الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: الغنائم
يعرف الفقهاء الغنائم بأنها "ما غلب عليه المسلمون من أموال أهل الحرب حتى يأخذوه عنوة"(1). فلا يدخل فيها الفيء وهو ما أخذ من أموال أهل الحرب دون قتال.
ويعطى السلب للقاتل، وهو متاع وسلاح ودابة المقتول لحديث:"من قتل قتيلاً فله سلبه"(2). ويسهم للفارس بثلاثة أسهم وللراجل بسهم واحد (3).
ويعامل الأسرى باحترام، وللإمام أن يحكم فيهم بقبول المفاداة أو المن عليهم بإطلاق سراحهم دون مقابل أو ضرب الجزية عليهم إن كانوا كتابيين، أو استرقاقهم أو قتلهم مراعياً في ذلك المصلحة (4). وكانت الدولة تبيع الرقيق الذي يقع لها ضمن خمس الغنائم، فقد اشترى الأشعث من بيت مال الكوفة رقيقاً بعشرين ألف درهم، وذلك خلال تولي عبد الله بن مسعود بيت مال الكوفة (5).
وتعتبر الغنائم التي حازها المسلمون من أعدائهم مورداً حسناً لبيت المال، وللمقاتلين مما يرفع من مستوى معيشتهم، ومن المعلوم أن القرآن نص على توزيع الغنائم بين الدولة والمقاتلين ولم يترك ذلك لاجتهاد الدولة، قال تعالى: (واعلموا
(1) أبو يوسف: الخراج 19، ويحيي بن آدم: الخراج 22، وأبو عبيد: الأموال 237.
(2)
البخاري: الصحيح (فتح الباري 6: 247).
(3)
رواه أبو داود: صحيح سنن أبي داود للألباني 2: 522.
(4)
ابن حجر: فتح الباري 6: 152.
(5)
أبو داؤد: السنن 2: 255.
أن ما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى ..) (1). وهكذا صار الخمس للدولة وأربعة أخماس الغنيمة للمقاتلين.
ومن الظاهر أن حركة الردة اقتصرت غنائمها على داخل الجزيرة العربية فكان معظمها من الخيل (الكراع) والإبل والماشية، والسبي (نساء وذراري)، والسلاح (الحلقة)، وشيء من الذهب والفضة، ولا تذكر المصادر أرقاماً محددة بالنسبة لأصناف الغنيمة، ولكن مصادرة الخيل والسلاح من القبائل المرتدة يوفر أعداداً جيدة للدولة، نظراً لعناية القبائل بحيازة الخيل والسلاح. وكان الإجراء يهدف إلى إضعاف المرتدين لعدم الثقة بهم، لذلك لم يقبل اشتراكهم في حركات الفتح الإسلامي حتى نهاية خلافة أبي بكر رضي الله عنه.
ولا جدوى من محاكمة الروايات وفق مناهج المحدثين لأن معظم الأرقام وردت في روايات تأريخية لا يتمتع رواتها بثقة النقاد من أهل الحديث، فلو نظرنا في مصادر الطبري عن حركات الردة لوجدناه ينقل (73) رواية عن سيف و (14) رواية عن ابن اسحق و (5) روايات عن أبي مخنف و (4) روايات عن ابن الكلبي (2). أما كتاب ابن حبيش (عبد الرحمن بن محمد بن حبشي الأندلسي) فهو أكثر دقة وتنوعاً في المصادر بالنسبة لحركة الردة حيث يقتبس كثيراً من ابن اسحق والواقدي ووثيمة ويعقوب الزهري، في حين اعتمد خليفة بن خياط في تأريخه على ابن اسحق (19 رواية) والمدائني (16 رواية) بالدرجة الأولى.
والحق أن المصادر الحديثية تقتصر على ذكر معلومات محدودة دون الخوض في التفاصيل التي أوردها الإخباريون.
(1) الأنفال 41.
(2)
عبد العزيز محمد نور ولي: حركة الردة في اليمن وحضرموت وعمان ص 10.
