المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث السادس: الشورى - عصر الخلافة الراشدة محاولة لنقد الرواية التاريخية وفق منهج المحدثين

[أكرم العمري]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌تحليل المصادر

- ‌1 - كتب التأريخ:

- ‌محمد بن اسحق:

- ‌خليفة بن خياط:

- ‌محمد بن سعد (ت 230ه

- ‌البلاذري:

- ‌ابن عبد الحكم:

- ‌الأزدي:

- ‌ابن شبَّة:

- ‌اليعقوبي:

- ‌ابن قتيبة الدينوري:

- ‌الطبري:

- ‌المسعودي:

- ‌ابن أعثم الكوفي:

- ‌ابن حبيش:

- ‌الكلاعي:

- ‌المحب الطبري (ت 694ه

- ‌محمد بن يحيى الأشعري المالكي- ابن بكر- (ت 741ه

- ‌ابن كثير (ت 774 ه

- ‌ الذهبي

- ‌2 - كتب الحديث:

- ‌3 - كتب علم الرجال:

- ‌المراجع الحديثة:

- ‌الباب الأول: السياسة(الخلافة والخلفاء)

- ‌الفصل الأول: الخلافة

- ‌المبحث الأول: نظام الخلافة

- ‌المبحث الثاني: خلافة أبي بكر الصديق (رضى الله عنه)

- ‌المبحث الثالث: خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع: خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس: خلافة على بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌المبحث السابع (*): أزمة الخلافة وانتقال مركز الخلافة إلى العراق

- ‌الفصل الثاني: الخلفاء

- ‌المبحث الأول: أبو بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني: عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث: عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع: على بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس: حجية عمل الخلفاء الراشدين

- ‌المبحث السادس: الشورى

- ‌الباب الثانيالإدارة. القضاء

- ‌الفصل الأول: الإدارة(الولاة. الموظفون)

- ‌المبحث الأول: الولاة على البلدان

- ‌الولاة في خلافة أبي بكر:

- ‌قائمة بأسماء ولاة أبي بكر على البلدان:

- ‌الولاة في خلافة عمر:

- ‌مراقبة العمال والولاة:

- ‌قائمة بأسماء ولاة عمر على الأقاليم:

- ‌الولاة في خلافة عثمان:

- ‌قائمة بأسماء الولاة في خلافة عثمان:

- ‌الولاة في خلافة علي:

- ‌قائمة بأسماء الولاة في خلافة على:

- ‌المبحث الثاني: الموظفون

- ‌الرقابة على الأسواق (نظام الحسبة):

- ‌تنظيم العرفاء والنقباء ومساعدته في إيصال العطاء لمستحقيه:

- ‌الموظفون في خلافة أبو بكر:

- ‌عمال الصدقات:

- ‌الموظفون في خلافة عمر:

- ‌الموظفون في خلافة عثمان:

- ‌الموظفون في خلافة على:

- ‌الفصل الثاني: القضاء

- ‌القضاء في عصر الخلافة الراشدة:

- ‌تطبيق الحدود الشرعية:

- ‌ندرة الخصومات بين الناس:

- ‌إخضاع الخلفاء أنفسهم لأحكام القضاء وإجراءاته:

- ‌الجرائم والعقوبات:

- ‌التعزير:

- ‌الجنايات:

- ‌القضاة في خلافة أبي بكر:

- ‌القضاة في خلافة عمر:

- ‌رواتب القضاة:

- ‌القضاة في خلافة عثمان:

- ‌القضاة في خلافة على:

- ‌الباب الثالث: الاقتصاد

- ‌الفصل الأول: الموارد المالية

- ‌المبحث الأول: الجزية

- ‌الجزية في خلافة أبي بكر رضي الله عنه:

- ‌الجزية في خلافة عمر رضي الله عنه:

- ‌الجزية في خلافة عثمان رضي الله عنه:

- ‌الجزية في خلافة علي رضي الله عنه:

- ‌المبحث الثاني: الخراج

- ‌المبحث الثالث: الغنائم

- ‌المبحث الرابع: الزكاة

- ‌المبحث الخامس: عشور التجارة

- ‌الفصل الثاني: النفقات العامة

- ‌المبحث الأول: مصارف الزكاة

- ‌المبحث الثاني: مصارف الغنائم والفيء

- ‌المبحث الثالث: العطاء

- ‌الأرزاق العينية:

