الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتؤكد روايات صحيحة توجه الرأي العام في خلافة عمر إلى بيعة عثمان من بعده، ولما سأل عمر في الحج بعرفات حذيفة بن اليمان: من ترى قومك مؤمرين بعدي؟ قال حذيفة: رأيت الناس قد أسندوا أمرهم إلى عثمان بن عفان (1).
وقال خارجة بن مضرب: حججتُ مع عمر فلم يكونوا يشكُون أن الخلافة من بعده لعثمان (2).
وسمعتُ الحادي يحدو: إن الأمير بعده ابن عفان، وسمعت الحادي في إمارة عثمان يحدو: إن الأمير بعده علي (3).
وقد قصد عمر من جعلها شورى بين الستة أن لا يتقلد العهدة في ذلك، وأن يمارس المسلمون الشورى في أعلى المستويات وهو اختيار المسئول الأول في الدولة قال الطبري:"ولم يكن في أهل الإسلام أحد له من المنزلة في الدين والهجرة والسابقة والعقل والعلم والمعرفة بالسياسة ما للستة الذين جعل عمر الأمر شورى بينهم .. "(4).
المبحث الخامس: خلافة على بن أبي طالب رضي الله عنه
تولى علي الخلافة إثر مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنهما في ظروف
(1) ابن شبة: تأريخ المدينة 3: 932 بسند صحيح.
(2)
ابن أبي شيبة: المصنف 14: 588 بسند صحيح.
(3)
ابن شبة: تأريخ المدينة 3: 932 - 933 بسند حسن.
(4)
ابن حجر: فتح الباري 13: 198.
خطيرة حيث سيطر الناقمون على عثمان على المدينة، وأفلت الأمر من يد كبار الصحابة، ولم تعد ثمة سلطة عليا تحكم الدولة الإسلامية، وقد سعى الناقمون إلى تولية عبد الله بن عمر، وهددوه بالقتل إن لم يرض، ولكن لم يجدوا منه إلا صدوداً (1). "فأدركوا أن أمر الخلافة بيد أهل المدينة من المهاجرين والأنصار من أهل بدر، وأن الناس تبع لهم في ذلك"(2).
وقد بادر الناس إلى علي ليبايعوه، فأظهر رغبته عن الخلافة في تلك الظروف "والله إني لأستحي أن أبايع قوماً قتلوا رجلاً قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة)، وإني لأستحي من الله أن أبايع وعثمان قتيل على الأرض لم يُدفن بعد" فانصرفوا. فلما دُفن عثمان رضي الله عنه أتوه مرة أخرى وسألوه البيعة وقالوا: لابد للناس من خليفة، ولا نعلم أحداً أحق بها منك. فقال لهم علي: لا تريدوني. فإني لكم وزير خير مني لكم أمير. فقالوا: لا والله ما نعلم أحداً أحق بها منك.
وهنا تفتق ذهن علي رضي الله عنه عن وسيلة تجعله يتلقى البيعة علناً من المسلمين عامة دون أن يبايعه الناقمون بيعةً خاصة، فقال لنفسه- كما صرَّح فيما بعد-: اللهم إني مشفق مما أقدم عليه. وقال لهم: "فإذا أبيتم علىَّ، فإن بيعتي لا تكون سراً، ولكن أخرج إلى المسجد فمن شاء أن يبايعني بايعني" فخرج إلى
(1) أحمد بن حنبل: فضائل الصحابة 2: 895، وابن سعد: الطبقات الكبرى 4: 151، وأبو نعيم: حلية الأولياء 1: 293 جميعهم عن الحسن البصري بإسناد صحيح.
(2)
عبد الحميد علي ناصر فقيه: خلافة علي بن أبي طالب ص 92 (رسالة ماجستير من الجامعة الإسلامية بإشرافي). وراجع البخاري: الصحيح (فتح الباري 12: 144 - 145)، وأحمد: المسند 1: 323 بإسناد صحيح (ط. أحمد شاكر)، والبلاذري: أنساب الأشراف 2: 35 ب.
المسجد وبايعه الناس (1) عن رضاً واختيار، سوى طلحة والزبير فإنهما بايعاه مكرهين ولم يكونا راضيين عن الطريقة التي تمت بها البيعة حيث لم يتم التداول بين أهل الحل والعقد بشأنها، ولم يعقد مجلس للشورى (2)"ولأن الثوار أتوا بهما بأسلوب جاف عنيف، ولا شك أن هذه الطريقة فرضتها طبيعة الأحداث لسيطرة هؤلاء الأعراب الجلف على المدينة"(3).
واعتزل بعض الصحابة فلم يبايعوا عليا ومنهم محمد بن مسلمة وأهبان بن صيفي وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر، فقد كانوا يرون الناس في فرقة واختلاف وفتنة، فكانوا ينتظرون أن يستقر الأمر فيبايعوا. كما أن معاوية بن أبي سفيان وأهل الشام وكثير من أهل البصرة ومصر واليمن لم يبايعوه بسبب، ويرى ابن حزم أن عدد من امتنع عن بيعته مثل عدد من بايعه وقدر عددهم بمائة ألف مسلم (4). ولكن معظم أهل الحل والعقد من أهل بدر والمهاجرين والأنصار بالمدينة بايعوا لعلي رضي الله عنه وبذلك انعقدت له البيعة وصار خليفة للمسلمين. وهو آخر خلفاء النبوة التي ورد بها حديث "خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء"(5)
(1) أحمد بن حنبل: فضائل الصحابة 2: 573 بإسناد حسن، والبلاذري: أنساب الأشراف 2: 36 أ، والحاكم: المستدرك 3: 103، وأبو نعيم: الإمامة والرد على الرافضة 329، والمحب الطبري: الرياض النضرة 3: 78.
(2)
البخاري: الصحيح (فتح الباري 12: 144 - 145)، وأحمد: المسند 1: 323 - 327 (ط. أحمد شاكر)، وابن أبي خيثمة: التأريخ الكبير، الجزء الخمسون ق 18أوروايته عن ابن عمر منقطعة لا تقوم بها الحجة (نسخة المكتبة المحمودية بالمدينة المنورة رقم 286 - 231)
(3)
عبد الحميد علي ناصر فقيه: خلافة علي 1: 97.
(4)
ابن حزم: الفصل في الملل والأهواء والنحل 4: 167.
(5)
أبو داؤد: السنن 5: 36 - 37، والترمذي: السنن (تحفة الأحوذي) 6: 476 - 478 وحسنه