واذا كانت مصادرة أسد وغطفان لم تحدد مقدار الخيل والسلاح (1)، ومصادرة أهل اليمامة لم تحدد كميات الذهب والفضة والسبي والسلاح والخيل ومساحة البستان من كل قرية مما أخذه المسلمون (2)، فإن غزو القرية والعرض (من ديار بني حنيفة) قبل الصلح أوقع عدداً كبيراً من السبي، حيث أرسل خالد بن الوليد خمسمائة منهم إلى المدينة (3). ولا غرابة في كثرة غنائم اليمامة لأنها مركز اقتصادي مهم زراعياً وتجارياً، وفيها كثافة سكانية عالية (4).
وصالح العلاء بن الحضرمي أهل البحرين على ثلث أموالهم داخل مدينتهم أما ما كان خارجها فقد أخذه جميعاً، وأرسل بأموال كثيرة إلى المدينة (5). وبلغ نصيب الفارس من جزيرة دارين (6000) درهم (ستة آلاف درهم) والراجل (2000) درهم (ألفي درهم)(6). وبلغت الأموال التي جناها المسلمون من المرتدين في عمان
(1) ابن أبي شيبة: المصنف 12: 263 - 264، والبخاري: الصحيح 9: 101 مختصراً. وأبو عبيد: الأموال 2: 330، وسعيد بن منصور: السنن 2: 330، وأحمد: فضائل الصحابة 2: 893، والبلاذري: فتوح البلدان 132، والطبراني: الأوسط (مجمع الزوائد 6: 222)، والبيهقي: السنن الكبرى 8: 183، 335.
(2)
الطبري: تأريخ 3: 298 من طريق سيف و 3: 297 - 298 من طريق ابن اسحق لكنه يذكر أن المصادرة لربع السبي فقط. وخليفة: تأريخ 110، والبلاذري: فتوح البلدان 123 لكنه يذكر ربع السبي ونصف الذهب والفضة. وابن أعثم: الفتوح 1: 40 ويذكر ثلث الخيل وربع السبي.
(3)
ابن أعثم: لفتوح 1: 15 - 16.
(4)
حشدت 000و40 مقاتل في مواجهة المسلمين بقيادة مسيلمة.
(5)
الكلاعي: الاكتفا (حروب الردة)201.
(6)
الطبري: تأريخ 3: 311 عن سيف.
(دبا)(4000) رأس (أربعة آلاف رأس) من الإبل كان حصة الدولة منها (800) رأس (ثمانمائة رأس)، ويبلغ ثمنها ما يقارب (000) ، (200) درهم (مائتي ألف درهم)(1) وإضافة إلى الإبل حازوا (3500) من الأسرى والنساء والذراري بلغت حصة الدولة منها 700 (300 أسير و (400) نساء وذراري) - إذا افترضنا توزيع الأسرى والنساء والذراري بنسبة أربعة أخماس للمقاتلين- (2). وهذا العدد الكبير من الأسرى والسبي يقدر بـ (000) ، (400) ،1 درهم منها (000) ، (280) درهم حصة الدولة. هذا إذا قبلنا أن فداء الأسير يبلغ (400) درهم (أربعمائة درهم) كما حدث في مفاداة أهل النيجر في خلافة أبي بكر (3). وكان عدد السبي من أهل النيجر ألف امرأة وضعن في دار رملة بنت الحارث، فيكون فداءهم (000) ، (400) درهم (أربعمائة ألف درهم) فضلاً عن الأموال المنقولة (4).
(1) وهذا التقدير يفترض أن ثمن الواحد من الإبل 50 درهماً (خمسين درهماً) واذا قبلنا خبرين بإسنادين ضعيفين، فإن ثمن ست قلانص (النياق الشابة) كانت تعادل 400 درهم في خلافة عمر، فالناقة الشابة الواحدة تساوي 66 درهماً مع العلم أن ثمن الإبل زاد في خلافة عمر عما كانت عليه في عصر السيرة وخلافة أبي بكر رضي الله عنه (عبد الرزاق: المصنف 7: 278، 279، وأبو عبيد: الأموال 147، 148، وابن زنجويه: الأموال 1: 350، 351، والبيهقي: السنن 9: 74 والخبران بإسنادين ضعيفين).