- ‌نفقات طارئة:

- ‌المبحث الرابع: الإصلاحات

- ‌1 - الإقطاع:

- ‌2 - الحمى:

- ‌3 - الإنفاق على العمران:

- ‌عمران المساجد:

- ‌بناء الأمصار:

- ‌حفر الأنهار والخلجان وإقامة السدود والمنشآت الأخرى:

- ‌4 - مشروع تحرير الرقيق:

- ‌5 - النقود:

- ‌القروض الحسنة:

- ‌القوة الشرائية للنقود:

- ‌الرقابة المالية:

- ‌رقابة عمر لأهله:

- ‌الباب الرابع: الثقافة والتعليم

- ‌الفصل الأول: السمات والنظرية والتقاليد

- ‌تمهيد: التراث الثقافي قبل الإسلام

- ‌المبحث الأول: السمات العامة للتعليم

- ‌المبحث الثاني: نظرة الاسلام إلى العلم والتعليم

- ‌المبحث الثالث: آداب التعليم وتقاليده

- ‌الفصل الثاني: التطبيقات والمركز والموضوعات

- ‌المبحث الأول: النشاط التعليمي

- ‌تمهيد

- ‌أ - النشاط التعليمي بمكة قبل الهجرة

- ‌ب- النشاط التعليمي بالمدينة:

- ‌جـ - انتشار التعليم الاسلامي في البوادي والأمصار الجديدة:

- ‌المبحث الثاني: مراكز الحركة الفكرية

- ‌مواد الكتابة:

- ‌المبحث الثالث: موضوعات التعليم

- ‌أ- القرآن وعلومه:

- ‌ب- الحديث:

- ‌فمن مواقف كبار الصحابة الذين كرهوا كتابة الحديث ما يلي:

- ‌أما مواقف الصحابة التي تدل على إجارتهم الكتابة فهي:

- ‌جـ - الفقه:

- ‌د- اللغة العربية:

- ‌هـ - التاريخ:

- ‌و- علم الأنساب:

- ‌ز- الشعر:

- ‌حـ ـ القصص:

- ‌ط - الحكم والأمثال:

- ‌ي - الطب:

- ‌ك - علم النجوم (التنجيم):

- ‌ل- الثقافة واللغات الأجنبية:

- ‌الباب الخامسأحوال العالم.الدعوة الإسلامية ومنطلقاتها الفكرية.الفتوحات

- ‌الفصل الأولأحوال العالم.الدعوة الاسلامية ومنطلقاتها الفكرية

- ‌المبحث الأول: نظرة إلى أحوال العالم قبل الفتح الاسلامي

- ‌دولة الفرس

- ‌الحالة السياسية والاقتصادية:

- ‌الحالة الدينية والفكرية

- ‌الحالة الاجتماعية والأخلاقية

- ‌دولة الروم (الإمبراطورية البيزنطية) 312 - (1453) م

- ‌الحالة السياسية والاقتصادية:

- ‌الحالة الدينية والفكرية

- ‌الحالة الاجتماعية والأخلاقية:

- ‌تنبيه:

- ‌الهند والصين واليابان

- ‌المبحث الثاني: الدعوة الاسلامية ومنطلقاتها الفكرية

- ‌الفصل الثاني: الفتوحات

- ‌المبحث الأول: فتوح العراق والمشرق

- ‌في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه:

- ‌ملاحظات:

- ‌في خلافة عمر بن الخطاب (رضى الله عنه):

- ‌القادسية (15ه

- ‌المدائن:

- ‌جلولاء (16 ه

- ‌تكريت:

- ‌بناء الكوفة (17ه

- ‌بناء البصرة (16 هـ أو (17) ه

- ‌فتح الأهواز:

- ‌فتح رامهرمز:

- ‌فتح تستر

- ‌فتح السوس وجندي سابور:

- ‌نهاوند (21 ه

- ‌فتح أصبهان:

- ‌إعادة فتح همذان

- ‌فتح الري:

- ‌فتح إقليم فارس:

- ‌فتح كرمان ومكران:

- ‌فتح سجستان:

- ‌فتح خراسان:

- ‌في خلافة عثمان بن عفان (رضى الله عنه):

- ‌في خلافة علي بن أبي طالب (رضى الله عنه):

