الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بقوة في أذربيجان لما قدمها الأشعث والي علي رضي الله عنه (1). ومعنى هذا انخفاض جباية الجزية، كما توجد إشارة إلى اعتماد جباية الجزية من قبل الدهاقين في إقليم خراسان وتسليمها للمسلمين، وأن الدهاقين كانوا يواجهون حركات تمرد في خراسان رغم دعم الدولة الإسلامية لهم مما يستنتج منه انخفاض واردات الجزية حيث لم يعرض والي خراسان جعدة بن هبيرة "لأهل النكث وجبى أهل الصلح"(2).
المبحث الثاني: الخراج
أنجز الفتح الإسلامي فتح العراق بعد القادسية (15 هـ) وجلولاء (16 هـ) وكان أكثر الفتح عنوة، وانتفضت البلاد مرات عديدة، لذلك فإن عهود الفتح وشروط الصلح تغيرت مرات عديدة، ويترتب على الفتح عنوة استملاك المسلمين للأرض، وتقسيمها، وينال الدولة الخمس في حين ينال المقاتلون أربعة أخماس الأرض، ولو تم ذلك التقسيم لأصاب كل مقاتل مساحة واسعة من الأرض الزراعية الخصبة، وثلاثة من فلاحي السواد (3).
ولكن التقسيم للأرض وللفلاحين لم يحدث، بل جمع عمر رضي الله عنه الصحابة رضوان الله عليهم للنظر في كيفية معاملة منطقة سواد العراق. وقد أوضح
(1) المصدر السابق 404.
(2)
المصدر نفسه 505.
(3)
ابن أبي شيبة: المصنف 6: 466، والخطيب البغدادي: تأريخ بغداد 1: 8. وسند الخبر ضعيف فيه تدليس السبيعي واختلاطه بأخرة. ولكن القدر المذكور من الرواية تأريخي صرف لا علاقة له بعقيدة ولا بشريعة.
وجهة نظره للصحابة، فالأصل تقسيم المنطقة المفتوحة وقد ثبت عنه تصريحه بذلك "لولا آخر المسلمين ما فتحت قرية إلا قسمتها، كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر"(1). ومراعاة حقوق الأجيال التالية استنبطها عمر رضي الله عنه من الآيات القرآنية- والتي قرأها على المجتمعين-: (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب).
(للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون) فقال معقباً على هذه الآية: والله ما هو لهؤلاء وحدهم.
(والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون).
(والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم)(2). وعقب على هذه الآية الأخيرة بقوله: "والله ما من أحد من المسلمين إلا وله حق من هذا المال أعطي منه أو منع، حتى راع بعدنٍ"(3). وقد غلب هذا الرأي
(1) البخاري: الصحيح 3: 48.
(2)
الحشر 7 - 10.
(3)
عبد الرزاق: المصنف 4: 151، 152 و 11: 101، 102. وابن أبي شيبة: المصنف 6: 471 (ط. كمال يوسف). وابن زنجويه: الأموال 1: 108، 109 و 2:480. والبيهقي: السنن 6: 351، 352 والأثر صحيح.
على المجتمعين (1)، وهكذا دعا الفاتحون المغلوبين للبقاء في الأرض على أن يدفعوا الخراج، وقد أفاد هذا الإجراء في عدم تحول الفاتحين إلى فلاحين مما يضعف قدراتهم القتالية- وهم يواجهون الفرس في الشرق والبيزنطيين في الغرب- كما ربط الفلاحين القدامى بأرضهم وكسب ولاءهم، وساعد على استمرار ازدهار الزراعة في السواد إذ ما كان بوسع الفاتحين استثمار الأرض لنقص الخبرة الزراعية .. وأوجد مورداً سنوياً كبيراً لبيت المال خاصة وأن الأراضي المفتوحة في الشام ومصر عوملت وفق نظام الخراج أيضاً، وهذا المورد مكَّن الدولة من تجهيز الجيوش الكبيرة والقيام بالإصلاحات المتنوعة وخاصة الارتقاء بالمستوى المعيشي للناس عن طريق نظام العطاء، إضافة إلى الحد من نشوء الملكيات الإقطاعية الكبيرة مما يولد تبايناً اقتصادياً شاسعاً ويحصر تداول الثروة بأيدٍ قليلة، وهذا ما وعاه عمر من الآيات القرآنية مما يوضح دقة فهمه وعمق بصيرته، وأثر القرآن في توجيه سياسته.
