الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْمُظَاهِرُ صَوْمًا لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ]
فَصْلٌ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَوْمًا لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ وَلَوْ رُجِيَ بُرْؤُهُ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْوُجُوبِ (أَوْ يُخَافُ زِيَادَتُهُ أَوْ تَطَاوُلُهُ) أَيْ الْمَرَضِ بِصَوْمِهِ (أَوْ) لَمْ يَسْتَطِعْ صَوْمًا (لِشَبَقٍ) قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ أَوْ لِضَعْفٍ عَنْ مَعِيشَتِهِ (أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى -: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] وَلِمَا ( «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْسَ بْنَ الصَّامِتِ بِالصَّوْمِ قَالَتْ امْرَأَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ قَالَ: فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا» )«وَلِمَا أَمَرَ سَلَمَةَ بْنَ صَخْرٍ بِالصِّيَامِ قَالَ: وَهَلْ أَصَبْتُ مَا أَصَبْتُ إلَّا مِنْ الصِّيَامِ قَالَ: فَأَطْعِمْ» " فَنَقَلَهُ إلَيْهِ لِمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ بِهِ مِنْ الشَّبَقِ وَالشَّهْوَةِ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ الصَّوْمِ وَقِيسَ عَلَيْهِمَا مَنْ فِي مَعْنَاهُمَا وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمِسْكِينُ (مُسْلِمًا حُرًّا) كَالزَّكَاةِ وَيَأْتِي حُكْمُ الْمُكَاتَبِ (وَلَوْ أُنْثَى) كَزَكَاةٍ.
(وَلَا يَضُرُّ وَطْءُ مُظَاهَرٍ مِنْهَا أَثْنَاءَ الْإِطْعَامِ) نَصًّا وَكَذَا أَثَنَاء عِتْقٍ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدٍ ثُمَّ وَطِئَ ثُمَّ اشْتَرَى بَاقِيَهُ وَأَعْتَقَهُ فَلَا يَقْطَعُهُمَا وَطْؤُهُ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ.
(وَيُجْزِئُ دَفْعُهَا) أَيْ الْكَفَّارَةِ (إلَى صَغِيرٍ مِنْ أَهْلِهَا) كَمَا لَوْ كَانَ كَبِيرًا (وَلَوْ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ) ; لِأَنَّهُ حُرٌّ مُسْلِمٌ مُحْتَاجٌ أَشْبَهَ الْكَبِيرَ وَلِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ الْآيَةِ وَكَذَا الزَّكَاةُ وَتَقَدَّمَ وَأَكْلُهُ لِلْكَفَّارَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَيَصْرِفُ مَا يُعْطِي لِلصَّغِيرِ إلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِمَّا تَتِمُّ بِهِ كِفَايَتُهُ وَيَقْبِضُهَا لَهُ وَلِيُّهُ. (وَ) يُجْزِئُ دَفْعُهَا إلَى (مُكَاتَبٍ) ; لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ الزَّكَاةِ لِحَاجَةٍ أَشْبَهَ الْحُرُّ الْمِسْكِينَ وَإِلَى مَنْ يُعْطَى مِنْ زَكَاةٍ لِحَاجَةٍ كَفَقِيرٍ وَمِسْكِينٍ وَابْنِ سَبِيلٍ وَغَارِمٍ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ لِأَنَّ ابْنَ السَّبِيلِ وَالْغَارِمَ كَذَلِكَ يَأْخُذَانِ لِحَاجَتِهِمَا فَهُمَا فِي مَعْنَى الْمِسْكِينِ. (وَ) يُجْزِئُ دَفْعُهَا إلَى (مَنْ ظَنَّهُ مِسْكِينًا فَبَانَ غَنِيًّا) كَالزَّكَاةِ لِأَنَّ الْغِنَى مِمَّا يَخْفَى (وَ) يُجْزِئُ الدَّفْعُ (إلَى مِسْكِينٍ) وَاحِدٍ (فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْ كَفَّارَتَيْنِ) فَأَكْثَرَ لِأَنَّهُ دَفَعَ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ إلَى الْعَدَدِ الْوَاجِبِ أَشْبَهَ مَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ ذَلِكَ فِي يَوْمَيْنِ. (وَلَا) يُجْزِئُهُ دَفْعُ كَفَّارَتِهِ (إلَى مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ) لِاسْتِغْنَائِهِ بِمَا وَجَبَ لَهُ مِنْ النَّفَقَةِ، وَلِأَنَّهَا لِلَّهِ فَلَا يَصْرِفُهَا لِنَفْعِهِ (وَلَا) يُجْزِئُ (تَرْدِيدُهَا عَلَى مِسْكِينٍ) وَاحِدٍ (سِتِّينَ يَوْمًا)(إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ) مِسْكِينًا (غَيْرَهُ) فَيُجْزِئُهُ لِتَعَذُّرِ غَيْرِهِ وَتَرْدِيدُهَا إذَنْ فِي الْأَيَّامِ الْمُتَعَدِّدَةِ فِي مَعْنَى إطْعَامِ الْعَدَدِ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ بِهِ حَاجَةَ الْمِسْكِينِ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَطْعَمَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَاحِدًا فَكَأَنَّهُ أَطْعَمَ الْعَدَدَ
مِنْ الْمَسَاكِينِ وَالشَّيْءُ بِمَعْنَاهُ يَقُومُ مَقَامَهُ بِصُورَتِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِهَا، وَلِهَذَا شُرِعَتْ الْأَبْدَالُ لِقِيَامِهَا مَقَامَ الْمُبْدَلَاتِ فِي الْمَعْنَى.