- ‌المبحث الثاني: فتوح الشام ومصر والمغرب

- ‌فتوح الشام في خلافة الصديق رضي الله عنه:

- ‌الصدمات الأولى:

- ‌اليرموك (في الطبري سنة (13) ه

- ‌ في خلافة عمر رضي الله عنه

- ‌عزل خالد:

- ‌فتح دمشق (في الطبري أوائل سنة (14) ه

- ‌حمص وحماة واللاذقية وقنسرين وحلب:

- ‌ أنطاكية

- ‌ بيت المقدس

- ‌فتح مصر:

- ‌العريش:

- ‌حصن بابليون:

- ‌في خلافة عثمان رضي الله عنه:

- ‌إعادة فتح الاسكندرية:

- ‌السودان:

- ‌أفريقية:

- ‌ذات الصواري:

- ‌الجيش ونظام القتال:

- ‌الباب السادس: الفتن الداخلية

- ‌الفصل الأول: الردة

- ‌تمهيد انتشار الاسلام خارج المدينة:

- ‌المبحث الأول حركات الردة

- ‌مراكز المرتدين

- ‌اليمن:

- ‌ردة اليمامة:

- ‌ردة طليحة الأسدي:

- ‌انتشار الردة:

- ‌المبحث الثاني القضاء على الردة

- ‌القضاء على ردة طليحة الأسدي:

- ‌القضاء على مالك بن نويرة:

- ‌القضاء على ردة مسيلمة الكذاب:

- ‌القضاء على ردة البحرين:

- ‌القضاء على ردة عمان ومهرة:

- ‌القضاء على ردة اليمن:

- ‌القضاء على ردة حضرموت:

- ‌الفصل الثاني: فتنة مقتل الخليفة عثمان رضى الله عنه

- ‌فتنه مقتل عثمان رضي الله عنه

- ‌خبر الراكب الذي تعرض للوفد المصري:

- ‌موقف الأنصار:

- ‌مواقف الصحابة في الفتنة

- ‌صفية أم المؤمنين:

- ‌الزبير بن العوام:

- ‌أبو ذر الغفاري:

- ‌أسامة بن زيد:

- ‌الحسن بن على بن أبي طالب:

- ‌عبد الرحمن بن عوف:

- ‌زيد بن ثابت:

- ‌عبد الله بن عمر:

- ‌تعليقات على مقتل الخليفة آراء الصحابة وتوقعاتهم لنتائج مقتل عثمان رضي الله عنه

- ‌على ابن أبي طالب:

- ‌سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل:

- ‌أبو موسي الأشعري:

- ‌سمرة بن جندب:

- ‌عائشة رضي الله عنها:

- ‌بيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالخلافة:

- ‌الفصل الثالث: موقعة الجمل

- ‌موقعة الجمل:

- ‌الفصل الرابع: معركة صفين

- ‌معركة صفين:

- ‌الفصل الخامس: موقعة النهروان

- ‌موقعة النهروان:

- ‌المصادر والمراجع

- ‌المصادر

- ‌المراجع الحديثة

- ‌المؤلف

- ‌السيرة الذاتية:

- ‌مؤلفاته:

- ‌التحقيقات

- ‌البحوث:

الفصل: ‌المبحث السادس: الشورى

‌المبحث السادس: الشورى

إن الروايات التي صحَّت في استشارة النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة ثم في تطبيق الخلفاء الراشدين لنصوص الشورى هي التي ترسم معالم الشورى في الإسلام، لأن القرآن نص على "الشورى" دون تفصيل لحدودها وكيفية تطبيقها ومدى الزاميتها، وبسبب الإجمال في الآيتين اللتين تناولتا قضية الشورى وهما:(وأمرهم شورى بينهم)(1) و (شاورهم في الأمر)(2) وقد وقعت الأولى بين وصفهم بالصلاة (وأقاموا الصلاة) ووصفهم بأداء الزكاة (ومما رزقناهم ينفقون)، أي بين فريضتين، والخبر إذا أريد به الإنشاء الطلبي فهو أقوى من الأمر وأما الآية الثانية فهي بصيغة الأمر، وليس في القرآن قرينة تصرف الأمر عن الوجوب إلى الندب، فلم يبق إلا أن نفتّش في السنة، ولم أجد- حسب جهدي- في أحداث السيرة النبوية نصاً صحيحاً يدل على صرف الأمر بالشورى عن الوجوب إلى الندب، بل لم أقف على ما يدل على عدم إلزامية الشورى، فقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأي الأكثرية في أحد، وشاور زعماء المدينة من الأنصار (سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وسعد بن الربيع وسعد بن خيثمة وسعد بن مسعود) في إعطاء شطر تمر المدينة لغطفان مقابل انسحابها من الأحزاب، فلما اتفقت آراؤهم على احتمال الحصار دون بذل التمر أخذ برأيهم رغم الخطر الكبير المحدق بالمدينة وبالدعوة الإسلامية. وأخذ برأي الأكثرية في حصار الطائف إذ أراد فك الحصار فرأى المسلمين يميلون