(2)
حول تقسيم السبي بعد المعركة بين المقاتلين انظر: عبد الرزاق: المصنف 5: 194، والدارقطني: السنن 4: 114، والبيهقي: السنن 9: 112، وابن أبي شيبة: المصنف 6: 506، وسعيد بن منصور: السنن 2: 288.
(3)
البلاذري: فتوح البلدان 145، والكلاعي: الاكتفا (حروب الردة)240.
(4)
الطبري: تأريخ 3: 317 عن سيف، والبلاذري: فتوح البلدان 145، والكلاعي: الاكتفا 240.
وأصاب المسلمون من المرتدين بمهرة ألفي نجيبة (2000 نجيبة)(1) تبلغ قيمتها أكثر من (000) ، (200) درهم- إذا اعتبرنا النجيبة بـ (100) درهم (2) في حين أن الجمل العادي بـ (50) درهماً-.
وقد اقتضى تملك الدولة للإبل والخيل والأغنام من الزكاة والغنائم تخصيص مراع لها، فكان حمى النقيع- نقيع الخضمات- قرب المدينة للخيل منذ عصر السيرة (3) واستمر في خلافة الصديق (4)، وحمى الربذة لإبل الصدقة (5).
وهذه الأموال لا تعد شيئاً إلى جانب غنائم الفتوح الإسلامية في الهلال الخصيب ومصر، ولا تشير المصادر إلى مقادير غنائم الفتح في العراق والشام، بل تذكر وقوع السلاح والدواب والمتاع والنساء والصبيان بيد الجيوش الإسلامية (6)، ولكنها حددت سهم الفارس في موقعة ذات السلاسل والثني بألف درهم (1000 درهم) والراجل ثلث المبلغ، كما أشارت إلى ثراء الأبلة "حتى إنهم ليولغون كلابهم في آنية الذهب والفضة"(7). كما حددت سهم الفارس في امغيشيا بألف
(1) الطبري: تأريخ 3: 317 عن سيف.
(2)
قومت بختية لعمر- ناقة خراسانية- ثلاثمائة درهم (أحمد: المسند 2: 145).
(3)
أحمد: المسند 2: 91، 155، 157 بإسناد صحيح. وأبو عبيد: الأموال 309، وأبو داؤد: السنن 3: 461 - 462 بسند حسن.
(4)
ابن سعد: الطبقات 5: 11 عن الواقدي.
(5)
الطبري: تأريخ 3: 148 عن سيف.
(6)
خليفة: التأريخ 117، 118، 119. والطبري: تأريخ 3: 351 عن سيف، 354، 382 عن سيف، 407، 410 عن سيف. وأبو يوسف: الخراج 42، 146، 147 عن ابن اسحق.
والأزدي: فتوح الشام 70، 76، 77، 82. والبلاذري: فتوح البلدان 152، 154.
(7)
خليفة: التأريخ 117.
وخمسمائة درهم (1500 درهم) سوى المكافآت للشجعان (1).
ويجمل الفقيه أبو يوسف مقدار غنائم فتوح العراق خلال قيادة خالد بن الوليد "بألف رأس وقيل خمسة آلاف رأس"(2). وبالطبع فإن المعارك جميعاً دارت في قرى ومدن صغيرة على الفرات، ولم يتسم الفتح بالاستقرار بل انتقضت المناطق المفتوحة مرارا، وهذا يوضح قلة الغنائم في المناطق المفتوحة في خلافة الصديق رضي الله عنه.
