الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْوَقْفِ.
وَلَا لِلْأُخْتِ مِنْ الْأَبِ إذَا كَانَتْ أُمُّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، وَلَا يَصْرِفُ إلَّا لِمَنْ أَبُوهُ وَأُمُّهُ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ. وَهَذَا خَلْطٌ لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا يَتَوَهَّمُهُ وَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ اعْتِبَارُ شَيْءٍ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَلَا قَالَهُ الْوَاقِفُ وَلَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُهُ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً وَلَوْ قَالَهُ الْوَاقِفُ اُتُّبِعَ وَلَكِنَّهُ مَا قَالَهُ وَلَا سَمِعْنَا أَحَدًا فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ فِي وَقْفٍ مِنْ الْأَوْقَافِ الَّتِي وَقَعَ التَّنَازُعُ فِيهَا عِنْدَ الْحُكَّامِ تَكَلَّمَ بِذَلِكَ وَلَا أَرَادَ إخْرَاجَ أَحَدٍ مِنْ الْوَقْفِ بِسَبَبِهِ فَتَعَلَّقَ الْقَائِلُ بِهِ فِي هَذَا الْوَقْفِ مِنْ الْمُجَادَلَةِ بِالْبَاطِلِ أَوْ مِنْ الْهَوَسِ فِي الدِّمَاغِ نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ.
[خَاتِمَةٌ فِي نَقْضِ الْقَضَاءِ]
(خَاتِمَةٌ فِي نَقْضِ الْقَضَاءِ) أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيفِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَزِينٍ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَنْبَأَ إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي الْيُسْرِ وَيُوسُفُ بْنُ مَكْتُومٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْخُشُوعِيِّ قَالُوا أَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْخُشُوعِيُّ أَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْأَكْفَانِيِّ أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ السُّلَمِيُّ أَنَا تَمَّامُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ الشَّيْبَانِيُّ أَنْبَأَ الْحَسَنُ بْنُ حَبِيبٍ أَنْبَأَ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَنْبَأَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ قَالَ وَأَخْبَرَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي «مَخْلَدُ بْنُ خَفَّافٍ قَالَ ابْتَعْتُ غُلَامًا فَاسْتَغْلَلْته ثُمَّ ظَهَرْت مِنْهُ عَلَى عَيْبٍ فَخَاصَمْته فِيهِ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَضَى لِي بِرَدِّهِ وَقَضَى عَلَيَّ بِرَدِّ غَلَّتِهِ فَأَتَيْت عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ أَرُوحُ إلَيْهِ الْعَشِيَّةَ فَأُخْبِرُهُ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى فِي مِثْلِ هَذَا أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ فَعَجِلْت إلَى عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَمَا أَيْسَرَ عَلَيَّ مِنْ قَضَاءٍ قَضَيْتُهُ اللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أُرِدْ فِيهِ إلَّا الْحَقَّ فَبَلَغَتْنِي فِيهِ سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَرُدُّ قَضَاءَ عُمَرَ وَأُنَفِّذُ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَاحَ إلَى عُرْوَةَ فَقَضَى لِي أَنْ آخُذَ الْخَرَاجَ مِنْ الَّذِي قَضَى بِهِ عَلَيَّ لَهُ» ، وَبِهِ إلَى الشَّافِعِيِّ قَالَ وَأَخْبَرَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ «قَضَى سَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَلَى رَجُلٍ بِقَضِيَّةٍ بِرَأْيِ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَأَخْبَرْته عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِخِلَافِ مَا قَضَى بِهِ فَقَالَ سَعْدٌ يَا رَبِيعَةُ هَذَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَهُوَ عِنْدِي ثِقَةٌ يُخْبِرُنِي عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِخِلَافِ مَا قَضَيْتَهُ فَقَالَ لَهُ رَبِيعَةُ قَدْ اجْتَهَدْتَ وَمَضَى حُكْمُك فَقَالَ سَعْدٌ وَاعْجَبَا أُنَفِّذُ قَضَاءَ سَعْدِ بْنِ أُمِّ سَعْدٍ وَأَرُدُّ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَلْ أَرُدُّ قَضَاءَ سَعْدِ بْنِ أُمِّ سَعْدٍ وَأُنَفِّذُ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَدَعَا سَعْدٌ بِكِتَابِ الْقَضِيَّةِ فَشَقَّهُ وَقَضَى لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ» .
(فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ بْنُ الْفِرْكَاحِ فِي تَعْلِيقَتِهِ وَنَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّهِ: وَقَفْت
عَلَى فُتْيَا صُورَتُهَا أَنَّهُ جُعِلَ النَّظَرُ لِحَاكِمِ دِمَشْقَ وَكَانَ حِينَئِذٍ بِدِمَشْقَ حَاكِمٌ وَاحِدٌ عَلَى مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ إنَّهُ وَلَّى السُّلْطَانُ أَيَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي دِمَشْقَ أَرْبَعَةَ قُضَاةٍ وَكَانَ الْقَاضِي الَّذِي كَانَ مَوْجُودًا حِينَ الْوَقْفِ وَبَعْدَ ذَلِكَ وَلِيَ الْقُضَاةُ الْأَرْبَعَةُ وَأَحَدُهُمْ عَلَى مَذْهَبِ الَّذِي كَانَ حِينَ الْوَقْفِ فَهَلْ يَخْتَصُّ النَّظَرُ بِأَحَدِهِمْ الَّذِي كَانَ هُوَ عَلَى مَذْهَبِ الْقَاضِي الَّذِي كَانَ حِينَ الْوَقْفِ أَمْ لَا؟ وَقَدْ كَتَبَ عَلَيْهَا الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْفَارِقِيُّ رحمه الله بِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِذَلِكَ الَّذِي هُوَ عَلَى مَذْهَبِ الْمَوْجُودِ حِينَ الْوَقْفِ.
نَقَلْته بِالْمَعْنَى لِعُسْرِ عَيْنِ اللَّفْظِ عَلَيَّ، وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ وَكِيلُ بَيْتِ الْمَالِ وَالْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الْحَرِيرِيِّ وَالشَّيْخُ صَفِيُّ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ وَآخَرَانِ وَوَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ الشَّرِيشِيُّ.
قَالَ عَلِيٌّ السُّبْكِيُّ وَهَذَا رَأْيِي وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ، وَكَانَ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ أَفْتَى فِيمَنْ شَرَطَ النَّظَرَ لِفُلَانٍ ثُمَّ لِحَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ بِدِمَشْقَ هَلْ يَخْتَصُّ بِحَاكِمِ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ قُلْت لَا يَخْتَصُّ النَّظَرُ الْمَشْرُوطُ لِلْحَاكِمِ بِحَاكِمِ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ بِمَا ذَكَرَ فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِفَتْوَى الْعُلَمَاءِ الْمَذْكُورِينَ فَقَالَ هَذَا لَا يُنَافِي مَا قُلْت وَاعْتَذَرَ بِاعْتِذَارَاتٍ مِنْهَا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّ حَالَةَ الْوَقْفِ لِقَاضٍ وَاحِدٍ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ بِمَا ذُكِرَ أَيْ لِمُجَرَّدِ الْمَذْكُورِ لَا يَخْتَصُّ وَهُنَاكَ اخْتِصَاصٌ بِالْقَرِينَةِ، وَمِنْهَا أَنَّ فَتْوَاهُ فِي مَسْأَلَةِ وَالِي بَعْضِ الْحُكَّامِ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ وَفُرِضَ بِمُقْتَضَى رَأْيِهِ وَهُوَ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ وَهَذِهِ الِاعْتِذَارَاتُ كُلُّهَا مَعْنَاهَا أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الِاعْتِذَارَاتِ فِيهَا نَظَرٌ وَالْحَقُّ فِي مَسْأَلَتِهِ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْقَاضِي الْكَبِيرِ الَّذِي يَسْبِقُ الذِّهْنُ إلَى قَاضِي الْبَلَدِ وَلِذَلِكَ لَا يَدْخُلُ النُّوَّابُ فِيهِ، وَبَحَثَ ابْنُ الْفِرْكَاحِ رحمه الله فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي أَفْتَى فِيهَا جَمَاعَةٌ بِمَا إذَا قَالَ لَا رَأَيْت مُنْكَرًا إلَّا رَفَعْتُهُ إلَى الْقَاضِي فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْبَلَدِ حَمْلًا عَلَى الْمَعْهُودِ لَكِنْ هَلْ يَتَعَيَّنُ قَاضِي الْبَلَدِ فِي الْحَالِ؟ أَشْبَهُ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ حَتَّى إنَّهُ لَوْ عُزِلَ وَوُلِّيَ غَيْرُهُ بَرَّ بِالرَّفْعِ إلَيْهِ وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ قَاضِيَانِ وَجَوَّزْنَاهُ دَفَعَ إلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا.
قَالَ عَلِيٌّ السُّبْكِيُّ مَسْأَلَةُ الْيَمِينِ الْعَهْدُ فِيهَا يَقْتَضِي ذَلِكَ الْقَاضِيَ الْمَوْجُودَ بِعَيْنِهِ لَكِنَّ الْقَرِينَةَ تَقْتَضِي أَنَّ الْحَالِفَ إنَّمَا قَصَدَ رَفْعَ الْمُنْكَرِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِهِ وَبِمَنْ يَتَوَلَّى مَكَانَهُ وَبِأَيِّ مَنْ كَانَ مِنْ الْقُضَاةِ فِي الْبَلَدِ عِنْدَ التَّعَدُّدِ بِخِلَافِ شَرْطِ النَّظَرِ فَإِنَّهُ لَوْ فُرِضَ لِاثْنَيْنِ حَصَلَ الِاخْتِلَافُ وَتَعَطَّلَتْ الْمَصْلَحَةُ لِدَلِيلِ التَّمَانُعِ فَالْقَرِينَةُ تَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا نَجْعَلُهُ لِوَاحِدٍ يَقُومُ بِمَصْلَحَةِ الْوَقْفِ وَإِذَا كَانَ لِاثْنَيْنِ فَالْأَقْرَبُ إلَى غَرَضِهِ مَنْ كَانَ حِينَ الْوَقْفِ أَوْ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ عَيْنَهُ لَا غَرَضَ فِيهِ وَمِثْلُهُ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ لِاخْتِلَافِ
الْآرَاءِ وَالْمَذَاهِبِ وَالْوَاقِفُ قَدْ قَصَدَ مَعْنًى يُمْكِنُ اسْتِمْرَارُهُ عَلَى مَمَرِّ الْأَزْمَانِ فِي أَشْخَاصٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَلَا نُفَوِّتُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَهَذَا الْمَعْنَى مُطَّرِدٌ إذَا مَاتَ ذَلِكَ الْحَاكِمُ الْمُنْفَرِدُ الَّذِي كَانَ حِينَ الْوَقْفِ سَوَاءٌ أَوَلِيَ بَعْدَهُ أَحَدٌ أَمْ تَعَطَّلَتْ الْبَلْدَةُ مُدَّةً وَسَوَاءٌ أَوَلِيَ بَعْدَهُ جَمَاعَةٌ أَحَدُهُمْ عَلَى مَذْهَبِهِ مُتَرَتِّبِينَ أَمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً، هَذَا لَا شَكَّ فِيهِ عِنْدَنَا لِلْمَعْنَى الَّذِي قَدَّمْنَاهُ، وَسَوَاءٌ أَوَلِيَ بَعْدَهُ جَمَاعَةٌ أَمْ وَاحِدٌ عَلَى مَذْهَبِهِ بِلَا إشْكَالٍ، وَعَلَى غَيْرِ مَذْهَبِهِ فِيهِ نَظَرٌ عِنْدَنَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ لَهُ النَّظَرُ لِانْفِرَادِهِ وَالْوَاقِفُ إنَّمَا قَصَدَ حَاكِمًا يَقُومُ بِمَصْلَحَةِ الْوَقْفِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَهَذَا حَاكِمٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ لَا نَظَرَ لَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الشَّخْصَ فَقَدْ يَقْصِدُ الْمَعْنَى الْمُسْتَمِرَّ فِي الْأَشْخَاصِ وَهُوَ كَوْنُهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَذْهَبِ وَالْعَهْدُ لَا يَقْتَضِي إلَّا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْعَهْدِ الشَّخْصُ خَرَجْنَا عَنْهُ لِعَدَمِ الْغَرَضِ فِيهِ.