(1) الشورى 38.

(2)

آل عمران 159.

ص: 97

لفتحها فعدل عن ذلك إلى اليوم التالي حيث رضوا بفك الحصار. وأما رده لرأي الأكثرية في غزوة الحديبية فيرجع إلى أمر الله له، ولا اجتهاد في موضع النص، ولا تقدم على أمر الله (1).

وكان أبو هريرة يقول: "ما رأيت أحداً قط كان أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم"(2).

وما دام لم يرد ما يمنع من الأخذ برأي الأكثرية في الكتاب والسنة فهو أمر مباح إذاً يتحول الأمر إلى واجب إذا تعلقت مصالح الأمة به أو إذا أفضى تركه إلى حدوث مفاسد عامة كالاستبداد أو اضطراب الأمن بسبب تفرق أراء الناس، وعدم مراعاتها، هذا إذا لم ير أهل الحل والعقد بالأدلة التي تفيد وجوب الشورى وإلزاميتها

ومن الصعب قبول القول بأن الشورى واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم ومندوبة بالنسبة للمسلمين، إذ ليس ثمة نص يفيد هذه الخصوصية فضلا عن أن النظر يقتضي العكس لأن حاجه النبي المعصوم إلى الشورى أقل- وهي مخصصة في المصالح الدنيوية- من المسلمين غير المعصومين، بل الأكثر على أنه إنما يستشير تعليماً للأمة دون حاجة حقيقية إلى الشورى لأن الوحي يسدده ولا يقره على خطأ ..

وأما عمل الخلفاء الراشدين فقد أثبت التأريخ أن خلافتهم كانت عن بيعة الناس ورضاهم، ويعد انتخاب أبي بكر رضي الله عنه في سقيفة بني ساعدة نموذجاً للحوار الحر الصريح بين المجتمعين، وغالبيتهم من الأنصار، ومع ذلك فقد أفضى

(1) د. همام سعيد: عرض الأحاديث النبوية المتعلقة بالشورى ودراستها (بحث ضمن كتاب: الشورى في الإسلام ص 85 - 98).

(2)

عبد الرزاق: المصنف. حديث رقم 279.، وصحيح البخاري مع الفتح، حديث رقم 2731 - 2732.

ص: 98

الحوار إلى بيعة الصديق وهو من المهاجرين وهى بيعة حُرة لم تفرض عليهم من أقلية المهاجرين الحاضرة في ذلك الاجتماع.

وكانت خلافة عمر رضي الله عنه عن ترشيح من الصديق بعد مشاورة كبار الصحابة، ولو لم يحض ذلك الترشح بتأييد أهل الحل والعقد وجمهور المسلمين من ورائهم لما انعقدت له الخلافة.

وجاءت خلافة عثمان عن مشاورات بين أعضاء مجلس شورى عمر، وأعقبت اختيارهم بيعة الجمهور.

وأما خلافة علي فإن الصحابة بايعوه اثر غلبة المعارضين لعثمان على المدينة ولم يحض بالإجماع بسبب معارضة أصحاب الجمل في البصرة ومعاوية في الشام، لكن أكثرية المسلمين بايعوه، ولم ينكر أحد حين بيعته أحقيته بالخلافة، ولكنهم خالفوه في مسألة القصاص من قتلة عثمان.

وقد تمَّ في مجلس الشورى الذي كونه عمر بن الخطاب إقرار مبدأ الالتزام برأي الأكثرية بوضوح تام، حتى أدخل ابنه عبد الله بن عمر ليكون له حق الانتخاب دون الترشيح وذلك عند تساوي الأصوات بين المقترعين وهم ستة، فكان السابع مرجحاً لأحد الطرفين، وبذلك ظهرت فكرة الانتخاب والأغلبية في تنظيم مجلس الشورى في ذلك الوقت المبكر ..

