الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ الرَّجْعَةِ]
وَهِيَ: أَيْ الرَّجْعَةُ بِالْفَتْحِ فِعْلُ الْمُرْتَجِعِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَلِهَذَا اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى فَتْحِهَا. وَشَرْعًا (إعَادَةُ مُطَلَّقَةٍ) طَلَاقًا (غَيْرَ بَائِنٍ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ) قَبْلَ الطَّلَاقِ (بِغَيْرِ عَقْدٍ) أَيْ نِكَاحٍ وَأَجْمَعُوا عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228] وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حِينَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ " «وَطَلَّقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَفْصَةَ ثُمَّ رَاجَعَهَا» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْحُرَّ إذَا طَلَّقَ دُونَ الثَّلَاثِ وَالْعَبْدَ دُونَ الِاثْنَيْنِ أَنَّ لَهُمَا الرَّجْعَةَ فِي الْعِدَّةِ (إذَا طَلَّقَ حُرٌّ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ مُمَيِّزًا يَعْقِلُهُ ; لِأَنَّ الرَّجْعَةَ إمْسَاكٌ وَهُوَ يَمْلِكُهُ لَا وَلِيُّهُ لَكِنْ ظَاهِرُ الْمُبْدِعِ يُخَالِفُهُ، كَمَا ذَكَرْتُهُ فِي حَاشِيَةِ الْإِقْنَاعِ (مَنْ دَخَلَ) بِهَا (أَوْ خَلَا بِهَا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ) طَلَاقًا (أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ أَوْ) طَلَّقَ (عَبْدٌ) مَنْ دَخَلَ أَوْ خَلَا بِهَا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ طَلْقَةً (وَاحِدَةً بِلَا عِوَضٍ) مِنْ الْمَرْأَةِ وَلَا غَيْرِهَا فِي طَلَاقِ الْحُرِّ أَوْ الْعَبْدِ (فَلَهُ) أَيْ الْمُطَلِّقِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا فِي عِدَّتِهَا رَجْعَتُهَا.
وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بِلَا إذْنِ سَيِّدِ زَوْجٍ (وَلِوَلِيِّ مَجْنُونٍ) طَلَّقَ بِلَا عِوَضٍ دُونَ مَا يَمْلِكُهُ وَهُوَ عَاقِلٌ ثُمَّ جُنَّ (فِي عِدَّتِهَا رَجْعَتُهَا وَلَوْ كَرِهَتْ) الْمُطَلَّقَةُ ذَلِكَ لِقِيَامِ وَلِيِّهِ مَقَامَهُ خَشْيَةَ الْفَوَاتِ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ أَوْ خَلَا بِهَا فَلَا رَجْعَةَ ; لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا فَلَا تُمْكِنُ رَجْعَتُهَا، وَكَذَا إنْ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا كَبِلَا وَلِيٍّ أَوْ شُهُودٍ فَيَقَعُ فِيهِ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَلَا رَجْعَةَ لِأَنَّهَا إعَادَةٌ إلَى النِّكَاحِ فَإِذَا لَمْ تَحِلَّ بِالنِّكَاحِ وَجَبَ أَنْ لَا تَحِلَّ بِالرَّجْعَةِ إلَيْهِ، وَكَذَا إنْ طَلَّقَ الْحُرُّ ثَلَاثًا أَوْ الْعَبْدُ اثْنَتَيْنِ لِأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ كَمَا يَأْتِي فَلَا رَجْعَةَ وَكَذَا إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بِعِوَضٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا
جُعِلَ لِتَفْتَدِيَ بِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ الزَّوْجِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مَعَ ثُبُوتِ الرَّجْعَةِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ رِضَاهَا لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَلِأَنَّهَا إمْسَاكٌ لِلْمَرْأَةِ بِحُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ رِضَاهَا كَالْمَبِيعِ زَمَنَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمُرْتَجَعَةُ حُرَّةً عَلَى حُرَّةٍ أَوْ عَلَى أَمَةٍ (أَوْ أَمَةً) عَلَى أَمَةٍ أَوْ أَمَةً (عَلَى حُرَّةٍ) لِأَنَّهَا اسْتِدَامَةٌ لِلنِّكَاحِ لَا ابْتِدَاءٌ لَهُ (أَوْ) كَانَتْ الرَّجْعِيَّةُ أَمَةً و (أَبَى سَيِّدُهَا) رَجْعَتَهَا (أَوْ) كَانَتْ الرَّجْعِيَّةُ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً وَأَبَى (وَلِيٌّ) رَجْعَتَهَا لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حُرَّةً مُكَلَّفَةً لَمْ يُعْتَبَرْ رِضَاهَا فَكَذَا سَيِّدُهَا أَوْ وَلِيُّهَا وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الرَّجْعَةِ إرَادَةُ الْإِصْلَاحِ وَالْآيَةُ لِلتَّحْرِيضِ عَلَى الْإِصْلَاحِ وَالْمَنْعِ مِنْ قَصْدِ الْإِضْرَارِ.
