الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وانتشر الاسلام في اليمامة، وقد ثبت الكثيرون من المسلمين أمام حركة الردة التي قادها مسيلمة، وكان في بني حنيفة- قبيلة مسيلمة- عدد كبير من المسلمين، وقد قاوموا مسيلمة بقيادة ثمامة بن أثال الحنفي (1) وقد انتشر الاسلام في عمان والبحرين في بني جديد وبني ناجية وبني عبد القيس وكعب بن ربيعة (2) ولم ينتشر الاسلام في قبيلة ربيعة بنطاق واسع، يكشف عن ذلك مسارعتها إلى الردة (3) وانتشر الاسلام في أوساط قبائل مهرة وخاصة أهل النجد، وأهل رياض الروضة، وأهل الساحل، وأهل الجزائر، وأهل المر واللبان، وأهل جيروت، وظهور الشحر والصبرات وينعب وذات الخيم، وبعض بني محارب (4).
المبحث الأول حركات الردة
يعتبر تاريخ الطبري أهم مصادر حركة الردة، فمجموع الروايات التي أوردها عن حركة الردة يبلغ (104) رواية معظمها من طريق سيف بن عمر التميمي (73 رواية) ويليه ابن اسحق (14 رواية) ثم أبو مخنف (5 روايات) ثم هشام
(1) ابن سعد: الطبقات 5: 550 - 551، والكلاعي: حروب الردة 116، 117، والطبري: تأريخ 3: 272.
(2)
خليفة: تأريخ 116، والطبري: تأريخ 3: 315 - 316، والكلاعي: حروب الردة 194، 208 - 210، وابن أعثم: الفتوح 1: 45، 47، وابن كثير: البداية والنهاية 6: 372، وابن حجر: الإصابة 1: 423 - 424 و 2: 103.
(3)
الكلاعي: حروب الردة 296.
(4)
الطبري: تأريخ 3: 317، 327.
الكلبي (4 روايات) ثم المدائني (3 روايات)(1). وهذه الأرقام قد تؤدي إلى لبس حول حقيقة اهتمام الأخباريين المذكورين بأحداث الردة، فقد تكون رواية الطبري عنهم بصورة محدودة ترجع إلى فقدان مؤلفاتهم مبكراً، أو عدم وقوفه عليها، أو عدم وثوقه بها، وقد سمت المصادر لأبي مخنف كتاب الردة ولهشام الكلبي كتاب مسيلمة الكذاب وسجاح وللواقدي كتاب الردة وللمدائني كتاب الردة (2). وعلى أية حال فإن المصادر اللاحقة أمدتنا بمعلومات واسعة مصدرها هؤلاء الإخباريون أنفسهم. حيث خصص الكلاعي (3)(ت (634) هـ) قسما كبيرا من كتابه "الاكتفا في مغازي المصطفى والثلاثة الخلفا" لحروب الردة (4). وهو ينقل عن ابن اسحق وله تاريخ الخلفاء والواقدي وله كتاب الردة وهما مفقودان، ويحتمل أن نقله عنهما بواسطة شيخه ابن حبيش (5)(ت (584) هـ) الذي اعتمد عليهما كثيرا في كتابه "الغزوات الضامنة الكاملة".
وتزداد أهمية كتابي ابن حبيش والكلاعي بسبب إيرادهما روايات يعقوب الزهري ووثيمة، والأخير عرف بكتابه عن الردة وهو مفقود (6). ويورد
(1) عبد العزيز محمد نور ولي: حركة الردة في اليمن وحضرموت وعمان في خلافة أبي بكر الصديق ص 10.
(2)
عبد العزيز نور ولي: حركة الردة 116 - 119.
(3)
أبو الربيع سليمان بن موصى من أئمة الحديث في عصره (الذهبي: سير أعلام النبلاء23: 134).
(4)
نشره د. أحمد غنيم.
(5)
عبد الرحمن بن محمد بن حبش الأندلسي، له كتاب المغازي (الذهبي: سير أعلام النبلاء118:21).
(6)
جمع المستشرق الألماني ولهلم هونرباخ ونشرت، مينصة- 1951 م.