وفيما عدا هذا المجلس، فلم يؤسس مجلس شورى يتعين أعضاؤه في عصر الراشدين لا بصورة دائمة ولا مؤقتة، ولكن الخلفاء الأربعة كانوا إذا أعضلهم أمر جمعوا فقهاء الصحابة فاستشاروهم، وبالطبع فهم لا يستشيرون فيما ورد فيه نص محكم من كتاب أو سنة، بل فيما يحتاج إلى مشورة من مصالح الناس وقضايا الأمة ومواقف الدولة من السلم والحرب وتوزيع الغنائم ومعاملة المناطق المفتوحة، ولا تدخل في هذا الباب المشورة الخاصة في القضايا الخاصة بالأفراد، وهي كثيرة، ولابد من التمييز بين الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين في مسألة الاستشارة فيما ورد فيه نص يحتمل أكثر من وجه، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم

ص: 99

هو الذي يبين القرآن، عامه وخاصه ومطلقه ومقيده وناسخه ومنسوخه ولا يحتاج إلى الاستشارة في هذا المجال، أما الخلفاء الراشدون فقد يخفى عليهم وجود النص من السنة أو دلالة نص من الكتاب والسنة فيحتاجون إلى المشورة للوصول إلى حكم الشرع. فإذا تأملنا في مواقف الخلفاء الراشدين من قضايا الشورى في المسائل العامة فإننا نجدهم يكثرون من استشارة فقهاء الصحابة، وقد ذكرت المصادر أسماء رجال الشورى في خلافة أبي بكر رضي الله عنه وهم: عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت. وهم فقهاء الصحابة في عهده (1).

وقد بيَّن ميمون بن مهران (ت 117 هـ) أن أبا بكر رضي الله عنه كان يدعو رؤوس المسلمين وعلماؤهم فيستشيرهم، فإذا اجتمع رأيهم على الأمر قضى به - وذلك إذا لم يجد في الكتاب والسنة ما يقضي به- وأحيانا يخرج إلى المسجد فيسأل المسلمين عامة إن كانوا يعرفون ورود السنة في قضية ما (2).

وقد توسع نطاق الشورى في خلافة عمر رضي الله عنه لكثرة المستجدات والأحداث وامتداد رقعة الإسلام إلى بلاد ذات حضارات وتقاليد ونظم متباينة فولدت مشكلات جديدة احتاجت إلى الاجتهاد الواسع مثل معاملة الأرض المفتوحة وتنظيم العطاء وفق قواعد جديدة لتدفع أموال الفتوح على الدولة. فكان عمر يجمع

(1) ابن سعد: الطبقات الكبرى 2: 350 من طريق الواقدي وهو متروك في الحديث، وأما الأخبار التأريخية فله فيها باع طويل. والمتقي الهندي: كنز العمال 5: 627.

(2)

الدارمي: سنن1: (ط. البغا)، وابن عساكر: تاريخ دمشق 9: 350 أ- ب، والبيهقي: السنن الكبرى 10: 124 بإسناد حسن لكنه مرسل وصحح إسناده ابن حجر (فتح الباري 13: 342)، وتعضده أخبار أخرى تؤكد هذا المنحى عند الصحابة: عمر بن الخطاب، عبد الله بن مسعود، زيد ابن ثابت، عبد الله بن عباس

ص: 100

للشورى أكبر قدر من الصحابة الكبار (1) وهم: عثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت (2)، كما كان يجمع معهم عدداً من شباب الصحابة منهم عبد الله بن عباس (3)، وقد قال الزهري لغلمان أحداث:"لا تحقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان فاستشارهم يبتغي حدة عقولهم"(4). وقال محمد بن سرين: "إن كان عمر رضى الله عنه ليستشير في الأمر حتى أن كان ليستشير المرأة فربما أبصر في قولها الشيء يستحسنه فيأخذ به"(5). وقد ثبت أنه استشار مرة أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها (6).

وكان المستشارون يبدون آراءهم بحرية تامة وصراحة كاملة، ولم يتهم عمر رضي الله عنه أحداً منهم في عدالته وأمانته (7).

(1) ابن القيم: أعلام الموقعين 1: 97.

(2)

ابن كثير: البداية والنهاية 7: 35، 55، 77.

