المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فتنه مقتل عثمان رضي الله عنه - عصر الخلافة الراشدة محاولة لنقد الرواية التاريخية وفق منهج المحدثين

[أكرم العمري]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌تحليل المصادر

- ‌1 - كتب التأريخ:

- ‌محمد بن اسحق:

- ‌خليفة بن خياط:

- ‌محمد بن سعد (ت 230ه

- ‌البلاذري:

- ‌ابن عبد الحكم:

- ‌الأزدي:

- ‌ابن شبَّة:

- ‌اليعقوبي:

- ‌ابن قتيبة الدينوري:

- ‌الطبري:

- ‌المسعودي:

- ‌ابن أعثم الكوفي:

- ‌ابن حبيش:

- ‌الكلاعي:

- ‌المحب الطبري (ت 694ه

- ‌محمد بن يحيى الأشعري المالكي- ابن بكر- (ت 741ه

- ‌ابن كثير (ت 774 ه

- ‌ الذهبي

- ‌2 - كتب الحديث:

- ‌3 - كتب علم الرجال:

- ‌المراجع الحديثة:

- ‌الباب الأول: السياسة(الخلافة والخلفاء)

- ‌الفصل الأول: الخلافة

- ‌المبحث الأول: نظام الخلافة

- ‌المبحث الثاني: خلافة أبي بكر الصديق (رضى الله عنه)

- ‌المبحث الثالث: خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع: خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس: خلافة على بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌المبحث السابع (*): أزمة الخلافة وانتقال مركز الخلافة إلى العراق

- ‌الفصل الثاني: الخلفاء

- ‌المبحث الأول: أبو بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني: عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث: عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع: على بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس: حجية عمل الخلفاء الراشدين

- ‌المبحث السادس: الشورى

- ‌الباب الثانيالإدارة. القضاء

- ‌الفصل الأول: الإدارة(الولاة. الموظفون)

- ‌المبحث الأول: الولاة على البلدان

- ‌الولاة في خلافة أبي بكر:

- ‌قائمة بأسماء ولاة أبي بكر على البلدان:

- ‌الولاة في خلافة عمر:

- ‌مراقبة العمال والولاة:

- ‌قائمة بأسماء ولاة عمر على الأقاليم:

- ‌الولاة في خلافة عثمان:

- ‌قائمة بأسماء الولاة في خلافة عثمان:

- ‌الولاة في خلافة علي:

- ‌قائمة بأسماء الولاة في خلافة على:

- ‌المبحث الثاني: الموظفون

- ‌الرقابة على الأسواق (نظام الحسبة):

- ‌تنظيم العرفاء والنقباء ومساعدته في إيصال العطاء لمستحقيه:

- ‌الموظفون في خلافة أبو بكر:

- ‌عمال الصدقات:

- ‌الموظفون في خلافة عمر:

- ‌الموظفون في خلافة عثمان:

- ‌الموظفون في خلافة على:

- ‌الفصل الثاني: القضاء

- ‌القضاء في عصر الخلافة الراشدة:

- ‌تطبيق الحدود الشرعية:

- ‌ندرة الخصومات بين الناس:

- ‌إخضاع الخلفاء أنفسهم لأحكام القضاء وإجراءاته:

- ‌الجرائم والعقوبات:

- ‌التعزير:

- ‌الجنايات:

- ‌القضاة في خلافة أبي بكر:

- ‌القضاة في خلافة عمر:

- ‌رواتب القضاة:

- ‌القضاة في خلافة عثمان:

- ‌القضاة في خلافة على:

- ‌الباب الثالث: الاقتصاد

- ‌الفصل الأول: الموارد المالية

- ‌المبحث الأول: الجزية

- ‌الجزية في خلافة أبي بكر رضي الله عنه:

- ‌الجزية في خلافة عمر رضي الله عنه:

- ‌الجزية في خلافة عثمان رضي الله عنه:

- ‌الجزية في خلافة علي رضي الله عنه:

- ‌المبحث الثاني: الخراج

- ‌المبحث الثالث: الغنائم

- ‌المبحث الرابع: الزكاة

- ‌المبحث الخامس: عشور التجارة

- ‌الفصل الثاني: النفقات العامة

- ‌المبحث الأول: مصارف الزكاة

- ‌المبحث الثاني: مصارف الغنائم والفيء

- ‌المبحث الثالث: العطاء

- ‌الأرزاق العينية:

- ‌نفقات طارئة:

- ‌المبحث الرابع: الإصلاحات

- ‌1 - الإقطاع:

- ‌2 - الحمى:

- ‌3 - الإنفاق على العمران:

- ‌عمران المساجد:

- ‌بناء الأمصار:

- ‌حفر الأنهار والخلجان وإقامة السدود والمنشآت الأخرى:

- ‌4 - مشروع تحرير الرقيق:

- ‌5 - النقود:

- ‌القروض الحسنة:

- ‌القوة الشرائية للنقود:

- ‌الرقابة المالية:

- ‌رقابة عمر لأهله:

- ‌الباب الرابع: الثقافة والتعليم

- ‌الفصل الأول: السمات والنظرية والتقاليد

- ‌تمهيد: التراث الثقافي قبل الإسلام

- ‌المبحث الأول: السمات العامة للتعليم

- ‌المبحث الثاني: نظرة الاسلام إلى العلم والتعليم

- ‌المبحث الثالث: آداب التعليم وتقاليده

- ‌الفصل الثاني: التطبيقات والمركز والموضوعات

- ‌المبحث الأول: النشاط التعليمي

- ‌تمهيد

- ‌أ - النشاط التعليمي بمكة قبل الهجرة

- ‌ب- النشاط التعليمي بالمدينة:

- ‌جـ - انتشار التعليم الاسلامي في البوادي والأمصار الجديدة:

- ‌المبحث الثاني: مراكز الحركة الفكرية

- ‌مواد الكتابة:

- ‌المبحث الثالث: موضوعات التعليم

- ‌أ- القرآن وعلومه:

- ‌ب- الحديث:

- ‌فمن مواقف كبار الصحابة الذين كرهوا كتابة الحديث ما يلي:

- ‌أما مواقف الصحابة التي تدل على إجارتهم الكتابة فهي:

- ‌جـ - الفقه:

- ‌د- اللغة العربية:

- ‌هـ - التاريخ:

- ‌و- علم الأنساب:

- ‌ز- الشعر:

- ‌حـ ـ القصص:

- ‌ط - الحكم والأمثال:

- ‌ي - الطب:

- ‌ك - علم النجوم (التنجيم):

- ‌ل- الثقافة واللغات الأجنبية:

- ‌الباب الخامسأحوال العالم.الدعوة الإسلامية ومنطلقاتها الفكرية.الفتوحات

- ‌الفصل الأولأحوال العالم.الدعوة الاسلامية ومنطلقاتها الفكرية

- ‌المبحث الأول: نظرة إلى أحوال العالم قبل الفتح الاسلامي

- ‌دولة الفرس

- ‌الحالة السياسية والاقتصادية:

- ‌الحالة الدينية والفكرية

- ‌الحالة الاجتماعية والأخلاقية

- ‌دولة الروم (الإمبراطورية البيزنطية) 312 - (1453) م

- ‌الحالة السياسية والاقتصادية:

- ‌الحالة الدينية والفكرية

- ‌الحالة الاجتماعية والأخلاقية:

- ‌تنبيه:

- ‌الهند والصين واليابان

- ‌المبحث الثاني: الدعوة الاسلامية ومنطلقاتها الفكرية

- ‌الفصل الثاني: الفتوحات

- ‌المبحث الأول: فتوح العراق والمشرق

- ‌في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه:

- ‌ملاحظات:

- ‌في خلافة عمر بن الخطاب (رضى الله عنه):

- ‌القادسية (15ه

- ‌المدائن:

- ‌جلولاء (16 ه

- ‌تكريت:

- ‌بناء الكوفة (17ه

- ‌بناء البصرة (16 هـ أو (17) ه

- ‌فتح الأهواز:

- ‌فتح رامهرمز:

- ‌فتح تستر

- ‌فتح السوس وجندي سابور:

- ‌نهاوند (21 ه

- ‌فتح أصبهان:

- ‌إعادة فتح همذان

- ‌فتح الري:

- ‌فتح إقليم فارس:

- ‌فتح كرمان ومكران:

- ‌فتح سجستان:

- ‌فتح خراسان:

- ‌في خلافة عثمان بن عفان (رضى الله عنه):

- ‌في خلافة علي بن أبي طالب (رضى الله عنه):

- ‌المبحث الثاني: فتوح الشام ومصر والمغرب

- ‌فتوح الشام في خلافة الصديق رضي الله عنه:

- ‌الصدمات الأولى:

- ‌اليرموك (في الطبري سنة (13) ه

- ‌ في خلافة عمر رضي الله عنه

- ‌عزل خالد:

- ‌فتح دمشق (في الطبري أوائل سنة (14) ه

- ‌حمص وحماة واللاذقية وقنسرين وحلب:

- ‌ أنطاكية

- ‌ بيت المقدس

- ‌فتح مصر:

- ‌العريش:

- ‌حصن بابليون:

- ‌في خلافة عثمان رضي الله عنه:

- ‌إعادة فتح الاسكندرية:

- ‌السودان:

- ‌أفريقية:

- ‌ذات الصواري:

- ‌الجيش ونظام القتال:

- ‌الباب السادس: الفتن الداخلية

- ‌الفصل الأول: الردة

- ‌تمهيد انتشار الاسلام خارج المدينة:

- ‌المبحث الأول حركات الردة

- ‌مراكز المرتدين

- ‌اليمن:

- ‌ردة اليمامة:

- ‌ردة طليحة الأسدي:

- ‌انتشار الردة:

- ‌المبحث الثاني القضاء على الردة

- ‌القضاء على ردة طليحة الأسدي:

- ‌القضاء على مالك بن نويرة:

- ‌القضاء على ردة مسيلمة الكذاب:

- ‌القضاء على ردة البحرين:

- ‌القضاء على ردة عمان ومهرة:

- ‌القضاء على ردة اليمن:

- ‌القضاء على ردة حضرموت:

- ‌الفصل الثاني: فتنة مقتل الخليفة عثمان رضى الله عنه

- ‌فتنه مقتل عثمان رضي الله عنه

- ‌خبر الراكب الذي تعرض للوفد المصري:

- ‌موقف الأنصار:

- ‌مواقف الصحابة في الفتنة

- ‌صفية أم المؤمنين:

- ‌الزبير بن العوام:

- ‌أبو ذر الغفاري:

- ‌أسامة بن زيد:

- ‌الحسن بن على بن أبي طالب:

- ‌عبد الرحمن بن عوف:

- ‌زيد بن ثابت:

- ‌عبد الله بن عمر:

- ‌تعليقات على مقتل الخليفة آراء الصحابة وتوقعاتهم لنتائج مقتل عثمان رضي الله عنه

- ‌على ابن أبي طالب:

- ‌سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل:

- ‌أبو موسي الأشعري:

- ‌سمرة بن جندب:

- ‌عائشة رضي الله عنها:

- ‌بيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالخلافة:

- ‌الفصل الثالث: موقعة الجمل

- ‌موقعة الجمل:

- ‌الفصل الرابع: معركة صفين

- ‌معركة صفين:

- ‌الفصل الخامس: موقعة النهروان

- ‌موقعة النهروان:

- ‌المصادر والمراجع

- ‌المصادر

- ‌المراجع الحديثة

- ‌المؤلف

- ‌السيرة الذاتية:

- ‌مؤلفاته:

- ‌التحقيقات

- ‌البحوث:

الفصل: ‌فتنه مقتل عثمان رضي الله عنه

‌فتنه مقتل عثمان رضي الله عنه

تعتبر فتنة مقتل الخليفة عثمان رضي الله عنه من أخطر الأحداث التي مرَّت بها الدولة الاسلامية في عصر الخلافة الراشدة، وقد تركت من الاختلاف والانقسام في صفوف الأمة ما كاد يودي بها، وقد أعقبتها فتن داخلية أخرى تتصل بها وتتفرع عنها وهي موقعة الجمل وصفين والنهروان، كما استمرت آثارها متمثلة في أحزاب المعارضة للدولة الأموية وهما الخوارج والشيعة. كما استمر الحزبان في التأثير على الحياة السياسية خلال العصر العباسي الأول خاصة، بل يمكن أن نعتبر الانقسامات الكبرى الناجمة عن الفتنة مؤثرة في الأمة حتى الوقت الحاضر.