خليفة بن خياط (ت 240 هـ) 42 رواية تتعلق بالردة معظمها من طريق ابن اسحق (19 رواية) والمدائني (16 رواية) ومعظم الروايات تتعلق بردة بني حنيفة. ولابد من ذكر مصدر آخر مبكر هو فتوح البلدان للبلاذري (ت 275 هـ) حيث نقل عن الإخباريين (8 روايات) واستعمل عبارة "قالوا" في بقية الروايات (11 رواية).
إن الردة عن الاسلام في عصر الرسالة حركة واسعة جرت في أوساط القبائل العربية الكبيرة وهي قبيلة أسد وتزعمهم طليحة بن خويلد الأسدي وبنو حنيفة وتزعمهم مسيلمة بن حبيب وقبائل عنس ومراد وسعد العشيرة- وكلهم من مذحج- وتزعمهم الأسود العنسي. وتنفرد ردة بني أسد بقربها الجغرافي من عاصمة الاسلام "المدينة" مما يشكل خطراً كبيراً على الدولة الناشئة. أما ردة بني حنيفة في اليمامة وردة مذحج وديارها منتشرة في شمال شرق وجنوب شرق ووسط وغرب اليمن فتبدو خطورتهما بسبب الكثافة السكانية حيث يمكن تقديم الألوف العديدة من المقاتلين بالإضافة إلى الإمكانيات الاقتصادية في المنطقتين بسبب النتاج الزراعي الواسع فضلا عن النشاط التجاري والصناعي.
وترجع عوامل الردة إلى عدم تغلغل الإيمان في القلوب لتأخر اسلامهم وبسبب قصر الزمن الذي تم فيه تبلغ الدعوة، وطبيعة الأعراب المتسمة بالجفاء مع ضعف المستوى الثقافي مما جر إلى ضعف فقه تعاليم الدين وخاصة بالنسبة للزكاة التي اعتبرها البعض ضريبة مهينة، واستثقلوا الصلاة والعبادات الأخرى، كما أن العصبية القبلية لا زالت عميقة في تلك البلاد النائية ووسط نجد حيث ترى القبائل أنها أضخم عددا وعُددا من قريش وبالتالي فهي أولى بالزعامة، وعلى الأقل لم تكن ترضى بالخضوع لحكم قريش. وقد ظهر زعماء طموحون تطلعوا إلى القيادة مقلدين الرسول صلى الله عليه وسلم في أسلوب العمل والدعوة، ولم ينتبهوا إلى الفروق الكبيرة بين النبوة الصادقة وانتحالها لأغراض شخصية. ومن هنا كان ادعاء النبوة من قبل زعماء الحركات الانشقاقية.
ولا تقدم كتب الحديث النبوي معلومات مفصلة عن حركة الردة، بل تقتصر على إثبات وقوع الردة، وامتناع بعض القبائل عن دفع الزكاة، وما دار من نقاش بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حول قتال مانعي الزكاة، قال عمر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله. فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله"؟. فقال أبو بكر: "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فان الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها". قال عمر: "فوالله ما هو إلا أن رأيت أن الله شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق"(1). وذكر وقوع ردة مسيلمة وردة الأسود العنسي، وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم بظهور ثلاثين كذاباً من مدعي النبوة منهم الأسود ومسيلمة (2)، وقدوم مسيلمة المدينة في بشر كثير من قومه (3) واشتراطه حتى يسلم أن يكون الأمر له بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، وإجابة الرسول صلى الله عليه وسلم له وفي يده قطعة جريد:"لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن تعدو أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك (4) الله، وإني لأراك الذي أريتُ فيك ما رأيتُ"(5).
(1) البخاري: الصحيح (فتح الباري 12: 275)، ومسلم: الصحيح حديث رقم 20، ومالك: الموطأ 1: 269، وأبو داود: السنن 2: 198، والترمذي: السنن 5: 3، والنسائي: السنن 5: 14.
(2)
البخاري: الصحيح (فتح الباري 6: 616) ويبدو أنه قال ذلك بعد أن كثر الكلام عن مسيلمة بالمدينة (أحمد: المسند 5: 46).
(3)
ذكر الواقدي أنهم سبعة عشر نفساً (ابن حجر: فتح الباري 8: 90).
(4)
يعقرنك: يهلكك.
(5)
البخاري: الصحيح (فتح الباري 6: 627 و 8: 89، 92 و 12: 420 و 13: 442). ومسلم: الصحيح 4: 1780 - 1781. والترمذي: الجامع 4: 542. وأحمد: المسند 1: 263 و 3: 345 و 6 ت 344.