(3)

البلاذري: أنساب الأشراف 3: 37، والذهبي: سير أعلام النبلاء 3: 345 - 348.

(4)

البيهقي: السنن 10: 113.

(5)

المصدر السابق.

(6)

عبد الرزاق: المصنف 7: 152، وابن شبة: تأريخ المدينة 2: 759، والبيهقي: السنن الكبرى 9: 29.

(7)

محمد سعيد رمضان البوطي: الشورى في عهد الخلفاء الراشدين (ضمن كتاب الشورى في الإسلام) ص 134. وقد ذكر حالتين استثناهما من ذلك اتهم عمر في إحداهما كعب الأحبار في رأيه واتهم في الأخرى رجلاً في رأيه، والرواية الأولى من طريق سيف بن عمر وهو متروك، والثانية في تدليس الأعمش والانقطاع بين النخعي وعمر فإنه لم يرو عنه (راجع تاريخ الطبري 3: 611، وطبقات ابن سعد 3: 343).

ص: 101

وكان عمر يستشير في الأمور التي لا نص فيها من كتاب وسنة وهو يهدف إلى معرفة إن كان بعض الصحابة يحفظ فيها نصاً من السنة، إذ لم تكن قد قيدت بعد وكان بعض الصحابة يحفظ منها ما لا يحفظه الآخرون وكذلك كان يستشير في فهم النصوص المحتملة لأكثر من معنى لمعرفة المعاني والأوجه المختلفة. وفي هذين الأمرين قد يكتفي باستشارة الواحد أو العدد القليل، وأما في النوازل العامة فيجمع لها الصحابة، ويوسع النطاق ما استطاع كما فعل عند وقوع الطاعون بأرض الشام وهو متوجه إليها، حتى إذا كان بسرغ علم بوقوع الطاعون فدعا المهاجرين الأولين فاستشارهم فاختلفوا، ثم دعا الأنصار فاختلفوا، ثم دعا مشيخة قريش من مهاجرة الفتح فأشاروا عليه بالعودة إلى المدينة فأخذ برأيهم. ثم أخبره عبد الرحمن بن عوف بحديث نبوي يدعم قراره (1).

ومن ذلك استشارته للصحابة في معاملة الأرض المفتوحة حيث عدل عن قسمتها بين المقاتلين نظراً منه لحق الأجيال التالية، وقد خاطب الصحابة قائلاً:"اجتمعوا لهذا المال، فانظروا لمن ترونه" ثم قرأ آيات الفيء عليهم مبيناً فهمه وتوجيهه للآيات قائلا: "والله ما من أحد من المسلمين إلا وله حق من هذا المال أعطي منه أم منع"(2).

وكان يكثر الاستشارة في صرف الأموال العامة (3). ولما كثرت الأموال

(1) البخاري: الصحيح (فتح الباري) 10: 179 حديث رقم 5729، ومسلم: الصحيح حديث رقم 2219.

(2)

عبد الرزاق: المصنف 4: 151، 152 و 11: 101، 102، وابن أبي شيبة: المصنف 6: 471، وابن زنجويه: الأموال: 108، 109 و 2: 480 وإسناده صحيح.

(3)

ابن كثير: مسند الفاروق حديث رقم 678 (أطروحة دكتوراه، تحقيق مطر أحمد الزهراني، جامعة أم القرى بمكة- 1409 هـ). والذهبي: سير أعلام النبلاء 2: 190

ص: 102

استشار الناس في وضع الديوان (1).

وقد ختم عمر رضي الله عنه حياته حين طعن بتكوين مجلس الشورى من ستة من كبار الصحابة لاختيار الخليفة من بعده وهم: عثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص والزبير بن العوام، ويحضر عبد الله بن عمر دون أن يحق له الترشيح. وبعد المداولة الأولى في المجلس انحصرت الخلافة في عثمان وعلي، وعهد إلى عبد الرحمن بن عوف باستشارة الناس، فسهر ليله وأمضى نهاره ثلاثة أيام في استشارة الصحابة ثم بايع لعثمان في المسجد الجامع بحضور المهاجرين والأنصار وأمراء الأمصار الذين كانوا قد شهدوا الحج ذلك العام مع عمر رضي الله عنه (2). فبايع الحضور لعثمان وببيعتهم انعقدت له الخلافة، وكان عمل مجلس الشورى مجرد ترشيح له.

