الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَأَخْذُهُ مِنْ مَالِهِ قَدْرَ حَقِّهِ بِلَا إذْنِهِ خِيَانَةٌ لَهُ.
وَحَدِيثِ: " «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» ; وَلِأَنَّهُ إنْ أَخَذَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ دَيْنِهِ فَهِيَ مُعَاوَضَةٌ بِغَيْرِ تَرَاضٍ، وَإِنْ أُخِذَ مِنْ جِنْسِهِ فَلَيْسَ لَهُ تَعْيِينُ حَقِّهِ بِغَيْرِ رِضَا رَبِّهِ كَمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: لَا آخُذُ حَقِّي إلَّا مِنْ هَذَا الْكِيسِ دُونَ غَيْرِهِ، فَإِنْ أَخَذَ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَدِينِ لَزِمَهُ رَدُّهُ إنْ بَقِيَ وَبَدَلَهُ إنْ تَلِفَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ تَقَاصَّا (إلَّا إذَا تَعَذَّرَ عَلَى ضَيْفٍ أَخْذَ حَقِّهِ بِحَاكِمٍ) فَيَأْخُذُهُ وَتَقَدَّمَ بِدَلِيلِهِ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ، (أَوْ مَنَعَ زَوْجٌ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ) كَقَرِيبٍ وَمُعْتِقٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ قَرِيبِهِ وَمَوْلَاهُ (مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ نَفَقَةٍ وَنَحْوِهَا) كَالْكِسْوَةِ مِمَّنْ وَجَبَتْ، لَهُ الْأَخْذُ لِحَدِيثِ هِنْدٍ وَقَدْ أَشَارَ أَحْمَدُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّيْنِ بِأَنَّ حَقَّهَا وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ أَيْ فَتَشُقُّ الْمُحَاكَمَةُ وَالْمُخَاصَمَةُ فِي كُلِّ وَقْتٍ تَجِبُ فِيهِ النَّفَقَةُ.
وَفَرَّقَ أَبُو بَكْرٍ أَيْضًا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ قِيَامَ الزَّوْجَةِ كَقِيَامِ الْبَيِّنَةِ فَكَأَنَّ الْحَقَّ صَارَ مَعْلُومًا بِعِلْمِ قِيَامِ مُقْتَضِيهِ، وَأَيْضًا فَالْمَرْأَةُ تَنْبَسِطُ فِي مَالِ الزَّوْجِ بِحُكْمِ الْعَادَةِ فَأَثَّرَ فِي إبَاحَةِ أَخْذِ الْحَقِّ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ وَأَيْضًا النَّفَقَةُ تُرَدُّ لِإِحْيَاءِ النَّفْسِ وَلَا صَبْرَ عَنْهَا، بِخِلَافِ الدَّيْنِ حَتَّى إنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَخْذُ نَفَقَةٍ مَاضِيَةٍ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ، (وَلَوْ كَانَ لِكُلِّ) وَاحِدٍ (مِنْ اثْنَيْنِ عَلَى الْآخَرِ دَيْنٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ) أَيْ الدَّيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِأَنْ كَانَ دَيْنُ أَحَدِهِمَا ذَهَبًا وَدَيْنُ الْآخَرِ فِضَّةً، (فَجَحَدَ أَحَدُهُمَا) دَيْنَ صَاحِبِهِ (فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَجْحَدَ) دَيْنَ الْجَاحِدِ لِدَيْنِهِ ; لِأَنَّهُ كَبَيْعِ دَيْنٍ بِدَيْنٍ لَا يَجُوزُ وَلَوْ تَرَاضَيَا فَإِنَّ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ تَقَاصَّا.
