الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
، واعتماد الإدارة في عصر الخلافة الراشدة كان على رجال من الصحابة وخاصة من قريش وثقيف والأنصار، وقد قويت مشاركة الأنصار في خلافة علي.
الولاة في خلافة علي:
كان علي رضي الله عنه واعياً بظروف الفتنة التي أدت إلى مقتل عثمان رضي الله عنه، وأن الدعاية الواسعة ضد الخليفة عثمان وولاته كانت وراء النقمة عليه، لذلك سارع علي إلى إقالة كبار عمال عثمان رضي الله عنه، ولم يكن معظم ولاة عثمان في ولاياتهم بل تركوها في ظروف الفتنة، وقد غلب محمد بن أبي حذيفة على مصر طيلة عام كامل حتى قتل من قبل العثمانية في نهاية عام 36 هـ وكان واليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح قد تركها أثناء الفتنة (1). وترك عبد الله بن أمية اليمن عندما سمع بمقتل عثمان، وكذلك ترك عبد الله بن عامر البصرة عندما سمع بمقتل عثمان (2).
ولا شك أن أهم التطورات التي جرت في خلافة علي خروجه من المدينة إلى الكوفة، وبذلك صارت المدينة ولاية من الولايات عُين عليها والياً هو سهل بن حنيف الأنصاري، في حين صارت الكوفة مقر الخلافة ومحور الأحداث.
ومن التطورات الأخرى استقلال ولاية البحرين عن البصرة، وأحيانا كانت ترتبط بوالي اليمن عبيد الله بن عباس.
ولم تخضع الشام لعلي طيلة خلافته، بل كان يحكمها واليها القديم معاوية بن أبي سفيان الذي لم ينفذ أمر عزله الذي أصدره علي، وطالب بدم عثمان أولاً.
(1) ابن سعد: الطبقات 7: 504، ويعقوب بن سفيان: المعرفة والتأريخ 1: 254، وعبد الرزاق: المصنف 5: 458 بسند صحيح إلى الزهري مرسلاً، والبخاري: التأريخ الكبير 5: 29، والكندي: ولاة مصر 21، والمقريزي: المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار 1: 300.
(2)
عبد الحميد علي ناصر فقيه: خلافة علي 104، وخليفة: التأريخ 178، 201، 202
أما ولاية الجزيرة بين العراق والشام، فكانت تخضع لسلطان علي حيناً ولسلطة معاوية حيناً آخر.
وأما مصر فكانت تابعة لعلي رضي الله عنه حتى سنة 38 هـ، وقد تولاها عدد من الولاة كان من أقدمهم قيس بن سعد بن عبادة الذي تمكن من ضبط أمورها بتنظيم الخراج والشرطة، وسلك مع المعارضة مسلك الترضية دون ضعف، فلم يصطدم بالمطالبين بدم عثمان والممالئين لمعاوية ماداموا مسالمين لا يرفعون السيف عليه ولا يثيرون الشغب ضده، وصرف لهم أعطياتهم مثل جنده. ولكن هذا الموقف الحكيم أثار عليه خصومه في الكوفة فزعموا أنه يوالي معاوية مما أدى إلى عزله.
وقد سلك الوالي الجديد محمد بن أبي بكر مسلك الشدة مع المعارضة بمصر- والتي قدرت بعشرة آلاف مقاتل- مما أدى إلى وقوع القتال بين الطرفين، وخروج المعارضين إلى الشام ليعودوا مع القوات الشامية لإخضاع مصر بعد معارك شديدة مع واليها محمد بن أبي بكر انتهت بمقتله، ودخول مصر في طاعة معاوية سنة 38 هـ.
وأما البصرة فولَّى علي عليها عبد الله بن عباس، وهو صحابي عُرف بعلمه الواسع في الفقه والتفسير، وقد أثبت مهارة إدارية بتوطيد الأمن في سجستان وهي تابعة لولاية البصرة، وفي إقليم فارس حيث عين زياد بن أبي سفيان والياً عليه، كما أنابه حين خرج من البصرة عليها فتمكن من ضبط الأمن فيها.
ويعتبر عبد الله بن عباس من أهم رجالات الإمام علي، وكان يرافقه في الأحداث الخطيرة، وينصح له، ويجادل عنه. وكان علي يعتمد عليه ويستشيره، وقد استمرت ولاية ابن عباس على البصرة حتى سنة 39 هـ، وكان يعاونه صاحب
الشرطة وصاحب الخراج.
وأما الكوفة فقد أقرَّ علي عليها واليها أبا موسى الأشعري عندما علم بميل أهلها إليه، حيث أخذ له البيعة من أهلها (1)، وقد اتخذ أبو موسى موقفاً محايداً من الصراع في موقعتي الجمل وصفين، ونصح أهل الكوفة بعدم المشاركة في الفتن الداخلية. وقد عُزل أبو موسى عن الكوفة حين قدم علي إليها بعد موقعة الجمل فصارت مركزاً للخلافة.
وأما إقليم فارس- وهو يتبع البصرة إدارياً- فكان واليه سهل بن حنيف الأنصاري الذي واجه حركة عصيان في الإقليم، فأرسل والي البصرة عبد الله بن عباس والياً جديداً عليه هو زياد بن أبي سفيان الذي تمكن من ضبط الإقليم. وكان يعين ولاة على المدن المهمة في الإقليم مثل إصطخر وأصبهان.