ولا شك أن الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان اتبع نهج من قبله في الأخذ بالشورى ولكن المصادر لم تسق روايات صحيحة عن ذلك، بل وردت أخبار واهية وضعيفة تفيد أنه استشار عليا والصحابة رضوان الله عليهم وولاته على الأمصار في أحداث الفتنة التي انتهت باستشهاده (3)، ولا يعني عدم ثبوت الخبر في ذلك أنها لم

(1) يعقوب بن سفيان: المعرفة والتاريخ 1: 465 وفي إسناده عبد الله بن موهب مقبول، وانظر طريقاً أخرى منقطعة عند ابن أبي شيبة: المصنف 12: 317 عن محمد الباقر.

(2)

البخاري: الصحيح فتح الباري 7: 59 - 62 و 3: 256 و 13: 193، ومسلم: الصحيح 1: 396. وتدل رواية سلم على أن عمر حدد الشورى في هؤلاء الستة قبل طعنه، وأنه ذكرهم علنا في خطبة بالمسجد.

(3)

البيهقي: السنن 8: 61 في استشارة الصحابة حول قتل عبيد الله بن عمر للهرمزان، وفي إسناده مالك بن يحيى أبو غسان ضعفه البخاري وابن حبان (ميزان الاعتدال) - وان كان ابن حبان أورده أيضاً في كتابه الثقات- وعلي بن عاصم صدوق تخطيء ويصر ورمي بالتشيع، هذا فضلاً

ص: 103

تقع تأريخياً كما هو معلوم فإن الأخبار الصحيحة الأسانيد لا تغطي إلا مساحة محدودة من التأريخ.

وقد تمت بيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه في أعقاب الفتنة التي أودت بحياة الخليفة عثمان رضي الله عنه حيث بايعه معظم أهل الحل والعقد، وتخلَّف بعضهم عنه، ثم بايعه الناس عامة، وكانت البيعة الخاصة والعامة في المسجد النبوي.

وقد سجلت المصادر صوراً للشورى في خلافة علي رضي الله عنه تتعلق بسياسته تجاه ولاة الأمصار، ووقف القتال في صفين بعد أن رفع أهل الشام المصاحف، وكذلك استشارته الناس في حكم بعض المشركين المتظاهرين بالإسلام (1). وهذه الأخبار لم تثبت من طرق صحيحة، ولا يعني ذلك نفي وقوعها، ولكن لا يمكن الاستناد عليها في تقرير طبيعة الشورى في خلافة علي رضي الله عنه.

ولا شك أن علياً رضي الله عنه اقتفى سنة من قبله في إنفاذ حكم الشورى الواجب على الإمام والقاضي. وأن الخلفاء الراشدين الأربعة تداولوا السلطة على أساس الشورى وانعقدت له الخلافة بالبيعة الخاصة والعامة.

ولم يؤسس مجلس دائم للشورى في عصر الخلافة الراشدة لكن أهل الشورى

عن علة الإرسال لأن الراوي عبد الله بن عبيد بن عمير استشهد سنة 113 هـ فلم يدرك الحادثة (ابن حجر: تهذيب التهذيب 5: 308). وأما استشارته لعلي وطلحة والزبير ونفر من الصحابة في القضاء مما رواه البيهقي (السنن 10: 112) فالخبر في إسناده مجاهيل منهم الليث بن هارون العكلي (ابن سعد 6: 414) وأما استشارته ولاة الأمصار في أحداث الفتنة فمن طريق واهية عللها كثيرة (الطبري: تاريخ 4: 333) وأما استشارته نائلة زوجته فمن طريق الواقدي وهو متروك في الحديث (الطبري: تاريخ 4: 361).

(1)

الطبري: تأريخ 4: 441 و 5: 49، وابن أبي شيبة: المصنف 10: 142 وإسناده رجال ثقات لكن عبيد بن نسطاس لم يرو عن علي بل أدرك المغيرة بن شعبة، وشريحاً قاضي علي.

ص: 104

كانوا من كبار الصحابة المعروفين بفقههم وإخلاصهم. وقد استمر الحال كذلك خلال العصور الأموية والعباسية دون أن تتطور للشورى مؤسسات واضحة الصلاحيات سوى جماعة أهل الحل والعقد الذين يختارهم الخليفة فيكونون أهل مشُورته ومناصحته.

ص: 105