يَبْقَى بَعْدَهُ أَمْرَانِ كُلِّيَّانِ أَحَدُهُمَا مُطْلَقُ الْحَاكِمِ؛ وَالثَّانِي الْحَاكِمُ عَلَى مَذْهَبِ الْمَوْجُودِ فَالِاحْتِيَاطُ وَالْعَهْدُ يَقْتَضِيَانِ الْحَمْلَ.
عَلَيْهِ وَهِيَ الرُّتْبَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ بَيْنَ الْمُطْلَقِ الْأَعَمِّ وَالشَّخْصِ الْأَخَصِّ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَالْوَاقِعُ عِنْدَنَا فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ يَقْتَضِي زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ فِي اخْتِصَاصِ الْقَاضِي الَّذِي مِنْ مَذْهَبِ مَنْ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ الْوَقْفِ بِالنَّظَرِ لِمَأْخَذٍ زَائِدٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَعَلَى الْمَأْخَذِ فِي مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ مُضَافٌ إلَى ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ الْقُضَاةَ الْأَرْبَعَةَ حَدَثَتْ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَسِتِّمِائَةٍ وَالْأَوْقَافُ الَّتِي قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ نُورِ الدِّينِ الشَّهِيدِ وَمِنْ صَلَاحِ الدِّينِ وَغَيْرِهِمَا كُلُّهَا وَالْقَاضِي وَاحِدٌ فَالنَّظَرُ لَهُ بِالشَّرْطِ وَبِالْعُمُومِ وَفِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ الْمَذْكُورَةِ لَمْ يُعْزَلْ ذَلِكَ الْقَاضِي وَلَمْ يَمُتْ ذَلِكَ الْوَقْتَ بَلْ وَلِيَ مَعَهُ ثَلَاثَةٌ فَنَظَرُهُ مُسْتَمِرٌّ بِالشَّرْطِ فِيمَا كَانَ فِيهِ شَرْطٌ أَنَّهُ لِلْحَاكِمِ وَبِالْعُمُومِ فِيمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَرْطٌ فَيَسْتَمِرُّ ذَلِكَ النَّظَرُ لَهُ وَلَمْ يُوَلَّ أَحَدٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ مَكَانَهُ حَتَّى تَأْتِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ الَّذِي إذَا وَلِيَ غَيْرُهُ مَكَانَهُ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ مَذْهَبِهِ بَلْ هُنَا أُضِيفَ إلَيْهِ ثَلَاثَةٌ وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ نَظَرَهُمْ عَامًّا بَلْ فِيمَا عَدَا الْأَوْقَافَ وَالْأَيْتَامَ وَالنُّوَّابَ وَبَيْتَ الْمَالِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ فُعِلَتْ مُخْتَصَّةً بِالشَّافِعِيِّ وَيَشْتَرِكُونَ فِيمَا عَدَا هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الْأَرْبَعَةَ، هَذَا الَّذِي اتَّفَقَ الْحَالُ عَلَيْهِ وَرُسِمَ بِهِ فِي الدَّوْلَةِ الظَّاهِرِيَّةِ وَاسْتَمَرَّتْ الْعَادَةُ عَلَيْهِ، وَكُلُّ مَنْ يَمُوتُ يَلِي مَكَانَهُ وَاحِدٌ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَيَذْكُرُ فِي تَوْلِيَتِهِ أَنَّهُ عَلَى عَادَةِ مَنْ قَبْلَهُ، وَمُقْتَضَى الشَّرْعِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ إلَّا مَا كَانَ قَبْلَهُ لِلَّذِي عَلَى مَذْهَبِهِ بِغَيْرِ زِيَادَةٍ فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ الْقُضَاةِ الثَّلَاثَةِ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَنْظَارِ الَّتِي كَانَتْ لِلشَّافِعِيِّ لَا بِالشَّرْعِ وَلَا بِتَوْلِيَةِ السُّلْطَانِ أَيَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْحَالُ مُسْتَمِرٌّ عَلَى هَذَا إلَى الْآنِ فَالْحُكْمُ فِي الْأَوْقَافِ الْقَدِيمَةِ كُلِّهَا عَلَى
مَا ذَكَرْنَاهُ وَالْحُكْمُ فِي الْأَوْقَافِ الْحَادِثَةِ بَعْدَ مَصِيرِ الْقُضَاةِ أَرْبَعَةً إنْ شَرَطَ فِيهَا النَّظَرَ لِقَاضٍ مُعَيَّنٍ فَالشَّرْطُ مُتَّبَعٌ بِكَوْنِ النَّظَرِ الْخَاصِّ لَهُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَلِلْقَاضِي الشَّافِعِيِّ النَّظَرُ الْعَامُّ عَلَيْهِ لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا اقْتِضَاءُ الْعُرْفِ ذَلِكَ وَالثَّانِي أَنَّ الْقَاضِيَ الشَّافِعِيَّ أَكْبَرُ عُرْفًا وَبِعَادَةِ السُّلْطَانِ وَالْأَكْبَرُ لَهُ النَّظَرُ الْعَامُّ عَلَى الْأَصْغَرِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ فَيَخْتَصُّ النَّظَرُ بِالشَّافِعِيِّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ.
وَعَلَى هَذَا اسْتَقَرَّ الْحَالُ فِي الدَّوْلَةِ النَّاصِرِيَّةِ لَمَّا وَقَعَ كَلَامٌ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مَتَى قِيلَ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ فَهُوَ الشَّافِعِيُّ وَاَلَّذِينَ حَوْلَ السُّلْطَانِ إذَا سَمِعُوهُ يَفْهَمُونَ أَنَّهُ إنَّمَا يُرِيدُ الشَّافِعِيَّ فَإِذَا أَرَادَ غَيْرَهُ قَيَّدَ وَقَدْ اسْتَقَرَّ فَهْمُهُ وَفَهْمُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَمَازِلْنَا فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ وَمِمَّنْ يَتَلَقَّى الْمَرَاسِيمَ عَنْهُ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ انْفِرَادِ وَاحِدٍ أَنَّا لَمْ نَرَ أَحَدًا قَطُّ يَفْهَمُ دُخُولَ نُوَّابِ الْحُكْمِ وَهُمْ قُضَاةٌ، فَلَوْ حَمَلَ اللَّفْظَ عَلَى الْعُمُومِ لَدَخَلُوا، وَسَبَبُهُ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ وَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الِانْفِرَادَ فِي النَّظَرِ مَقْصُودٌ وَاجِبٌ بِالْمَصْلَحَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] .
وَقَدْ جَرَّبْنَا ذَلِكَ بِكُلِّ وَظِيفَةٍ فِيهَا اثْنَانِ مُتَسَاوِيَانِ فِي الرَّأْيِ لَا يَجِيءُ مِنْهُمَا حَالٌ مَا لَمْ يَرْجِعْ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ وَإِلَى ثَالِثٍ.
فَهَذِهِ قَاعِدَةٌ لَا نَخْرُجُ عَنْهَا إلَّا إذَا نَصَّ الْمُوَكِّلُ أَوْ الْمُوصِي عَلَى خِلَافِهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَصَّى بِذَلِكَ فَمَنْ سَبَقَ مِنْهُمَا إلَى فِعْلٍ فَقَدْ فَعَلَهُ وَمَتَى تَشَاحَّا رَجَعَا إلَى الْحَاكِمِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا وَأَمَّا الْأُمُورُ الشَّرْعِيَّةُ فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُفَوَّضَةً إلَى وَاحِدٍ، وَتَجْوِيزُ قَاضِيَيْنِ فِي بَلَدٍ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِيَحْكُمَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِيمَا سَبَقَ إلَيْهِ مِنْ الْحُكُومَاتِ وَأَمَّا أَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي نَظَرٍ وَيَسْتَنِدُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِهِ فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَا شَاهِدَ لَهُ بِالِاعْتِبَارِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ.