[بَابُ حُكْمِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي]
وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الْمُكَاتَبَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ بِلْقِيسَ: {إنِّي أُلْقِيَ إلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ;} [النمل: 29] وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إلَى النَّجَاشِيِّ وَإِلَى قَيْصَرَ وَإِلَى كِسْرَى يَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، وَكَاتَبَ وُلَاتَهُ وَعُمَّالَهُ وَسُعَاتَهُ وَأَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، فَإِنَّ مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ لَا يُمْكِنُهُ إثْبَاتُهُ وَالطَّلَبُ بِهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ، إذْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ السَّفَرُ بِالشُّهُودِ وَرُبَّمَا كَانُوا غَيْرَ مَعْرُوفِينَ بِهِ فَيَتَعَذَّرُ الْإِثْبَاتُ بِهِ عِنْدَ حَاكِمٍ
(وَيُقْبَلُ) كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي (فِي كُلِّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ) كَبَيْعٍ وَقَرْضٍ وَغَصْبٍ وَإِجَارَةٍ وَصُلْحٍ وَوَصِيَّةٍ
بِمَالٍ وَرَهْنٍ وَجِنَايَةٍ تُوجِبُ مَالًا ; لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ (حَتَّى) فِي (مَا لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا رَجُلَانِ كَقَوَدٍ وَطَلَاقٍ وَنَحْوِهِمَا) كَنَسَبٍ وَنِكَاحٍ وَتَوْكِيلٍ وَإِيصَاءٍ فِي غَيْرِ مَالٍ وَحَدِّ قَذْفٍ ; لِأَنَّهُ حَقٌّ آدَمِيٌّ لَا يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَ (لَا) يُقْبَلُ (فِي حَدٍّ لِلَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ زِنًا وَ) حَدِّ (شُرْبٍ) مُسْكِرٍ ; لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى السَّتْرِ، وَالدَّرْءِ بِالشُّبْهَةِ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ ; لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهَا (وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) أَيْ كَوْنِهِ يُقْبَلُ فِي غَيْرِ حَدٍّ لَلَهُ تَعَالَى (ذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي) إلَى الْقَاضِي (حُكْمُهُ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ ; لِأَنَّهَا شَهَادَةُ) الْقَاضِي (عَلَى شَهَادَةِ) مَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ.
(وَذَكَرُوا) أَيْ الْأَصْحَابُ (فِيمَا إذَا تَغَيَّرَتْ حَالُهُ) أَيْ الْقَاضِي الْكَاتِبِ (أَنَّهُ أَصْلٌ) لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ (وَمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ فَرْعٌ) لَهُ (فَلَا يَسُوغُ نَقْضُ حُكْمٍ مَكْتُوبٍ إلَيْهِ بِإِنْكَارِ) الْقَاضِي (الْكَاتِبِ) كِتَابَهُ، (وَلَا يَقْدَحُ) إنْكَارُهُ (فِي عَدَالَةِ الْبَيِّنَةِ) كَإِنْكَارِ شُهُودِ الْأَصْلِ بَعْدَ الْحُكْمِ (بَلْ يَمْنَعُ إنْكَارُهُ) أَيْ الْقَاضِي الْكَاتِبِ لِكِتَابَةٍ (الْحُكْمَ) مِنْ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ إذَا أَنْكَرَهُ قَبْلَ حُكْمِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ (كَمَا يَمْنَعُهُ) أَيْ الْحُكْمَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ (رُجُوعُ شُهُودِ الْأَصْلِ) قَبْلَ الْحُكْمِ، (فَدَلَّ) مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ مِمَّا تَقَدَّمَ (أَنَّهُ) أَيْ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ (فَرْعٌ لِمَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ وَأَصْلٌ لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ) ، وَدَلَّ ذَلِكَ أَيْضًا (أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شُهُودُ فَرْعٍ أَصْلًا لِفَرْعٍ) آخَرَ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ.
(وَيُقْبَلُ) كِتَابُ الْقَاضِي (فِيمَا حَكَمَ بِهِ) الْكَاتِبُ (لِيُنْفِذَهُ) الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ، (وَإِنْ كَانَا) أَيْ الْكَاتِبُ وَالْمَكْتُوبُ إلَيْهِ (بِبَلَدٍ وَاحِدٍ) ; لِأَنَّ الْحُكْمَ يَجِبُ إمْضَاؤُهُ بِكُلِّ حَالٍ.
وَ (لَا) يُقْبَلُ (فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ) أَيْ الْكَاتِبِ (لِيَحْكُمَ بِهِ) الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ إلَّا فِي مَسَافَةِ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ ; لِأَنَّهُ تَقَبُّلُ شَهَادَةٍ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ.
