الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: على بن أبي طالب رضي الله عنه
علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم (1).
ولد علي قبل البعثة النبوية، وأسلم وهو في الخامسة من عمره (2) أو الثامنة (3) أو العاشرة (4)، تبعاً لاختلاف أقوى الروايات، وقيل أنه كان في الخامسة عشر أو السادسة عشر (5).
وعرف علي رضي الله عنه بالشجاعة والخطابة والبلاغة، كما عرف ببراعته في القضاء فكان عمر بن الخطاب يقول:"أقضانا علي"(6). كما تميز بإيمانه العميق وفقهه الدقيق وقدرته على التأثير والإقناع كما يلاحظ في إسلام همدان كلها
(1) ابن هشام: السيرة النبوية 1: 161، 189، ومصعب الزبيري: نسب قريش 40، وهشام الكلبي: جمهرة النسب 1: 30.
(2)
الطبراني: المعجم الكبير 1: 53 بإسناد حسن إلى محمد الباقر ثم هو مرسل لأن الباقر لم يدرك الحادثة، ولعلها رواية متوارثة من الوسط العائلي فترجح ما سواها، وهي تتفق مع سنه في غزوة بدر حيث كان في العشرين من عمره (الطبراني: المعجم الكبير 1: 64، والحاكم: المستدرك 3: 111 وصححه ووافقه الذهبي).
(3)
الطبراني: المعجم الكبير 1: 53.
(4)
ابن هشام: السيرة النبوية 1: 262 بدون إسناد، واختاره ابن حجر في الإصابة 2:501.
(5)
الطبراني: المعجم الكبير 1: 54 من مراسيل الحسن البصري.
(6)
البخاري: الصحيح (فتح الباري 8: 167).
على يديه في يوم واحد (1). وقد أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني جذيمة بعد غزو خالد لهم لإصلاح ما وقع من خطأ في حقهم فأصلح الأمر (2). وأرسله في موسم الحج سنة 9 هـ إلى مكة لتبليغ صدر سورة براءة (3). وقد اشتهرت فضائله ومناقبه، وبين النبي صلى الله عليه وسلم مكانته منه في عدة مواقف حتى قال الإمام أحمد وإسماعيل القاضي والنسائي وأبو علي النيسابوري:"لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر مما جاء في علي"(4). ومنها حديث: "من كنت مولاه فعلي مولاه"(5)، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم له:"أنت مني وأنا منك"(6) - أي في النسب والصهر والسابقة والمحبة- (7).
وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة (8)، وبأن الله قد امتحن قلبه على الإيمان (9)، وبأنه رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله (10). وبأنه لا يحبه
(1) الطبري: تأريخ 3: 131 - 132 بإسناد حسن.
(2)
ابن هشام: السيرة 4: 72 - 73 مرسل أبي جعفر الباقر.
(3)
أحمد: المسند 1: 156 و 2: 32 وصححه أحمد شاكر، والنسائي: خصائص علي 93 - 95 بإسناد صحيح.
(4)
ابن حجر: فتح الباري 7: 71.
(5)
أحمد: فضائل الصحابة 705 بإسناد صحيح، والترمذي: السنن (تحفة الأحوذي) 10: 214 - 215 وقال: حسن غريب، والنسائي: خصائص علي 96.
(6)
البخاري: الصحيح (فتح الباري 7: 499).
(7)
ابن حجر: فتح الباري 7: 507.
(8)
أحمد بن حنبل: المسند 1: 188 وفضائل الصحابة 116 بإسناد صحيح وأبو داؤد: السنن 4: 211 والترمذي: السنن 5: 652 وقال: حديث حسن.
(9)
الترمذي: السنن (تحفة الأحوذي) 10: 217 - 218 وقال: حسن صحيح غريب، وأبو داؤد: السنن (مع شرح الخطابي) 3: 148، وأحمد: المسند 3: 33، 82 و 6: 106، 121، والبزار: المسند 3: 118 والحديث صحيح بمجموع طرقه.
(10)
البخاري: الصحيح (فتح الباري 7: 70)، وسلم: الصحيح 4: 1872 - 1873.
إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق (1).
وقد نشأ علي في بيت النبي صلى الله عليه وسلم حث أعان بتربيته عمه أبا طالب (2) وقد بات في فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتدياً ثوبه في ليلة الهجرة لئلا يفطن المشركون لغيابه (3)، لذلك تأخرت هجرته عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام (4).
وشارك في جميع الغزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم سوى تبوك، وحمل الراية يوم بدر وهو ابن عشرين سنة (5). وأظهر شجاعة فائقة في أحد (6)، وتصدى لعمرو بن عبد ود العامري وهو يحاول اقتحام الخندق في غزوة الأحزاب فقتله، وكان من فرسان العرب المشهورين (7). وحمل الراية في فتح خيبر سنة 7 هـ ففتح الله على يديه (8). وثبت في غزوة حنين مع من ثبت من المهاجرين
(1) مسلم: الصحيح 1: 86.