وحديث رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم: "بينما أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب، فأهمَّني شأنهما، فأوحي إلي في المنام أن أنفخهما، فنفختهما فطارا، فأوَّلتهما كذابين يخرجان، فكان أحدهما العنسي، والآخر مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة"(1). وقتل مسيلمة على يد وحشي الذي يروي الخبر: "فخرج مسيلمة الكذاب، قلتُّ: لأخرجنَّ إلى مسيلمة لعلي أقتله فأكافئ به حمزة، قال: فخرجت مع الناس فكان من أمره ما كان، قال: فإذا رجل قائم في ثلمة جدار كأنه جمل أورق ثائر الرأس، قال: فرميته بحربتي، فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه. قال: ووثب رجل من الأنصار فضربه بالسيف على هامته". قال ابن عمر: "فقالت جارية على ظهر بيت: واأمير المؤمنين، قتله العبد الأسود"(2). وذكر أنس عدد شهداء الأنصار باليمامة وأنهم سبعون (3).
ووصف أبو رجاء العطاردي التميمي أحوال قومه الدينية وأنهم كانوا يعبدون الحجر فإذا وجدوا أحسن منه ألقوه، وقد يصنعونه من تراب ولبن ثم يطوفون به، وأنهم ينزعون الحديد من السلاح في شهر رجب إشارة إلى ترك القتال في الأشهر الحُرُم (4). وأن قومه لما بلغهم ظهور الاسلام التحقوا بمسيلمة وهو معهم (5)
(1) المصادر السابقة.
(2)
البخاري: الصحيح (فتح الباري 7: 368)، وأحمد: المسند 3: 501، ويذكر ابن أبي شيبة أن عبد الله بن زيد الأنصاري هو الذي قتل مسيلمة (المصنف 12: 547).
(3)
البخاري: الصحيح (فتح الباري 7: 374).
(4)
البخاري: الصحيح (فتح الباري 8: 90).
(5)
البخاري: الصحيح (فتح الباري 8: 90).
وتذكر رواية أن عبد الله بن مسعود في إمارته على الكوفة أول خلافة عثمان رضي الله عنه استتاب أتباعاً لمسيلمة من بني حنيفة كانوا لا يزالون على إيمانهم به، وأنه قتل منهم ابن النوَّاحة فقط وكان رسولاً لمسيلمة في عهد النبوة، وامتنع النبي صلى الله عليه وسلم عن قتله "لأن الرسل لا تقتل"، فلما ظفر به عبد الله بن مسعود هذه المرة قتله (1). وكانوا ثمانين رجلاً، ومعهم مصحف فيه قراءة مسيلمة (2). وخبر هزيمة بني أسد أمام خالد بن الوليد يوم بزاخة (3).
وتشير روايات عديدة إلى بطولات ثابت بن قيس بن شماس يوم اليمامة، والبراء بن عازب قاتل الطفيل محكم اليمامة "وكان عظيماً جسيماً". وأن شعار المسلمين كان "يا أصحاب سورة البقرة"، وصيام بعض المقاتلين المسلمين خلال المعركة، وإجهاز الزبير بن العوام على بعض القتلى ممن بهم رمق. وسجود أبي
(1) أبو داود: السنن 3: 84 (ط. محيي الدين عبد الحميد)، والخبر فيه عنعنة أبي اسحق السبيعي، وهو يخالف رواية مسند أحمد لأن الذي اطلع على حال أتباع مسيلمة هو حارثة بن مضرب فأبلغ عنهم وليس ابن معيز كما هو في رواية أحمد، وفي سند أبي داود محمد بن كثير فإن كان الثقفي فهو صدوق كثير الغلط، وإن كان العبدي فهو ثقة، وأبو داود يروي عن الاثنين، وهما يرويان عن الثوري .. وأحمد: المسند 1: 391، 396، 404، 406 و 3: 488 والحديث عند الإمام أحمد من طريق عبد الله بن معيز وهو تابعي مجهول الحال. وقد ذكر الحاكم النيسابوري بإسناد صحيح مسلسل بأبناء وأحفاد ابن مسعود (المستدرك 3: 53) والطحاوي: شرح معاني الآثار 3: 211.
(2)
الحاكم: المستدرك 3: 53 بإسناد صحيح.
(3)
ابن أبي شيبة: المصنف 12: 55.