وَتَحْصُلُ الرَّجْعَةُ (بِلَفْظِ رَاجَعْتُهَا وَرَجَعْتُهَا وَارْتَجَعْتُهَا وَأَمْسَكْتُهَا وَرَدَدْتُهَا وَنَحْوَهُ) كَأَعَدْتُهَا لِوُرُودِ السُّنَّةِ بِلَفْظِ الرَّجْعَةِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَاشْتَهَرَ هَذَا الِاسْمُ فِيهَا عُرْفًا فَتُسَمَّى رَجْعَةً وَالْمَرْأَةُ رَجْعِيَّةً وَوَرَدَ الْكِتَابُ بِلَفْظِ الرَّدِّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] وَبِلَفْظِ الْإِمْسَاكِ فِي - قَوْله تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] وَقَوْلِهِ: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 229] وَأُلْحِقَ بِهَا مَا هُوَ بِمَعْنَاهَا (وَلَوْ زَادَ لِلْمَحَبَّةِ أَوْ) زَادَ (لِلْإِهَانَةِ) بِأَنْ قَالَ رَاجَعْتُهَا وَنَحْوَهُ لِلْإِهَانَةِ وَكَذَا لِمَحَبَّتِي إيَّاكِ أَوْ لِإِهَانَتِكِ ; لِأَنَّهُ أَتَى بِالرَّجْعَةِ وَبَيَّنَ سَبَبَهَا (إلَّا أَنْ يَنْوِيَ رَجْعَتَهَا إلَى ذَلِكَ) أَيْ الْمَحَبَّةِ أَوْ الْإِهَانَةِ (بِفِرَاقِهِ) إيَّاهَا فَلَا رَجْعَةَ لِحُصُولِ التَّضَادِّ، لِأَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تُرَادُ لِلْفِرَاقِ و (لَا) يَحْصُلُ بِقَوْلِ مُطَلِّقٍ (نَكَحْتُهَا أَوْ تَزَوَّجْتُهَا) لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ وَالرَّجْعَةُ اسْتِبَاحَةُ بُضْعٍ مَقْصُودٍ فَلَا تَحْصُلُ بِكِنَايَةٍ كَالنِّكَاحِ.
(وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا) أَيْ الرَّجْعَةِ (الْإِشْهَادُ) عَلَيْهَا لِأَنَّهَا لَا تَفْتَقِرُ إلَى قَبُولٍ كَسَائِرِ حُقُوقِ الزَّوْجِ وَكَذَا لَا تَفْتَقِرُ إلَى وَلِيٍّ وَلَا صَدَاقٍ وَلَا رِضَا الْمَرْأَةِ كَمَا مَرَّ وَلَا عِلْمِهَا إجْمَاعًا لِأَنَّ حُكْمَ الرَّجْعِيَّةِ حُكْمُ الزَّوْجَاتِ وَالرَّجْعَةُ إمْسَاكٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى -: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] وَإِنَّمَا تَشَعَّثَ النِّكَاحُ بِالطَّلْقَةِ وَانْعَقَدَ بِهَا سَبَبُ زَوَالِهِ فَالرَّجْعَةُ تُزِيلُ شَعَثَهُ وَتَقْطَعُ مُضِيَّهُ إلَى الْبَيْنُونَةِ فَلَمْ تَحْتَجْ إلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ (وَعَنْهُ) أَيْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ (بَلَى) يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الرَّجْعَةِ الْإِشْهَادُ عَلَيْهَا (فَ) عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ (تَبْطُلُ) الرَّجْعَةُ (إنْ أَوْصَى) الزَّوْجُ (الشُّهُودَ بِكِتْمَانِهَا) لِمَا رَوَى أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي بِسَنَدِهِ إلَى خِلَاسٍ قَالَ: طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ عَلَانِيَةً وَرَاجَعَهَا سِرًّا وَأَمَرَ الشَّاهِدَيْنِ أَنْ يَكْتُمَاهَا الرَّجْعَةَ فَاخْتَصَمُوا إلَى عَلِيٍّ فَجَلَدَ الشَّاهِدَيْنِ وَاتَّهَمَهُمَا وَلَمْ
يَجْعَلْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةً.