(وَلَوْ قَدَّمَ) نَحْوُ مُظَاهِرٍ (إلَى سِتِّينَ) مِسْكِينًا (سِتِّينَ مُدًّا) مِنْ بُرٍّ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ بَاقِي مَا يُجْزِئُ (وَقَالَ هَذَا بَيْنَكُمْ فَقَبَلُوهُ، فَإِنْ قَالَ بِالسَّوِيَّةِ أَجْزَأَهُ) ذَلِكَ (وَإِلَّا) يَقُلْ بِالسَّوِيَّةِ (فَلَا) يُجْزِئُهُ (مَا لَمْ يَعْلَمْ) مُكَفِّرٌ (أَنَّ كُلًّا) مِنْ الْمَسَاكِينِ (أَخَذَ قَدْرَ حَقِّهِ) مِمَّا قَدَّمَهُ لَهُمْ فَيُجْزِئُهُ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِالْإِطْعَامِ الْوَاجِبِ.
(وَالْوَاجِبُ فِي الْكَفَّارَاتِ مَا يُجْزِئُ فِي فِطْرَةٍ مِنْ مُدَبَّرٍ) وَهُوَ نِصْفُ قَدَحٍ بِكَيْلِ بَلَدِنَا مِصْرَ (مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ الْبُرِّ وَهُوَ الشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالْأَقِطُ (مُدَّانِ) نِصْفُ صَاعٍ وَذَلِكَ قَدَحٌ بِكَيْلِ مِصْرَ (وَسُنَّ إخْرَاجُ أُدْمٍ مَعَ) إخْرَاجِ (مُجْزِئٍ) مِمَّا سَبَقَ نَصًّا وَإِخْرَاجُ الْحَبِّ أَفْضَلُ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ إخْرَاجِ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ وَيُجْزِئَانِ بِوَزْنِ الْحَبِّ وَإِنْ أَخْرَجَهُمَا بِالْكَيْلِ زَادَ عَلَى كَيْلِ الْحَبِّ قَدْرًا يَكُونُ بِقَدْرِهِ وَزْنًا ; لِأَنَّ الْحَبَّ إذَا طُحِنَ تَوَزَّعَ (وَلَا يُجْزِئُ خُبْزٌ) لِخُرُوجِهِ عَنْ الْكَيْلِ وَالْإِدْخَارِ أَشْبَهَ الْهَرِيسَةَ. (وَلَا) يُجْزِئُ فِي كَفَّارَتِهِ (غَيْرُ مَا يُجْزِئُ فِي فِطْرَةٍ وَلَوْ كَانَ) ذَلِكَ (قُوتَ بَلَدِهِ) ; لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ وَجَبَتْ طُهْرَةٌ لِلْمُكَفَّرِ عَنْهُ كَمَا أَنَّ الْفِطْرَةَ طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ فَاسْتَوَيَا فِي الْحُكْمِ. قُلْتُ: فَإِنْ عُدِمَتْ الْأَصْنَافُ الْخَمْسَةُ أَجْزَأَ عَنْهَا مَا يُقْتَاتُ مِنْ حَبٍّ وَتَمْرٍ عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْفِطْرَةِ.
(وَلَا) يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةٍ (أَنْ يُغَدِّيَ الْمَسَاكِينَ أَوْ يُعَشِّيَهُمْ) لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ الصَّحَابَةِ إعْطَاؤُهُمْ وَقَالَ صلى الله عليه وسلم لِكَعْبٍ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى: (أَطْعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعَ مِنْ تَمْرٍ سِتَّةَ مَسَاكِينَ) وَلِأَنَّهُ مَالٌ وَجَبَ تَمْلِيكُهُ لِلْفُقَرَاءِ شَرْعًا فَأَشْبَهَ الزَّكَاةَ (بِخِلَافِ نَذْرِ إطْعَامِهِمْ) أَيْ الْمَسَاكِينِ فَيُجْزِئُ أَنْ يُغَدِّيَهُمْ أَوْ يُعَشِّيَهُمْ ; لِأَنَّهُ وَفَّى بِنَذْرِهِ (وَلَا تُجْزِئُهُ الْقِيمَةُ) عَنْ الْوَاجِبِ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] وَكَالزَّكَاةِ.