ومثل هذه الفتنة لابد أن تختلف فيها الآراء وتتلاعب في نقل أخبارها الأهواء، وقد شحنت مصادرنا التأريخية بألوف الروايات المتعارضة وهي تمثل الاتجاهات المختلفة السائدة وقت الرواية ثم في عصر التدوين.

ومن هنا تظهر أهمية نقد الروايات، والتعرف على اتجاهات الرواة، والظروف التي أحاطت بشاهد العيان الذي يرتقي إليه الإسناد مع فحص المتون ومعرفة سلامتها من العلل مثل التناقض والاضطراب، وتقدم كتب علم الرجال المعلومات الأولية عن الرواة، كما يقدم مصطلح الحديث منهج التعامل النقدي مع المعلومات الأولية تلك، ومع الرواية سنداً ومتناً.

وتقدم الروايات الصحيحة والحسنة- لذاتها ولغيرها- صورة مغايرة إلى حدٍ كبير للصورة التي يُقدمها الأخباريون من خلال ما نقلته عنهم المصادر التأريخية، وإن كانت تبقي معها في بعض التفاصيل أحياناً.

فما هي معالم الأحداث من خلال الروايات الصحيحة والحسنة؟

لماذا نقم المعارضون على عثمان رضي الله عنه؟

يبدو أن المعارضة كانت تتذرع بأسباب دينية وسياسية واقتصادية، فمما

ص: 415

أثاروه من القضايا الدينية قضية تدوين المصحف واعتماد النسخة المدونة وإحراق ما سواها من النسخ، ولا يرد ذلك على لسان المعارضة، ولكن توحي به الرواية التالية:

قال سويد بن غفلة- مخضرم من كبار التابعين (ت (80) هـ) وعمره (130) سنة-: والله لا أحدثكم إلا شيئاً سمعته من علي بن أبي طالب، سمعته يقول:

يا أيها الناس لا تغلوا في عثمان، ولا تقولوا له إلا خيراً في المصاحف وإحراق المصاحف، فوالله ما فعل الذي فعل إلا عن ملأ منا جميعاً، فقال: ما تقولون في هذه القراءة، فقد بلغني أن بعضهم يقول: إن قراءتي خير من قراءتك، وهذا يكاد أن يكون كفراً؟

قلنا: فما ترى؟

قال: نرى أن نجمع الناس على مصحف واحد، فلا تكون فرقة، ولا يكون اختلاف.

قلنا: فنعم ما رأيت.

قال- يعني علي رضي الله عنه: فقيل: أي الناس أفصح؟ وأي الناس أقرأ؟

قالوا: أفصح الناس سعيد بن العاص، وأقرأهم زيد بن ثابت.

فقال: ليكتب أحدهما، ويملي الآخر. ففعلا، وجمع الناس على مصحف قال علي: والله لو وُلِّيتُ لفعلتُ مثل الذي فعل (1).

وقد عهد عثمان اعتماد النسخة الموحدة من المصحف إلى أربعة من الصحابة هم: زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن

(1) ابن أبي داؤد: المصاحف 28 - 29 بإسناد صحيح، وابن عساكر: تاريخ دمشق، ترجمة عثمان 237، 238، 239 (ابن حجر: فتح الباري 9: 18).

ص: 416

الحارث بن هشام، وقال لهم:"اذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في عربية من عربية القرآن، فاكتبوها بلسان قريش، فإن القرآن أُنزل بلسانهم". ففعلوا، فأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يُحرق (1). واذا تأملنا في النص فإنه يدل على وجود معارضة لاعتماد نسخة واحدة من المصحف، وإحراق ما سواها، منعاً لاختلاف القراءات والزيادة والنقص في كتاب الله تعالى.

ويبدو أن المعارضة أثارت هذه القضية وأن عليا رضي الله عنه دافع عن موقف عثمان رضي الله عنه مبيناً أنه فعله عن إجماع من الصحابة، وليس لدى المعارضة علماء كبار يدركون مغزى هذا العمل العظيم، بل ربما أدرك بعضهم فائدة ذلك، ولكن الغضب والحقد أعمى بصيرته، فاستغل القضية ضد الخليفة، وليس العامة بقادرين على تمييز الأمور وتمحيص الدعاية، بل هم يتبعون كل ناعق، وكلام علي رضي الله عنه يدل على أن المعارضة غلت في دعايتها، وقلبت الحق باطلاً، والمعروف منكراً.