وَبَعْدُ إنِّي أَكْرَهُ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ وَقَصَدْت أَنْ لَا أَكْتُبَ هَذَا؛ لِأَنَّنِي قَاضٍ شَافِعِيٌّ فَقَدْ يُعْتَقَدُ فِي أَنَّ الْحَامِلَ لِي عَلَى هَذَا قَصْدِي أَنْ يَكُونَ تَحْتَ نَظَرِي فَفَكَّرْت فِي ذَلِكَ وَعَارَضَنِي مَحَبَّتِي لِلْعِلْمِ وَبَيَانِهِ وَمَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ مِنْ إبْلَاغِهِ النَّاسَ وَعَدَمِ كِتْمَانِهِ وَرَجَاءَ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهِ بَعْدِي حَيْثُ لَا يَكُونُ لِي غَرَضٌ فَرَجَّحْت هَذَا الْجَانِبَ وَكَتَبْت مَا قُلْته وَاَللَّهُ يَعْفُو عَنِّي وَعَمَّنْ يَظُنُّ بِي سُوءًا وَأَنَا نَذِيرٌ لِمَنْ يَكُونُ عِنْدَهُ أَهْلِيَّةُ الْعِلْمِ أَنْ يَتَوَلَّى قَضَاءً فَإِنَّ كَلَامَ الْعُلَمَاءِ يُؤْخَذُ بِالْقَبُولِ وَكَلَامُ الْقُضَاةِ تَسْرِي إلَيْهِ الظُّنُونُ وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَى الْقُضَاةِ أَجْرٌ فِي وَقَائِعَ جُزْئِيَّةٍ فَالْعِلْمُ يَتَرَتَّبُ عَلَى مَا نَكْتُبُهُ مِنْ الْعِلْمِ أُجُورٌ عَظِيمَةٌ؛ لِأَنَّهَا أُمُورٌ كُلِّيَّةٌ تَبْقَى إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَكِنَّ الْجُزْئِيَّ مَعَ الْمَقَادِيرِ وَالْأَدَبُ مَعَ اللَّهِ وَاجِبٌ وَالْعَبْدُ لَا يَدْرِي مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ وَإِنَّمَا الرَّبُّ سبحانه وتعالى يُدَبِّرُهُ. وَمِمَّا نَذْكُرُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْوَاقِفَ عَلَى كَلَامِي هَذَا مِنْ الْقُضَاةِ الثَّلَاثَةِ إنْ تَبَيَّنَ لَهُ بِدَلِيلٍ
خِلَافُهُ فَلْيَتَّبِعْ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ وَوَافَقَ مَا قُلْته أَوْ تَرَدَّدَ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْرَحَ بِذَلِكَ لِصِيَانَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ أَنْ يَنْظُرَ فِيمَا لَيْسَ لَهُ النَّظَرُ وَأَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى نَظَرِهِ مِنْ التَّوْلِيَاتِ وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ بِغَيْرِ حَقِّهَا وَمَنْعِ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا مِنْهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَفَاسِدِ وَيَشْكُرَ اللَّهَ عَلَى صِيَانَتِهِ، وَمَنْ يَقِفْ عَلَيْهِ مِنْ الْقُضَاةِ الشَّافِعِيَّةِ إنْ وَافَقَ فَلَا يَفْرَحْ بِذَلِكَ بَلْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مُبْتَلًى بِذَلِكَ كَلَّفَهُ اللَّهُ بِتَقَلُّدِهِ الْقُضَاةَ بِالنَّظَرِ فِيهِ فَيَقُومُ بِوَاجِبِهِ وَمَنْ يَقِفْ عَلَيْهِ مِنْ كُتَّابِ السِّرِّ وَالْمُوَقِّعِينَ الْمُبَلِّغِينَ عَنْ السُّلْطَانِ يَنْظُرُونَ بِهِ فِيمَا يَكْتُبُونَهُ عَنْ السُّلْطَانِ لِيَكُونَ جَارِيًا عَلَى نَهْجِ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ وَالْعَوَائِدِ الْمُسْتَقِرَّةِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْعَوَائِدِ. الَّتِي لَا أَصْلَ لَهَا وَقَدْ تَكُونُ الْعَوَائِدُ فِي مِثْلِ هَذَا سَبَبُهَا مَرْضَاةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ وَمُجَامَلَتُهُمْ وَالْحَيَاءُ مِنْهُمْ مِمَّا هُوَ مَحْمُودٌ فَلَا يَجِبُ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا وَتَبْرُزُ مَرَاسِيمُ وُلَاةِ الْأُمُورِ بِلُزُومِهِ.
وَمِمَّا نَذْكُرُهُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا لِبَيَانِ الْعِلْمِ وَإِنْ كُنَّا أَشَدَّ كَرَاهِيَةً لِذِكْرِهِ مِنْ الْأَوَّلِ أَنَّ السُّلْطَانَ أَيَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ أَعْظَمَ مَقَامًا وَأَعْلَى مَكَانًا وَمَكَانَةً وَهُوَ الَّذِي يُوَلِّي الْقُضَاةَ الْكِبَارَ فَهَلْ لَهُ نَظَرٌ فِي الْأَوْقَافِ وَإِذَا أَطْلَقْنَا النَّظَرَ لِلْحَاكِمِ هَلْ الْمُرَادُ الْقَاضِي وَحْدَهُ أَوْ يَدْخُلُ السُّلْطَانُ؟ وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي فِي ذَلِكَ أَنَّ شَرْطَ النَّظَرِ لِلْحَاكِمِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ السُّلْطَانُ وَكَذَا الْمَشْرُوطُ فِيهِ النَّظَرُ لِلْقَاضِي أَمَّا الْقَاضِي فَصَرِيحٌ فِي نَائِبِ الشَّرْعِ وَأَمَّا الْحَاكِمُ فَمُحْتَمِلٌ وَلَكِنَّ الْعُرْفَ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِثْلُ الْقَاضِي فَلَا يَعْرِفُ أَهْلُ مِصْرَ وَالشَّامِ مِنْ الْحَاكِمِ إلَّا الْقَاضِي بِخِلَافِ عُرْفِ الْعِرَاقِ فَكُلُّ وَقْفٍ فِي مِصْرَ أَوْ الشَّامِ شُرِطَ النَّظَرُ فِيهِ لِلْقَاضِي أَوْ لِلْحَاكِمِ فَالنَّظَرُ فِيهِ لِمُرَادِ نَائِبِ الشَّرْعِ وَلَا يَدْخُلُ السُّلْطَانُ فِيهِ كَمَا لَوْ شُرِطَ النَّظَرُ لِزَيْدٍ لَا يَكُونُ لِغَيْرِهِ، وَهَلْ يَكُونُ لِلسُّلْطَانِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ نَظَرٌ عَامٌّ عَلَيْهِ؟
يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بِهِ؛ لِأَنَّ السُّلْطَانَ هُوَ الَّذِي يُوَلِّي الْقَاضِيَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ لَا؛ لِأَنَّ النَّظَرَ الْعَامَّ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ نَظَرُ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ نَاظِرٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فَمَنْ أَخَلَّ مِنْ النُّظَّارِ الْخَاصَّةِ بِشَيْءٍ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي نَظَرِهِ اسْتَدْرَكَهُ الشَّرْعُ وَسَدَّ خَلَلَهُ، وَالْقَاضِي هُوَ نَائِبُ الشَّرْعِ فَلِذَلِكَ يَنْظُرُ نَظَرًا عَامًّا عَلَى كُلِّ نَاظِرٍ خَاصٍّ السُّلْطَانُ فَمَنْ دُونَهُ كَمَا يَحْكُمُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ عَلَيْهِمْ فَإِذَا كَانَ الْقَاضِي هُوَ النَّاظِرَ الْخَاصَّ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ فَقَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ النَّظَرُ الْخَاصُّ وَالنَّظَرُ الْعَامُّ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ عَامٍّ عَلَيْهِ، وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ شَرْطَ النَّظَرِ لِشَخْصٍ غَيْرِ قَاضٍ فَلَا شَكَّ أَنَّ لِلْقَاضِي النَّظَرُ الْعَامُّ عَلَيْهِ لِنَائِبِ الشَّرْعِ؛ وَهَلْ نَقُولُ أَيْضًا إنَّ لِلسُّلْطَانِ النَّظَرَ الْعَامَّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ السُّلْطَانَ أَعْلَى مَرْتَبَةً وَلَكِنَّهُ أَيَّدَهُ اللَّهُ لَا يَتَفَرَّغُ زَمَانُهُ لِلنَّظَرِ فِي الْأُمُورِ الْجُزْئِيَّةِ وَمَا تَقْتَضِيهِ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَإِنَّمَا هُوَ بِعُمُومِ سَلْطَنَتِهِ وَأَنَّهُ ظِلُّ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ قَدْ اقْتَضَى نَظَرُهُ الشَّرِيفُ إقَامَةَ
شَخْصٍ نَائِبًا عَنْ الشَّرْعِ يَقُومُ بِأَعْبَاءِ الشَّرِيعَةِ وَالنَّظَرِ فِي أَحْكَامِهَا وَأَلْقَى إلَيْهِ زِمَامَهَا لِيَتَفَرَّغَ هُوَ لِمَا هُوَ بِصَدَدِهِ مِنْ أَعْبَاءِ الْأُمَّةِ وَمَصَالِحِهَا وَمُغَالَبَةِ مُلُوكِ الْأَرْضِ وَتَدْبِيرِ الْجُيُوشِ وَتَمْهِيدِ الْبِلَادِ وَمَصَالِحِ الْعِبَادِ وَمُلَاقَاةِ حُرُوبِ أَعْدَاءِ دَيْنِ اللَّهِ وَدَفْعِهِمْ وَتَوْطِيدِ مَسَالِكِ الْمَمَالِكِ وَقَمْعِ الْمُفْسِدِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ الْقُضَاةُ وَلَا جَمِيعُ الْخَلْقِ عَلَيْهَا؛ كَمَا أَنَّهُ أَعَزَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَعَزَّ أَنْصَارَهُ لَا يَتَصَدَّى لِلْحُكْمِ فِي نِكَاحٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ بَيْعٍ فَإِنَّ نَظَرَهُ فِي أَعْلَى مِنْ ذَلِكَ، هَذَا إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِلْقَاضِي أَوْ الْحَاكِمِ فَإِنْ أَطْلَقَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ النَّظَرَ لِأَحَدٍ وَقَدْ قَالَ الْفُقَهَاءُ إنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ النَّظَرَ لِلْقَاضِي وَكَانَ عِنْدِي تَرَدُّدٌ فِي أَنَّ السُّلْطَانَ يُشَارِكُهُ أَوْ لَا وَالْآنَ اسْتِقْرَارِي عَلَى عَدَمِ مُشَارَكَتِهِ وَأَنَّ الْقَاضِيَ يَنْفَرِدُ بِهِ كَمَا أَطْلَقُوهُ وَلَا نَظَرَ لَهُ عَلَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَإِنَّهُ وَأَمْثَالَهُ خُلَفَاءُ الشَّرْعِ أَعْظَمُ مِنْ الْقُضَاةِ.
وَعَلَى مِثْلِهِمْ يُحْمَلُ إطْلَاقُ مَنْ أَطْلَقَ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ النَّظَرَ لِلْإِمَامِ، وَأَمَّا مَنْ وَلِيَ بِالشَّوْكَةِ فَتَنْفُذُ أَحْكَامُهُ وَتَصِحُّ تَوَلِّيَاتُهُ الْعَامَّةُ الَّتِي يَحْتَاجُ النَّاسُ إلَيْهَا وَمِنْ جُمْلَتِهَا الْقَضَاءُ فَيُقِيمُ رَجُلًا فِي مَقَامِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَيُلْقِي إلَيْهِ مَقَالِيدَ الشَّرِيعَةِ وَأَمَّا تَوَلِّيَاتٌ جُزْئِيَّةٌ فَلَيْسَ بِالنَّاسِ حَاجَةٌ إلَيْهَا وَإِنَّمَا هِيَ لِنَائِبِ الشَّرِيعَةِ وَاَللَّهُ عز وجل أَعْلَمُ، كَتَبْته فِي سَادِسَ عَشَرَ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ انْتَهَى.