(وَالرَّجْعِيَّةُ زَوْجَةٌ) يَمْلِكُ الزَّوْجُ مِنْهَا مَا يَمْلِكُهُ مِمَّنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا (فَيَصِحُّ أَنْ تُلَاعَن و) أَنْ (تَطْلُقَ وَيَلْحَقُهَا ظِهَارُهُ وَإِيلَاؤُهُ) وَيَرِثُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ إجْمَاعًا وَيَصِحُّ خُلْعُهَا لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ يَصِحُّ طَلَاقُهَا وَنِكَاحُهَا بَاقٍ فَلَا تَأْمَنُ رَجْعَتَهُ لَكِنْ لَا قَسَمَ لَهَا صَرَّحَ بِهِ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ.
(وَلَهَا) أَيْ الرَّجْعِيَّةِ (أَنْ تُشْرِفَ) أَيْ تَتَعَرَّضَ (لَهُ) أَيْ لِمُطَلِّقِهَا بِأَنْ تُرِيَهُ نَفْسَهَا.
(وَ) لَهَا أَيْضًا أَنْ (تَتَزَيَّنَ) لَهُ كَمَا تَتَزَيَّنُ النِّسَاءُ لِأَزْوَاجِهِنَّ لِإِبَاحَتِهَا لَهُ كَمَا قَبْلَ الطَّلَاقِ (وَلَهُ) أَيْ الْمُطَلِّقِ (السَّفَرُ) بِالرَّجْعِيَّةِ (وَالْخَلْوَةُ بِهَا وَوَطْؤُهَا) لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ (وَتَحْصُلُ بِهِ) أَيْ بِوَطْئِهِ لَهَا (رَجْعَتُهَا وَلَوْ لَمْ يَنْوِهَا) أَيْ الرَّجْعَةَ بِالْوَطْءِ ; لِأَنَّ الطَّلَاقَ سَبَبُ زَوَالِ الْمِلْكِ وَمَعَهُ خِيَارٌ فَتَصَرُّفُ الْمَالِكِ بِالْوَطْءِ فِي مُدَّتِهِ يَمْنَعُ عَمَلَهُ كَوَطْءِ الْبَائِعِ الْأَمَةَ الْمَبِيعَةَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فِي قَوْلٍ.
و (لَا) تَحْصُلُ رَجْعَتُهَا بِإِنْكَارِ طَلَاقِهَا ; لِأَنَّهُ مُنَافٍ لِوُجُودِ حَقِّهِ فِي الرَّجْعَةِ وَلَا تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ (بِمُبَاشَرَةِ) الرَّجْعِيَّةِ دُونَ الْفَرْجِ (وَ) لَا (بِنَظَرٍ لِفَرْجٍ وَكَذَا خَلْوَةٌ لِشَهْوَةٍ إلَّا عَلَى قَوْلٍ) أَيْ رِوَايَةٍ قَالَ (الْمُنَقِّحُ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ) انْتَهَى قِيَاسًا عَلَى إلْحَاقِهَا بِالْوَطْءِ فِي تَكْمِيلِ الْمَهْرِ وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ.
(وَتَصِحُّ) رَجْعَةٌ (بَعْدَ طُهْرٍ مِنْ) حَيْضَةٍ (ثَالِثَةٍ وَلَمْ تَغْتَسِلْ) نَصًّا رَوَى عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ ; لِأَنَّ أَثَرَ الْحَيْضِ يَمْنَعُ الزَّوْجَ الْوَطْءَ كَمَا يَمْنَعُهُ الْحَيْضُ فَيُحْرَمُ وَطْؤُهَا قَبْلَ الْغُسْلِ فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ ذَلِكَ مَا يَمْنَعُهُ الْحَيْضُ وَيُوجِبُ مَا أَوْجَبَهُ الْحَيْضُ كَمَا قَبْلَ انْقِطَاعِ الدَّمِ وَتَنْقَطِعُ بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ مِنْ التَّوَارُثِ وَالطَّلَاقِ وَاللِّعَانِ وَالنَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا بِانْقِطَاعِ الدَّمِ وَيَأْتِي فِي الْعِدَّةِ.