أما في خلافة عمر رضي الله عنه فقد زادت الغنائم زيادة كبيرة لاتساع المناطق المفتوحة ولما كانت تتمتع به من ازدهار اقتصادي كبير، وكان القادة الفرس والروم يخرجون إلى الميدان بكامل أبهتهم، فيقع سلبهم للمسلم، وأحياناً يبلغ (000) ، (15) درهم (3) و (000) ، (30) درهم (4).
وقد فتحت المدن العظيمة كالمدائن وجلولاء وهمذان والري واصطخر وغيرها، فحاز المسلمون أموالاً عظيمة، مثل بساط كسرى، وهو (3600) ذراع مربعة "أرضه مفروشة بالذهب وموشى بالفصوص وفيه رسوم ثمار بالجواهر، وورقها بالحرير، وفيه رسوم للماء الجاري بالذهب" وقد بيعت قطعة صغيرة منه
(1) الطبري: تأريخ 3: 358 - 359.
(2)
الخراج 147.
(3)
حازه أبو قتادة الأنصاري وهو ثمن منطقة قتيله ومعها أشياء أخرى (ابن زنجويه: الأموال 2: 689، 690 بسند ضعيف).
(4)
حازه البراء بن مالك الأنصاري من قتيله مرزبان الزارة بالبحرين (عبد الرزاق: المصنف 5: 233، وسعيد بن منصور: السنن 2: 263، وابن أبي شيبة: المصنف 6: 479، وابن زنجويه: الأموال 2: 689، والبيهقي: السنن 6: 310 - 311 والخبر صحيح).
بعشرين ألف درهم (000، (20) درهم) (1).
وحاز المسلمون الذهب والفضة والمجوهرات العظيمة من غنائم جلولاء ونهاوند (2). حيث بلغ خمس جلولاء ستة ملايين درهم (000، (000) ، (6) درهم) (3)، وأعظم الغنائم هي أرض السواد التي وقفها عمر رضي الله عنه للدولة، وأراضي الصوافي التي قتل أصحابها أو فروا عنها، وأملاك كسرى وأهله، حيث جعلت غلتها للدولة، فكانت بإدارتها لصالح بيت المال، ويقال أن غلتها- فيما بعد- بلغت سبعة ملايين درهم (000، (000) ، (7) درهم) (4).
وللأسف فإن المصادر لا تتيح من أرقام غنائم الفتح ما يمكن من تقدير دخل الدولة والمقاتلين منها، ولكن لا شك في أنها كانت عظيمة القدر، وأنها أغنت المسلمين أفراداً ودولة، وارتفعت بمستوى المعيشة، وظهرت آثارها أكثر جلاء في خلافة عثمان رضي الله عنه. وقد توسعت الفتوحات في النصف الأول من خلافة عثمان في خراسان شرقاً وأفريقية (تونس) غرباً (5)، وبلغ سهم المقاتل في تونس ألف دينار (1000 دينار)(6) وثلاثة آلاف دينار (3000 دينار)(7)، وبلغ خمس
(1) - الطبري: تأريخ 2: 467 عن سيف.
(2)
- ابن أبي شيبة: المصنف 6: 467 بسند حسن (ط. بيروت). وابن زنجويه: الأموال 2: 580 - 582. والبلاذري: فتوح البلدان 302. والطبري: تأريخ 2: 518 - 520 بسند ضعيف.
(3)
- ابن أبي شيبة: المصنف 12: 318، وأبو عبيد: الأموال 224 وفي السند مجالد ليس بالقوي ثم هو مرسل الشعبي.
(4)
- ابن أبي شيبة: المصنف 6: 473، وابن زنجويه: الأموال 2: 631، وابن حجر: المطالب العالية 2: 182 نقلاً عن الحارث بن أبي أسامة، والبيهقي: السنن 9: 134.
(5)
- الطبري: تأريخ 4: 182، 253 - 254 عن سيف.
(6)
- ابن عبد الحكم: فتوح مصر وأخبارها 125.
(7)
- أبو زرعة الدمشقي: تأريخ 1: 184 - 185، وخليفة: التأريخ 160، وابن شبة: تاريخ المدينة 3: 1022.