدَ بِلَفْظِهِ مَا يُخَالِفُ ظَاهِرَهُ، (إلَّا لِ) حَالِفٍ (مَظْلُومٍ) فَتَجُوزُ لَهُ التَّوْرِيَةُ وَالتَّأْوِيلُ لِدَفْعِ الظُّلْمِ عَنْهُ
(وَ) يَحْرُمُ (حَلِفُ مُعْسِرٍ خَافَ حَبْسًا) إنْ أَقَرَّ بِمَا عَلَيْهِ (أَنَّهُ) أَيْ الْمُدَّعِي (لَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ وَلَوْ نَوَى) لَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ (السَّاعَةَ)، لِكَوْنِهِ مُعْسِرًا خَافَ حَبْسًا أَوْ لَا. نَقَلَ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ وَجَوَّزَهُ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ بِالنِّيَّةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَفِي الْإِنْصَافِ وَهُوَ الصَّوَابُ إنْ خَافَ حَبْسًا
(وَ) يَحْرُمُ حَلِفُ (مَنْ عَلَيْهِ) دَيْنٌ (مُؤَجَّلٌ أَرَادَ غَرِيمُهُ مَنْعَهُ مِنْ سَفَرٍ) فَأَنْكَرَ وَحَلَفَ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ، وَلَوْ نَوَى السَّاعَةَ نَصًّا ; لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ دَفْعُهُ السَّاعَةَ لَمْ يَصِحَّ نَفْيُهُ لِثُبُوتِهِ فِي ذِمَّتِهِ فَهُوَ كَاذِبٌ فِي يَمِينِهِ
(وَلَا يَحْلِفُ) مُدَّعًى عَلَيْهِ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ (فِي) شَيْءٍ (مُخْتَلَفٍ فِيهِ، لَا يَعْتَقِدُهُ) مُدَّعًى عَلَيْهِ حَقًّا (نَصًّا وَحَمَلَهُ) أَيْ النَّصِّ (الْمُوَفَّقُ عَلَى الْوَرَعِ) دُونَ التَّحْرِيمِ، (وَنُقِلَ عَنْهُ) أَيْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ (لَا يُعْجِبُنِي) أَيْ أَنْ يَحْلِفَ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ لَا يَعْتَقِدُهُ نَحْوَ إنْ بَاعَ شَافِعِيٌّ لَحْمَ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا لِحَنْبَلِيٍّ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ، فَطَالَبَهُ بِهِ فَأَنْكَرَ مُجِيبًا: لَا حَقَّ لَك عَلَيَّ (وَتَوَقَّفَ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ (فِيهَا) أَيْ الْيَمِينِ (فِيمَنْ عَامَلَ بِحِيلَةٍ) رِبَوِيَّةٍ (كَعِينَةٍ) إذَا أَنْكَرَ الْآخِذُ الزِّيَادَةَ وَأَرَادَ الْحَلِفَ عَلَيْهَا هَلْ يَحْلِفُ أَنَّ مَا عَلَيْهِ إلَّا رَأْسَ مَالِهِ، نَقَلَهُ حَرْبٌ قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّ يَمِينَهُ هُنَا عَلَى الْقَطْعِ، وَمَسَائِلُ الِاجْتِهَادِ ظَنِّيَّةٌ فَإِنْ أَمْسَكَ مُدَّعٍ عَنْ إحْلَاف خَصْمِهِ الْمُنْكِرِ ثُمَّ أَرَادَ إحْلَافه بِالدَّعْوَى السَّابِقَةِ فَلَهُ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُسْقِطْ حَقَّهُ مِنْهَا وَإِنَّمَا أَخَّرَهَا
وَ (لَوْ أُبْرِئَ) مُدَّعًى عَلَيْهِ (مِنْهَا) أَيْ الْيَمِينِ بِأَنْ قَالَ لَهُ مُدَّعٍ: أَبْرَأْتُك مِنْ الْيَمِينِ (بَرِئَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْهَا (فِي هَذِهِ الدَّعْوَى) فَقَطْ، فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُهُ عَلَيْهَا لِإِسْقَاطِهِ (، فَلَوْ جَدَّدَهَا) أَيْ اسْتَأْنَفَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ، فَأَنْكَرَ (وَطَلَبَ) الْمُدَّعِي (الْيَمِينَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ) لِعَدَمِ مَا يُسْقِطُهُ فَإِذَا حَلَفَ لَمْ يَحْلِفْ مَرَّةً أُخْرَى