(2)
ابن اسحق: السيرة 118 بدون إسناد.
(3)
أحمد: المسند 5: 25 - 27 وقال محققه أحمد شاكر: إسناده صحيح، وابن هشام: السيرة النبوية 2: 124، 126 - 127، والحاكم: المستدرك 3: 4 وقال الذهبي: صحيح.
(4)
ابن هشام: السيرة النبوية 2: 129 بدون إسناد.
(5)
الحاكم: المستدرك 3: 111 وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
(6)
البخاري: الصحيح (فتح الباري 7: 372)، وسلم: الصحيح (شرح النووي) 12: 148.
(7)
ابن هشام: السيرة النبوية 3: 325 - 326 بدون إسناد، والواقدي: المغازي 2: 496
(8)
البخاري: الصحيح (فتح الباري 7: 70)، وسلم: الصحيح 4: 1872 - 1873.
والأنصار عندما فرَّ الناس (1). واستخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة في غزوة تبوك (2)، وكان يرغب علي في الخروج معه للجهاد فقال له:"ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي"(3). وأرسله إلى اليمن مرتين مرة داعياً وغازياً سنة 9 هـ ومرة قاضياً (4).
ولما انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، ولم يعين خليفة يتولى إمرة المسلمين (5)، عقد الأنصار اجتماع السقيفة لتعين الخليفة، وحضر الاجتماع أبو بكر وعمر وأبو عبيدة .. وبعد مناقشات تمَّ اختيار أبي بكر خليفة للمسلمين، وغاب علي عن الاجتماع، وقد أجمع المسلمون على بيعة أبي بكر ولم ينازعه أحد حيث بايعوه البيعة العامة في اليوم الثاني في المسجد النبوي، وقد بايع علي بن أبى طالب مع الناس- في رواية- (6) وتأخرت بيعته ستة أشهر احتجاجاً على عدم مشاورته في أمر الخلافة حيث لم يحضر اجتماع السقيفة ثم حدث الخلاف بين فاطمة رضي الله عنها وأبي بكر الصديق رضي الله عنه حول ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث التزم أبو بكر بحديث: "نحن
(1) أحمد: المسند 3: 376 ورجاله رجال الصحيح، وابن هشام: السيرة 4: 87 - 88 بسند صحيح.
(2)
مسلم: الصحيح 1: 86.
(3)
البخاري: الصحيح (فتح الباري 7: 71 و 8: 112)، ومسلم: الصحيح 4: 1870.
(4)
البخاري: الصحيح (فتح الباري 8: 65، 69)، وفتح الباري 12: 291، 293 وأبو داؤد: السنن 4: 11 - 12، والنسائي: السنن 5: 115 والحديث حسن بمجموع طرقه.
(5)
البخاري: الصحيح (فتح الباري 8: 142، 148 و 13: 205 - 206)، ومسلم: الصحيح 3:1454 - 1455، وأحمد: المسند 1: 128 بإسناد حسن.
(6)
البخاري: الصحيح (فتح الباري 7: 493)، ومسلم: الصحيح (شرح النووي) 12: 76.
معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة" (1). فلما توفيت فاطمة بايع علي أبا
بكر (2). وقد تواتر عن على قوله: "خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر"(3)
وصار علي أحد رجال الشورى المقربين في خلافة عمر، فكان "يشد من أزره ولا يبخل عليه برأيه، ويجتهد معه في إيجاد حلول للقضايا التي لم يرد فيها نص، وفي تنظيم أمور الدولة الفتية"(4).
ومن أهم مشوراته موافقته لرأي عمر في عدم توزيع الأرض المفتوحة (5) واقتراحه البدء بكتابة التاريخ الإسلامي ابتداء من الهجرة النبوية إلى المدينة (6).
ولما استشهد عمر رضي الله عنه جعل علياً أحد الستة الذين يتألف منهم مجلس الشورى لاختيار أحدهم خليفة، وقد تمت البيعة لعثمان بن عفان، وبايعه
(1) البخاري: الصحيح (فتح الباري 6: 197، 7: 493) ومسلم: الصحيح 3: 1380.
(2)
الحاكم: المستدرك 3: 76 وقال: صحيح على شرط الشيخين، وسكت عنه الذهبي وإسناده صحيح، والبيهقي: السنن الكبرى 8: 113 بإسناد صحيح.
(3)
ابن تيمية: منهاج السنة 1: 308 و 6: 137 و 7: 511 - 512 وقال: إن طرقه تبلغ ثمانين طريقاً. وانظر البخاري: الصحيح (فتح الباري 7: 20).