(وَلَا) يُقْبَلُ (إذَا سَمِعَ) الْكَاتِبُ (الْبَيِّنَةَ وَجَعَلَ تَعْدِيلَهَا إلَى الْآخَرِ) الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ (إلَّا فِي مَسَافَةِ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ)، فَيَجُوزُ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الثُّبُوتَ لَيْسَ بِحُكْمٍ بَلْ خَبَرٌ بِالثُّبُوتِ كَشَهَادَةِ الْفَرْعِ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ أَمْرٌ وَنَهْيٌ يَتَضَمَّنُ إلْزَامًا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَيَجُوزُ نَقْلُهُ إلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ وَلَوْ كَانَ الَّذِي ثَبَتَ عِنْدَهُ لَا يَرَى جَوَازَ الْحُكْمِ بِهِ ; لِأَنَّ الَّذِي ثَبَتَ عِنْدَهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِخَبَرٍ بِثُبُوتِ ذَلِكَ عِنْدَهُ قَالَ: وَلِلْحَاكِمِ الَّذِي اتَّصَلَ بِهِ ذَلِكَ الثُّبُوتُ الْحُكْمُ بِهِ إذَا كَانَ يَرَى صِحَّتَهُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ لَوْ أَثْبَتَ حَاكِمٌ مَالِكِيٌّ وَقْفًا لَا يَرَاهُ كَوَقْفِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ بِالشَّهَادَةِ
عَلَى الْخَطِّ، فَإِنْ حَكَمَ لِلْخِلَافِ فِي الْعَمَلِ بِالْخَطِّ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ فَلِحَاكِمٍ حَنْبَلِيٍّ يَرَى صِحَّةَ الْحُكْمِ أَنْ يُنْفِذَهُ فِي مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ الْمَالِكِيُّ بَلْ قَالَ ثَبَتَ هَكَذَا فَكَذَلِكَ ; لِأَنَّ الثُّبُوتَ عِنْدَ الْمَالِكِيِّ حُكْمٌ ثُمَّ إنْ رَأَى الْحَنْبَلِيُّ الثُّبُوتَ حُكْمًا نَفَّذَهُ وَإِلَّا فَالْخِلَافُ فِي قُرْبِ الْمَسَافَةِ، وَقَالَ: وَلِلْحَاكِمِ الْحَنْبَلِيِّ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ وَمَعَ قُرْبِهَا الْخِلَافُ.
(وَلَهُ) أَيْ الْقَاضِي الْكَاتِبِ (أَنْ يَكْتُبَ إلَى) قَاضٍ (مُعَيَّنٍ وَ) أَنْ يَكْتُبَ (إلَى مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ) الْكِتَابُ (مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ) وَحُكَّامِهِمْ بِلَا تَعْيِينٍ، وَيَلْزَمُ مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ قَبُولُهُ ; لِأَنَّهُ كِتَابُ حَاكِمٍ مِنْ وِلَايَتِهِ وَصَلَ إلَى حَاكِمٍ فَلَزِمَ قَبُولُهُ كَمَا لَوْ كَانَ إلَيْهِ بِعَيْنِهِ
(وَيُشْتَرَطُ لِقَبُولِهِ) أَيْ كِتَابِ الْقَاضِي وَالْعَمَلِ بِهِ، (أَنْ يَقْرَأَ) الْكِتَابَ (عَلَى عَدْلَيْنِ وَيَعْتَبِرَ ضَبْطَهُمَا لِمَعْنَاهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ) مِنْهُ (فَقَطْ) أَيْ: دُونَ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ نَصًّا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (ثُمَّ يَقُولَ) الْقَاضِي لِلْكَاتِبِ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِمَا: (هَذَا كِتَابِي إلَى فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ) أَوْ إلَى مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ الْقُضَاةِ (وَيَدْفَعَهُ إلَيْهِمَا) أَيْ الْعَدْلَيْنِ الْمَقْرُوءِ عَلَيْهِمَا، (فَإِذَا وَصَلَا) بِالْكِتَابِ إلَى عَمَلِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ (دَفَعَاهُ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَقَالَا: نَشْهَدُ أَنَّهُ) أَيْ هَذَا الْكِتَابَ (كِتَابُ) الْقَاضِي (فُلَانٍ إلَيْكَ كَتَبَهُ بِعَمَلِهِ) وَأَشْهَدَنَا عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَتَعْيِينُ الْقَاضِي الْكَاتِبِ كَتَعْيِينِ شُهُودِ الْأَصْلِ أَيْ: فَيُشْتَرَطُ (وَالِاحْتِيَاطُ خَتْمُهُ بَعْدَ أَنْ يُقْرَأَ عَلَيْهِمَا) صَوْنًا لِمَا فِيهِ.