(وَمَنْ) أَنْكَرَ فَوُجِّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ (فَلَمْ يَحْلِفْ) وَامْتَنَعَ (قَالَ لَهُ حَاكِمٌ: إنْ حَلَفْتَ وَإِلَّا قَضَيْتُ عَلَيْكَ بِالنُّكُولِ) نَصًّا، (وَيُسَنُّ تَكْرَارُهُ) أَيْ قَوْلِهِ: إنْ حَلَفْتَ وَإِلَّا قَضَيْتُ عَلَيْكَ بِالنُّكُولِ (ثَلَاثًا) قَطْعًا لِحُجَّتِهِ، (فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ قَضَى عَلَيْهِ) الْقَاضِي (بِشَرْطِهِ) أَيْ بِأَنْ
يَسْأَلَهُ الْمُدَّعِي الْحُكْمَ لِحَدِيثِ " «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ» " حَيْثُ حُصِرَ الْيَمِينُ فِي جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلَمْ تُشْرَعْ لِغَيْرِهِ.
وَلِمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ بَاعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَبْدًا وَادَّعَى عَلَيْهِ زَيْدٌ أَنَّهُ بَاعَهُ إيَّاهُ عَالِمًا بِعَيْبِهِ فَأَنْكَرَهُ ابْنُ عُمَرَ، فَتَحَاكَمَا إلَى عُثْمَانَ فَقَالَ عُثْمَانُ لِابْنِ عُمَرَ: احْلِفْ أَنَّك مَا عَلِمْت بِهِ عَيْبًا فَأَبَى ابْنُ عُمَرَ أَنْ يَحْلِفَ فَرَدَّ عَلَيْهِ الْعَبْدَ "، (وَهُوَ) أَيْ النُّكُولُ (كَإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ) بِمُوجَبِ الدَّعْوَى عَلَى نَاكِلٍ (لَا كَإِقْرَارٍ) ; لِأَنَّ النَّاكِلَ قَدْ صَرَّحَ بِالْإِنْكَارِ وَبِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُدَّعَى بِهِ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى ذَلِكَ مُتَوَرِّعٌ عَنْ الْيَمِينِ، فَلَا يُقَالُ: إنَّهُ مُقِرٌّ مَعَ إصْرَارِهِ عَلَى الْإِنْكَارِ وَيُجْعَلُ مُكَذِّبًا لِنَفْسِهِ، وَأَيْضًا لَوْ كَانَ مُقِرًّا لَمْ تُسْمَعْ مِنْهُ بَيِّنَةٌ بَعْدَ نُكُولِهِ بِالْإِبْرَاءِ أَوْ الْأَدَاءِ ; لِأَنَّهُ يَكُونُ مُكَذِّبًا لِنَفْسِهِ، وَأَيْضًا الْإِقْرَارُ إخْبَارٌ وَشَهَادَةٌ لِلْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ، فَكَيْفَ يُجْعَلُ مُقِرًّا شَاهِدًا عَلَى نَفْسِهِ بِسُكُوتِهِ؟ (وَلَا كَبَذْلٍ) لِأَنَّهُ إبَاحَةٌ وَتَبَرُّعٌ، وَالنَّاكِلُ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ وَلَا يَخْطِرُ بِبَالِهِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَرِيضًا مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفَ، فَلَوْ كَانَ النُّكُولُ بَدَلًا لَاعْتُبِرَ خُرُوجُ الْمُدَّعَى بِهِ مِنْ الثُّلُثِ وَحَيْثُ انْتَفَى أَنْ يَكُونَ كَالْإِقْرَارِ وَالْبَذْلِ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ كَالْبَيِّنَةِ ; لِأَنَّهَا اسْمٌ لِمَا يُبَيِّنُ الْحَقَّ، وَنُكُولٌ عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ الَّتِي يَبْرَأُ بِهَا مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَى خَصْمِهِ.
(لَكِنْ لَا يُشَارِكُ مَنْ قُضِيَ لَهُ بِهِ) أَيْ النُّكُولِ (عَلَى مَحْجُورٍ) عَلَيْهِ (لِفَلَسٍ غُرَمَاءَهُ) أَيْ الْمُفْلِسِ الثَّابِتِ حَقُّهُمْ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، لِاحْتِمَالِ تَوَاطُؤِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ مَعَ الْمُدَّعِي عَلَى الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارِ وَالنُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ لِيَقْطَعَا بِذَلِكَ حَقَّ الْغُرَمَاءِ مِنْ مَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً فَإِنَّهُ يُشَارِكُهُمْ عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ فِي الْحَجْرِ.
(وَإِنْ قَالَ مُدَّعٍ) سُئِلَ عَنْ الْبَيِّنَةِ وَقَدْ أَنْكَرَ خَصْمُهُ: (لَا أَعْلَمُ لِي بَيِّنَةً ثُمَّ أَتَى بِهَا) أَيْ الْبَيِّنَةِ سُمِعَتْ ; لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ لَا يَعْلَمُهَا ثُمَّ عَلِمَهَا، وَنَفْيُ الْعِلْمِ لَا يَنْفِيهَا فَلَا تَكْذِيبَ لِنَفْسِهِ (أَوْ قَالَ مُدَّعٍ) سُئِلَ عَنْ بَيِّنَةٍ لَا أَعْلَمُ لِي بَيِّنَةً فَقَالَ (عَدْلَانِ: نَحْنُ نَشْهَدُ لَك فَقَالَ: هَذِهِ بَيِّنَتِي سُمِعَتْ) لِمَا سَبَقَ
وَ (لَا) تُسْمَعُ (إنْ قَالَ) مُدَّعٍ (مَا لِي بَيِّنَةٌ ثُمَّ أَتَى بِهَا) نَصًّا ; لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لَهَا (أَوْ قَالَ:) مَنْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ (كَذَبَ شُهُودِي أَوْ قَالَ) الْمُدَّعِي: (كُلُّ بَيِّنَةٍ أُقِيمُهَا فَهِيَ زُورٌ، وَ) فَهِيَ (بَاطِلَةٌ أَوْ، فَلَا حَقَّ لِي فِيهَا) ، فَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَةٌ بَعْدُ لِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ، (وَلَا تَبْطُلُ دَعْوَاهُ بِذَلِكَ) ; لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ الدَّلِيلِ بُطْلَانُ الْمُدَّعَى، فَلَهُ تَحْلِيفُ خَصْمِهِ
لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مُحِقٌّ وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ
(وَلَا تُرَدُّ) الْبَيِّنَةُ (بِذِكْرِ السَّبَبِ) إذَا سَكَتَ عَنْهُ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ، لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ إذَنْ، (بَلْ) تُرَدُّ (بِذِكْرِ سَبَبٍ ذَكَرَ الْمُدَّعِي) فِي دَعْوَاهُ سَبَبًا (غَيْرَهُ) كَأَنْ طَالَبَهُ بِأَلْفٍ قَرْضًا فَأَنْكَرَهُ، فَشَهِدَتْ بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ أُجْرَةٍ أَوْ غَصْبٍ لِلتَّنَافِي، (وَمَعْنَى شَهِدَتْ) بَيِّنَةٌ (بِغَيْرِ مُدَّعًى بِهِ) كَأَنْ ادَّعَى دِينَارًا فَشَهِدَتْ بِدَرَاهِمَ أَوْ فِضَّةً، فَشَهِدَتْ بِفُلُوسٍ أَوْ بِغَصْبِ فَرَسٍ، فَشَهِدَتْ بِغَصْبِ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ، (فَهُوَ) أَيْ الْمُدَّعِي (مُكَذِّبٌ لَهَا) أَيْ لِشَهَادَتِهَا نَصًّا فَلَا تُسْمَعُ.
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ إنْ قَالَ: أَسْتَحِقُّهُ وَمَا شَهِدُوا بِهِ، وَإِنَّمَا ادَّعَيْت بِأَحَدِهِمَا لِأَدَّعِيَ الْآخَرَ وَقْتًا آخَرَ ثُمَّ ادَّعَاهُ ثُمَّ شَهِدُوا بِهِ قُبِلَتْ
(وَمَنْ ادَّعَى شَيْئًا أَنَّهُ لَهُ) أَيْ يَمْلِكُهُ (الْآنَ لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ) إنْ شَهِدَتْ (أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَمْسِ أَوْ) أَنَّهُ كَانَ (فِي يَدِهِ) أَمْسِ لِعَدَمِ التَّطَابُقِ، (حَتَّى تُبَيِّنَ) الْبَيِّنَةُ (سَبَبَ يَدِ الثَّانِي نَحْوِ غَاصِبَةٍ) أَوْ مُسْتَعِيرَةٍ، (بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَتْ) الْبَيِّنَةُ (أَنَّهُ كَانَ مَلَكَهُ بِالْأَمْسِ اشْتَرَاهُ مِنْ رَبِّ الْيَدِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ) .
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إنْ قَالَ: وَلَا أَعْلَمُ لَهُ مُزِيلًا قَبْلُ وَقَالَ: لَا يُعْتَبَرُ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ قَوْلُهُ: إنَّ الدَّيْنَ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ، بَلْ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ سَبَبُ الْحَقِّ، وَقَالَ فِيمَنْ بِيَدِهِ عَقَارٌ فَادَّعَى رَجُلٌ بِمَثْبُوتٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّهُ كَانَ لِجَدِّهِ إلَى مَوْتِهِ ثُمَّ لِوَرَثَتِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ مُخَلَّفٌ عَنْ مُوَرِّثِهِ لَا يُنْتَزَعُ مِنْهُ بِذَلِكَ ; لِأَنَّ الْأَصْلَيْنِ تَعَارَضَا وَأَسْبَابُ انْتِقَالِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْإِرْثِ، وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِسُكُوتِهِمَا الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةَ وَلَوْ فُتِحَ هَذَا لَانْتُزِعَ كَثِيرٌ مِنْ عَقَارَاتِ النَّاسِ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، وَقَالَ فِي بَيِّنَةٍ شَهِدَتْ لَهُ بِمِلْكِهِ إلَى حِينِ وَقْفِهِ وَأَقَامَ الْوَارِثُ بَيِّنَةً أَنَّ مُوَرِّثَهُ اشْتَرَاهُ مِنْ الْوَاقِفِ قَبْلَ وَقْفِهِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ وَارِثٍ ; لِأَنَّ مَعَهَا مَزِيدَ عِلْمٍ كَتَقْدِيمِ مَنْ شَهِدَ بِأَنَّهُ وَرِثَهُ مِنْ أَبِيهِ وَآخَرَ أَنَّهُ بَاعَهُ
(وَمَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَأَقَرَّ) مُدَّعًى عَلَيْهِ (بِغَيْرِهِ لَزِمَهُ) مَا أَقَرَّ بِهِ (إذَا صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ) لِحَدِيثِ " «لَا عُذْرَ لِمَنْ أَقَرَّ» "(وَالدَّعْوَى) بَاقِيَةٌ (بِحَالِهَا) نَصًّا فَلَهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِهَا أَوْ تَحْلِيفُهُ
(وَإِنْ سَأَلَ) مُدَّعٍ لَهُ بَيِّنَةٌ بِدَعْوَاهُ (إحْلَافَهُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، (وَلَا يُقِيمُهَا) أَيْ الْبَيِّنَةَ (فَحَلَفَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (كَانَ لَهُ) أَيْ الْمُدَّعِي (إقَامَتُهَا) أَيْ الْبَيِّنَةِ ; لِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالِاسْتِحْلَافِ كَمَا لَوْ غَابَتْ عَنْ الْبَلَدِ وَإِنْ كَانَ لِمُدَّعٍ شَاهِدٌ وَاحِدٌ بِالْمَالِ وَأَقَامَهُ، عَرَّفَهُ الْقَاضِي أَنَّ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَسْتَحِقَّ فَإِنْ قَالَ: لَا أَحْلِفُ وَرَضِيَ بِيَمِينِهِ اسْتَحْلَفَ لَهُ وَانْقَطَعَ النِّزَاعُ، كَأَنْ عَادَ الْمُدَّعِي
وَقَالَ: أَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِي لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ نَقْلُهُ فِي الشَّرْحِ عَنْ الْقَاضِي ; لِأَنَّ الْيَمِينَ فِعْلُهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهَا فَأَمْكَنَهُ أَنْ يُسْقِطَهَا بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ، وَقَطَعَ فِي الْمُبْدِعِ وَالْإِقْنَاعِ وَالْمُنْصِفِ فِي أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ يُسْتَحْلَفُ، وَإِنْ عَادَ قَبْلَ حَلِفِ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَبَذَلَ الْيَمِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَجْلِسِ، وَإِنْ وَجَدَ مُدَّعٍ مَعَ شَاهِدِهِ آخَرَ فَشَهِدَا عِنْدَ الْقَاضِي بِحَقٍّ كَمُلَتْ بَيِّنَتُهُ وَقَضَى لَهُ بِهَا
(وَإِنْ قَالَ) مُدَّعٍ: (لِي بَيِّنَةٌ وَأُرِيدُ يَمِينَهُ فَإِنْ كَانَتْ) الْبَيِّنَةُ (حَاضِرَةً بِالْمَجْلِسِ، فَلَيْسَ لَهُ إلَّا إحْدَاهُمَا) أَيْ الْبَيِّنَةُ أَوْ تَحْلِيفُ خَصْمِهِ لِحَدِيثِ: " شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ " وَأَوْ لِلتَّخْيِيرِ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَلَإِمْكَانَ فَصْلِ الْخُصُومَةِ بِالْبَيِّنَةِ، فَلَمْ يُشْرَعْ غَيْرُهَا مَعَ إرَادَةِ مُدَّعٍ إقَامَتَهَا وَحُضُورَهَا ; وَلِأَنَّ الْيَمِينَ بَدَلٌ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَدَلِهَا كَسَائِرِ الْأَبْدَالِ مَعَ مُبْدَلَاتِهَا، (وَإِلَّا) تَكُنْ الْبَيِّنَةُ حَاضِرَةً بِالْمَجْلِسِ (فَلَهُ ذَلِكَ) أَيْ تَحْلِيفُهُ ثُمَّ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ لِقَوْلِ عُمَرَ: الْبَيِّنَةُ الصَّادِقَةُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ، وَيَلْزَمُ مَنْ صَدَّقَ الْبَيِّنَةَ فُجُورُ الْيَمِينِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَتَكُونُ أَوْلَى ; وَلِأَنَّ كُلَّ حَالٍ وَجَبَ فِيهَا الْحَقُّ بِإِقْرَارِهِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ كَمَا قَبْلَ الْيَمِينِ
(وَإِنْ سَأَلَ) مُدَّعٍ (مُلَازَمَتَهُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (حَتَّى يُقِيمَهَا) أَيْ الْبَيِّنَةَ (أُجِيبَ فِي الْمَجْلِسِ) حَيْثُ أَمْكَنَ إحْضَارُهَا فِيهِ ; لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَةِ إقَامَتِهَا وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَعُدَتْ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ إحْضَارُهَا فَإِنْ إلْزَامَهُ الْإِقَامَةَ إلَى حُضُورِهَا يَحْتَاجُ إلَى حَبْسٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ (فَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهَا) الْمُدَّعِي أَيْ الْبَيِّنَةَ (فِيهِ) أَيْ الْمَجْلِسِ (صَرَفَهُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا مُلَازَمَةَ لِغَرِيمِهِ نَصًّا ; لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ قَبْلَهُ حَقٌّ يُحْبَسُ بِهِ وَلَا يُقِيمُ بِهِ كَفِيلًا، وَلِئَلَّا يَتَمَكَّنَ كُلُّ ظَالِمٍ مِنْ حَبْسِ مَنْ شَاءَ مِنْ النَّاسِ بِلَا حَقٍّ.