(وَ) تَصِحُّ الرَّجْعَةُ (قَبْلَ وَضْعِ وَلَدٍ مُتَأَخِّرٍ) رَجْعَتُهَا إنْ كَانَتْ حَامِلًا بِعَدَدٍ وَقَبْلَ خُرُوجِ بَقِيَّةِ وَلَدٍ لِبَقَاءِ الْعِدَّةِ.
و (لَا) تَصِحُّ رَجْعَتُهَا (فِي رِدَّةٍ) مِنْ مُطَلَّقَةٍ أَوْ مُطَلِّقٍ ; لِأَنَّ الرَّجْعَةَ اسْتِبَاحَةُ بُضْعٍ مَقْصُودٍ فَلَا تَصِحُّ مَعَ الرِّدَّةِ كَنِكَاحٍ، وَكَذَا بَعْدَ إسْلَامِ زَوْجَةٍ أَوْ زَوْجِ غَيْرِ كِتَابِيَّةٍ.
و (لَا) يَصِحُّ (تَعْلِيقُهَا) أَيْ الرَّجْعَةِ (بِشَرْطٍ ك) قَوْلِهِ لَهَا (كُلَّمَا طَلَّقْتُكِ فَقَدْ رَاجَعْتُكِ) لِمَا سَبَقَ (وَلَوْ عَكَسَهُ) فَقَالَ لِلرَّجْعِيَّةِ كُلَّمَا رَاجَعْتُكِ فَقَدْ طَلَّقْتُكِ (صَحَّ) التَّعْلِيقُ (وَطَلُقَتْ) كُلَّمَا رَاجَعَهَا لِأَنَّهُ طَلَاقٌ مُعَلَّقٌ بِصِفَةٍ.
(وَمَتَى اغْتَسَلَتْ) رَجْعِيَّةٌ (مِنْ حَيْضَةٍ ثَالِثَةٍ وَلَمْ يَرْتَجِعْهَا) قَبْلَهُ (بَانَتْ وَلَمْ تَحِلَّ إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ) إجْمَاعًا لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228] أَيْ الْعِدَّةِ.
(وَتَعُودُ) إلَيْهِ
الرَّجْعِيَّةُ إذَا رَاجَعَهَا وَالْبَائِنُ إذَا نَكَحَهَا (عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا وَلَوْ) كَانَ عَوْدُهَا (بَعْدَ وَطْءِ زَوْجٍ آخَرَ) غَيْرِ الْمُطَلِّقِ فِي قَوْلِ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَأَبُو مُعَاذٍ وَعِمْرَانُ ابْنُ حُصَيْنٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَزَيْدٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهم ; وَلِأَنَّ وَطْءَ الثَّانِيَ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْإِحْلَالِ لِلْأَوَّلِ، فَلَا يُغَيَّرُ حُكْمُ الطَّلَاقِ كَوَطْءِ الشُّبْهَةِ وَالسَّيِّدِ ; وَلِأَنَّهُ تَزْوِيجٌ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الثَّلَاثِ أَشْبَهَ مَا لَوْ رَجَعَتْ إلَيْهِ قَبْلَ وَطْءِ الثَّانِي.
(وَإِنْ أَشْهَدَ) مُطَلِّقٌ رَجْعِيًّا (عَلَى رَجْعَتِهَا) فِي الْعِدَّةِ (وَلَمْ تَعْلَمْ) هِيَ (حَتَّى اعْتَدَّتْ وَنَكَحَتْ مَنْ أَصَابَهَا) ثُمَّ جَاءَ وَادَّعَى رَجْعِيَّتَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ وَقُبِلَتْ (رُدَّتْ إلَيْهِ) لِثُبُوتِ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ، وَأَنَّ نِكَاحَ الثَّانِيَ فَاسِدٌ لِتَزَوُّجِهِ امْرَأَةً فِي نِكَاحِ غَيْرِهِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يُصِبْهَا الثَّانِي.