وأما خراسان فكانت تتبع إداريا ولاية البصرة، وقد تولاها في خلافة علي عبد الرحمن بن أبذى وجعدة بن هبيرة بن أبي وهب، وقد واجه جعدة تمرد أهلها وقضى عليه.
وكانت سجستان المجاورة لخراسان تتبع إداريا البصرة أيضا فكان والي البصرة يعين عليها الولاة.
وكانت أذربيجان ولاية يتولاها الأشعث بن قيس لعثمان ولعلي، وهو الذي مصر أردبيل وبنى مسجدها ونشر الإسلام فيها.
أما الأهواز فكان عليها الخُريت بن راشد والياً لعلي، لكنه انشق عليه في أعقاب صفين وأعلن خلعه، فأرسل إليه علي جيشاً فقضى عليه.
وتولى الأهواز مصقلة بن هبيرة الشيباني لكنه التحق بمعاوية.
(1) البلاذري: أنساب الأشراف 2: 36 ب.
وقد واجه علي مشكلات عديدة في هذه الولايات من انفلات بعضها من سلطانه كاليمن والحجاز ومصر، ومن انتشار الحركة الخارجية ونشاطها في ولايات العراق وفارس، بالإضافة إلى ثورات السكان الأصليين، والتحاق بعض الولاة بمعاوية.
وكان علي رضي الله عنه يراقب ولاته ويسائلهم عن سياستهم تجاه الدولة والرعية، كما فتح بابه لاستقبال شكاوى الرعية ضد الولاة فكان يقول:"اللهم إني لم آمرهم أن يظلموا خلقك أو يتركوا حقك"(1).
وكان علي مدركاً لأهمية وجود السلطة في ديار الإسلام "لابد للناس من إمارة برَّةٍ كانت أو فاجرة، فقيل: يا أمير المؤمنين هذه البرة قد عرفناها، فما بال الفاجرة؟ فقال: يُقام بها الحدود، وتأمن بها السبل، ويجاهد بها العدو، ويقسم بها الفيء".
فالسلطة في نظره إن لم تسموا إلى مقامات عليا من الالتزام بالخير والصلاح والتجرد للحق والعدل، وهي الإمارة البرة التي يتطلع إليها الناس، فإنها نافعة في حالة ضعف التزامها ورقيها الإيماني- المُعبر عنه بالفجور-، وذلك لإقامتها الأمن وإنفاذ الأحكام الشرعية والتوزيع العادل للثروة، وإقامة الجهاد.
وقد ناقش المؤلفون المعاصرون عدة قضايا تخص الولاة في خلافتي عثمان وعلي منها تولية الأقارب حيث أن عثمان عين عدداً من الولاة على البصرة والكوفة والشام ومصر من أقاربه وهم معاوية بن أبي سفيان (الشام) - وكان والياً لعمر فأقره عثمان-، وعبد الله بن عامر بن كريز (البصرة)، والوليد بن عقبة (الكوفة)، وسعيد بن العاص (الكوفة)، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح (مصر)، كما أن علياً عين أربعة من أبناء عمه العباس بن عبد المطلب على الولايات المهمة (البصرة واليمن والحجاز) وهم على التوالي: عبد الله بن عباس وعبيد الله بن عباس وقُثم بن
(1) ابن تيمية: السياسة الشرعية 32، والنويري: نهاية الأرب 20: 219، 220.
عباس وتمام بن عباس.
والتحقيق أن كلاً من علي وعثمان عينا الأكفياء من أقاربهما وغيرهم (1)، ولا يُتصور أنهما قدما الأقارب بسبب القرابة، وكانت الظروف التي تسود الولايات تقتضي اختياراً دقيقا للولاة من حيث القوة والأمانة، فلا تزال الفتوحات في الأقاليم الشرقية البعيدة غير مستقرة، فضلا عن مشكلات الخوارج في خلافة علي ومشكلات الروح القبلية في الأمصار وصعوبة ضبطها وتوجيهها لصالح المجتمع والدولة. والحق أن عثمان وعلياً اجتهدا للأمة في الحفاظ على مصالحها الدينية والدنيوية سواء أخطآ أو أصابا، وهما مأجوران في الحالين، ولا ينبغي اتهام نياتهما وإساءة تفسير دوافعهما دون دليل صحيح.
ومن القضايا الأخرى التي أثارها المؤلفون المعاصرون قضية عزل علي لولاة عثمان حيث اشتطت الأقلام في تفسير الموقف، فمنهم من يحمله على صلابة علي في الحق وضرورة التغيير لما أنكر على عثمان من تولية الأقارب، ومنهم من حمله على ضعف خبرة علي السياسية، وأن الأولى سياسيا إبقاء الولاة وخاصة معاوية حتى تستقر الأوضاع وتؤخذ البيعة لعلي في الأمصار، وهذه التفسيرات مبنية على خبر ضعيف يدور حول إبداء المغيرة رأيين متعارضين حول الموقف من الولاة (2).
والتحقيق أن علياً كان يمتلك موهبة قيادة ومعرفة بالنفوس والأوضاع القائمة وأنه أقال الولاة ليختار سواهم حسب ما يراه ملائماً لتحقيق الانسجام الإداري والسياسي بين الخليفة وأعوانه، كما أن شخصيته وأخلاقه لا تمكنه من أساليب المراوغة والحيلة في استعمال صلاحياته.
ولو تأملنا في أنساب ولاة علي لوجدنا أحد عشر والياً منهم من الأنصار من
(1) ابن تيمية: منهاج السنة 3: 173، 176.
(2)
الطبري: تأريخ 4: 438 - 439.