(وَإِنْ سَأَلَهَا) أَيْ الْمُدَّعِي أَيْ مُلَازَمَةَ خَصْمِهِ (حَتَّى يَفْرُغَ لَهُ الْحَاكِمُ مِنْ شُغْلِهِ مَعَ غَيْبَةِ بَيِّنَةٍ أَوْ) مَعَ (بُعْدِهَا) بِضَمِّ الْبَاءِ، (أُجِيبَ) لِئَلَّا يَذْهَبَ الْخَصْمُ وَلَا يُمْكِنُ إقَامَتُهَا إلَّا بِحَضْرَتِهِ
(وَإِنْ سَكَتَ مُدَّعًى عَلَيْهِ) بِأَنْ لَمْ يُقِرَّ بِالدَّعْوَى وَلَمْ يُنْكِرْهَا (أَوْ قَالَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: (لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ أَوْ) قَالَ: (لَا أَعْلَمُ قَدْرَ حَقِّهِ وَلَا بَيِّنَةَ) لِمُدَّعٍ بِدَعْوَاهُ، (قَالَ الْحَاكِمُ) لِمُدَّعًى عَلَيْهِ:(إنْ أَجَبْتَ وَإِلَّا جَعَلْتُكَ نَاكِلًا وَقَضَيْتُ عَلَيْكَ) بِالنُّكُولِ (وَيُسَنُّ تَكْرَارُهُ ثَلَاثًا) فَإِنْ أَجَابَ وَإِلَّا قَضَى عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ نَاكِلٌ عَمَّا تَوَجَّهَ إلَيْهِ مِنْ الْجَوَابِ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ عَنْهُ كَالنُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ
(وَلَوْ قَالَ) مُدَّعًى عَلَيْهِ فِي جَوَابِ مَنْ ادَّعَى أَلْفًا (إنْ ادَّعَيْت أَلْفًا
بِرَهْنِ كَذَا لِي بِيَدِك أَجَبْتُك) وَإِلَّا فَلَا حَقَّ عَلَيَّ، فَجَوَابٌ صَحِيحٌ (أَوْ) قَالَ:(إنْ ادَّعَيْتَ هَذَا) الْأَلْفَ (ثَمَنَ كَذَا بِعْتَنِيهِ وَلَمْ أَقْبِضْهُ) أَيْ الْمَبِيعَ (فَنَعَمْ، وَإِلَّا) تَدَّعِهِ كَذَلِكَ (فَلَا حَقَّ) لَكَ (عَلَيَّ فَجَوَابٌ صَحِيحٌ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ: لِأَنَّهُ مُقِرٌّ لَهُ عَلَى قَيْدٍ يُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّا سِوَاهُ بِنُكُولِهِ فِيمَا سِوَاهُ (لَا إنْ قَالَ) مُدَّعًى عَلَيْهِ فِي جَوَابِهِ: (لِي مَخْرَجٌ مِمَّا ادَّعَاهُ) فَلَيْسَ جَوَابًا صَحِيحًا ; لِأَنَّ الْجَوَابَ إمَّا إقْرَارٌ أَوْ إنْكَارٌ وَلَيْسَ هَذَا وَاحِدًا مِنْهُمَا
(وَإِنْ قَالَ) مُدَّعًى عَلَيْهِ فِي جَوَابِ الدَّعْوَى (لِي حِسَابٌ أُرِيدُ أَنْ أَنْظُرَ فِيهِ) ، وَسَأَلَ الْإِنْظَارَ أُنْظِرَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَيُلَازِمُهُ الْمُدَّعِي فِيهَا ; لَإِمْكَانَ مَا يَدَّعِيه، وَتَكْلِيفُهُ الْإِقْرَارَ فِي الْحَالِ إلْزَامٌ لَهُ بِمَا لَا يَتَحَقَّقُهُ ; لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقٌّ لَا يَعْلَمُ قَدْرَهُ أَوْ يَخَافُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَيْهِ كَاذِبًا، وَأَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ حَقٌّ فَيُقِرُّ بِمَا لَا يَلْزَمُهُ فَوَجَبَ إنْظَارُهُ مَا لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُدَّعِي فِي إنْظَارِهِ إلَيْهِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ.