ونظراً لأن الخراج ضريبة على الأرض خلافاً للجزية فإنه لا يسقط بإسلام
(1) توجد أخبار ضعيفة السند تدل على رغبة بعض الصحابة في قسمة السواد لأنه فتح عنوة، ويصرح عمر في هذه الأخبار بأنه يحفظ بإجرائه حقوق الأجيال اللاحقة (ابن أبي شيبة: المصنف 6: 466، وسعيد بن منصور 2: 227، وابن زنجويه: الأموال 1: 191، 194، والخطيب: تأريخ بغداد 1: 7، 8، 9، والبيهقي: السنن 9: 134. وهذه الأخبار الضعيفة تتضافر لتقوية تعليل عمر رضي الله عنه لإجراءاته في أرض السواد، وهي تتفق مع الثابت من استنباطه من القرآن. كما توجد أخبار ضعيفة تتضافر لتأكيد وجود معارضة ضعيفة لإجراءات عمر في عدم تقسيم أرض الشام ومصر (أبو عبيد: الأموال 63، وأحمد: فضائل الصحابة 1: 289، وابن زنجويه: الأموال 1: 191، والبيهقي: السنن 6: 318 و 9: 138، 139 بأسانيد ثلاثة فيها انقطاع وإرسال وتقوى ببعضها إلى الحسن).
صاحب الحق في استثمار الأرض سواء كان رجلاً أو امرأة، عبداً أو حراً (1).
فلما أسلمت دهقانة نهر الملك- كورة واسعة ببغداد بعد نهر عيسى تضم قرى كثيرة- قال عمر: "دعوها في أرضها تؤدي عنها الخراج"(2).
وتتضافر روايات أخرى ضعيفة في تأكيد عدم سقوط الخراج بالإسلام (3).
وقد ثبت أن عمر رضي الله عنه كان ينهج سياسة رفيقة مع أهل الخراج خوفاً من المشقة عليهم وإجهادهم فكان يسأل عماله على مسح السواد: "انظر ما لديكما أن تكونا حملتما الأرض مالا تطيق"(4). وبالطبع فإنه كان يتعامل مع مخالفين له في العقيدة، وذلك في بداية الفتح وفرض الخراج، فكان يحرص على معاملتهم بالعدل والإحسان.
وقد نهى عمر رضي الله عنه عن شراء أرض الخراج لأنها وقف للأمة جميعاً (5) كما نهى عن شراء أرض أهل الذمة الخراجية الصلحية أيضاً وإن لم تكن
(1) أبو عبيد: الأموال 78.
(2)
عبد الرزاق: المصنف 6: 102 و 10: 370. وابن أبي شيبة: المصنف 6: 464. وابن زنجويه: الأموال 1: 257. والبيهقي: السنن 9: 141. والخبر صحيح الإسناد.
(3)
عبد الرزاق: المصنف 6: 102، 103. وابن أبي شيبة: المصنف 4: 405، 463. وابن زنجويه: الأموال 1: 257. والبيهقي: السنن 9: 141، 142 وفيه ضعف جابر الجعفي وإرسال الشعبي عن عمر.
(4)
البخاري: الصحيح 2: 297، وعبد الرزاق: المصنف 6: 103، وابن أبي شيبة: المصنف 6: 436 و 7: 435، 436، وابن زنجويه: الأموال 1: 160، 161. وكان هذا السؤال قبل أربعة أيام من استشهاده.
(5)
الماوردي: الأحكام السلطانية 147، 148 وتوجد رواية ضعيفة تفيد رد عمر لشراء عتبة بن فرقد أرضاً خراجية (أبو عبيد: الأموال 84، وابن زنجويه: الأموال 1: 222، 223، 224
ملكيتها وقفاً للأمة لئلا يضطر المسلم إلى دفع الخراج (1).