(مَسْأَلَةٌ) وَرَدَتْ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ مِنْ بِلَادِ الشَّامِ فِي رَجُلٍ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ وَلَهُ ابْنُ ابْنِ ابْنِ بِنْتٍ وَابْنُ ابْنِ ابْنِ بِنْتٍ أُخْرَى وَهُوَ ابْنُ ابْنِ ابْنِ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ فَأَيُّهُمَا أَقْرَبُ إلَى الْوَاقِفِ.
(الْجَوَابُ) الثَّانِي أَقْرَبُ لِأَنَّهُ يُدْلِي بِجِهَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا مُسْقِطَةً لِحُكْمِ الْأُخْرَى فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُمَا وَالْحُكْمُ بِزِيَادَةِ الْقُرْبِ بِهِمَا وَقَوْلُهُ أَقْرَبُ أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ وَالتَّفْضِيلُ تَارَةً يَكُونُ بِقُرْبِ الدَّرَجَةِ مَعَ اسْتِوَاءِ الْقَرَابَةِ وَتَارَةً يَكُونُ بِكَثْرَةِ الْقَرَابَةِ وَالْقَرَابَةُ مَعَ اسْتِوَاءِ الدَّرَجَةِ كَمَا فِي الْأَخِ الشَّقِيقِ ثُمَّ الْأَخِ لِلْأَبِ، وَكَمَا فِي ابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ، وَفِي بَابِ الْمِيرَاثِ وَرَّثُوا الْأَخَ الشَّقِيقَ وَلَمْ يُوَرِّثُوهُ بِالْجِهَتَيْنِ؛ لِأَنَّ جِهَةَ الْأُخُوَّةِ وَاحِدَةٌ وَإِنَّمَا الِامْتِزَاجُ أَوْجَبَ تَرْجِيحًا وَالْأَصْلُ أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى أَنَّ بَنِي الْأَعْيَانِ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِي الْعَلَّاتِ» وَوَرَّثُوا
ابْنَ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ بِالْقَرَابَتَيْنِ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ لِاخْتِلَافِ الْجِهَتَيْنِ؛ وَذَكَرُوا فِي جَدَّتَيْنِ مُتَسَاوِيَتَيْنِ صُورَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مِنْ جِهَتَيْنِ وَالْأُخْرَى مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ هَلْ تَفْضُلُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى؟
وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا تَفْضُلُ بَلْ يُقْسَمُ السُّدُسُ بَيْنَهُمَا وَالثَّانِي يُقْسَمُ السُّدُسُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا لِذَاتِ الْجِهَتَيْنِ ثُلُثَاهُ وَلِذَاتِ الْجِهَةِ الْوَاحِدَةِ الثُّلُثُ وَلَوْ كَانَ ابْنٌ هُوَ ابْنُ ابْنِ عَمٍّ فَلَا أَثَرَ لِبُنُوَّةِ الْعَمِّ؛ لِأَنَّهَا مَحْجُوبَةٌ بِالْبُنُوَّةِ فَلَوْ اتَّفَقَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي وَصِيَّةٍ أَوْ وَقْفٍ عَلَى الْأَقْرَبِ هَلْ يُقَدَّمُ بِهِ أَنْ نَقُولَ لِقُوَّةِ الْبُنُوَّةِ لَا أَثَرَ لِبُنُوَّةِ الْعَمِّ.
ذَكَرْت فِيهِ احْتِمَالَيْنِ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَأَنَا الْآنَ أَخْتَارُ مِنْهُمَا الْأَوَّلَ، وَذَكَرَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الْوَصِيَّةِ فِي الْجَدَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا وَجْهَيْنِ وَاقْتِضَاءُ كَلَامِهِ أَنَّهُمَا الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ فِي إرْثِهَا كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّا إنْ قَسَمْنَاهُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فِي الْمِيرَاثِ وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ حُوَيْوِيَةَ قَدَّمْنَا ذَاتَ الْقَرَابَتَيْنِ فِي الْوَصِيَّةِ وَإِنْ سَوَّيْنَا بَيْنَهُمَا فِي السُّدُسِ فِي الْمِيرَاثِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ شَرَّكْنَا بَيْنَهُمَا فِي الْوَصِيَّةِ لَكِنَّ التَّوْرِيثَ بِاسْمِ الْجُدُودَةِ وَهُمَا مُشْتَرَكَانِ فِيهَا وَالْوَصِيَّةُ لِلْأَقْرَبِ فَيَجِبُ النَّظَرُ فِيهِ، وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ فِي الْوَصِيَّةِ أَيُّهُمْ جَمَعَ قَرَابَةً لِأَبٍ وَأُمٍّ كَانَ أَقْرَبَ مِمَّنْ انْفَرَدَ بِأَبٍ أَوْ أُمٍّ.
وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تَشْمَلُ الْإِخْوَةَ وَالْأَعْمَامَ وَبَنِيهِمْ وَيُقَاسُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الصُّورَةِ الْمُسْتَفْتَى فِيهَا، وَفِي حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ «لِمَا قَالَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي صَدَقَتِهِ أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ» فَجَعَلَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ وَأَعْطَى مِنْهَا حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَلَمْ يُعْطِ أَنَسًا مِنْهَا شَيْئًا وَثَلَاثَتُهُمْ مِنْ قَرَابَتِهِ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ مِنْ الْخَزْرَجِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَمَسَّكَ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " الْأَقْرَبِينَ " وَدَلَالَةُ أَفْعَلْ التَّفْضِيلِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعُمُّ جَمِيعَ الْقَرَائِبِ وَلِذَلِكَ لَمْ يُعْطِ أَنَسًا؛ لِأَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ ضَمْضَمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ جُنْدَبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنَمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ وَأُمُّهُ أُمُّ سُلَيْمِ بِنْتُ مِلْحَانَ بْنِ خَالِدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ وَأَبُو طَلْحَةَ زَيْدُ بْنِ سَهْلِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيِّدْ مَنَاةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ فَيَجْمَعُ أَبُو طَلْحَةَ وَأَنَسٌ فِي تَاسِعٍ مِنْ جِهَةِ أَبِي طَلْحَةَ وَهُوَ عَاشِرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَسٍ وَهُوَ النَّجَّارُ فَأَنَسٌ أَنْزَلُ دَرَجَةً مِنْ أَبِي طَلْحَةَ مَعَ بُعْدِهِ عَنْهُ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي كَوْنِهِمَا مِنْ الْخَزْرَجِ وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ
وَأُمُّهُ الْفُرَيْعَةُ بِنْتُ خَالِدِ بْنِ حُبَيْشٍ بْنِ لُوذَانَ بْنِ عَبْد ود بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَاعِدَةَ فَهُوَ أَيْضًا قَرَابَةُ أَبِي طَلْحَةَ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَيَجْتَمِعُ مَعَهُ فِي جِهَةِ الْأَبِ فِي حَرَامٍ جَدُّ وَالِدِ أَبِي طَلْحَةَ وَوَالِدِ حَسَّانَ فَهُمَا ابْنَا ابْنَيْ عَمٍّ لَهَا فَهُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ أَنَسٍ بِكَثِيرٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ.
وَأُمُّهُ صُهَيْلَةُ بِنْتُ الْأَسْوَدِ عَمَّةُ أَبِي طَلْحَةَ مُجْتَمَعَانِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ فِي عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ سَابِعِ أَبٍ لِأَبِي طَلْحَةَ وَهُوَ سَادِسُ أَبٍ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ مِنْ جِهَةِ الرِّجَالِ أَعْلَى دَرَجَةً مِنْ أَبِي طَلْحَةَ وَأَقْعَدُ مِنْ حَسَّانَ وَلَكِنْ مِنْ جِهَةِ النِّسَاءِ ابْنُ عَمَّتِهِ فَهِيَ أَقْرَبُ مِنْ قَرَابَةِ حَسَّانَ مِنْ جِهَةِ الرِّجَالِ فَاعْتَدَلَا؛ لِأَنَّ فِي حَسَّانَ قُرْبًا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَفِي أُبَيٍّ قُرْبًا مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ وَبُعْدًا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ إلَّا أَنَّهُ أَعْلَى فَعَارَضَ عُلُوَّ الْقَدْرِ الَّذِي حَصَلَ بِهِ مِنْ التَّفَاوُتِ بَيْنَ حَسَّانَ كَوْنُهُ ابْنَ ابْنِ عَمِّ أَبٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ حَيْثُ كَوْنُهُ ابْنَ عَمَّتِهِ نَفْسِهَا فَكَأَنَّ أَبَا طَلْحَةَ لِذَلِكَ سَوَّى بَيْنَهُمَا وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى مُرَاعَاةِ الْجِهَتَيْنِ وَلَوْ لَمْ يُعَادِلْ بِذَلِكَ حَسَّانَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ أَنَسٍ. وَقَدْ يَكُونُ قَصَدَ عُمُومَ الْأَقْرَبِينَ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ مَرَاتِبُهُمْ.
وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَيَحْصُلُ مَقْصُودُنَا بِهِ وَهُوَ مُرَاعَاةُ الْجِهَتَيْنِ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَحْصُلْ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ الْأَقْرَبِيَّةُ مِنْ جِهَةِ الرِّجَالِ حَصَلَتْ مِنْ جِهَةِ النِّسَاءِ فَدَلَّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَيْ مَنْ وُجِدَ مِنْهُمَا عِنْدَ الِانْفِرَادِ، وَإِذَا رُوعِيَا عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَجَبَ أَنْ يُرَاعَيَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لِإِعْمَالِهِمَا عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَإِلْغَائِهِمَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، وَلَا إعْمَالِ إحْدَاهُمَا وَإِلْغَاءِ الْأُخْرَى فَوَجَبَ أَنْ يُرَاعَيَا جَمِيعًا وَإِذَا رُوعِيَتْ الْجِهَتَانِ.
فَمُقْتَضَاهُمَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ وَاسْتِوَاءِ التَّرْجِيحِ عَلَى مَنْ انْفَرَدَ بِإِحْدَاهُمَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ يَنْشَرِحْ بِهِ صَدْرُك وَقَدْ نَظَرْت فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَرَّاتٍ وَكَتَبْت شَيْئًا مِنْهَا فِي بَابِ الْوَقْفِ مِنْ شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَفِيمَا ذَكَرْته الْآنَ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَحَلُّ إشْكَالٍ حَصَلَ بِتَرْكِهِ مُعَاوَدَةُ النَّظَرِ فِي مَسَائِلِ الْعِلْمِ وَعَدَمُ إهْمَالِ شَيْءٍ مِنْ الْعُلُومِ كَالْأَنْسَابِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْفِقْهِ فَقَدْ ظَهَرَ نَفْعُهُ فِي الْفِقْهِ وَفِي فَهْمِ فِعْلِ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وَاتِّبَاعِهِمْ لِأَوَامِرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنْ كَانَ أَبُو طَلْحَةَ قَصَدَ تَعْمِيمَ الْأَقْرَبِينَ وَعَدَمَ دُخُولِ غَيْرِهِمْ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَقَارِبِ وَهُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْأَمْرِ وَأَمْثَالُهُ وَوَضْعُ اللُّغَةِ وَلَا يُنَجِّي مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ أَعْطَى بَعْضَ الْأَقْرَبِينَ دُونَ بَعْضٍ أَوْ بَعْضَ الْقَرَائِبِ دُونَ بَعْضٍ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ وَهُوَ
بَعِيدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
كَتَبَهُ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْكَافِي السُّبْكِيُّ فِي لَيْلَةِ الِاثْنَيْنِ تَاسِعَ عَشَرَ شَهْرَ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ انْتَهَى.