(أَوْ) قَالَ مُدَّعًى عَلَيْهِ (بَعْدَ ثُبُوتِ الدَّعْوَى) عَلَيْهِ (بَيِّنَةُ قَضِيَّتِهِ) أَيْ الْمُدَّعَى بِهِ، وَلِي بَيِّنَةٌ بِقَضَائِهِ (أَوْ) قَالَ:(أَبْرَأَنِي) مِنْ الْمُدَّعَى بِهِ (وَلِي بَيِّنَةٌ بِهِ) أَيْ إبْرَائِهِ (وَسَأَلَهُ الْإِنْظَارَ لَزِمَ إنْظَارُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) فَقَطْ ; لِأَنَّ إلْزَامَهُ فِي الْحَالِ تَضْيِيقٌ عَلَيْهِ وَإِنْظَارَهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ تَأْخِيرٌ لِلْحَقِّ عَنْ مُسْتَحِقِّهِ بِلَا ضَرُورَةٍ، فَجَمَعَ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ، (وَلِلْمُدَّعِي مُلَازَمَتُهُ) زَمَنَ الْإِنْظَارِ لِئَلَّا يَهْرَبَ، وَظَاهِرُهُ لَا يَحْبِسُهُ وَعَمَلُ الْحَاكِمُ عَلَى خِلَافِهِ.
(وَلَا يُنْظَرُ إنْ قَالَ لِي بَيِّنَةٌ تَدْفَعُ دَعْوَاهُ) ; لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ سَبَبَ الدَّفْعِ، (فَإِنْ عَجَزَ) مُدَّعِي الْقَضَاءِ وَالْإِبْرَاءِ عَنْ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِهِ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْإِنْظَارِ (حَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَاهُ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ قَضَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ، (وَاسْتَحَقَّ) مَا ادَّعَى بِهِ (فَإِنْ نَكِلَ) عَنْ الْيَمِينِ عَلَى ذَلِكَ (حُكِمَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُدَّعِي بِنُكُولِهِ (وَصُرِفَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَنْ مُنْكِرٌ وَجَبَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ فَنَكِلَ عَنْهَا، فَحُكِمَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ كَمَا لَوْ كَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ ابْتِدَاءً
(هَذَا) أَيْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إنْظَارِ مُدَّعِي الْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ أَوْ قَبُولِ بَيِّنَتِهِ إنْ أَحْضَرَهَا بِذَلِكَ، (إنْ لَمْ يَكُنْ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَنْكَرَ سَبَبَ الْحَقِّ) ابْتِدَاءً (، فَأَمَّا إنْ) كَانَ (أَنْكَرَهُ ثُمَّ ثَبَتَ فَادَّعَى قَضَاءً أَوْ إبْرَاءَ) مُدَّعٍ لَهُ (سَابِقًا عَلَى) زَمَنِ (إنْكَارِهِ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا ادَّعَاهُ مِنْ ذَلِكَ، فَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَلْفًا مِنْهُ قَرْضٌ أَوْ ثَمَنُ مَبِيعٍ فَقَالَ مَا اقْتَرَضْت مِنْهُ، وَمَا اشْتَرَيْت مِنْهُ فَثَبَتَ أَنَّهُ اقْتَرَضَ أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ فَقَالَ قَضَيْته أَوْ أَبْرَأَنِي قَبْلَ هَذَا الْوَقْتِ، (لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ ذَلِكَ.
(وَإِنْ أَقَامَ بِهِ