ويُستشف من الرواية أنه كان يتكلم في ظروف الفتنة قبل توليه الخلافة. ويحتمل أنه تكلم بذلك بعد وقوع الفتنة ومقتل الخليفة وتوليه الأمر وأراد أنه لو ولي قبل إنفاذ الجمع لجمعه.

ومن المسائل التي أثيرت ضد عثمان رضي الله عنه بعد مقتله وتبناها الخوارج عدم شهوده بدراً وعدم ثباته يوم أحد وعدم اشتراكه في بيعة الرضوان، فقد سأل أحد الخوارج- قيل أنه العلاء بن عرار- عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في المسجد الحرام بمكة عن مواقف عثمان هذه، فبَّين له ابن عمر ذلك معللاً بأن

(1) البخاري: الصحيح (فتح الباري 9: 9، 11).

ص: 417

عدم شهود عثمان بدراً كان بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لمرض زوجته رقية، وأنه وعده:"إن لك أجر رجل ممن شهد بدراً وسهمه"(1) وأما فراره مع الفارين يوم أحد فقد عفا الله عنهم جميعاً (2) ، وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلأن النبي صلى الله عليه وسلم أرسله من الحديبية إلي مكة رسولاً، ووقعت البيعة بسبب حجز قريش له، وضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده وقال:"هذه لعثمان"(3) وبذلك قطع ابن عمر على الخارجي سبيل التلبيس على الناس بأمور لا يعلمون حقيقتها.

ومن المحتمل أن المعارضة استغلت هذه القضايا في دعايتها ضد الخليفة وأنها استمرت تثيرها بعد مقتله ولكن ليس ثمة ما يقطع بذلك.

ومن القضايا التي أثيرت ضد الخليفة أنه أتمَّ الصلاة بمني أواخر خلافته خلافاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وعمل أبي بكر وعمر (4) وكان عثمان يتأول ذلك ويري أن له حكم المقيم كذلك كانت عائشة رضي الله عنها تتم الصلاة بمني (5) بل إن عبد الله بن مسعود فعل ذلك وهو لا يراه صحيحاً - فقهياً - لأنه لم يشأ أن يخالف فعل عثمان - وهو الخليفة الشرعي (6) وكان ابن عمر إذا صلي مع الإمام صلي أربعاً وإذا صلاها وحده صلي ركعتين (7).

(1) - البخاري: الصحيح (فتح الباري 7: 54، 363).

(2)

- إشارة إلى الآية: (إنَّ الذين تولَّوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلَّهم الشيطان ببعضِ ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور رحيم) آل عمران 155.

(3)

- البخاري: الصحيح (فتح الباري 9: 9، 11).

(4)

- البخاري: الصحيح (فتح الباري 2: 563 و 3: 509).

(5)

- البخاري: الصحيح (فتح الباري 2: 569)، ومسلم: الصحيح 1: 478.

(6)

- البخاري: الصحيح (فتح الباري 2: 563)، ومسلم: الصحيح 1: 483.

(7)

- مالك: الموطأ 149، ومسلم: الصحيح 1: 482.

ص: 418

وقد أثار وفد مصر عندما استقبلهم عثمان بالمدينة حمايته الحمى، فوضَّح لهم أن عمر حماه قبله لإبل الصدقة، وأنه زاد فيه لما زادت إبل الصدقة (1).

وورد في كلام لعائشة رضي الله عنها مع الثائرين ما يحدد أهم الانتقادات التي وجهوها إلى سياسة عثمان رضي الله عنه، قالت:"اسمعوا نحدثكم عما جئتمونا له، إنكم عتبتم على عثمان في ثلاث خلال، في إمارة الفتى، وموضع الغمامة- تريد الحمى- وضربه بالسوط والعصا. حتى إذا مصتموه- تريد غسلتموه - موص الثوب بالصابون عددتم عليه الفقر الثلاث، حرمة البلد، وحرمة الخلافة، وحرمة الشهر الحرام، وان كان عثمان لأحصنهم فرجاً وأوصلهم للرحم"(2).