(مَسْأَلَةٌ) فِي صَفَرٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ فِي اسْتِفْتَاءِ وَقَفَ شِهَابُ الدِّينِ وَعِمَادُ الدِّين مُحَمَّدُ ابْنَا عَلِيِّ بْنِ مَنْصُورٍ كُلٌّ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ مَكَانِ حِصَّةٍ مِنْ بُسْتَانٍ مَا يُسْهِمُ عَلَى أَخِيهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ ثُمَّ نَسْلِهِ عَلَى الشَّرْطِ وَالتَّرْتِيبِ.
عَلَى أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْ أَوْلَادِ مِنْهُمَا وَنَسْلِهِ عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ عَادَ عَلَى مَنْ فِي دَرَجَتِهِ مِنْ أَهْلِ وَقْفِهِ مِمَّنْ لَهُ نَصِيبٌ فِي الْوَقْفِ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ إلَيْهِ فَالْأَقْرَبُ مِنْهُمْ وَيَسْتَوِي الْإِخْوَةُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ وَمِنْ الْأَبِ وَابْنُ الْعَمِّ مِنْ الْأَبَوَيْنِ وَمِنْ الْأَبِ وَمَنْ يَجْرِي مَجْرَاهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي دَرَجَتِهِ مَنْ لَهُ نَصِيبٌ فِي الْوَقْفِ فَعَلَى مَنْ لَا نَصِيبَ لَهُ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي دَرَجَتِهِ مَنْ يُسَاوِيهِ فَعَلَى أَقْرَبِ الْمَوْجُودِينَ إلَى الْمُتَوَفَّى مِنْ أَهْلِ النَّصِيبِ ثُمَّ عَلَى وَلَدٍ انْتَقَلَ إلَيْهِ ثُمَّ نَسْلِهِ عَلَى الشَّرْطِ وَالتَّرْتِيبِ وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَمِنْ أَنْسَالِهِمْ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ لِشَيْءٍ مِنْ مَنَافِعِ هَذَا الْوَقْفِ وَتَرَكَ وَلَدًا اسْتَحَقَّ وَلَدُهُ بَعْدَهُ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ وَالِدُهُ الْمُتَوَفَّى لَوْ بَقِيَ حَيًّا حَتَّى يَصِيرَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ مَنَافِعِ الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ وَقَامَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ مَقَامَ وَالِدِهِ الْمُتَوَفَّى فَتُوُفِّيَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ شَخْصٌ اسْمُهُ نَجْمُ الدِّينِ عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ وَفِي دَرَجَتِهِ ابْنُ عَمٍّ لَهُ يُسَمَّى حَمْدُونَ وَأَوْلَادُ عَمٍّ آخِرُهُمْ عُمَرُ وَمَحْمُودٌ وَأُخْتَاهُمَا وَعَمٌّ لَهُ مَفْقُودٌ لَمْ تَتَحَقَّقْ وَفَاتُهُ يُسَمَّى إبْرَاهِيمَ هُوَ أَعْلَى مِنْ نَجْمِ الدِّينِ الْمُتَوَفَّى وَلِإِبْرَاهِيمَ الْمَذْكُورِ وَلَدٌ يُسَمَّى عَلِيًّا مَاتَ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْوَقْفِ لِلشَّكِّ فِي وَفَاةِ وَالِدِهِ وَلِعَلِيٍّ هَذَا أَوْلَادٌ مَوْجُودُونَ وَيُسَمَّى أَحَدُهُمْ هُوَ أَنْزَلُ مِنْ نَجْمِ الدِّينِ الْمُتَوَفَّى بِدَرَجَةٍ فَلِمَنْ يَكُونُ نَصِيبُ نَجْمِ الدِّينِ الْمُتَوَفَّى هَلْ يَخْتَصُّ بِهِ حَمْدُونُ وَعُمَرُ وَمَحْمُودٌ وَأُخْتَاهُمْ أَوْ يُشَارِكُهُمْ صَلَاحٌ وَإِخْوَتُهُ؛ لِأَنَّ وَالِدَهُمْ عَلِيًّا فِي دَرَجَةِ نَجْمِ الدِّينِ وَلَوْ كَانَ حَيًّا لَاسْتَحَقَّ؛ لِأَنَّهُ فِي الدَّرَجَةِ وَإِنْ كَانَ مَحْجُوبًا عَنْ نَصِيبِ وَالِدِهِ بِوُجُودِهِ إذْ لَوْ لَمْ يَسْتَحِقَّ لَمْ يَبْقَ لِقَوْلِهِ: مَنْ مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ قَامَ وَالِدُهُ مَقَامَهُ فَائِدَةٌ.
(الْجَوَابُ) مُقْتَضَى هَذَا الْوَقْفِ اسْتِحْقَاقُ مَنْ فِي دَرَجَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ نَصِيبَهُ وَأَنَّهُ يُقَدَّمُ مِنْهُمْ فِيهِ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ لَهُ نَصِيبٌ فِي الْوَقْفِ اسْتَحَقُّوا نَصِيبَ نَجْمِ الدِّينِ كَامِلًا وَلَمْ يُشَارِكْهُمْ صَلَاحٌ وَإِخْوَتُهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا نَصِيبَ لَهُمْ وَلَا لِوَالِدِهِمْ عَلِيٍّ وَلَوْ كَانَ عَلِيٌّ مَوْجُودًا الْآنَ لَمْ يَسْتَحِقَّ لِكَوْنِهِ لَا نَصِيبَ لَهُ وَحَمْدُونُ وَمَنْ مَعَهُ لَهُمْ نَصِيبٌ فَهُمْ مُقَدَّمُونَ عَلَيْهِ وَإِنْ تَسَاوَوْا فِي الدَّرَجَةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْوَاقِفِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ هَذَا قَوْلُهُ مَنْ مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ قَامَ وَلَدُهُ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّهُ يَقُومُ
مَقَامَهُ وَهُوَ فِي مَقَامِهِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا لِكَوْنِهِ لَا نَصِيبَ لَهُ مَعَ مَنْ لَهُ نَصِيبٌ وَإِنْ كَانَ مَحْمُودٌ وَمَنْ مَعَهُ لَا نَصِيبَ لَهُمْ وَلَيْسَ فِي دَرَجَةِ الْمُتَوَفَّى مَنْ لَهُ نَصِيبٌ فَحِينَئِذٍ قَدْ اسْتَوَى جَمِيعُ مَنْ فِي دَرَجَةِ نَجْمِ الدِّينِ فِي أَنَّهُمْ لَا نَصِيبَ لَهُمْ؛ وَقَدْ دَلَّ قَوْلُ الْوَاقِفِ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِمْ عِنْدَ عَدَمِ مَنْ لَهُ نَصِيبٌ فَيَسْتَحِقُّ حَمْدُونُ وَعُمَرُ وَمَحْمُودٌ وَأُخْتَاهُمَا وَصَلَاحٌ وَإِخْوَتُهُ أَمَّا حَمْدُونُ وَعُمَرُ وَمَحْمُودٌ وَأُخْتَاهُمَا فَلِأَنَّهُمْ فِي الدَّرَجَةِ وَأَمَّا صَلَاحٌ وَإِخْوَتُهُ فَلِقِيَامِهِمْ مَقَامَ وَالِدِهِمْ عَلَى الَّذِي هُوَ فِي الدَّرَجَةِ فَيُقْسَمُ نَصِيبُ نَجْمِ الدِّينِ عَلَى التَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ عَلَى خَمْسَةٍ لِحَمْدُونَ مِنْهُ الْخُمُسُ وَلِعُمَرَ الْخُمُسُ وَلِمَحْمُودٍ الْخُمُسُ وَلِأُخْتَيْهِمَا الْخُمُسُ وَلِصَلَاحٍ وَإِخْوَتِهِ الْخُمُسُ؛ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَ وَالِدِهِمْ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا الْخُمُسُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. كَتَبَهُ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْكَافِي السُّبْكِيُّ فِي بُكْرَةِ الثُّلَاثَاءِ الْخَامِسِ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ.
ثُمَّ حَضَرْت إلَيَّ فُتْيَا فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ قِيلَ فِيهَا بَعْدَ شَرْحِ شُرُوطِ الْوَاقِفِ فَتُوُفِّيَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ شَخْصٌ اسْمُهُ عَلِيٌّ وَلَهُ أَوْلَادٌ صَلَاحٌ وَإِخْوَتُهُ وَفِي طَبَقَةِ عَلِيٍّ أَوْلَادُ عَمِّهِ وَهُمْ نَجْمُ الدِّينِ وَشِهَابُ الدِّينِ وَحَمْدُونُ وَعُمَرُ وَمَحْمُودٌ وَأُخْتَاهُمَا ثُمَّ تُوُفِّيَ نَجْمُ الدِّينِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَهَلْ يَخْتَصُّ بِنَصِيبِهِ مَنْ مَعَهُ فِي دَرَجَتِهِ وَيُشَارِكُ أَهْلَ الدَّرَجَةِ وَلَدُ عَلِيٍّ صَلَاحٌ وَإِخْوَتُهُ وَهُمْ أَنْزَلُ مِنْهُمْ بِدَرَجَةٍ وَإِذَا شَارَكَ صَلَاحٌ وَإِخْوَتُهُ فَمَاذَا يَسْتَحِقُّونَ وَعَلَى كَمْ يُقْسَمُ نَصِيبُ نَجْمِ الدِّينِ.
