المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌خبر الراكب الذي تعرض للوفد المصري: - عصر الخلافة الراشدة محاولة لنقد الرواية التاريخية وفق منهج المحدثين

[أكرم العمري]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌تحليل المصادر

- ‌1 - كتب التأريخ:

- ‌محمد بن اسحق:

- ‌خليفة بن خياط:

- ‌محمد بن سعد (ت 230ه

- ‌البلاذري:

- ‌ابن عبد الحكم:

- ‌الأزدي:

- ‌ابن شبَّة:

- ‌اليعقوبي:

- ‌ابن قتيبة الدينوري:

- ‌الطبري:

- ‌المسعودي:

- ‌ابن أعثم الكوفي:

- ‌ابن حبيش:

- ‌الكلاعي:

- ‌المحب الطبري (ت 694ه

- ‌محمد بن يحيى الأشعري المالكي- ابن بكر- (ت 741ه

- ‌ابن كثير (ت 774 ه

- ‌ الذهبي

- ‌2 - كتب الحديث:

- ‌3 - كتب علم الرجال:

- ‌المراجع الحديثة:

- ‌الباب الأول: السياسة(الخلافة والخلفاء)

- ‌الفصل الأول: الخلافة

- ‌المبحث الأول: نظام الخلافة

- ‌المبحث الثاني: خلافة أبي بكر الصديق (رضى الله عنه)

- ‌المبحث الثالث: خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع: خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس: خلافة على بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌المبحث السابع (*): أزمة الخلافة وانتقال مركز الخلافة إلى العراق

- ‌الفصل الثاني: الخلفاء

- ‌المبحث الأول: أبو بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني: عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث: عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع: على بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس: حجية عمل الخلفاء الراشدين

- ‌المبحث السادس: الشورى

- ‌الباب الثانيالإدارة. القضاء

- ‌الفصل الأول: الإدارة(الولاة. الموظفون)

- ‌المبحث الأول: الولاة على البلدان

- ‌الولاة في خلافة أبي بكر:

- ‌قائمة بأسماء ولاة أبي بكر على البلدان:

- ‌الولاة في خلافة عمر:

- ‌مراقبة العمال والولاة:

- ‌قائمة بأسماء ولاة عمر على الأقاليم:

- ‌الولاة في خلافة عثمان:

- ‌قائمة بأسماء الولاة في خلافة عثمان:

- ‌الولاة في خلافة علي:

- ‌قائمة بأسماء الولاة في خلافة على:

- ‌المبحث الثاني: الموظفون

- ‌الرقابة على الأسواق (نظام الحسبة):

- ‌تنظيم العرفاء والنقباء ومساعدته في إيصال العطاء لمستحقيه:

- ‌الموظفون في خلافة أبو بكر:

- ‌عمال الصدقات:

- ‌الموظفون في خلافة عمر:

- ‌الموظفون في خلافة عثمان:

- ‌الموظفون في خلافة على:

- ‌الفصل الثاني: القضاء

- ‌القضاء في عصر الخلافة الراشدة:

- ‌تطبيق الحدود الشرعية:

- ‌ندرة الخصومات بين الناس:

- ‌إخضاع الخلفاء أنفسهم لأحكام القضاء وإجراءاته:

- ‌الجرائم والعقوبات:

- ‌التعزير:

- ‌الجنايات:

- ‌القضاة في خلافة أبي بكر:

- ‌القضاة في خلافة عمر:

- ‌رواتب القضاة:

- ‌القضاة في خلافة عثمان:

- ‌القضاة في خلافة على:

- ‌الباب الثالث: الاقتصاد

- ‌الفصل الأول: الموارد المالية

- ‌المبحث الأول: الجزية

- ‌الجزية في خلافة أبي بكر رضي الله عنه:

- ‌الجزية في خلافة عمر رضي الله عنه:

- ‌الجزية في خلافة عثمان رضي الله عنه:

- ‌الجزية في خلافة علي رضي الله عنه:

- ‌المبحث الثاني: الخراج

- ‌المبحث الثالث: الغنائم

- ‌المبحث الرابع: الزكاة

- ‌المبحث الخامس: عشور التجارة

- ‌الفصل الثاني: النفقات العامة

- ‌المبحث الأول: مصارف الزكاة

- ‌المبحث الثاني: مصارف الغنائم والفيء

- ‌المبحث الثالث: العطاء

- ‌الأرزاق العينية:

- ‌نفقات طارئة:

- ‌المبحث الرابع: الإصلاحات

- ‌1 - الإقطاع:

- ‌2 - الحمى:

- ‌3 - الإنفاق على العمران:

- ‌عمران المساجد:

- ‌بناء الأمصار:

- ‌حفر الأنهار والخلجان وإقامة السدود والمنشآت الأخرى:

- ‌4 - مشروع تحرير الرقيق:

- ‌5 - النقود:

- ‌القروض الحسنة:

- ‌القوة الشرائية للنقود:

- ‌الرقابة المالية:

- ‌رقابة عمر لأهله:

- ‌الباب الرابع: الثقافة والتعليم

- ‌الفصل الأول: السمات والنظرية والتقاليد

- ‌تمهيد: التراث الثقافي قبل الإسلام

- ‌المبحث الأول: السمات العامة للتعليم

- ‌المبحث الثاني: نظرة الاسلام إلى العلم والتعليم

- ‌المبحث الثالث: آداب التعليم وتقاليده

- ‌الفصل الثاني: التطبيقات والمركز والموضوعات

- ‌المبحث الأول: النشاط التعليمي

- ‌تمهيد

- ‌أ - النشاط التعليمي بمكة قبل الهجرة

- ‌ب- النشاط التعليمي بالمدينة:

- ‌جـ - انتشار التعليم الاسلامي في البوادي والأمصار الجديدة:

- ‌المبحث الثاني: مراكز الحركة الفكرية

- ‌مواد الكتابة:

- ‌المبحث الثالث: موضوعات التعليم

- ‌أ- القرآن وعلومه:

- ‌ب- الحديث:

- ‌فمن مواقف كبار الصحابة الذين كرهوا كتابة الحديث ما يلي:

- ‌أما مواقف الصحابة التي تدل على إجارتهم الكتابة فهي:

- ‌جـ - الفقه:

- ‌د- اللغة العربية:

- ‌هـ - التاريخ:

- ‌و- علم الأنساب:

- ‌ز- الشعر:

- ‌حـ ـ القصص:

- ‌ط - الحكم والأمثال:

- ‌ي - الطب:

- ‌ك - علم النجوم (التنجيم):

- ‌ل- الثقافة واللغات الأجنبية:

- ‌الباب الخامسأحوال العالم.الدعوة الإسلامية ومنطلقاتها الفكرية.الفتوحات

- ‌الفصل الأولأحوال العالم.الدعوة الاسلامية ومنطلقاتها الفكرية

- ‌المبحث الأول: نظرة إلى أحوال العالم قبل الفتح الاسلامي

- ‌دولة الفرس

- ‌الحالة السياسية والاقتصادية:

- ‌الحالة الدينية والفكرية

- ‌الحالة الاجتماعية والأخلاقية

- ‌دولة الروم (الإمبراطورية البيزنطية) 312 - (1453) م

- ‌الحالة السياسية والاقتصادية:

- ‌الحالة الدينية والفكرية

- ‌الحالة الاجتماعية والأخلاقية:

- ‌تنبيه:

- ‌الهند والصين واليابان

- ‌المبحث الثاني: الدعوة الاسلامية ومنطلقاتها الفكرية

- ‌الفصل الثاني: الفتوحات

- ‌المبحث الأول: فتوح العراق والمشرق

- ‌في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه:

- ‌ملاحظات:

- ‌في خلافة عمر بن الخطاب (رضى الله عنه):

- ‌القادسية (15ه

- ‌المدائن:

- ‌جلولاء (16 ه

- ‌تكريت:

- ‌بناء الكوفة (17ه

- ‌بناء البصرة (16 هـ أو (17) ه

- ‌فتح الأهواز:

- ‌فتح رامهرمز:

- ‌فتح تستر

- ‌فتح السوس وجندي سابور:

- ‌نهاوند (21 ه

- ‌فتح أصبهان:

- ‌إعادة فتح همذان

- ‌فتح الري:

- ‌فتح إقليم فارس:

- ‌فتح كرمان ومكران:

- ‌فتح سجستان:

- ‌فتح خراسان:

- ‌في خلافة عثمان بن عفان (رضى الله عنه):

- ‌في خلافة علي بن أبي طالب (رضى الله عنه):

- ‌المبحث الثاني: فتوح الشام ومصر والمغرب

- ‌فتوح الشام في خلافة الصديق رضي الله عنه:

- ‌الصدمات الأولى:

- ‌اليرموك (في الطبري سنة (13) ه

- ‌ في خلافة عمر رضي الله عنه

- ‌عزل خالد:

- ‌فتح دمشق (في الطبري أوائل سنة (14) ه

- ‌حمص وحماة واللاذقية وقنسرين وحلب:

- ‌ أنطاكية

- ‌ بيت المقدس

- ‌فتح مصر:

- ‌العريش:

- ‌حصن بابليون:

- ‌في خلافة عثمان رضي الله عنه:

- ‌إعادة فتح الاسكندرية:

- ‌السودان:

- ‌أفريقية:

- ‌ذات الصواري:

- ‌الجيش ونظام القتال:

- ‌الباب السادس: الفتن الداخلية

- ‌الفصل الأول: الردة

- ‌تمهيد انتشار الاسلام خارج المدينة:

- ‌المبحث الأول حركات الردة

- ‌مراكز المرتدين

- ‌اليمن:

- ‌ردة اليمامة:

- ‌ردة طليحة الأسدي:

- ‌انتشار الردة:

- ‌المبحث الثاني القضاء على الردة

- ‌القضاء على ردة طليحة الأسدي:

- ‌القضاء على مالك بن نويرة:

- ‌القضاء على ردة مسيلمة الكذاب:

- ‌القضاء على ردة البحرين:

- ‌القضاء على ردة عمان ومهرة:

- ‌القضاء على ردة اليمن:

- ‌القضاء على ردة حضرموت:

- ‌الفصل الثاني: فتنة مقتل الخليفة عثمان رضى الله عنه

- ‌فتنه مقتل عثمان رضي الله عنه

- ‌خبر الراكب الذي تعرض للوفد المصري:

- ‌موقف الأنصار:

- ‌مواقف الصحابة في الفتنة

- ‌صفية أم المؤمنين:

- ‌الزبير بن العوام:

- ‌أبو ذر الغفاري:

- ‌أسامة بن زيد:

- ‌الحسن بن على بن أبي طالب:

- ‌عبد الرحمن بن عوف:

- ‌زيد بن ثابت:

- ‌عبد الله بن عمر:

- ‌تعليقات على مقتل الخليفة آراء الصحابة وتوقعاتهم لنتائج مقتل عثمان رضي الله عنه

- ‌على ابن أبي طالب:

- ‌سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل:

- ‌أبو موسي الأشعري:

- ‌سمرة بن جندب:

- ‌عائشة رضي الله عنها:

- ‌بيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالخلافة:

- ‌الفصل الثالث: موقعة الجمل

- ‌موقعة الجمل:

- ‌الفصل الرابع: معركة صفين

- ‌معركة صفين:

- ‌الفصل الخامس: موقعة النهروان

- ‌موقعة النهروان:

- ‌المصادر والمراجع

- ‌المصادر

- ‌المراجع الحديثة

- ‌المؤلف

- ‌السيرة الذاتية:

- ‌مؤلفاته:

- ‌التحقيقات

- ‌البحوث:

الفصل: ‌خبر الراكب الذي تعرض للوفد المصري:

فتبادل أشياعه الرسائل التي يوضحون فيها تذمرهم وشكاواهم من عمال عثمان، وقد كانت هذه الرسائل تقرأ في الأمصار المختلفة، فتثير الفتن، وينشأ عند العامة تصور للسوء والفوضى والظلم الذي انحدرت إليه الدولة!! وأن ابن سبأ كان وراء الوفود المصرية والعراقية التي قدمت المدينة وحاصرت دار عثمان وقتلته.

ويرى البعض أن ما أورده الطبري عن أثر ابن سبأ في الفتنة لا يصمد للنقد التأريخي، لتفرد سيف بن عمر بمعظم الأخبار، وهو متروك عند المحدثين. ولكن ينبغي الانتباه إلى أن سيف بن عمر عمدة في التأريخ وإن كان متروكاً إذا روى أحاديث نبوية، وأن رواياته ينبغي أن تحظى بالنقد التأريخي مثل بقية الأخباريين، ويمكن أن نقبل فكرة وقوع المبالغة في أثر ابن سبأ في أحداث الفتنة مما يجعلنا نتلمس عواملها في الأوضاع العامة مع ملاحظة التطور الذي أصاب المجتمع الاسلامي نتيجة الانسياح في الهلال الخصيب.

‌خبر الراكب الذي تعرض للوفد المصري:

كان الوفد المصري قد ناقش عثمان رضي الله عنه في الأمور التي أخذوها عليه، ثم "أخذوا ميثاقه وكتبوا عليه شرطاً، وأخذ عليهم إلا يشقُّوا عصاً ولا يفارقوا جماعة ما أقام لهم شرطهم، ثم رجعوا راضين. فبينا هم بالطريق إذا راكب يتعرض لهم ويفارقهم، ثم يرجع إليهم ثم يفارقهم.

قالوا: مالك؟

قال: أنا رسول أمير المؤمنين إلى عامله بمصر.

ففتشوه فإذا هم بالكتاب على لسان عثمان، عليه خاتمه، إلى عامل مصر: أن يُصلِّبهم، أو يقتلهم، أو يقطع أيديهم وأرجلهم. فأقبلوا حتى قدموا المدينة، فأتوا علياً فقالوا: ألم تر إلى عدوِّ الله، كتب فينا بكذا وكذا، وإن الله قد أحلَّ دمه فقم معنا إليه.

قال: والله لا أقوم معكم.

قالوا: فلم كتبت إلينا؟

ص: 421

قال: والله ما كتبت إليكم كتاباً.

فنظر بعضهم إلى بعض، وخرج علي من المدينة.

فانطلقوا إلى عثمان فقالوا: كتبت فينا بكذا وكذا.

فقال: إنهما اثنتان، أن تقيموا رجلين من المسلمين، أو يميني بالله الذي لا إله إلا هو ما كتبتُ ولا أمليتُ ولا علمتُ. وقد يكتب الكتاب على لسان الرجل ويُنقش الخاتم على الخاتم.

قالوا: قد أحل الله دمك، ونقضت العهد والميثاق وحصروه في القصر" (1)

كان عثمان رضي الله عنه يترقب وقوع الفتنة، حيث أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بفتنة تقع له وأنه يستشهد فيها (2)، وكان يخرج على المعارضين يحاججهم بالقرآن والسنة ويذكرهم بمواقفه في خدمة الاسلام والمسلمين:"إن وجدتم في كتاب الله أن تضعوا رجلي في قيود فضعوهما"(3).

(1) - خليفة: التأريخ 168 - 169 بإسناد حسن، ورواه البزار وصحح إسناده (الهيثمي: مجمع الزوائد 7: 228 - 229)، وانظر رواته الآخرين عن معتمر عند محمد عبد الله الغبان: فتنة مقتل عثمان بن عفان، الملحق ص 106 - 107 وأحال على الهيثمي: كشف الأستار عن زوائد البزار 4: 90 - 91، وابن أبي شيبة: المصنف 15: 215 - 220، والطبري: تاريخ 4: 354 - 356، وابن عساكر: تاريخ دمشق- ترجمة عثمان- 327، وأبي نعيم الأصبهاني: الإمامة 347، وابن حجر: المطالب العالية 4: 283 - 286 نقلاً عن اسحق بن راهويه في مسنده، والمحب الطبري: الرياض النضرة 3: 60 وعزاه إلى أبي حاتم الرازي.

(2)

- أحمد: المسند 1: 334، 377، والترمذي: السنن (تحفة الأحوذي 5: 631، 10: 209) وابن ماجة: السنن 1: 42، وابن سعد: الطبقات الكبرى 3: 66 - 67، وابن أبي شيبة: المصنف 15: 202، والحميدي: المسند 1: 130.

(3)

- ابن سعد: الطبقات 3: 69 - 70 بإسناد صحيح، وابن أبي شيبة: المصنف 15: 224 بإسناد

ص: 422

"لما حصر عثمان أشرف عليه فوق داره ثم قال: أذكركم بالله هل تعلمون أن حراء حين انتفض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اثبت حراء فليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد؟ قالوا: نعم. قال: أذكركم بالله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في جيش العسرة: من ينفق نفقة متقبلة؟ والناس مجهدون معسرون، فجهزت ذلك الجيش؟ قالوا: نعم. ثم قال: أذكركم بالله هل تعلمون أن بئر رومة لم يكن يشرب منها أحد إلا بثمن، فابتعتها فجعلتها للغني والفقير وابن السبيل؟ قالوا: نعم. وأشياء عدَّدها (1). فانتشد له رجال (2) وكان يخص بمناشدته الصحابة (3)، ويلاحظ أن مخاطبته للثائرين كانت تُحدث أثراً مؤقتاً حتى انتشر النهيُ عنه بينهم مرةً "وجعل الناس يقولون: مهلاً عن أمير المؤمنين" (4). "وقام الأشتر فقال: لعله لقد مكر به وبكم. قال- يعني أبا أسيد وهو شاهد عيان-: فوطئه الناس حتى لقد لقي كذا وكذا- يعنى من الأذى والشدة-. قال: فرأيته أشرف عليهم مرة أخرى فوعظهم وذكرهم، فلم تأخذ فيهم الموعظة، وكان الناس تأخذ فيهم الموعظة أول ما يسمعونها فإذا أعيدت عليهم لم تأخذ فيهم، ثم إنه فتح الباب ووضع المصحف بين يديه" (5).

صحيح.

(1)

الترمذي: السنن 5: 625 وقال: هذا حديث حسن صحيح كريب، وأحمد: المسند 1: 340 - 341 بإسناد حسن.

(2)

أحمد: المسند 1: 340 - 341 بإسناد حسن، ط. أحمد شاكر.

(3)

البخاري: الصحيح (فتح الباري 5: 406 - 407) معلقاً.

(4)

خليفة: التأريخ 172 بإسناد حسن، وأبو سعيد شاهد عيان مختلف في صحبته، والطبري: تأريخ 4: 383.

(5)

الطبري: تأريخ 4: 383 بإسناد حسن.

ص: 423

وفي إحدى خطبه وهو يشير إلى صحبته ومكانته اعترضه أعين ابن امرأة الفرزدق بقوله: "يا نعثل إنك قد بدَّلت". وقال عثمان بعد أن عُرِّف به: "بل أنت أيها العبد" و "وثب الناس على أعين" و "جعل رجل من بني ليث يزعهم عنه حتى أدخله الدار"(1).

وكان حريصاً على إقامة المسلمين صلاتهم بالمسجد النبوي، مع أنه حُرِم من الخروج للصلاة فيه، قال له عبيد الله بن عدي بن الخيار: إنك إمام عامة، ونزل بك ما نرى، ويصلي لنا إمام فتنة ونتحرَّج؟ فقال عثمان: الصلاة أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم (2).

ثبت أن عثمان اتخذ موقفاً واضحاً وحاسماً يتمثل في عدم المقاومة، وأنه ألزم به الصحابة، قال عبد الله بن عامر بن ربيعة- شاهد عيان ولد سنة (6) هـ-: كنت مع عثمان في الدار فقال: "أعزِمُ على كل من رأى أنَّ عليه سمعاً وطاعةً إلا كفَّ يده وسلاحه"(3)، وقد خرج من الدار على أثر أمر عثمان لهم بوضع أسلحتهم ولزوم دورهم كل من الحسن والحسين وعبد الله بن عمر وأصر على البقاء في الدار عبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم (4). وكان عثمان رضي الله عنه قد أمر عبد الله بن

(1) أحمد: المسند 1: 378 ط. أحمد شاكر وحسَّنه، لكن شاهد العيان عباد بن زاهر أبا الرواع ممن يعتبر بحديثه ولا يبلغ مرتبة صدوق، ولكن الخبر تأريخي فيتساهل فيه، وسماع شعبة بن الحجاج من سماك بن حرب قديم فلا يضر اختلاط الأخير (ابن الكيال: الكواكب النيرات 237 - 241).

(2)

البخاري: الصحيح (فتح الباري 2: 188).

(3)

خليفة: التأريخ 173، وابن أبي شيبة: المصنف 15: 204، وابن سعد: الطبقات 3: 70 كلهم بأسانيد صحيحة.

(4)

خليفة: التأريخ 174 بإسناد صحيح إلى ابن سيرين، لكن ابن سيرين لم يشهد الحادثة

ص: 424

الزبير على الدار، وأمر بطاعته، فلما طلب منه ابن الزبير أن يقاتل الخارجين "لقد أحلَّ الله لك قتالهم". فقال عثمان:"لا والله لا أقاتلهم أبداً"(1). وكان في الدار عصابة، قال ابن الزبير:"ينصر الله بأقل منهم"(2).

"وممن أراد القتال دفاعاً عن عثمان الصحابي أبو هريرة- وكان متقلداً سيفه- (3)، لكن عثمان لم يأذن له قائلاً: يا أبا هريرة أيسرُّك أن تقتل الناس جميعاً وإياي؟ قال: قلت لا. قال: فإنك والله إن قتلت رجلاً واحداً فكأنما قُتل الناس جميعاً. قال أبو هريرة: فرجعتُ ولم أقاتل"(4).

وحكى أبو حبيبة مولى عروة أنه دخل على عثمان في يوم صائف وهو محصور ليبلغه رسالة الزبير بن العوام إليه، وفيها يعلن طاعته ونصرته والتزام بني عمرو بن عوف من الأنصار بنجدته، ورأى أبو حبيبة عدداً من الصحابة في الدار وهم الحسن بن علي وأبو هريرة وعند الله بن عمر وعبد الله بن الزبير، وأن الناس كلموا عثمان أن يأذن لهم بالجهاد، فقال:"أعزم على من كانت لي عليه طاعة إلا يقاتل"(5). واستأذن الحسن بن علي عثمان في القتال فمنعه (6).

(1) ابن سعد: الطبقات 3: 70 بإسناد صحيح.

(2)

ابن سعد: الطبقات 3: 70 بإسناد صحيح، وخليفة: التأريخ 173 بإسناد صحيح.

(3)

خليفة: التأريخ 173 وإسناده صحيح، وسعيد من أثبت الناس في قتادة، ورواية كهمس عن سعيد قبل اختلاطه (البخاري- فتح الباري 7: 42).

(4)

ابن سعد: الطبقات 3: 70 بإسناد صحيح، والأعمش مدلس ولكن ثبتت روايته عن أبي صالح كما في الصحيحين (المزي: تحفة الأشراف 9: 376 - 384، وابن حجر: هدي الساري 12).

(5)

ابن عساكر: تاريخ دمشق- ترجمة عثمان- 274 نقلاً عن مصعب بن عبد الله الزبيري، وإسناد مصعب حسن، وأحال المحقق على حديث مصعب في الظاهرية (مجلد 117 ورقة 151 ب)

(6)

ابن أبي شيبة: المصنف 15: 224 بإسناد حسن إن صح سماع أبي قلابة من الحسن.

ص: 425

وممن نصحه بالكف عن القتال الصحابي عبد الله بن سلام، وقد سأله عثمان عن رأيه في الموقف من الثائرين، فأجابه:"الكفُّ الكفُّ فإنه أبلغ لك في الحجة"(1).

وتعتضد روايتان ضعيفتان لبيان اقتراح تقدم به إلى عثمان المغيرة بن شعبة يرى فيه أن يخرج عثمان إلى مكة للخلاص من المعارضين، وأن عثمان رفض الفكرة (2).

وهكذا كانت الاقتراحات والمداولات تتم في ظروف صعبة تضغط فيها المعارضة بشدة على الدار وأهله.

رفض عثمان رضي الله عنه التنازل عن الخلافة، ويدل حديث صحيح ترويه عائشة رضي الله عنها على أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعثمان:"يا عثمان إن الله مقمصك قميصاً فإن أرادك المنافقون على أن تخلعه فلا تخلعه لهم ولا كرامة"(3). وكان المغيرة بن الأخنس قد أشار عليه بالخلع لئلا يقتله الخارجون عليه، وقد سأل عثمان عبد الله بن عمر عن رأي المغيرة (4) فنصحه بأن لا يخلع نفسه من الخلافة.

(1) ابن سعد: الطبقات 3: 71 بإسناد حسن.

(2)

أحمد: المسند 1: 369 ط. أحمد شاكر وضعفه بالانقطاع لأن محمد بن عبد الملك بن مروان لم يسمع المغيرة (الهيثمي: مجمع الزوائد 7: 329)، والمسند 1: 361 بإسناد ضعيف أيضاً لأن، ابن أبزى لم يدرك عثمان.

(3)

أحمد: المسند 6: 86 - 87، 149، وفضائل الصحابة 1: 500 رقم 816 بإسناد صحيح، والترمذي: السنن رقم 3789 وقال: حسن غريب، وابن ماجة: السنن 1: 41 رقم 112، وابن حبان كما في الاحسان لابن بلبان 539 رقم 2196.

(4)

ابن سعد: الطبقات 3: 66 بإسناد صحيح رجاله رجال الشيخين.

ص: 426

"قال له ابن عمر: إذا خلعتها أمخلد أنت في الدنيا؟

قال: لا.

قال: فإن لم تخلعها هل يزيدون على أن يقتلوك؟

قال: لا.

قال: فهل يملكون لك جنةً أو ناراً؟

قال: لا.

قال: فلا أرى لك أن تخلع قميصاً قمصكه الله، فتكون سنة كلما كره قوم خليفتهم أو إمامهم قتلوه" (1).

وتتضافر روايات ضعيفة للدلالة على أن عثمان- وهو محصور في الدار- بعث إلى علي يطلبه، وأن علياً استجاب لأمره، لكنه لم يتمكن من الوصول إلى الدار التي كان المعارضون يطوقونها، وأن آل علي حبسوه عن دخولها خشية عليه من القتل، فحلَّ عمامته السوداء التي كان يرتديها، ورمى بها إلى رسول عثمان، ثم خرج حتى انتهى إلى أحجار الزيت في سوق المدينة، فأتاه خبر قتل عثمان، فأعلن براءته ممن قتله أو مالأ عليه (2).

لم يألُ الخليفة جهداً في محاورة الثوار لإقناعهم بخطأ موقفهم، سواء بذكر مكانته وخدماته في الاسلام، أو ببيان خطورة قتله على وحدة الأمة "يا أيها الناس

(1) خليفة: التأريخ 170 بإسناد حسن، كهمس صدوق وروايته عن سعيد بن أبي عروبة قديمة قبل اختلاط سعيد (الكلاباذي: رجال البخاري 2: 485، 875، وابن منجويه: رجال مسلم 1: 245، وابن حجر: تعريف أهل التقديس 63).

(2)

ابن أبي شيبة: المصنف 15: 209 بسند منقطع، وابن سعد: الطبقات 3: 68 - 69 بسند منقطع، وسند آخر منقطع مع تدليس حبيب بن أبي ثابت. (انظر محمد عبد الله الغبان: فتنة مقتل عثمان- الملحق- 146).

ص: 427

لا تقتلوني واستتيبوني، فوالله لئن قتلتموني لا تصلون جميعاً أبداً، ولا تجاهدون عدواً جميعاً أبداً، ولتختلفنَّ حتى تصيروا هكذا- وشبَّك بين أصابعه-"، وكان يخاطبهم من كوَّة في الجدار (1)، إذ لم يكن يأمن الخروج إليهم.

وكان عثمان رضي الله عنه يتابع تحركات المعارضين، ويسمع ما يقولون، قال أبو أمامة بن سهل بن حنيف الأنصاري:"كنت مع عثمان في الدار- وهو محصور- وكنا ندخل مدخلاً إذا دخلناه سمعنا كلام من على البلاط- وهو موضع أمام الباب الشرقي للمسجد النبوي بينه وبين دار عثمان- (2)، فدخل عثمان يوماً لحاجة فخرج منتقعاً لونه، فقال: إنهم ليتوعدونني بالقتل آنفاً. فقلنا: يكفيكهم الله يا أمير المؤمنين. قال: ولم يقتلونني وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا في إحدى ثلاث، رجل كفر بعد إيمانه، أو زنى بعد إحصانه، أو قتل نفساً بغير نفس) فوالله ما زنيت في جاهلية ولا في إسلام قط. ولا تمنيت أن لي بديني بدلاً منذ هداني الله. ولا قتلتُ نفساً. ففيم يقتلونني؟ "(3).

وبين عبد الله بن عمر أن عثمان أشرف على المعارضين وحدثهم بهذا المعنى (4).

وتتضافر روايات ضعيفة لتؤكد أن عثمان أصبح صائماً يوم استشهاده، وأنه

(1) ابن سعد: الطبقات 3: 71 بإسناد حسن، وابن أبي شيبة: المصنف 15: 203 بإسناد حسن، وابن الأعرابي: المعجم ق 125 أ، وخليفة: التأريخ 171 مختصراً وسقط منه (أبو ليلى).

(2)

راجع عن البلاط السمهودي: وفاء الوفا 3: 734.

(3)

ابن سعد: الطبقات 3: 67 بإسناد صحيح، وأحمد: المسند 1: 348، 363، 379 - 380 ط. أحمد شاكر وصحح إسناده.

(4)

أحمد: المسند 1: 355 بإسناد صحيح.

ص: 428

أخبر برؤيته النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يدعوه للإفطار عنده (1).

قال أبو سعيد مولى أبي أسيد- وهو شاهد عيان-: "ففتح عثمان الباب، ووضع المصحف بين يديه، فدخل عليه رجل فقال: بيني وبينك كتاب الله. فخرج وتركه. ثم دخل عليه أخر، فقال: بيني وبينك كتاب الله. فأهوى إليه بالسيف فاتَّقاه بيده، فقطعها، فلا أدري أبانها أم قطعها ولم يبنها. فقال- يعني عثمان-: أما والله إنها لأوَّلُ كفٍّ خطَّت المصحف"(2).

وقد انتضح دمه على المصحف الذي كان يقرأ فيه فوق الآية (فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم)(3).

وتتضافر الروايات المتعددة في إثبات موقف محمد بن أبي بكر الصديق مع المعارضين لعثمان، وأنه دخل على عثمان يوم مقتله، فأخذ بلحيته، وأنَّ عثمان ذكرَّه بمكانه من أبيه، فخرج دون أن يشترك في قتله (4).

وقد دافع بعض الشباب عن عثمان، قال كنانة مولى صفية- وهو شاهد عيان-: "شهدت مقتل عثمان، فأخرج من الدار أمامي أربعة من شبان قريش

(1) الهيثمي: المقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي ق 164أوفي إسناده أبي جعفر الرازي صدوق سيء الحفظ، وابن سعد: الطبقات 3: 74 - 75 بإسناد منقطع لأن نافعاً لم يرو عن عثمان، وأحمد: المسند 1: 388 - 389 تحقيق أحمد شاكر وصحح إسناده لكنه ضعيف لأن مسلماً أبا سعيد انفرد ابن حبان بتوثيقه.

(2)

خليفة: التأريخ 174 بإسناد حسن، وقارن بالطبري: تأريخ 4: 333 - 334 من مرسل الحسن البصري.

(3)

أحمد: فضائل الصحابة 1: 470 - 473 بإسناد صحيح.

(4)

خليفة: التأريخ 174 من مرسل الحسن البصري نقلاً عن أسد بن موسي بإسناد حسن، وابن عبد البر: الاستيعاب 3: 349.

ص: 429