وكان عمر قد بعث عثمان بن حنيف لمسح السواد فبلغ ستة وثلاثين ألف جريب (الجريب: (1366) م2) فوضع على كل جريب درهماً وقفيزاً من طعام (القفيز: (112) و26 كغم) مراعياً عدم المشقة على المالكين. ويحتمل أن هذا الإجراء شمل المساحة الصالحة للزراعة كلها مزروعة وغير مزروعة للحث على زراعتها وأداء خراجها، أو أن هذا المقدار من الخراج كان في أول الأمر، ثم عدل عنه إلى فرض مقدار من الخراج يختلف حسب نوع المحصولات الزراعية، فكان على الجريب من النخل عشرة دراهم (وفي رواية ثمانية دراهم، وربما ذلك يتبع الجودة). والجريب من العنب ثمانية دراهم (2)، والجريب من القضب (الأشجار الكبيرة المثمرة) ستة دراهم، والجريب من البر أربعة دراهم، والجريب من الشعير درهمين (3).
، وابن أبي شيبة: المصنف 6: 554، والخطيب: تأريخ بغداد 1: 17، والبيهقي: السنن الكبرى 9: 141).
(1)
عبد الرزاق: المصنف 6: 47 وفيه جهالة راوٍ، 10: 337 وفيه إرسال الحسن البصري. وأبو عبيد: الأموال 83، 84 وفيه تدليس قتادة. وابن أبي شيبة: المصنف 4: 337. وابن زنجويه: الأموال 1: 233، 234 وفه انقطاع بعد ابن سيرين. والبيهقي: السنن 9: 140 والخبر يرقى بطرقه إلى الحسن.
(2)
لم يثبت أن عمر رفع الخراج عن العنب والنخل والخضروات كما ذكر أبو يوسف عن الحسن بن عمارة لأن الحسن متروك (الخراج 41).
(3)
عبد الرزاق: المصنف 6: 100، 101 و 10:333. وابن زنجويه: الأموال 1: 209، 210. والخطيب: تأريخ بغداد 1: 10 - 11. والبيهقي: السنن 9: 136. وتتعاضد الروايات لتقوية الخبر.
ويبدو أنه أضيف إلى الدراهم أخذ شيء من المحصول الزراعي ما بين خمسة إلى عشرة أقفزة (1)، فلعل المقصود من ذلك تمويل القوات الإسلامية.
ولم تثبت مقادير الخراج على أرض الشام ومصر، ولكن يبدو أنها عوملت مثل أرض السواد دون إرهاق.
ولم تشر المصادر إلى وقوع تغيير في مقادير الخراج في عهد الخليفتين عثمان وعلي رضي الله عنهما مما يشير إلى استمرارهما في سياسة عمر رضي الله عنه الخراجية التي كان لها الأثر البالغ في الازدهار الاقتصادي الذي تحقق في خلافة عثمان رضي الله عنه.
وقد تميز عصر عمر بالدقة في الإحصاء للسكان ومسح أراضي السواد، وتمييز الأراضي الخاصة بكسرى وأسرته، والأراضي التي قتل أصحابها أو فروا في المعارك ضد المسلمين، والأراضي البور، وقد قاد عملية المسح رجال من الصحابة "جمع سعد من وراء المدائن، وأمر بالإحصاء، فوجدهم بضعة وثلاثين ومائة ألف - أكثر من (000) و130 نسمة- ووجدهم بضعة وثلاثين ألف أهل بيت- أكثر من (000) و30 أسرة- وهذا الإحصاء الذي قام به الصحابي سعد بن أبي وقاص يدل على قدرة عالية ومرونة في الإفادة من الخبرات المحلية في أعمال المسح والإحصاء (2).
(1) أبو عبيد: الأموال 75، وابن أبي شيبة: المصنف 2: 430، 431، 435، 436. وابن زنجويه: الأموال 1: 210، 211. والأسانيد تتضافر لتقوية الخبر.
(2)
عبد العزيز إبراهيم العمري: الولاية على البلدان 2: 102.