الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صاحبان لي عملا عملاً وسلكا طريقاً، وإني إن عملت بغير عملهما سلك بي طريق غير طريقهما (1).
وتتمثل نظرته للمال في دعائه: "اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينت لتا، اللهم فاجعلني أنفقه في حقه، وأعوذ بك من شره"(2).
وكان مرهف الحس، عظيم الشعور بالمسؤولية تجاه الأموال العامة والخاصة
فكان يقول: "لو مات جمل ضياعاً بشاطئ الفرات لخشيت أن يسألني الله عنه"(3).
وكان يسأل بعض علماء الصحابة عن سياسته، وقد سأل مرة حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قائلاً: أنشدك بالله وبما يحق لي عليك من الولاية، كيف ما رأيت مني؟ قال حذيفة: يا أمير المؤمنين، إن جمعت فيء الله وقسمته في ذات الله فأنت أنت وإلا فلا (4)
فلا غرابة إذا ما راقب صرف الأموال العامة بصورة دقيقة، يشمل ذلك نفسه وأهله وولاته ورعيته ..
رقابة عمر لأهله:
منع عمر رضي الله عنه أهله من جرَّ المنافع بسبب صلة القربى به، وثبتت حادثتان في ذلك، الأولى مع ابنه عاصم، والثانية مع ابنيه عبد الله وعبيد الله، فأما
(1) ابن سعد: الطبقات الكبرى 3: 288 - 289، وابن حجر: المطالب العالية 4: 40 نقلاً عن مسند مسدد، والأثر صحيح.
(2)
إسناده صحيح.
(3)
ابن حجر: المطالب العالية 4: 41 عن مسدد، وابن سعد: الطبقات الكبرى 3: 305، وابن أبي شيبة: المصنف 7: 99، والطبري: تأريخ 2: 566 والأثر حسن لغيره.
(4)
ابن زنجويه: الأموال 2: 602، وابن شبة: تاريخ المدينة 2: 777، ويعقوب بن سفيان: المعرفة والتأريخ 2: 769 والأثر صحيح.
عاصم فقد قال معيقيب ما يلي: "أرسل إلي عمر رضي الله عنه مع الظهيرة، فإذا هو في بيت يطالب ابنه عاصماً .. فقال لي: أتدري ما صنع هذا؟ إنه انطلق إلى العراق فأخبرهم أنه ابن أمير المؤمنين، فانتفقهم (سألهم النفقة)، فأعطوه آنية وفضة ومتاعاً، وسيفاً محلَّى. فقال عاصم: ما فعلتُّ، إنما قدمت على ناس من قومي، فأعطوني هذا. فقال عمر: خذه يا معيقيب فاجعله في بيت المال"(1).
وأما عبد الله وعبيد الله فخرجا في جيش إلى العراق فلما قفلا مرَّا على أبي موسى الأشعري والي البصرة، فأعطاهما مالاً ليسلماه لعمر وجعله سلفاً عليهما، واقترح عليهما أن يشتريا من بضائع العراق ويبيعوها بالمدينة، ويحوزان الربح ويسددان رأس المال لعمر. فربحا بهذه التجارة، وأرادا تسديد رأس المال، فأبى عمر إلا أن يسددا معه ما ربحاه. وبعد تدخل الصحابة جعله مضاربة، فأخذ نصف الربح مع رأس المال. وكان يحتج عليهما بقوله: أكل الجيش أسلفه مثل ما أسلفكما!! أديا المال وربحه (2). وهكذا منع استغلال نفوذه من قبل أولاده.
وله موقفان آخران مع ابنه عاصم، فعندما كان عاصم غلاماً صغيراً التقط درهماً من حجرة كان فيها مال جديد أمر عمر بإدخاله إلى بيت المال، ثم رأى درهماً بيد عاصم فحقق معه وانتزعه منه وأرسله إلى بيت المال (3). ولما كبر عاصم وتزوج كان عمر رضى الله عنه ينفق عليه، فجاء يطلب مالاً، فقال له عمر: "ما كنت أرى أن هذا المال يحل لي قبل أن أليه إلا بحقه، وما كان أحرم عليَّ منذ أن وليته، فعاد أمانتي، وقد أنفقت عليك من بيت المال ولست بزائدك، ولكني معينك
(1) ابن شيبة: تاريخ المدينة 2: 700 - 701 والأثر حسن.
(2)
مالك: الموطأ 2: 173، والدارقطني: السنن 3: 63، والبيهقي: السنن الكبرى 6: 110 - 111 والأثر صحيح.
(3)
ابن شيبة: تاريخ المدينة 2: 702 والأثر صحيح.
بثمن مالي في العالية، فأجرده، ثم آت رجلاً من قومك من تجارهم، فقم إلى جنبه، فإذا اشترى شيئاً، فاستشركه وأنفق على أهلك" (1).
(1) ابن سعد: الطبقات 3: 277، وأحمد: الزهد 144، وابن زنجويه: الأموال 2: 516 - 517، وابن شبة: تأريخ المدينة 2: 99 والأثر صحيح.