(وَلَا يَطَؤُهَا) الْأَوَّلُ إنْ أَصَابَهَا الثَّانِي (حَتَّى تَعْتَدَّ) مِنْ وَطْءِ الثَّانِي احْتِيَاطًا لِلْأَنْسَابِ (وَكَذَا إنْ صَدَّقَاهُ) أَيْ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ فِي أَنَّهُ رَاجَعَهَا فِي عِدَّتِهَا، حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لَهُ لِأَنَّ تَصْدِيقَهُمَا أَبْلَغُ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ (وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ رَجْعَتُهُ) بِبَيِّنَةٍ (وَأَنْكَرَاهُ) أَيْ أَنْكَرَ أَيْ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ أَنَّهُ رَاجَعَهَا (رُدَّ قَوْلُهُ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الزَّوْجِ الثَّانِي بِهَا وَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ فِي حَقِّهَا (وَإِنْ صَدَّقَهُ) الزَّوْجُ (الثَّانِي بَانَتْ مِنْهُ) لِاعْتِرَافِهِ بِفَسَادِ نِكَاحِهِ وَعَلَيْهِ مَهْرُهَا إنْ دَخَلَ وَخَلَا بِهَا وَإِلَّا فَنِصْفُهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا عَنْهُ، وَلَا تُسَلَّمُ الْمَرْأَةُ إلَى الْمُدَّعِي ; لِأَنَّ قَوْلَ الثَّانِي لَا يُقْبَلُ عَلَيْهَا بَلْ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَقَطْ وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِغَيْرِ يَمِينٍ. قَالَهُ فِي الْإِقْنَاعِ (وَإِنْ صَدَّقَتْهُ) الْمَرْأَةُ (لَمْ يُقْبَلْ عَلَى) الزَّوْجِ (الثَّانِي) فِي فَسْخِ نِكَاحِهِ (وَلَا يَلْزَمُهَا مَهْرُ الْأَوَّلِ لَهُ) أَيْ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ لَهَا بِالدُّخُولِ (لَكِنْ مَتَى بَانَتْ) مِنْ الثَّانِي (عَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ بِلَا عَقْدٍ جَدِيدٍ) وَلَا يَطَأُ حَتَّى تَعْتَدَّ لِلثَّانِي إنْ دَخَلَ بِهَا وَإِنْ مَاتَ الْأَوَّلُ قَبْلَ بَيْنُونَتِهَا مِنْ الثَّانِي فَقَالَ الْمُوَفَّقُ وَمَنْ تَبِعَهُ: يَنْبَغِي أَنْ تَرِثَهُ لِإِقْرَارِهِ بِزَوْجِيَّتِهَا وَتَصْدِيقِهَا، وَإِنْ مَاتَتْ لَا يَرِثُهَا الْأَوَّلُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الثَّانِي بِالْإِرْثِ، وإنْ مَاتَ الثَّانِي لَمْ تَرِثْهُ هِيَ لِإِنْكَارِهَا صِحَّةَ نِكَاحِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا يُمَكَّنُ الْأَوَّلُ مِنْ تَزْوِيجِ أُخْتِهَا وَلَا أَرْبَعٍ سِوَاهَا.
(وَمَنْ ادَّعَتْ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا) بِوِلَادَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (وَأَمْكَنَ) بِأَنْ مَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ انْقِضَاؤُهَا فِيهِ (قُبِلَتْ) دَعْوَاهَا - لِقَوْلِهِ تَعَالَى -: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] قِيلَ هُوَ الْحَيْضُ وَالْحَمْلُ. فَلَوْلَا قَبُولُ
قَوْلِهِنَّ لَمْ يَخْرُجْنَ بِكِتْمَانِهِ ; وَلِأَنَّهُ أَمْرٌ تَخْتَصُّ الْمَرْأَةُ بِمَعْرِفَتِهِ. فَقُبِلَ قَوْلُهَا فِيهِ كَالنِّيَّةِ مِنْ الْإِنْسَانِ حَيْثُ اُعْتُبِرَتْ، وَإِنْ لَمْ يَمْضِ مَا يُمْكِنُ انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا فِيهِ رُدَّ قَوْلُهَا، فَإِنْ مَضَى مَا يُمْكِنُ صِدْقُهَا فِيهِ ثُمَّ ادَّعَتْهُ فَإِنْ بَقِيَتْ عَلَى دَعْوَاهَا الْمَرْدُودَةِ لَمْ تُقْبَلْ وَإِنْ ادَّعَتْ انْقِضَاءَهَا فِي الْمُدَّةِ كُلِّهَا أَوْ فِيمَا يُمْكِنُ مِنْهَا قُبِلَتْ.