(وَلَا يُشْتَرَطُ) الْخَتْمُ ; لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى شَهَادَتِهِمَا لَا عَلَى الْخَتْمِ. وَكَتَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كِتَابًا إلَى قَيْصَرَ وَلَمْ يَخْتِمْهُ فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ لَا يَقْرَأُ كِتَابًا غَيْرَ مَخْتُومٍ فَاتَّخَذَ الْخَاتَمَ، وَاقْتِصَارُهُ أَوَّلًا عَلَى الْكِتَابِ دُونَ الْخَتْمِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ لِيَقْرَأَ كِتَابَهُ، (وَلَا) يُشْتَرَطُ لِقَبُولِ الْكِتَابِ (قَوْلُهُمَا) أَيْ الْعَدْلَيْنِ (وَقُرِئَ عَلَيْنَا وَأَشْهَدَنَا عَلَيْهِ) اعْتِمَادًا عَلَى الظَّاهِرِ، (وَلَا قَوْلُ كَاتِبٍ: اشْهَدَا عَلَيَّ) بِمَا فِيهِ كَسَائِرِ مَا يَتَحَمَّلُ بِهِ الشَّهَادَةَ، (وَإِنْ أَشْهَدَهُمَا) أَيْ: الْعَدْلَيْنِ (عَلَيْهِ) أَيْ: الْكِتَابِ (مَدْرُوجًا مَخْتُومًا لَمْ يَصِحَّ) ; لِأَنَّ مَا أَمْكَنَ إثْبَاتُهُ بِالشَّهَادَةِ لَمْ يَجُزْ الِاقْتِصَار فِيهِ عَلَى الظَّاهِرِ كَإِثْبَاتِ الْعُقُودِ ; وَلِأَنَّ الْخَطَّ يَشْتَبِهُ وَكَذَا الْخَتْمُ فَيُمْكِنُ التَّزْوِيرُ عَلَيْهِ
(وَكِتَابُهُ) أَيْ الْقَاضِي (فِي غَيْرِ عَمَلِهِ أَوْ) كِتَابُهُ (بَعْدَ عَزْلِهِ كَخَبَرِهِ) بِغَيْرِ عَمَلِهِ أَوْ بَعْدَ عَزْلِهِ وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ
(وَيُقْبَلُ كِتَابُهُ) أَيْ الْقَاضِي (فِي حَيَوَانٍ بِالصِّفَةِ اكْتِفَاءً بِهَا) أَيْ الصِّفَةِ ; لِأَنَّهُ يَثْبُتُ فِي
الذِّمَّةِ بِعَقْدِ السَّلَمِ كَالدَّيْنِ (كَمَشْهُودٍ عَلَيْهِ) بِالصِّفَةِ فَيُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي فِيهِ ; لِأَنَّهُ يَبْعُدُ مَجِيءُ إنْسَانٍ بِصِفَتِهِ فَيَقُولُ: أَنَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَ (لَا) تَكْفِي الصِّفَةُ فِي الْمَشْهُودِ (لَهُ) بِأَنْ يَقُولَا: نَشْهَدُ لِشَخْصٍ صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا بِكَذَا لِاشْتِرَاطِ تَقَدُّمِ دَعْوَاهُ، (فَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ مُشَارَكَتُهُ لَهُ) أَيْ الْعَبْدِ أَوْ الْحَيَوَانِ الْمَشْهُودِ فِيهِ بِالصِّفَةِ (فِي صِفَتِهِ)، بِأَنْ زَالَ اللَّبْسُ لِعَدَمِ مَا يُشَارِكُ فِي صِفَتِهِ (أَخَذَهُ مُدَّعِيهِ) الْمَشْهُودُ لَهُ بِهِ (بِكَفِيلٍ مَخْتُومًا عُنُقُهُ) أَيْ: الْعَبْدِ أَوْ الْحَيَوَانِ الْمَشْهُودِ فِيهِ بِالصِّفَةِ بِأَنْ يَجْعَلَ فِي عُنُقِهِ نَحْوَ خَيْطٍ وَيَخْتِمَ عَلَيْهِ بِنَحْوِ شَمْعٍ، (فَيَأْتِي بِهِ الْقَاضِي الْكَاتِبُ لِتَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ عَلَى عَيْنِهِ) لِزَوَالِ الْإِشْكَالِ (وَيَقْضِي لَهُ بِهِ وَيَكْتُبُ لَهُ كِتَابًا) آخَرَ إلَى الْقَاضِي الَّذِي سَلَّمَهُ لَهُ بِكَفِيلٍ لِيَبْرَأَ كَفِيلُهُ مِنْ الطَّلَبِ بِهِ بَعْدُ، (وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ مَا ادَّعَاهُ) بِأَنْ قَالَ الشُّهُودُ: إنَّهُ لَيْسَ الْمَشْهُودَ بِهِ (فَ) هُوَ فِي يَدِهِ (كَمَغْصُوبٍ) لِوَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ.
