الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتبادل أشياعه الرسائل التي يوضحون فيها تذمرهم وشكاواهم من عمال عثمان، وقد كانت هذه الرسائل تقرأ في الأمصار المختلفة، فتثير الفتن، وينشأ عند العامة تصور للسوء والفوضى والظلم الذي انحدرت إليه الدولة!! وأن ابن سبأ كان وراء الوفود المصرية والعراقية التي قدمت المدينة وحاصرت دار عثمان وقتلته.
ويرى البعض أن ما أورده الطبري عن أثر ابن سبأ في الفتنة لا يصمد للنقد التأريخي، لتفرد سيف بن عمر بمعظم الأخبار، وهو متروك عند المحدثين. ولكن ينبغي الانتباه إلى أن سيف بن عمر عمدة في التأريخ وإن كان متروكاً إذا روى أحاديث نبوية، وأن رواياته ينبغي أن تحظى بالنقد التأريخي مثل بقية الأخباريين، ويمكن أن نقبل فكرة وقوع المبالغة في أثر ابن سبأ في أحداث الفتنة مما يجعلنا نتلمس عواملها في الأوضاع العامة مع ملاحظة التطور الذي أصاب المجتمع الاسلامي نتيجة الانسياح في الهلال الخصيب.
خبر الراكب الذي تعرض للوفد المصري:
كان الوفد المصري قد ناقش عثمان رضي الله عنه في الأمور التي أخذوها عليه، ثم "أخذوا ميثاقه وكتبوا عليه شرطاً، وأخذ عليهم إلا يشقُّوا عصاً ولا يفارقوا جماعة ما أقام لهم شرطهم، ثم رجعوا راضين. فبينا هم بالطريق إذا راكب يتعرض لهم ويفارقهم، ثم يرجع إليهم ثم يفارقهم.
قالوا: مالك؟
قال: أنا رسول أمير المؤمنين إلى عامله بمصر.
ففتشوه فإذا هم بالكتاب على لسان عثمان، عليه خاتمه، إلى عامل مصر: أن يُصلِّبهم، أو يقتلهم، أو يقطع أيديهم وأرجلهم. فأقبلوا حتى قدموا المدينة، فأتوا علياً فقالوا: ألم تر إلى عدوِّ الله، كتب فينا بكذا وكذا، وإن الله قد أحلَّ دمه فقم معنا إليه.
قال: والله لا أقوم معكم.
قالوا: فلم كتبت إلينا؟
قال: والله ما كتبت إليكم كتاباً.
فنظر بعضهم إلى بعض، وخرج علي من المدينة.
فانطلقوا إلى عثمان فقالوا: كتبت فينا بكذا وكذا.
فقال: إنهما اثنتان، أن تقيموا رجلين من المسلمين، أو يميني بالله الذي لا إله إلا هو ما كتبتُ ولا أمليتُ ولا علمتُ. وقد يكتب الكتاب على لسان الرجل ويُنقش الخاتم على الخاتم.
قالوا: قد أحل الله دمك، ونقضت العهد والميثاق وحصروه في القصر" (1)
كان عثمان رضي الله عنه يترقب وقوع الفتنة، حيث أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بفتنة تقع له وأنه يستشهد فيها (2)، وكان يخرج على المعارضين يحاججهم بالقرآن والسنة ويذكرهم بمواقفه في خدمة الاسلام والمسلمين:"إن وجدتم في كتاب الله أن تضعوا رجلي في قيود فضعوهما"(3).
(1) - خليفة: التأريخ 168 - 169 بإسناد حسن، ورواه البزار وصحح إسناده (الهيثمي: مجمع الزوائد 7: 228 - 229)، وانظر رواته الآخرين عن معتمر عند محمد عبد الله الغبان: فتنة مقتل عثمان بن عفان، الملحق ص 106 - 107 وأحال على الهيثمي: كشف الأستار عن زوائد البزار 4: 90 - 91، وابن أبي شيبة: المصنف 15: 215 - 220، والطبري: تاريخ 4: 354 - 356، وابن عساكر: تاريخ دمشق- ترجمة عثمان- 327، وأبي نعيم الأصبهاني: الإمامة 347، وابن حجر: المطالب العالية 4: 283 - 286 نقلاً عن اسحق بن راهويه في مسنده، والمحب الطبري: الرياض النضرة 3: 60 وعزاه إلى أبي حاتم الرازي.