و (لَا) تُقْبَلُ دَعْوَاهَا انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا (فِي شَهْرٍ بِحَيْضٍ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) نَصًّا لِقَوْلِ شُرَيْحٍ إذَا ادَّعَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ فِي شَهْرٍ وَجَاءَتْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ النِّسَاءِ الْعُدُولِ مِنْ بِطَانَةِ أَهْلِهَا مِمَّنْ يُرْضَى صِدْقُهُ وَعَدْلُهُ أَنَّهَا رَأَتْ مَا يُحَرِّمُ عَلَيْهَا الصَّلَاةَ مِنْ الطَّمْثِ وَتَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ قُرْءٍ وَتُصَلِّي فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَإِلَّا فَهِيَ كَاذِبَةٌ فَقَالَ لَهُ: عَلِيٌّ قالون، وَمَعْنَاهُ بِالرُّومِيَّةِ أَصَبْتَ وَأَحْسَنْت، وَإِنَّمَا لَمْ تُصَدَّقْ فِي ذَلِكَ مَعَ إمْكَانِهِ لِنُدْرَتِهِ بِخِلَافِ مَا زَادَ عَلَى الشَّهْرِ.
(وَأَقَلُّ مَا) أَيْ زَمَنٍ (تَنْقَضِي عِدَّةُ حُرَّةٍ فِيهِ لِأَقْرَاءٍ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا) بِلَيَالِيِهَا (وَلَحْظَةً) لِمَا سَبَقَ أَنَّ الْأَقْرَاءَ الْحَيْضُ، وَأَقَلُّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَأَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَيَكُونُ طَلْقُهَا مَعَ آخِرِ الطُّهْرِ وَاللَّحْظَةُ لِتَحَقُّقِ انْقِطَاعِ الدَّمِ وَحَيْثُ اُعْتُبِرَ الْغُسْلُ اُعْتُبِرَ لَهُ لَحْظَةٌ أَيْضًا.
(وَ) أَقَلُّ مَا تَنْقَضِي فِيهِ عِدَّةُ (أَمَةٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) بِلَيَالِيِهَا (وَلَحْظَةً) وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْفَاسِقَةُ وَالْمَرْضِيَّةُ وَالْمُسْلِمَةُ وَالْكَافِرَةُ ; لِأَنَّ مَا يُقْبَلُ فِيهِ إخْبَارُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالٍ.
(وَمَنْ) أَيْ مُطَلَّقَةٌ رَجْعِيَّةٌ (قَالَتْ ابْتِدَاءً) قَبْلَ دَعْوَى زَوْجِهَا رَجْعَتَهَا (انْقَضَتْ عِدَّتِي) فِي زَمَنٍ يُمْكِنُ فِيهِ. قُلْت أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ (فَقَالَ) زَوْجُهَا (كُنْتُ رَاجَعْتُكِ وَأَنْكَرَتْهُ) فَقَوْلُهَا: لِأَنَّ دَعْوَاهَا انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا إذَنْ مَقْبُولَةٌ فَصَارَتْ دَعْوَاهُ الرَّجْعَةَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَلَمْ تُقْبَلْ.
(أَوْ تَدَاعَيَا مَعًا) بِأَنْ قَالَتْ: انْقَضَتْ عِدَّتِي. وَقَالَ الزَّوْجُ: رَاجَعْتُكِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ (فَ) الْقَوْلُ (قَوْلُهَا وَلَوْ صَدَّقَهُ سَيِّدُ أَمَةٍ) رَجْعِيَّةٍ نَصًّا ; لِأَنَّ قَوْلَهَا لَا يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الزَّوْجِ، وإنْ صَدَّقَتْهُ وَكَذَّبَهُ مَوْلَاهَا لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهَا فِي إبْطَالِ حَقِّ السَّيِّدِ، وَإِنْ عَلِمَ صِدْقَ الزَّوْجِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا تَزْوِيجُهَا (وَمَتَى رَجَعَتْ عَنْ قَوْلِهَا) انْقَضَتْ حَيْثُ قُبِلَ قَوْلُهَا وَلَمْ تَتَزَوَّجْ (قَبْلَ) رُجُوعِهَا (كَجَحْدِ أَحَدِهِمَا النِّكَاحَ) إذَا ادَّعَاهُ الْآخَرُ (ثُمَّ يَعْتَرِفُ بِهِ) أَيْ النِّكَاحِ مُنْكِرُهُ فَيُقْبَلُ مِنْهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَسْبِقْهُ إنْكَارٌ.
(وَإِنْ سَبَقَ) زَوْجُ رَجْعِيَّةٍ (فَقَالَ) لَهَا (ارْتَجَعْتُكِ فَقَالَتْ انْقَضَتْ عِدَّتِي قَبْلَ رَجْعَتِكَ) وَأَنْكَرَهَا (فَقَوْلُهُ) لِسَبْقِ دَعْوَاهُ