(وَلَا) يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةٍ (عِتْقٌ وَ) لَا (صَوْمٌ وَ) لَا (إطْعَامٌ إلَّا بِنِيَّةٍ) بِأَنْ يَنْوِيَهُ عَنْ جِهَةِ الْكَفَّارَةِ لِحَدِيثِ (وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) ; وَلِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ وَجْهُهُ فَيَقَعُ تَبَرُّعًا وَنَذْرًا وَكَفَّارَةً فَلَا يَصْرِفُهُ إلَى الْكَفَّارَةِ إلَّا النِّيَّةُ (وَلَا تَكْفِي نِيَّةُ التَّقَرُّبِ) إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - (فَقَطْ) أَيْ دُونَ نِيَّةِ الْكَفَّارَةِ لِتَنَوُّعِ التَّقَرُّبِ إلَى وَاجِبٍ وَمَنْدُوبٍ وَمَحَلُّ النِّيَّةِ فِي الصَّوْمِ اللَّيْلُ وَفِي الْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ مَعَهُ أَوْ قَبْلَهُ بِيَسِيرٍ (فَإِنْ كَانَتْ) عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ (وَاحِدَةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ تَعَيُّنُ سَبَبِهَا) بِنِيَّتِهِ وَيَكْفِيهِ نِيَّةُ الْعِتْقِ أَوْ الصَّوْمِ أَوْ الْإِطْعَامِ عَنْ الْكَفَّارَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ
لِتَعَيُّنِهَا بِاتِّحَادِ سَبَبِهَا (وَيَلْزَمُهُ مَعَ نِسْيَانِهِ) أَيْ سَبَبِهَا (كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ) يَنْوِي بِهَا الَّتِي عَلَيْهِ (فَإِنْ عَيَّنَ) سَبَبًا (غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ السَّبَبِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ (غَلَطًا وَسَبَبُهَا مِنْ جِنْسٍ يَتَدَاخَلُ) كَمَنْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينِ فِي لُبْسٍ فَنَوَاهَا عَنْ يَمِينِ قِيَامٍ وَنَسِيَ يَمِينَ اللُّبْسِ (أَجْزَأَهُ) ذَلِكَ (عَنْ الْجَمِيعِ) أَيْ جَمِيعِ مَا عَلَيْهِ مِنْ كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ لِتَدَاخُلِهَا (وَإِنْ كَانَتْ) عَلَيْهِ كَفَّارَاتٌ (أَسْبَابُهَا مِنْ جِنْسٍ لَا يَتَدَاخَلُ) كَمَنْ ظَاهَرَ مِنْ نِسَائِهِ بِكَلِمَاتٍ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ بِكَلِمَةٍ فَنَوَى الْكَفَّارَةَ عَنْ ظِهَارِهِ مِنْ إحْدَاهُنَّ أَجْزَأَهُ عَنْ وَاحِدَةٍ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهَا بِأَنْ يَقُولَ: هَذِهِ عَنْ كَفَّارَةِ فُلَانَةَ وَهَذِهِ عَنْ كَفَّارَةِ فُلَانَةَ فَتَحِلُّ لَهُ وَاحِدَةٌ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ قَالَ فِي الشَّرْحِ وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ فَتَخْرُجُ الْمُحَلَّلَةُ مِنْهُنَّ بِالْقُرْعَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ (أَوْ) كَانَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَاتٌ مِنْ (أَجْنَاسٍ كَظِهَارٍ وَقَتْلٍ وَ) وَطْءٍ فِي (صَوْمِ) رَمَضَانَ أَدَاءً (وَيَمِينٍ) بِاَللَّهِ - تَعَالَى - (فَنَوَى إحْدَاهَا) أَيْ الْكَفَّارَاتِ (أَجْزَأَ) الْمُخْرَجُ (عَنْ وَاحِدَةٍ) مِنْهَا (وَلَا يَجِبُ) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ لِإِجْزَائِهَا (تَعَيُّنُ سَبَبِهَا) مِنْ ظِهَارٍ أَوْ قَتْلٍ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ وَاجِبَةٌ فَلَمْ يَفْتَقِرْ صِحَّةُ أَدَائِهَا إلَى تَعَيُّنِ سَبَبِهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ.