الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والذهبي ناقد كبير، ولرأيه أهمية فائقة، فإنه- كما قيل- من أهل الاستقراء التام. وقد آثر الذهبي أن يسوق الأسانيد المعلقة، مكتفياً بأسانيد تتألف عن راوٍ واحد إلى خمسة من الرواة، وتبدأ عادة بمصنف أو عالم معروف مثل عروة والزهري والوليد بن مسلم الدمشقي وموسى بن عقبة ومحمد بن اسحق وهشام بن عروة بن الزبير ومحمد بن عمر الواقدي وخليفة بن خياط ومحمد بن جرير الطبري. ولم يقتصر في نقله عن كتب التأريخ والأخبار والسير، بل نقل عن الكتب الستة وغيرها من مدونات الحديث.
ويبدو للوهلة الأولى أن الذهبي ينقل من المصنفات الأولية وجادة، ولكن المدقق يتوقع أن يكون الذهبي قد ملك حق رواية الكثير من تلك المصنفات بالسماع والإجازة.
3 - كتب علم الرجال:
إن كتب علم الرجال تقدم تراجم لرواة الحديث، ومنهم الصحابة رضوان الله عليهم الذين يمثلون جيل عصر السيرة والخلافة الراشدة، فهم الذين صنعوا البطولات التأريخية وحققوا الأمجاد التي تمثلت في وحدة الأمة وتربيتها وفق مفاهيم واضحة وتنظيمها سياسياً واجتماعياً واقتصادياً. ولا شك أن كتب معرفة الصحابة- أحد فروع علم الرجال- من أهم المصادر التي ترفدنا بمعلومات عن الصحابة. ويقف كتاب (فضائل الصحابة) لأحمد بن حنبل و (معرفة الصحابة) لأبي نعيم وكتاب (الإصابة في تمييز الصحابة) للحافظ ابن حجر العسقلاني في مقدمة هذا النمط من المصنفات. فأما (فضائل الصحابة) لأحمد بن حنبل (ت 240 هـ) ففيه
تراجم حافلة للخلفاء الراشدين "فقد بلغ مجموع الروايات المتعلقة بأبي بكر الصديق رضي الله عنه نحو خمسمائة رواية، شملت معلومات متفرقة عنه من الجاهلية إلى الوفاة، وأكثر من نصفها حول فضائله ومناقبه"(1). ومعظم روايات الكتاب صحيحة وفق مقاييس المحدثين، وتقل نسبة الصحيح في زيادات عبد الله بن أحمد بن حنبل، ويغلب الضعف على زيادات القطيعي (2).
وأما (معرفة الصحابة) لأبى نعيم الأصبهاني (336 - 430 هـ) فهو من أهم كتب معرفة الصحابة، فقد "تهيأ لأبي نعيم من لقي الكبار ما لم يقع لحافظ"(3) وكان حافظاً ضابطاً عالي الأسانيد، عالماً بالحديث وطرقه، واسع الرواية، كثير المشايخ، كثير المصنفات (4)، أحصى له باحث معاصر 102 شيخ و 58 تلميذاً ومائة كتاب ورسالة (5).
ومن مزايا الكتاب أن أبا نعيم ساق الروايات بأسانيدها الكاملة، مما يهيئ للنقاد العارفين فرصة الحكم عليها سنداً ومتناً.
ومن مزاياه الحديثية أيضاً إكثاره ذكر الأحاديث وعللها، وقد انتقده ابن
(1) عبد العزيز سليمان المقبل: خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه دراسة نقدية للروايات باستثناء حروب الردة- ص 16 (رسالة ماجستير بإشراف أكرم العمري).
(2)
وصي الله محمد عباس: مقدمة فضائل الصحابة 1: 41.
(3)
الذهبي: تذكرة الحفاظ 3: 1093.
(4)
محمد راضي عثمان: مقدمته لمعرفة الصحابة لأبي نعيم 1: 17، وابن كثير: البداية والنهاية 12: 45.
(5)
محمد راضي عثمان: مقدمته لمعرفة الصحابة لأبي نعيم 1: 30 - 55 ولم يبين أهمية الكتاب وموارد أبي نعيم فيه.
كثير لهذا السبب ولأنه لا يطيل نسب الشخص وأخباره وأحواله (1). فابن كثير ينظر إليه من زاوية المؤرخ وليس المحدث، رغم أن أبا نعيم صرَّح بأنه اقتصر على حديث أو حديثين أو أكثر من جملة مرويات الصحابة ولم يسق كل ما عنده عنهم، وقد أخَّر تراجم من لم يقع له حديث عنده (2).
أما بقية المصنفات في علم الرجال، وخاصة كتب الجرح والتعديل فإنها تمدنا بمعلومات دقيقة عن أحوال الرواة الذين وصلت إلينا أخبار عصر الخلافة الراشدة عن طريقهم، فتميزهم بذكر أسمائهم ونسبهم ونسبتهم، وتكشف عن المتشابه من الأسماء، وتوضح مكانتهم في العلم وحالهم من التوثيق والتضعيف، وعلاقاتهم العلمية بشيوخهم وتلاميذهم مما يوضح الاتصال أو الانقطاع في أسانيد الروايات، وكل هذه المعلومات تخدم نقد أسانيد الروايات، كما أنها تبين اتجاهاتهم العقدية والسياسية مما يتيح الفرصة للناقد المعاصر ليعرف مدى تأثير اتجاهات الراوي على وجهة الرواية صياغة ومحتوى.
ومن هنا يتبين مدى فائدة هذه المكتبة الرجالية في نقد المادة التأريخية فضلاً عن إمدادنا بمعلومات تاريخية جديدة.
ويصعب الكلام عن هذه المؤلفات بالتفصيل لكثرتها، ولكن من المهم الالماح إلى كتاب (تقريب التهذيب) لابن حجر ففيه خلاصة الأحكام على الرواة، والى أصله (تهذيب التهذيب) لابن حجر ففيه تفاصيل كثيرة، والى أصله (تهذيب الكمال) للحافظ المزي حيث يمتاز بطول قوائم الشيوخ والتلاميذ وحسن ترتيبهم، وحرفية النقل عن المصادر الأولية.
وتقترب التراجم من الكمال أكثر عندما نضيف كتاب (إكمال تهذيب
(1) ابن الأثير: أسد الغابة 1: 5.
(2)
انظر: معرفة الصحابة لأبي نعيم، وأكرم العمري: بحوث في تاريخ السنة المشرفة 71 - 72.
الكمال للحافظ مغلطاي، فإنه يكمل الروايات التي أهملها المزي أو لم يقف عليها ومغلطاي واسع الاطلاع على المصادر الأولية ومما يكمل المعلومات عن الرواة، ومن أراد الوقوف على المصادر الأولية في علم الرجال، فربما وجد ضالته في الدراسات المعاصرة المتخصصة (1). ولابد لمن أراد أن يمارس نقد الروايات على طريقة المحدثين من دراسة كتب مصطلح الحديث وخاصة علم الجرح والتعديل وقواعد الجمع والترجيح عند العارض.
كتاب (ميزان الاعتدال) للحافظ الذهبي، و (لسان الميزان) للحافظ ابن حجر وهما كتابان متخصصان بالضعفاء من الرواة، ولكن لا ينبغي أن نحكم بالضعف على جميع أصحاب التراجم فيهما، لوجود رواة تكلم فيهم النقاد بالتضعيف فأوردهم الذهبي في الميزان ثم دافع عنهم وانتهى إلى توثيقهم.
وثمة رواة لا نجدهم في هذه المصنفات فلابد من التفتيش عنهم في كتب أخرى مثل (الجرح والتعديل) لابن أبي حاتم، و (الثقات) لابن حبان، و (تعجيل المنفعة) لابن حجر. وثمة رواة في القرن الرابع الهجري نحتاج إلى مراجعة تراجمهم في (تاريخ بغداد) للخطيب.
وأما المتأخرون من رواة القرن الخامس والسادس فقد لا تشتد الحاجة إلى معرفة أحوالهم من الجرح والتعديل بالنسبة لمروياتهم عن عصر الخلافة الراشدة إذ غالباً ما يتحملون من مصنفات معروفة، وتحقيق الرواية يتم اعتباراً من مؤلف الكتاب إلى أعلى السند، إذا تم التحقق من صحة الأصول الخطية.
ومن أجمع كتب معرفة الصحابة التي ألفت في القرون التالية واشتهرت واعتمدها الناس كتاب (أسد الغابة في معرفة الصحابة) لابن الأثير الجزري
(1) راجع أكرم العمري: بحوث في تاريخ السنة المشرفة.
(ت 630 هـ)، وكتاب (الإصابة في معرفة الصحابة) لابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ). فأما كتاب (أسد الغابة في معربة الصحابة) لابن الأثير الجزري فيقع في خمس مجلدات، وقد جمع فيه مؤلفه بين كتب معرفة الصحابة لابن منده وأبي نعيم الأصبهاني وأبي موسى محمد بن أبي بكر الأصفهاني وابن عبد البر، ويذكر عادة من خرج الترجمة من أصحاب الكتب الأربعة المذكورة برموز شرحها في مقدمة كتابه، وقد ذكر أنه اختار من كلام كل واحد منهم أجوده وما تدعو الحاجة إليه، ولم يقتصر على مادة هذه الكتب الأربعة، بل أضاف إليها مواداً من كتب أخرى عدد بعضها في مقدمة كتابه كما استدرك عليهم بعض الأغلاط. ومع ذلك فقد انتقد ابن حجر كتابه فقال:"إنه تبع من قبله فخلط من ليس صحابياً بهم وأغفل كثيراً من التنبيه على كثير من الأوهام الواقعة في كتبهم"(1). واهتم ابن الأثير بذكر الأنساب والأخبار وما يعرف بالصحابي أكثر من ذكر الأحاديث وعللها وطرقها لأنه يرى أن ذلك بكتب الحديث أشبه، وقد رتب التراجم على حروف المعجم بصورة دقيقة مما ييسر الكشف عن الأسماء، ويبدأ بذكر الأسماء ثم الكنى ثم النساء (2).
وأما كتاب (الإصابة في تمييز الصحابة) لابن حجر فهو من أجمع كتب معرفة الصحابة، استخلص مؤلفه مادته من كتب معرفة الصحابة التي ألفت قبله وعددها كبير جداً، كما أفاد من كتب الجرح والتعديل وتواريخ المدن المحلية وكتب ضبط الأسماء وكتب الحديث والتفسير والرقائق وأفاد من كتب الأنساب والأخبار واللغة والأدب. ومعظم اقتباساته عن هذه الكتب مباشرة مما يدل على اطلاعه عليها وإفادته منها.
ويقع الكتاب في أربع مجلدات، منها المجلدات الثلاثة الأولى في تراجم من
(1) ابن حجر: الإصابة 1: 4.
(2)
ابن الأثير: أسد الغابة 1: 604.
عرفوا بأسمائهم ويبلغ عدد التراجم 9477 ترجمة، أما المجلدة الرابعة فتناول فيها من عرفوا بكناهم وبلغ عددهم 1268 علماً، كما تناول فيه تراجم النساء وبلغ عددهن 1522 امرأة، بدأ بمن عرفن بالأسماء ثم بمن عرفن بالكنى. فيكون عدد تراجم الكتاب 12267 ترجمة، وليس كل من ذكرهم ممن ثبتت صحبتهم حيث بين في مقدمة كتابه أنه ذكر فيه أربعة أقسام، القسم الأول من وردت صحبته بطريق الرواية عنه أو عن غيره سواء كانت الطريق صحيحة أو حسنة أو ضعيفة أو وقع ذكره بما يدل على الصحبة بأي طريق كان. والقسم الثاني فيمن ذكر في الصحابة من الأطفال الذين ولدوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومات وهم دون سن التمييز
…
لغلبة الظن على أنه صلى الله عليه وسلم رآهم. والقسم الثالث فيمن ذكر في الكتب المتقدمة عليه من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ولم يرد في خبر قط أنهم اجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا رأوه سواء أسلموا في حياته أم لا، وهؤلاء ليسوا صحابة باتفاق. والقسم الرابع فيمن ذكر في الكتب المتقدمة أنه صحابي على سبيل الوهم والغلط وبيان ذلك. وقد رتب ابن حجر تراجمه على حروف المعجم مبتدئاً في كل حرف بالقسم الأول ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع.
ويذكر في الترجمة عادة من خرج حديث الصحابي (صاحب الترجمة) من أصحاب السنن وغيرهم من المصنفين في الحديث. ويهتم بالتعريف بنسب الصحابي ويذكر نموذجاً أو أكثر من حديثه، وربما ساق بعض أخبار الصحابي في الغزوات أو الحوادث المهمة ويسجل وقت وفاته إذا عرفت.
ولا شك أن ابن حجر بإفادته من ملاحظات واستدراكات سابقيه من المصنفين وبإضافاته المهمة وتنبيهاته الدقيقة ضمن كتابه فوائد جليلة لا تتوفر في كتب معرفة الصحابة الأخرى وإن كان لها فضل السبق والتمهيد له.