وقد أوضح محمد بن سيرين (33 - (110) هـ) أن عثمان بعث إلى المعارضين علي بن أبي طالب ورجلاً معه فاصطلحوا على خمس: أن المنفي يُقلب، والمحروم يُعطى، ويوفر الفيء، ويعدل في القسم، ويُستعمل ذو الأمانة والقوة. كتبوا ذلك في كتاب، وأن يرد ابن عامر على البصرة، وأبو موسي الأشعري على

(1) خليفة بن يخاط: التأريخ 168 - 169 بإسناد حسن ينتهي إلى شاهد عيان هو أبو سعيد مولى أبي أسيد الأنصاري مختلف في صحبته، لكنه أدرك خلافة أبي بكر، وشهد مقتل عثمان (مسلم: الكنى 121، وابن حجر: الإصابة 4: 99).

(2)

أحمد: فضائل الصحابة 1: 452 من زيادات ابنه عبد الله، بإسناد فيه عبد الملك بن عمير ربما دلس وكلامه في التقريب متأخر عن كلامه في "تعريف أهل التقديس" فينسخه، وقد عُمِّر فمات عن ثلاث ومائة، فوهنت ذاكرته دون أن يبلغ حد الاختلاط (الذهبي ميزان الاعتدال)، ومسعر بن كدام الراوي عنه كوفي قديم الطلب، والأغلب أنه روى عنه قبل اختلاطه، وقد تابعه هشيم عن عبد الملك وهو مدلس وقد عنعن (أحمد: فضائل الصحابة 1: 455). والرواية تأريخية، ولو رددناها وأمثالها يضيع التأريخ

ص: 419

الكوفة (1).

وهذه الروايات تكشف عن شعارات المعارضة المعلنة، وترجع الدراسات الحديثة الفتنة إلى عوامل اقتصادية واجتماعية فيشيرون إلى تدفق الأموال في المجتمع الاسلامي نتيجة الفتوح، وظهور بوادر الترف في المجتمع، وحدوث تفاوت كبير في مستوى المعيشة نتيجة التباين في توزيع الثروة، وإلى توقف الفتوح في النصف الثاني من خلافة عثمان رضي الله عنه مما جعل الناس في الأمصار يحسون بالفراغ وينغمسون في الفتن والشغب على الحكام.

وأما كتب الأخبار والتأريخ فتعطي ابن سبأ دوراً كبيراً في الأحداث، وخلاصة الصورة التي يقدمها سيف بن عمر وآخرون نقلت عنهم كتب التأريخ وخاصة تأريخ الطبري، أن ابن سبأ يهودي من صنعاء أسلم في خلافة عثمان، وقام ببثِّ الدعاية ضده في الحجاز والعراق والشام ومصر وأن الولاة كانوا إذا أحسوا به طردوه إلى بلد آخر

وأنه أثار أبا ذر ضد معاوية زاعماً أن معاوية يقول إن المال مال الله، وأقنعه أنه يريد بذلك احتجاز المال ومنعه عن الرعية، لذلك طلب أبو ذر من معاوية أن يقول إن المال مال المسلمين، فوافقه معاوية ترضية له، ولكن أبا ذر استمر يعلن آراءه في سياسة المال والإنفاق، وأن فضول أموال الأغنياء يجب أن تُرد على الفقراء وإلا فإنها كنز حرام، فشكاه معاوية إلى عثمان فطلبه عثمان. وتذكر الروايات التأريخية أن ابن سبأ أثار تذمر عمار بن ياسر في مصر ضد عثمان، وأنه كان ذا عقلية ذكية فاستطاع أن ينظم دعاية واسعة ضد الخليفة عثمان وعمال الأمصار،

(1) خليفة: التأريخ 169 - 170 بإسناد إلى ابن سيرين صحيح، ولكنه منقطع ضعيف لأن ابن سيرين لم يدرك الأحاديث، ويعتقد برواية أبي سعيد مولى أبي أسيد (ابن عساكر: تاريخ دمشق- ترجمة عثمان- 328 وهو أيضاً مرسل ابن سيرين).

ص: 420