الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خروج حملة أسامة، لذلك تجرأت هذه القبائل على غزو المدينة.
انتشار الردة:
أدت وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تهديد وحدة الدولة الاسلامية الناشئة، حيث توسعت حركة الردة في أنحاء الدولة ماعدا الحجاز، وكان أخطرها حركة مسيلمة الحنفي، لكن بعدها عن المدينة وقرب حركات الردة الأخرى التي ابتدأت بوصول خبر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى البوادي، فارتد جموع غفيرة من بني أسد وغطفان وتميم والبحرين وعمان وحضرموت كما تجددت الردة في اليمن ..
وكانت وقفة الصديق رضي الله عنه أمام حركات الردة تتسم بالحزم وعدم التفريط بمصلحة العقيدة والدولة، فلم يتأخر في حشد الجيوش ولم يقبل المساومة في أحكام الاسلام ومحاولات بعض القبائل التخلص من دفع الزكاة. وكان عمر رضي الله عنه يحاول أن يقنعه بالترفق في معاملة مانعي الزكاة ليفرغ لأصحاب الردة الشاملة ممن عادوا إلى عبادة الأوثان أو اتبعوا أدعياء النبوة فرفض أبو بكر رضي الله عنه وجهة نظره بشدة، وأوضح للصحابة رضوان الله عليهم:"والله لأقاتلنَّ من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً- أي معزةً- كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها"(1). وكان أن انشرحت صدور الصحابة رضوان الله عليهم للقتال، وعرفوا أنه الحق.
وهذا الوضوح في فهم ارتباط الأحكام الشرعية ببعضها، ورفض تعطيل أي حكم منها كان مهماً لقتال مانعي الزكاة بصورة خاصة حيث تنقدح شبهة بقائهم على
(1) البخاري: الصحيح (فتح الباري 12: 275)، ومسلم: الصحيح 1: 51.
الاسلام وبالتالي حصانة دمهم بالشهادة، وهذا ما عالجه الصديق رضي الله عنه بالبيان والحجة. ولو خضع لمساومات الأعراب فربما كانوا سيطالبونه بإسقاط أحكام والتزامات شرعية أخرى .. ولو أجابهم لأحسوا بضعفه وزاد طمعهم فيه ..
وقد وصفت عائشة رضي الله عنها وضع الدولة وبناتها من الصحابة:"كأنهم معزى في حش في ليلة مطيرة بأرض مسبعة" وهو تصوير دقيق لحالة الخطر القصوى لإحاطة الأعداء بهم من كل جانب، ووصفت أبا بكر رضي الله عنه وهو ممسك بزمام القيادة .. واضح الرؤية قوي العزيمة شديد المضاء صائب الرأي "فوالله ما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بحظها وسنانها"(1).
ومن المؤسف أن ينفرد الأخباريون برسم صورة أحداث الردة في أرجاء الجزيرة دون مشاركة مهمة من المحدثين مما يفقدنا القدرة على نقد أسانيد الروايات .. وتظهر مصادر المعلومات المحلية والقبلية ..
والصورة التي نقدمها تبين أن حركات الردة كانت مختلفة في تصوراتها العقدية فمنها ما كان استمرارا للحركات التي ظهرت في العام العاشر من العصر النبوي مثل ردة بني حنيفة - أحد فروع بكر بن وائل- في اليمامة بزعامة المتنبيء مسيلمة، ومنها ما كان مرتبطاً بأدعياء نبوة جدد كما هو شأن ردة بني أسد وفزارة المرتبطين بالمتنبيء طليحة بن خويلد الأسدي. وردة بني يربوع من تميم بزعامة المتنبئة سجاح في حين التف آخرون منهم حول مالك بن نويرة، وكان قد امتنع عن
(1) ابن أبي شيبة: المصنف 14: 572 بإسناد صحيح، وابن كثير: البداية والنهاية 6: 309 عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.
وانظر الهيثمي: مجمع الزوائد 9: 50 عن الطبراني في الأوسط والصغير، وابن حجر: المطالب العالية 4: 3906، وابن هشام: السيرة النبوية 4: 665، وخليفة: التأريخ 102. والألفاظ مختلفة ومؤداها واحد.
دفع الزكاة لأبي بكر. وتحالف بنو عطارد التميميون مع مسيلمة باليمامة ..
وانقسمت على نفسها قبيلة سُليم العدنانية في عالية نجد قرب خيبر، فمنهم من حافظ على إسلامه ومنهم من ارتد، ويبدو أن قرب ديارها من المدينة ومشاركة الكثير من رجالها في فتوح مكة وحنين والطائف أدى إلى ثبات فروع منها أمام المرتدين الآخرين من رجالها.
وتحالفت فزارة- من فروع غطفان العدنانية- بنجد بزعامة عيينة بن حصن الفزاري مع طليحة الأسدي.
وارتدت فروع أخرى من بني بكر بن وائل بالبحرين بزعامة الحطم بن ضبيعة وثبتت قبيلة عبد القيس على الاسلام بزعامة الجارود بن المعلى العبدي، لكن الغلبة في البحرين كانت للمرتدين قبل وصول القوات الاسلامية من المدينة.
وانقسمت الأزد في عمان ودُّبا بين زعماء القبيلة، فمنهم من بقي على الاسلام بقيادة جيفر وعباد ابني الجلندي، ومنهم من اتبع المتنبيء ذي التاج لقيط بن مالك الأزدي الذي غلب على عمان وطرد جيفر وعباد إلى الجبال والساحل.
وأما قبائل حضرموت وهم قبائل كندة والسكاسك والسكون فقد حافظ بعضها على ولائه للاسلام وبايع الوالي زياد بن لبيد البياضي، في حين التف البعض الآخر منهم حول الأشعث بن قيس الكندي الذي امتنع عن دفع الزكاة. ولم تستقر الاضطرابات في حضرموت إلا بعد قدوم الجيوش الاسلامية إليها.
ورغم أن حركة الأسود العنسي تم القضاء عليها في عصر السيرة إلا أن وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أدت إلى انقسام خطير بين قبائلها .. فمنهم من التف حول الوالي فيروز- من الأبناء- ومنهم من خرج على سلطة الوالي مثل قيس بن عبد يغوث (المكشوح) الطامح إلى الزعامة الذي استعان بفلول حركة الأسود العنسي.
وهكذا توسعت حركات الردة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه في شمال الجزيرة وشرقها وجنوبها حتى كادت أن تقضي على الدولة الاسلامية الفتية.