(2)
- أحمد: المسند 1: 334، 377، والترمذي: السنن (تحفة الأحوذي 5: 631، 10: 209) وابن ماجة: السنن 1: 42، وابن سعد: الطبقات الكبرى 3: 66 - 67، وابن أبي شيبة: المصنف 15: 202، والحميدي: المسند 1: 130.
(3)
- ابن سعد: الطبقات 3: 69 - 70 بإسناد صحيح، وابن أبي شيبة: المصنف 15: 224 بإسناد
"لما حصر عثمان أشرف عليه فوق داره ثم قال: أذكركم بالله هل تعلمون أن حراء حين انتفض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اثبت حراء فليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد؟ قالوا: نعم. قال: أذكركم بالله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في جيش العسرة: من ينفق نفقة متقبلة؟ والناس مجهدون معسرون، فجهزت ذلك الجيش؟ قالوا: نعم. ثم قال: أذكركم بالله هل تعلمون أن بئر رومة لم يكن يشرب منها أحد إلا بثمن، فابتعتها فجعلتها للغني والفقير وابن السبيل؟ قالوا: نعم. وأشياء عدَّدها (1). فانتشد له رجال (2) وكان يخص بمناشدته الصحابة (3)، ويلاحظ أن مخاطبته للثائرين كانت تُحدث أثراً مؤقتاً حتى انتشر النهيُ عنه بينهم مرةً "وجعل الناس يقولون: مهلاً عن أمير المؤمنين" (4). "وقام الأشتر فقال: لعله لقد مكر به وبكم. قال- يعني أبا أسيد وهو شاهد عيان-: فوطئه الناس حتى لقد لقي كذا وكذا- يعنى من الأذى والشدة-. قال: فرأيته أشرف عليهم مرة أخرى فوعظهم وذكرهم، فلم تأخذ فيهم الموعظة، وكان الناس تأخذ فيهم الموعظة أول ما يسمعونها فإذا أعيدت عليهم لم تأخذ فيهم، ثم إنه فتح الباب ووضع المصحف بين يديه" (5).
صحيح.
(1)
الترمذي: السنن 5: 625 وقال: هذا حديث حسن صحيح كريب، وأحمد: المسند 1: 340 - 341 بإسناد حسن.
(2)
أحمد: المسند 1: 340 - 341 بإسناد حسن، ط. أحمد شاكر.
(3)
البخاري: الصحيح (فتح الباري 5: 406 - 407) معلقاً.
(4)
خليفة: التأريخ 172 بإسناد حسن، وأبو سعيد شاهد عيان مختلف في صحبته، والطبري: تأريخ 4: 383.
(5)
الطبري: تأريخ 4: 383 بإسناد حسن.
وفي إحدى خطبه وهو يشير إلى صحبته ومكانته اعترضه أعين ابن امرأة الفرزدق بقوله: "يا نعثل إنك قد بدَّلت". وقال عثمان بعد أن عُرِّف به: "بل أنت أيها العبد" و "وثب الناس على أعين" و "جعل رجل من بني ليث يزعهم عنه حتى أدخله الدار"(1).
وكان حريصاً على إقامة المسلمين صلاتهم بالمسجد النبوي، مع أنه حُرِم من الخروج للصلاة فيه، قال له عبيد الله بن عدي بن الخيار: إنك إمام عامة، ونزل بك ما نرى، ويصلي لنا إمام فتنة ونتحرَّج؟ فقال عثمان: الصلاة أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم (2).
ثبت أن عثمان اتخذ موقفاً واضحاً وحاسماً يتمثل في عدم المقاومة، وأنه ألزم به الصحابة، قال عبد الله بن عامر بن ربيعة- شاهد عيان ولد سنة (6) هـ-: كنت مع عثمان في الدار فقال: "أعزِمُ على كل من رأى أنَّ عليه سمعاً وطاعةً إلا كفَّ يده وسلاحه"(3)، وقد خرج من الدار على أثر أمر عثمان لهم بوضع أسلحتهم ولزوم دورهم كل من الحسن والحسين وعبد الله بن عمر وأصر على البقاء في الدار عبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم (4). وكان عثمان رضي الله عنه قد أمر عبد الله بن
(1) أحمد: المسند 1: 378 ط. أحمد شاكر وحسَّنه، لكن شاهد العيان عباد بن زاهر أبا الرواع ممن يعتبر بحديثه ولا يبلغ مرتبة صدوق، ولكن الخبر تأريخي فيتساهل فيه، وسماع شعبة بن الحجاج من سماك بن حرب قديم فلا يضر اختلاط الأخير (ابن الكيال: الكواكب النيرات 237 - 241).
(2)
البخاري: الصحيح (فتح الباري 2: 188).
(3)
خليفة: التأريخ 173، وابن أبي شيبة: المصنف 15: 204، وابن سعد: الطبقات 3: 70 كلهم بأسانيد صحيحة.
(4)
خليفة: التأريخ 174 بإسناد صحيح إلى ابن سيرين، لكن ابن سيرين لم يشهد الحادثة
الزبير على الدار، وأمر بطاعته، فلما طلب منه ابن الزبير أن يقاتل الخارجين "لقد أحلَّ الله لك قتالهم". فقال عثمان:"لا والله لا أقاتلهم أبداً"(1). وكان في الدار عصابة، قال ابن الزبير:"ينصر الله بأقل منهم"(2).
"وممن أراد القتال دفاعاً عن عثمان الصحابي أبو هريرة- وكان متقلداً سيفه- (3)، لكن عثمان لم يأذن له قائلاً: يا أبا هريرة أيسرُّك أن تقتل الناس جميعاً وإياي؟ قال: قلت لا. قال: فإنك والله إن قتلت رجلاً واحداً فكأنما قُتل الناس جميعاً. قال أبو هريرة: فرجعتُ ولم أقاتل"(4).
وحكى أبو حبيبة مولى عروة أنه دخل على عثمان في يوم صائف وهو محصور ليبلغه رسالة الزبير بن العوام إليه، وفيها يعلن طاعته ونصرته والتزام بني عمرو بن عوف من الأنصار بنجدته، ورأى أبو حبيبة عدداً من الصحابة في الدار وهم الحسن بن علي وأبو هريرة وعند الله بن عمر وعبد الله بن الزبير، وأن الناس كلموا عثمان أن يأذن لهم بالجهاد، فقال:"أعزم على من كانت لي عليه طاعة إلا يقاتل"(5). واستأذن الحسن بن علي عثمان في القتال فمنعه (6).
(1) ابن سعد: الطبقات 3: 70 بإسناد صحيح.
(2)
ابن سعد: الطبقات 3: 70 بإسناد صحيح، وخليفة: التأريخ 173 بإسناد صحيح.
(3)
خليفة: التأريخ 173 وإسناده صحيح، وسعيد من أثبت الناس في قتادة، ورواية كهمس عن سعيد قبل اختلاطه (البخاري- فتح الباري 7: 42).
(4)
ابن سعد: الطبقات 3: 70 بإسناد صحيح، والأعمش مدلس ولكن ثبتت روايته عن أبي صالح كما في الصحيحين (المزي: تحفة الأشراف 9: 376 - 384، وابن حجر: هدي الساري 12).
(5)
ابن عساكر: تاريخ دمشق- ترجمة عثمان- 274 نقلاً عن مصعب بن عبد الله الزبيري، وإسناد مصعب حسن، وأحال المحقق على حديث مصعب في الظاهرية (مجلد 117 ورقة 151 ب)
(6)
ابن أبي شيبة: المصنف 15: 224 بإسناد حسن إن صح سماع أبي قلابة من الحسن.
وممن نصحه بالكف عن القتال الصحابي عبد الله بن سلام، وقد سأله عثمان عن رأيه في الموقف من الثائرين، فأجابه:"الكفُّ الكفُّ فإنه أبلغ لك في الحجة"(1).
وتعتضد روايتان ضعيفتان لبيان اقتراح تقدم به إلى عثمان المغيرة بن شعبة يرى فيه أن يخرج عثمان إلى مكة للخلاص من المعارضين، وأن عثمان رفض الفكرة (2).
وهكذا كانت الاقتراحات والمداولات تتم في ظروف صعبة تضغط فيها المعارضة بشدة على الدار وأهله.
رفض عثمان رضي الله عنه التنازل عن الخلافة، ويدل حديث صحيح ترويه عائشة رضي الله عنها على أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعثمان:"يا عثمان إن الله مقمصك قميصاً فإن أرادك المنافقون على أن تخلعه فلا تخلعه لهم ولا كرامة"(3). وكان المغيرة بن الأخنس قد أشار عليه بالخلع لئلا يقتله الخارجون عليه، وقد سأل عثمان عبد الله بن عمر عن رأي المغيرة (4) فنصحه بأن لا يخلع نفسه من الخلافة.
(1) ابن سعد: الطبقات 3: 71 بإسناد حسن.
(2)
أحمد: المسند 1: 369 ط. أحمد شاكر وضعفه بالانقطاع لأن محمد بن عبد الملك بن مروان لم يسمع المغيرة (الهيثمي: مجمع الزوائد 7: 329)، والمسند 1: 361 بإسناد ضعيف أيضاً لأن، ابن أبزى لم يدرك عثمان.
(3)
أحمد: المسند 6: 86 - 87، 149، وفضائل الصحابة 1: 500 رقم 816 بإسناد صحيح، والترمذي: السنن رقم 3789 وقال: حسن غريب، وابن ماجة: السنن 1: 41 رقم 112، وابن حبان كما في الاحسان لابن بلبان 539 رقم 2196.
(4)
ابن سعد: الطبقات 3: 66 بإسناد صحيح رجاله رجال الشيخين.
"قال له ابن عمر: إذا خلعتها أمخلد أنت في الدنيا؟
قال: لا.
قال: فإن لم تخلعها هل يزيدون على أن يقتلوك؟
قال: لا.
قال: فهل يملكون لك جنةً أو ناراً؟
قال: لا.
قال: فلا أرى لك أن تخلع قميصاً قمصكه الله، فتكون سنة كلما كره قوم خليفتهم أو إمامهم قتلوه" (1).
وتتضافر روايات ضعيفة للدلالة على أن عثمان- وهو محصور في الدار- بعث إلى علي يطلبه، وأن علياً استجاب لأمره، لكنه لم يتمكن من الوصول إلى الدار التي كان المعارضون يطوقونها، وأن آل علي حبسوه عن دخولها خشية عليه من القتل، فحلَّ عمامته السوداء التي كان يرتديها، ورمى بها إلى رسول عثمان، ثم خرج حتى انتهى إلى أحجار الزيت في سوق المدينة، فأتاه خبر قتل عثمان، فأعلن براءته ممن قتله أو مالأ عليه (2).
لم يألُ الخليفة جهداً في محاورة الثوار لإقناعهم بخطأ موقفهم، سواء بذكر مكانته وخدماته في الاسلام، أو ببيان خطورة قتله على وحدة الأمة "يا أيها الناس
(1) خليفة: التأريخ 170 بإسناد حسن، كهمس صدوق وروايته عن سعيد بن أبي عروبة قديمة قبل اختلاط سعيد (الكلاباذي: رجال البخاري 2: 485، 875، وابن منجويه: رجال مسلم 1: 245، وابن حجر: تعريف أهل التقديس 63).
(2)
ابن أبي شيبة: المصنف 15: 209 بسند منقطع، وابن سعد: الطبقات 3: 68 - 69 بسند منقطع، وسند آخر منقطع مع تدليس حبيب بن أبي ثابت. (انظر محمد عبد الله الغبان: فتنة مقتل عثمان- الملحق- 146).
لا تقتلوني واستتيبوني، فوالله لئن قتلتموني لا تصلون جميعاً أبداً، ولا تجاهدون عدواً جميعاً أبداً، ولتختلفنَّ حتى تصيروا هكذا- وشبَّك بين أصابعه-"، وكان يخاطبهم من كوَّة في الجدار (1)، إذ لم يكن يأمن الخروج إليهم.
وكان عثمان رضي الله عنه يتابع تحركات المعارضين، ويسمع ما يقولون، قال أبو أمامة بن سهل بن حنيف الأنصاري:"كنت مع عثمان في الدار- وهو محصور- وكنا ندخل مدخلاً إذا دخلناه سمعنا كلام من على البلاط- وهو موضع أمام الباب الشرقي للمسجد النبوي بينه وبين دار عثمان- (2)، فدخل عثمان يوماً لحاجة فخرج منتقعاً لونه، فقال: إنهم ليتوعدونني بالقتل آنفاً. فقلنا: يكفيكهم الله يا أمير المؤمنين. قال: ولم يقتلونني وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا في إحدى ثلاث، رجل كفر بعد إيمانه، أو زنى بعد إحصانه، أو قتل نفساً بغير نفس) فوالله ما زنيت في جاهلية ولا في إسلام قط. ولا تمنيت أن لي بديني بدلاً منذ هداني الله. ولا قتلتُ نفساً. ففيم يقتلونني؟ "(3).
وبين عبد الله بن عمر أن عثمان أشرف على المعارضين وحدثهم بهذا المعنى (4).
وتتضافر روايات ضعيفة لتؤكد أن عثمان أصبح صائماً يوم استشهاده، وأنه
(1) ابن سعد: الطبقات 3: 71 بإسناد حسن، وابن أبي شيبة: المصنف 15: 203 بإسناد حسن، وابن الأعرابي: المعجم ق 125 أ، وخليفة: التأريخ 171 مختصراً وسقط منه (أبو ليلى).
(2)
راجع عن البلاط السمهودي: وفاء الوفا 3: 734.
(3)
ابن سعد: الطبقات 3: 67 بإسناد صحيح، وأحمد: المسند 1: 348، 363، 379 - 380 ط. أحمد شاكر وصحح إسناده.
(4)
أحمد: المسند 1: 355 بإسناد صحيح.
أخبر برؤيته النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يدعوه للإفطار عنده (1).
قال أبو سعيد مولى أبي أسيد- وهو شاهد عيان-: "ففتح عثمان الباب، ووضع المصحف بين يديه، فدخل عليه رجل فقال: بيني وبينك كتاب الله. فخرج وتركه. ثم دخل عليه أخر، فقال: بيني وبينك كتاب الله. فأهوى إليه بالسيف فاتَّقاه بيده، فقطعها، فلا أدري أبانها أم قطعها ولم يبنها. فقال- يعني عثمان-: أما والله إنها لأوَّلُ كفٍّ خطَّت المصحف"(2).
وقد انتضح دمه على المصحف الذي كان يقرأ فيه فوق الآية (فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم)(3).
وتتضافر الروايات المتعددة في إثبات موقف محمد بن أبي بكر الصديق مع المعارضين لعثمان، وأنه دخل على عثمان يوم مقتله، فأخذ بلحيته، وأنَّ عثمان ذكرَّه بمكانه من أبيه، فخرج دون أن يشترك في قتله (4).
وقد دافع بعض الشباب عن عثمان، قال كنانة مولى صفية- وهو شاهد عيان-: "شهدت مقتل عثمان، فأخرج من الدار أمامي أربعة من شبان قريش
(1) الهيثمي: المقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي ق 164أوفي إسناده أبي جعفر الرازي صدوق سيء الحفظ، وابن سعد: الطبقات 3: 74 - 75 بإسناد منقطع لأن نافعاً لم يرو عن عثمان، وأحمد: المسند 1: 388 - 389 تحقيق أحمد شاكر وصحح إسناده لكنه ضعيف لأن مسلماً أبا سعيد انفرد ابن حبان بتوثيقه.
(2)
خليفة: التأريخ 174 بإسناد حسن، وقارن بالطبري: تأريخ 4: 333 - 334 من مرسل الحسن البصري.
(3)
أحمد: فضائل الصحابة 1: 470 - 473 بإسناد صحيح.
(4)
خليفة: التأريخ 174 من مرسل الحسن البصري نقلاً عن أسد بن موسي بإسناد حسن، وابن عبد البر: الاستيعاب 3: 349.