(وَلَا يَحْكُمُ) الْقَاضِي (عَلَى مَشْهُودٍ عَلَيْهِ بِالصِّفَةِ) بِأَنْ قَالَا: نَشْهَدُ عَلَى رَجُلٍ صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا إنَّهُ اقْتَرَضَ مِنْ هَذَا كَذَا (حَتَّى يُسَمَّى) وَيُنْسَبَ، وَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الْجَدِّ إنْ عُرِفَ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ (أَوْ) حَتَّى (تَشْهَدَ) الْبَيِّنَةُ (عَلَى عَيْنِهِ) لِيَزُولَ اللَّبْسُ، (وَإِذَا وَصَلَ الْكِتَابُ) إلَى الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ (وَأَحْضَرَ الْخَصْمَ الْمَذْكُورَ فِيهِ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَحِلْيَتِهِ فَقَالَ: مَا أَنَا بِالْمَذْكُورِ) فِي الْكِتَابِ (قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ) ; لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ (فَإِنْ نَكِلَ) عَنْ الْيَمِينِ (قُضِيَ عَلَيْهِ) بِنُكُولِهِ، (وَإِنْ أَقَرَّ بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ أَوْ ثَبَتَ) اسْمُهُ وَنَسَبُهُ (بِبَيِّنَةٍ فَقَالَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ غَيْرِي لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ ذَلِكَ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ أَنَّ بِالْبَلَدِ) شَخْصًا (آخَرَ كَذَلِكَ) أَيْ يُسَاوِيه فِي اسْمِهِ وَنَسَبِهِ، (وَلَوْ) كَانَ الْمُسَاوِي لَهُ فِي الِاسْمِ وَالنَّسَبِ (مَيِّتًا يَقَعُ بِهِ إشْكَالٌ فَيَتَوَقَّفُ) الْحُكْمُ (حَتَّى يُعْلَمَ الْخَصْمُ) مِنْهُمَا، فَيُحْضِرُ الْقَاضِي الْمُسَاوِيَ لَهُ إنْ أَمْكَنَ وَيَسْأَلُهُ فَإِنْ اعْتَرَفَ بِالْحَقِّ أَلْزَمَهُ وَتَخَلَّصَ الْأَوَّلُ وَإِنْ أَنْكَرَ وَقَّفَ الْحُكْمَ وَيَكْتُبُ إلَى الْقَاضِي الْكَاتِبِ يُعْلِمُهُ بِمَا حَصَلَ مِنْ اللَّبْسِ حَتَّى يُرْسِلَ الشَّاهِدَيْنِ فَيَشْهَدَا عِنْدَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ، فَيَلْزَمُهُ الْحَقُّ وَإِنْ كَانَ الْمَيْتُ لَا يَقَعُ بِهِ الْتِبَاسٌ فَلَا أَثَرَ لَهُ
(وَإِنْ مَاتَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ أَوْ عُزِلَ لَمْ يَضُرَّ) أَيْ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ قَبُولَ كِتَابِهِ وَالْعَمَلَ بِهِ (كَ) مَوْتِ (بَيِّنَةِ أَصْلٍ) فَيَحْكُمُ بِشُهُودِ الْفَرْعِ، (وَإِنْ فَسَقَ) الْقَاضِي الْكَاتِبُ (فَ) فِسْقُهُ (بِقَدْحٍ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِيَحْكُمَ بِهِ) الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ فَلَا يَحْكُمُ