(4)
عبد الحميد علي ناصر: خلافة علي بن أبي طالب- دراسة نقدية للروايات- ص70. وانظر عن أمثلة ذلك: أحمد: فضائل الصحابة 2: 707 بإسناد صحيح، وأبا داؤد: السنن (بشرح الخطابي) 4: 588 بإسناد صحيح.
(5)
البخاري: الصحيح (فتح الباري 6: 224)، وابن زنجويه: الأموال 1: 158، 223، 226، 230.
(6)
البخاري: التأريخ الكبير 1: 9، والطبري: التأريخ 4: 38 - 39 وصححه الحاكم والذهبي كما في المستدرك 3: 14.
علي، فكان ثاني من بايعه بعد عبد الرحمن بن عوف (1). وكان قريباً من الخليفة عثمان يستشار في الأمور المهمة، ومن أجل مشوراته موافقته لعثمان في جمع الناس على قراءة واحدة لمنع اختلاف الناس في القرآن (2).
وكان علي رضي الله عنه حريصاً على إسداء النصيحة لعثمان، والإصلاح بين الناس عندما هاجت الفتنة، وحاول الدفع عن عثمان، وأرسل الحسن والحسين للمشاركة في حراسة داره (3)، وأرسل إليه قرب الماء حين منع الثوار الماء عن داره (4)، ولكنه لم يتمكن من الوصول إليه حين طلبه وقت الحصار بسبب خطورة الثوار المحاصرين (5) وكان الثوار يغلب عليهم إظهار القول الحسن، والقراءة الجيدة للقرآن، والصلاة الحسنة، فلم يتصور أحد أنهم يجرءون على قتل الخليفة. وكانوا تمهيداً لظهور حركة الخوارج التي كانوا نواتها. وقد ظهرت جلافتهم عندما قتلوا الخليفة، ولم يراعوا حرمته ولا حرمة المدينة ولا الشهر الحرام (6).
ولما استشهد عثمان عبَّر علي عن تألمه بقوله: "ولقد طاش عقلي يوم
(1) البخاري: الصحيح (فتح الباري 7: 59 و 13: 193).
(2)
ابن أبي داؤد: كتاب المصاحف 29 - 30 بإسناد صحيح، وابن حجر: فتح الباري 9: 18، والبيهقي: السنن الكبرى 2: 42.
(3)
خليفة: التأريخ 174، وابن سعد: الطبقات 8: 128 بسند صحيح.
(4)
البلاذري: أنساب الأشراف 5: 67.
(5)
ابن سعد: الطبقات 3: 68 بسند صحيح، وسعيد بن منصور: السنن 2: 336 بسند صحيح، والخلال: السنة 328 بإسناد صحيح.
(6)
البخاري: الصحيح (فتح الباري 12: 144 - 145 وأحمد: السند 1: 323 بإسناد صحيح.
قتل عثمان وأنكرت نفسي" (1). وقد اجتمع أهل المدينة على بيعته رغم أنه أظهر عدم رغبته في ذلك ثم وافق منعاً للفتن (2). مع أنه يعلم أنه أصبح أولى الناس بالخلافة وأحقهم بها (3).
وقد انشغل بعد استخلافه بمواجهة المعارضين له فخاض غمار المعارك الطاحنة ضدهم في الجمل وصفين والنهروان، وأظهر قدرة فائقة على تعبئة الجيوش وقيادة الناس وتوضيح أحكام الشرع في الحروب الداخلية بين المسلمين ومنها الكف عن المدبر والإحسان إلى الأسير وإطلاقه بعد انتهاء المعركة أو أخذ العهد عليه أن لا يعود للقتال، وعدم قسمة أموالهم واعتبارها غنيمة سوى السلاح والكراع الذي حملوه في الحرب، وعدم سبي النساء والذراري، وعدم حرمان المخالفين من حقهم في الفيء أو الصلاة في المساجد، وعدم بدئهم بالقتال (4) وكان يعد العدة لمواجهة أخرى مع معاوية وهو يلاحظ تقاعس جنده وضعف طاعتهم حين استشهد على يد عبد الرحمن بن ملجم الخارجي في الكوفة في فجر اليوم الحادي والعشرين من رمضان سنة أربعين للهجرة (5) وعمره ثمان وخمسون سنة (6).
(1) الحاكم: المستدرك 3: 95 بسند حسن.
(2)
أحمد: فضائل الصحابة 2: 753 بإسناد حسن، والحاكم: المستدرك 3: 95 بإسناد حسن.
(3)
أحمد: المسند 2: 287 - 288 وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح.
(4)
عبد الحميد علي ناصر محمد: خلافة علي بن أبي طالب- دراسة نقدية للروايات- 446 - 448.
(5)
البخاري: التأريخ الكبير 1: 99 - 100 بسند صحيح.
(6)
البخاري: التأريخ الصغير: 1: 100، ويعقوب بن سفيان: المعرفة والتأريخ 3: 316، والطبري: تأريخ 5: 151.