فَكَتَبْت قَدْ حَضَرَتْ هَذِهِ الْفُتْيَا مَرَّةً أُخْرَى وَفِيهَا أَنَّ عَلِيًّا الْمُتَوَفَّى وَالِدُهُ إبْرَاهِيمُ مَفْقُودٌ لَمْ تَتَحَقَّقْ وَفَاتُهُ فَإِنَّ وَلَدَهُ عَلِيًّا يَسْتَحِقُّ وَهُوَ فِي الطَّبَقَةِ وَقَدْ مَاتَ وَلَهُ أَوْلَادٌ صَلَاحٌ وَغَيْرُهُ فَهُمْ يَقُومُونَ مَقَامَهُ بِالشَّرْطِ الْآخَرِ فَيُشَارِكُونَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْجَوَابِ الْأَوَّلِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ حَضَرَ إلَيَّ كِتَابُ وَقْفٍ آخَرَ وَقَفَهُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ الْقَلَانِسِيُّ عَلَى الْوَاقِفِينَ الْمَذْكُورِينَ يُجْرِي كُلٌّ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ وَهُوَ النِّصْفُ ثُمَّ أَوْلَادُهُ ثُمَّ أَوْلَادُ أَوْلَادِهِ ثُمَّ نَسْلُهُ عَلَى الشَّرْطِ وَالتَّرْتِيبِ مَنْ تُوُفِّيَ عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ فَلِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ إلَيْهِ وَيَسْتَوِي الْإِخْوَةُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ وَمِنْ الْأَبِ وَابْنُ الْعَمِّ وَمَنْ يَجْرِي مَجْرَاهُمْ وَمَنْ تُوُفِّيَ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ شَيْئًا قَامَ وَلَدُهُ وَالْأَسْفَلُ مِنْهُ مَقَامَهُ فَأَوْلَدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلِيًّا وَفِقْهًا وَأَوْلَدَ عَلِيٌّ مُحَمَّدًا وَتُوُفِّيَ عَلِيٌّ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ عَنْ ابْنِهِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ تُوُفِّيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ ابْنِهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَبِنْتِهِ فُقَهَاءَ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ فُقَهَاءُ عَنْ ابْنٍ يُسَمَّى حَمْدُونَ، وَأَوْلَدَ عِمَادُ الدِّينِ مُحَمَّدٌ مُحَمَّدًا وَإِبْرَاهِيمَ وَمَنْصُورًا فَانْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِمْ وَتُوُفِّيَ كُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ عَنْ أَوْلَادٍ ثُمَّ تُوُفِّيَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَفِي دَرَجَتِهِ مِنْ ذُرِّيَّةِ شِهَابِ الدِّينِ ابْنُ عَمَّتِهِ حَمْدُونُ بْنُ فُقَهَاءَ وَفِي دَرَجَتِهِ أَيْضًا مِنْ ذُرِّيَّةِ عِمَادِ الدِّينِ أَوْلَادُ أَوْلَادِهِ فَهَلْ يَنْتَقِلُ
نَصِيبُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ إلَى حَمْدُونَ أَوْ يُشَارِكُهُ فِي طَبَقَتِهِ مِنْ ذُرِّيَّةِ عِمَادِ الدِّينِ.
(الْجَوَابُ) يَنْتَقِلُ نَصِيبُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ إلَى حَمْدُونَ وَلَا يُشَارِكُهُ مَنْ فِي طَبَقَتِهِ مِنْ ذُرِّيَّةِ عِمَادِ الدِّينِ مِنْ أَنَّهُ لَمَّا فَصَّلَ الْوَاقِفُ فَجَعَلَ لِكُلٍّ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمَا النِّصْفَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ وَقْفَيْنِ فَلَا تَدْخُلُ ذُرِّيَّةُ أَحَدِهِمَا مَعَ ذُرِّيَّةِ الْآخَرِ حَتَّى يَنْقَرِضُوا فَيَسْتَحِقُّوا؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ الَّذِي رَأَيْته: وَمَنْ انْقَرَضَ نَسْلُهُ مِنْ الْأَخَوَيْنِ عَادَ عَلَى أَخِيهِ ثُمَّ نَسْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
كَتَبَهُ عَلِيٌّ السُّبْكِيُّ فِي ثَانِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ.
(صُورَةُ جَوَابٍ آخَرَ عَنْ فُتْيَا فِي وَقْفٍ وَهِيَ الْفُتْيَا الْحَلَبِيَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ) أَجَابَ بِهِ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَيْضًا قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ.
وَهُوَ لَا تَنْفَرِدُ لَطِيفَةُ بِالْوَقْفِ الْمَذْكُورِ بَلْ هُوَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَوْلَادِ مُحَمَّدٍ وَبِنْتِ هَاشِمِيَّةَ وَوَلَدَيْ خَالِهَا عَلَى مَا سَأَذْكُرُهُ: لِلَطِيفَةَ خُمُسُ الْوَقْفِ وَلِأَوْلَادِ مُحَمَّدٍ رُبْعُهُ وَخُمُسُهُ وَلِبِنْتِ هَاشِمِيَّةَ ثُمُنُهُ وَنِصْفُ خُمُسِهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي تَرَجَّحَ عِنْدِي فِي ذَلِكَ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْوَاقِفِ فِي انْتِقَالِ نَصِيبِ كُلٍّ شَخْصٍ لِوَلَدِهِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ إلَّا فِي ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ وَوَلَدُ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى وَالِدُهُ فِي حَيَاتِهِ، وَهَذَا الَّذِي رَجَّحْنَاهُ أَوْلَى مِنْ التَّمَسُّكِ بِقَوْلِهِ " لَا يُشَارِكُ الْبَطْنُ الْأَسْفَلُ الْبَطْنَ الْأَعْلَى " لِوُجُوهٍ أَحَدُهَا قَوْلُ الْوَاقِفِ عَلَى الشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ أَحَدُهَا قَوْلُهُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَالثَّانِي قَوْلُهُ إنْ مَاتَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً انْتَقَلَ لِوَلَدِهِ.
وَالثَّالِثُ يُقْسَمُ أَوْلَادُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ وَذَكَرَ حُكْمَ كُلِّ قِسْمٍ مِنْهَا فَقَوْلُهُ " عَلَى الشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ " يَعُودُ عَلَى الثَّلَاثَةِ لِعُمُومِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِيهِ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مُخْتَصٌّ بِقَوْلِهِ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] ؛ لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ مِنْ غَيْرِ مُخَصِّصٍ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] بِأَصْلِ الْوَضْعِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لَكِنَّهُ بَيَانٌ وَإِنَّمَا نُطْلِقُ عَلَيْهِ شَرْطًا تَوَسُّعًا وَكَذَلِكَ تَقْسِمَةُ الْأَوْلَادِ وَذِكْرُ أَحْكَامِهِمْ، وَأَمَّا قَوْلُهُ " إنْ مَاتَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً انْتَقَلَ لِوَلَدِهِ " فَإِنَّهُ شَرْطٌ وَضْعًا وَحَقِيقَةً فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ أَوْلَى وَكَانَ إخْرَاجُهُ مِنْ مَدْلُولِ الشَّرْطِ غَيْرَ سَائِغٍ وَلَا يُقَالُ إنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَمَّا صَرَّحَ الْوَاقِفُ فِيهِ بِأَنَّهُ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً لَمْ يُمْكِنْ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَنْ بَعْدَهُ وَلَا حَمْلُ شَرْطِ الْمَذْكُورِ فِيمَنْ بَعْدَهُ عَلَيْهِ لِتَعَذُّرِهِ فَوَجَبَ حَمْلُ الشَّرْطِ عَلَى الْأَوَّلِ فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُهُ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] فَإِنَّهُ لَفْظٌ عَامٌّ يَصِحُّ مَعْنَاهُ فِي كُلِّ بَطْنٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ تَصِحُّ إرَادَتُهُ عَلَى إضْمَارِ مِثْلِ أَوْ عَلَى إرَادَتِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى خُصُوصِ مَحَلِّهِ،
وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا تَجَوُّزٌ لَطِيفٌ أَوْ جَمْعٌ بَيْنَ حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَنَا، وَقَدْ دَلَّ دَلِيلٌ هُنَا عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ كَلَامِ الْوَاقِفِ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ وَتَعْلِيلًا مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ الْحَقِيقَةِ مَا أَمْكَنَ.
وَسَنُبَيِّنُ بِمَجْمُوعِ الْأَدِلَّةِ الَّتِي نَذْكُرُهَا أَنَّ سُلُوكَ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ الَّتِي سَلَكْنَاهَا أَقَلُّ مُخَالَفَةً وَلَا يُقَالُ إنَّ قَوْلَهُ " عَلَى الشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ " إنَّمَا هُوَ فِي أَوْلَادِ أَوْلَادِ عَبْدِ اللَّهِ لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ " ثُمَّ " مِنْ التَّرْتِيبِ وَفَاخِرَةُ مِنْ أَوْلَادِهِ لَا مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ فَلَا يَكُونُ الشَّرْطُ مُرَادًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا لِأَنَّا نُجِيبُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا الْآنَ فِي لَطِيفَةَ وَهِيَ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَالثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى الشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ عَلَى جِهَةِ الْحَالِ يَتَعَلَّقُ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ ثُمَّ مِنْ مَعْنَى التَّرْتِيبِ أَوْ بِالْعَامِلِ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَيَعُودُ إلَى مَعْنَى التَّرْتِيبِ وَهُوَ مُطْلَقٌ فِي تَرْتِيبِ كُلِّ فَرْعٍ عَلَى أَصْلِهِ وَتَرْتِيبِ الْمَجْمُوعِ عَلَى الْمَجْمُوعِ وَقَدْ دَلَّ الشَّرْطُ الْمُتَقَدِّمُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ.
(الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ الدَّلِيلِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ) أَنَّ قَوْلَهُ " لَا يُشَارِكُ الْبَطْنُ السَّافِلُ الْعَالِيَ " إذَا سُلِّمَ عُمُومُهُ مَخْصُوصٌ قَطْعًا بِمَا صَرَّحَ بِهِ الْوَاقِفُ فِي أَوْلَادِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَوْلَادِ وَلَدِهِ الْمُتَوَفَّى فِي حَيَاتِهِ فَضَعُفَتْ دَلَالَةُ الْعَامِّ بِالتَّخْصِيصِ وَصَارَ عُرْضَةً لَأَنْ يُخَصَّ بِمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْوَاقِفِ وَالتَّخْصِيصُ وَإِنْ قِيلَ بِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ الْمَجَازِ إلَّا أَنَّ التَّخْصِيصَ هُنَا فِي مَحَلَّيْنِ وَالْمَجَازُ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَكَانَ أَوْلَى لَا سِيَّمَا وَقَدْ عَضَّدَهُ مَفْهُومُ كَلَامِ الْوَاقِفِ وَمَقْصُودُ كَلَامِ الْوَاقِفِينَ غَالِبًا فِي تَعْمِيمِ النَّفْعِ فِي ذُرِّيَّاتِهِمْ مَا لَمْ يُصَرِّحُوا بِخِلَافِهِ.
(الْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ الْمُشَارَكَةَ لَهَا مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا الِاشْتِرَاكُ فِي الِاعْتِبَارِ كَاشْتِرَاكِ مَالِكَيْ الْعَبْدِ فِيهِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إنَّمَا يَمْلِكُ حِصَّتَهُ مِنْهُ وَلَا حَقَّ لِلْآخَرِ؛ وَالثَّانِي الِاشْتِرَاكُ فِي الْحُقُوقِ كَالشَّفِيعَيْنِ يَسْتَحِقَّانِ الشُّفْعَةَ جَمِيعَ الشِّقْصِ فَإِنْ اجْتَمَعَا ازْدَحَمَا عَلَيْهِ وَإِنْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا أَخَذَهُ كُلَّهُ، وَالشَّرِكَةُ فِي الْأَوْقَافِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَإِنَّهُ إذَا وَقَفَ دَارًا عَلَى وَلَدَيْهِ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَحِقًّا لِجَمِيعِ مَنَافِعِهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا رَجَعَتْ الْغَلَّةُ إلَى مَنْ بَقِيَ وَإِنَّمَا يَزْدَحِمَانِ عِنْدَ وُجُودِهِمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَهَذِهِ هِيَ حَقِيقَةُ الشَّرِكَةِ وَإِنَّمَا تُطْلَقُ الشَّرِكَةُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ فِيمَا لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ هَذَا الْمَعْنَى فِيهِ، وَمَتَى أَمْكَنَ الْمَعْنَيَانِ حُمِلَ عَلَى الثَّانِي فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ الْحَقِيقَةُ.
إذَا عُرِفَ هَذَا فَقَوْلُ الْوَاقِفِ " لَا يُشَارِكُ الْبَطْنُ السَّافِلُ الْبَطْنَ الْعَالِيَ " مَعْنَاهُ لَا يَكُونَانِ مُسْتَحِقَّيْنِ لَهُ عَلَى التَّشْرِيكِ كَمَا فِي وَقْفِ التَّشْرِيكِ الَّذِي قَصَدَهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ قَوْلِ الْوَاقِفِ " وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي " فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْبَطْنَيْنِ يَسْتَحِقُّونَهُ عَلَى التَّمَامِ وَالْكَمَالِ فَنَفَى الْوَاقِفُ هَذَا، وَهَذَا النَّفْيُ حَاصِلٌ بِحَجْبِ كُلِّ أَصْلٍ لِفَرْعِهِ فَقَطْ أَمَّا إذَا انْتَقَلَ نَصِيبُ كُلٍّ بِمَوْتِهِ لِفَرْعِهِ فَلَا يُقَالُ إنَّ الْفَرْعَ قَدْ
شَارَكَ عَمَّهُ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَزْدَحِمَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ فَاضْبُطْ هَذَا فَإِنَّ فَهْمَهُ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.
(الْوَجْهُ الرَّابِعُ) إنَّ الْوَاقِفَ قَدْ ذَكَرَ الْبُطُونَ الَّتِي بَعْدَ عَبْدِ اللَّهِ بِالْوَاوِ ثُمَّ ذَكَرَهَا أَيْضًا بَعْدَ أَوْلَادِهِ بِالْوَاوِ وَمُقْتَضَاهَا لَوْ سَكَتَ عَلَيْهَا التَّشْرِيكُ لَكِنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ " لَا يُشَارِكُ الْبَطْنُ السَّافِلُ الْعَالِيَ " يَقْتَضِي حَجْبًا مَا وَالْمُحَقَّقُ مِنْهُ حَجْبُ الْفَرْعِ بِأَصْلِهِ وَأَمَّا حَجْبُهُ بِأَصْلِ غَيْرِهِ فَمُحْتَمَلٌ فَيَتَمَسَّكُ فِي نَفْيِهِ بِمُقْتَضَى الْأَصْلِ الدَّالِّ عَلَى التَّشْرِيكِ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ، وَهَكَذَا أَقُولُ حَيْثُ قَالَ الْوَاقِفُ " وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي وَنَسْلِي تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا الطَّبَقَةَ السُّفْلَى " إنَّ الْأَصْلَ الِاسْتِحْقَاقُ إلَّا فِي الْحَجْبِ الْمُحَقَّقِ وَهُوَ حَجْبُ الْأَصْلِ لِفَرْعِهِ فَحَيْثُ شَكَكْنَا نَرْجِعُ إلَى الْأَصْلِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ " عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِي "؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِ الْبَطْنِ الثَّانِي فَلَا يُصْرَفُ إلَيْهِمْ مَا لَمْ يَنْقَرِضْ جَمِيعُ الْأَوَّلِ لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ لَهُ الْمُتَعَضَّدِ بِالْأَصْلِ، هَذَا فِي قَوْلِهِ تَحْجُبُ الَّذِي هُوَ صَرِيحٌ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْوَقْفِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا فِيهِ قَوْلُهُ لَا يُشَارِكُ وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ.
(الْوَجْهُ الْخَامِسُ) إنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه حَمَلَ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ عِنْدَ إيجَادِ السَّبَبِ وَعِنْدَ اخْتِلَافِهِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَفِي مَحَلَّيْنِ، وَالتَّرْتِيبُ مُطْلَقٌ وَقَدْ قَيَّدَهُ الْوَاقِفُ فِي أَوْلَادِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ.
(الْوَجْهُ السَّادِسُ) إنَّ بَطْنًا إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مَجْمُوعُ الْبَطْنِ أَوْ كُلُّ فَرْدٍ مِنْهُ؛ إنْ كَانَ الْأَوَّلُ اقْتَضَى كَلَامَ الْوَاقِفِ أَنَّهُ لَا يُشَارِكُ مَجْمُوعُ الْبَطْنِ السَّافِلِ مَجْمُوعَ الْبَطْنِ الْعَالِي، وَهَذَا حَاصِلٌ بِمَوْتِ بَعْضِ الْعَالِي فَلَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى مَنْعِ مُشَارَكَةِ الْبَاقِينَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَالْأَمْرُ كَذَلِكَ أَيْضًا لِأَنَّهُ عَامٌّ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَالسَّلْبُ دَاخِلٌ عَلَيْهِ وَهُوَ سَلْبُ الْعُمُومِ لَا عُمُومُ السَّلْبِ وَسَلْبُ الْعُمُومِ بِمَنْزِلَةِ سَلْبِ الْمَجْمُوعِ.
(الْوَجْهُ السَّابِعُ) أَنَّ الْوَاقِفَ قَدْ صَرَّحَ فِي أَوْلَادِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَأَوْلَادِ مَنْ مَاتَ مِنْ وَلَدِهِ بِذَلِكَ وَهُوَ قَرِينَةٌ فِي إرَادَةِ ذَلِكَ فِي الْبَاقِينَ وَالْقَرَائِنُ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ.
(الْوَجْهُ الثَّامِنُ) مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ غَرَضَ الْوَاقِفِينَ تَعْمِيمُ النَّفْعِ فِي ذُرِّيَّاتِهِمْ وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إلَى اعْتِبَارِ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِهِ وَنَحْنُ أَلْغَيْنَاهُ عِنْدَ انْفِرَادِهِ فَلَا نُلْغِيهِ إذَا اعْتَضَدَ بِغَيْرِهِ وَهَهُنَا قَدْ اعْتَضَدَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَكَانَ الِاسْتِنَادُ إلَى مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ وَصَلُحَا بِأَنْ يَنْهَضَ مِنْهُمَا دَلِيلٌ.
(الْوَجْهُ التَّاسِعُ) أَنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ قَوْلَهُ " وَقَفَتْ عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِي " هَلْ يَقْتَضِي انْتِقَالَ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ لِوَلَدِهِ أَوْ لَا وَالْمَشْهُورُ الْمَنْعُ هَذَا إذَا لَمْ تُعَضِّدْهُ قَرِينَةٌ وَهَهُنَا قَدْ اعْتَضَدَ ذَلِكَ الْوَجْهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فَقَوِيَ.
(الْوَجْهُ الْعَاشِرُ) مَا دَلَّ عَلَيْهِ
آخِرُ كَلَامِ الْوَاقِفِ فِيمَنْ مَاتَ أَبُوهُ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ فَإِذَا عُرِفَ قَصْدُ الْوَاقِفِ فِي صِلَةِ مَنْ مَاتَ أَبُوهُ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ فَفِي مَنْ مَاتَ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ أَوْلَى.
وَلَا يُقَالُ إنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ الَّذِي يُعْتَبَرُ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِينَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ هَذَا لَيْسَ بِقِيَاسٍ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ فَحْوَى الْكَلَامِ وَالسِّيَاقِ الْمُرْشِدِ إلَى الْمُرَادِ وَذَلِكَ مَعْمُولٌ بِهِ فِي كُلِّ كَلَامٍ فَقَدْ بَانَ بِأَوَّلِ كَلَامِ الْوَاقِفِ وَوَسَطِهِ وَآخِرِهِ، وَمَقَاصِدُ الْوَاقِفِينَ غَالِبًا وَقَوَاعِدُ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ أَنَّ مُقْتَضَى هَذَا الْوَقْفِ انْتِقَالُ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِهِ بِمَوْتِهِ إلَى وَلَدِهِ وَأَنَّ هَذَا رَاجِحٌ رُجْحَانًا قَوِيًّا عَلَى تَخْصِيصِ الْأَعْلَى فَجَمِيعُ الْوَقْفِ عَمَلًا بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ لَا يُشَارِكُ الْبَطْنُ السَّافِلُ الْبَطْنَ الْعَالِيَ، وَأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ أَوْلَى بَلْ إذَا تُؤُمِّلَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْوُجُوهِ الْعَشَرَةِ طَاحَ احْتِمَالُ التَّخْصِيصِ بِالْأَعْلَى الْمُسْتَنَدِ الْمُجَرَّدِ إلَى تِلْكَ اللَّفْظَةِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لَهَا وَزْنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
(مَسْأَلَةٌ) مِنْ حَلَبَ فِي رَجُلٍ وَقَفَ مَدْرَسَةً وَقْفًا شَرْعِيًّا وَفَوَّضَ النَّظَرَ إلَى يُوسُفَ مُدَّةَ حَيَاتِهِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ إلَى جَمَاعَةٍ مَخْصُوصِينَ مِنْ قَبِيلَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَا يَخْرُجُ النَّظَرُ عَنْهُمْ مَا دَامَ مَنْ يَصْلُحُ لِلنَّظَرِ وَكَذَلِكَ التَّدْرِيسُ لَا يُعْدَلُ بِهِ إلَى سِوَاهُمْ فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَصْلُحُ لِلنَّظَرِ وَالتَّدْرِيسِ فُوِّضَ النَّظَرُ وَالتَّدْرِيسُ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ فَإِلَى مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ مِنْ أَهْلِ مَدِينَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَمَتَى عَادَ أَوْ نَشَأَ لَهُمْ أَوْ مِنْ نَسْلِهِمْ وَعَقِبِهِمْ مَنْ يَصْلُحُ لِلنَّظَرِ أَوْ التَّدْرِيسِ أُعِيدَ ذَلِكَ إلَيْهِ، وَشَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ يَكُونَ الْمُدَرِّسُ شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ فَمَنْ أَحْكَمَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه بِحَيْثُ صَارَ أَهْلًا لَأَنْ يَعْمَلَ بِفُتْيَاهُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَإِنَّ الَّذِي يُوَلِّي الْمُدَرِّسَ هُوَ النَّاظِرُ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْقَبِيلَةِ الْمَشْرُوطِ فِيهِمْ النَّظَرُ وَالتَّدْرِيسُ أَحَدٌ أَحْكَمَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ كَمَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ وَلَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْمُعَيَّنَةِ فَهَلْ يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُوَلِّيَ مُدَرِّسًا مِنْ غَيْرِ الْقَبِيلَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْبَلَدِ وَيَكُونُ غَرِيبًا إذَا وُجِدَ شَرْطُ الْوَاقِفِ فِيهِ وَيَكُونُ مُحَالِفًا لِشَرْطِ الْوَاقِفِ لِكَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ الْبَلَدِ وَالْقَبِيلَةِ أَوْ يَخْتَارُ النَّاظِرُ الْأَصْلَحَ مِنْ الْقَبِيلَةِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ وَيُوَلِّيهِ التَّدْرِيسَ وَيَكُونُ أَيْضًا مُخَالِفًا لِشَرْطِ الْوَاقِفِ إنْ وَلَّى مُدَرِّسًا مَا أَحْكَمَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَعَلَى كِلَا الْحَالَيْنِ الْمُخَالَفَةُ وَاقِعَةٌ وَقَدْ يُخَيَّرُ النَّاظِرُ فِيمَا يُخَلِّصُهُ وَيُبَرِّئُ ذِمَّتَهُ أَفْتُونَا فِي ذَلِكَ أَثَابَكُمْ اللَّهُ.
(الْجَوَابُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ قِيَامُ الْمَدْرَسَةِ وَبَقِيَّةِ وَظَائِفِهَا بِدُونِ الْمُدَرِّسِ وَانْتِظَارِ حُدُوثِ مَنْ فِيهِ شَرْطُ الْوَاقِفِ مِنْ الْقَبِيلَةِ أَوْ الْمَدِينَةِ فَيُنْتَظَرُ وَلَا يُوَلَّى أَحَدٌ إلَى أَنْ يَحْصُلَ مَنْ فِيهِ شَرْطُ الْوَاقِفِ، وَيُصْرَفُ مَعْلُومُ
التَّدْرِيسِ فِي مُدَّةِ الِانْتِظَارِ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي شَرْطِ الْوَاقِفِ مَا يَقْتَضِي رَدَّهُ عَلَى بَقِيَّةِ أَرْبَابِ الْوَظَائِفِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ قِيَامُ الْمَدْرَسَةِ وَاشْتِغَالُ الْفُقَهَاءِ إلَّا بِالْمُدَرِّسِ فَيُسْتَجْلَبُ لَهُمْ مُدَرِّسٌ قَدْ أَحْكَمَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ يُجْعَلُ عَلَيْهِمْ إلَى أَنْ يَحْصُلَ مِنْ الْقَبِيلَةِ أَوْ الْمَدِينَةِ وَاحِدٌ كَذَلِكَ وَيُصْرَفُ لَهُ الْمَعْلُومُ عَلَى عَمَلِهِ لِتَعَذُّرِ الْوَفَاءِ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ فِي ذَلِكَ الْوَصْفِ وَإِقَامَةً لِشَرْطِهِ فِي الْبَقِيَّةِ فَالصَّرْفُ إلَيْهِ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ تَحْصِيلٌ لِبَعْضِ الْمَقْصُودِ لَا لِكَوْنِهِ يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ الشَّرْطُ، وَأَمَّا اخْتِيَارُ الْأَصْلَحِ مِنْ الْقَبِيلَةِ أَوْ الْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُحْكِمًا لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَلَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَعْظَمَ الْمَقْصُودَ فِي التَّدْرِيسِ إحْكَامُهُ لِذَلِكَ لَا عَيْنُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. كَتَبَهُ عَلِيٌّ السُّبْكِيُّ الشَّافِعِيُّ انْتَهَى.
وَمِنْ خَطِّهِ نُقِلَتْ رحمه الله.
(مَسْأَلَةٌ) فِي الْعَادِلِيَّةِ الصُّغْرَى فِي نَظَرِهَا قَالَ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ: وَيُصْرَفُ مِنْ ارْتِفَاعِ الْوَقْفِ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَمَانُونَ دِرْهَمًا فِضَّةً نَاصِرِيَّةً وَغِرَارَةٌ وَاحِدَةٌ حِنْطَةً بِكَيْلِ دِمَشْقَ وَنِصْفُ غِرَارَةِ شَعِيرٍ بِكَيْلِ دِمَشْقَ إلَى الشَّيْخِ نَجْمِ الدِّينِ أَحْمَدَ بْنِ شَمْسِ الدِّينِ عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ قَاضِي بَالِسَ عَنْ نَظَرِهِ فِي هَذَا الْوَقْفِ وَمُشَارَفَتِهِ وَتَحْصِيلِ رِيعِ هَذَا الْوَقْفِ وَأُجُورِهِ وَغَلَّاتِهِ وَمُبَاشَرَةِ عِمَارَةِ مَا يَحْتَاجُ إلَى الْعِمَارَةِ مِنْهُ وَعَنْ السَّعْيِ فِي تَمْيِيزِ ارْتِفَاعِ الْوَقْفِ وَتَنْمِيَتِهِ وَالْعَمَلِ لِمَصَالِحِهِ أَبَدًا مَا دَامَ قَائِمًا بِذَلِكَ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى عَامِلٍ يَكُونُ مَعَهُ يَجْبِي وَيُسَاعِدُهُ فِيمَا هُوَ بِصَدَدِهِ صَرَفَ النَّاظِرُ فِي الْوَقْفِ مِنْ ارْتِفَاعِهِ إلَى الْعَامِلِ أُجْرَةَ مِثْلِهِ وَيَصْرِفُ مِنْ الِارْتِفَاعِ إلَى مَنْ يَتَوَلَّى النَّظَرَ فِي هَذَا الْوَقْفِ أَيْضًا فِي كُلِّ شَهْرٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ فِضَّةً نَاصِرِيَّةً عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ وَشَرَطَ أَيْضًا لِنَجْمِ الدِّينِ الْمَذْكُورِ وَلِلطَّوَاشِيِّ مَنْ شَاءَ مِنْ الْوَقْفِ حِصَّةً مَعْلُومَةً ثُمَّ قَالَ وَأَسْنَدَتْ الْوَاقِفَةُ النَّظَرَ إلَى زَهْرَا خَاتُونَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهَا تَتَوَلَّاهُ وَتُوَكِّلُ فِيهِ مَنْ شَاءَتْ وَتُسْنِدُهُ إلَى مَنْ اخْتَارَتْ وَتَعْزِلُ مَنْ تُوَكِّلُهُ إذَا شَاءَتْ وَمَنْ تُسْنِدُهُ إلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ مِثْلُ ذَلِكَ مُسْنَدًا بَعْدَ مُسْنَدٍ فَإِنْ لَمْ تُسْنِدْ الْخَاتُونَ زَهْرَا النَّظَرَ إلَى أَحَدٍ كَانَ النَّظَرُ بَعْدَهَا فِي أَمْرِ الْمَدْرَسَةِ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُعِيدِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ وَالْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ إلَى الْمُدَرِّسِ وَالنَّظَرُ فِي أَمْرِ الْجَمَاعَةِ وَفِي الْأَوْقَافِ بِمُشَارَكَةِ الْمُدَرِّسِ وَإِشَارَتِهِ إلَى الطَّوَاشِيِّ غَرْسِ الدِّينِ يَمَنَ وَإِلَى نَجْمِ الدِّينِ عَلَى الِاجْتِمَاعِ مِنْهُمْ وَالِانْفِرَادِ مَا لَمْ يُمْكِنْ اجْتِمَاعُهُمْ فِي وَقْتٍ يُفَوِّتُ الْمَصْلَحَةَ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ شَاءَ وَأَنْ يَأْذَنَ لِلْآخَرِينَ وَلِمَنْ شَاءَ مِنْهُمَا بِالِانْفِرَادِ فِي النَّظَرِ.
وَالْمُقَرَّرُ لِلْمُدَرِّسِ عَنْ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ كُلُّ شَهْرٍ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَالْمُقَرَّرُ لِلْآخَرِينَ سِتُّونَ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ نِصْفَيْنِ زِيَادَةً عَلَى مَالَهُمَا مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ هِيَ الْمِائَةُ دِرْهَمٍ الْمُقَدَّمُ ذِكْرُهَا لِمَنْ يَتَوَلَّى
النَّظَرَ فِي هَذَا الْوَقْفِ بَعْدَ الْخَاتُونَ زَهْرَاءَ، ثُمَّ يَعُودُ مَا هُوَ لِيَمَنَ بَعْدَ وَفَاتِهِ مِنْ النَّظَرِ وَالْجَامِكِيَّةِ إلَى عَنْبَرٍ ثُمَّ إلَى كَافُورٍ ثُمَّ إلَى بَدْرٍ ثُمَّ إلَى الْأَرْشَدِ مِنْ عُتَقَاءِ زَهْرَاءَ ثُمَّ إلَى الْأَرْشَدِ مِنْ الْخُدَّامِ الْمَخْصُوصِينَ بِالسُّكْنَى، وَيَعُودُ مَا لِنَجْمِ الدِّينِ مِنْ النَّظَرِ وَالْجَامِكِيَّةِ عَلَى النَّظَرِ بَعْدَ وَفَاتِهِ إلَى مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ مِنْ أَنْسَالِهِ.
وَمَنْ تَعَذَّرَ نَظَرُهُ مِمَّنْ لَهُ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ كَانَ مَالَهُ مِنْ النَّظَرِ إلَى حَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ بِدِمَشْقَ يُوَلِّيهِ مَنْ شَاءَ مِنْ الْأُمَنَاءِ الثِّقَاتِ فِي مُسْتَهَلِّ رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ ثُمَّ إنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهَا زَهْرَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَنَةٍ أَوْ نَحْوِهَا فِي الْعُشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ أَسْنَدَتْ إلَى أَخِيهَا لِأَبِيهَا الْأَمْجَدِ تَقِي الدِّينِ عَبَّاسِ بْنِ الْعَادِلِ أَبِي بَكْرٍ بْنِ أَيُّوبَ ثُمَّ يَكُونُ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ إلَى الْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدِ مِنْ أَنْسَالِهِمْ فَإِنْ عُدِمَ الْأَرْشَدُ فِيهِمْ.
فَالنَّظَرُ إلَى الْمُدَرِّسِ وَمَنْ سُمِّيَ مَعَهُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ مِنْ الْخُدَّامِ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمُعَيَّنِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ ثُمَّ إلَى حَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ بِدِمَشْقَ؛ وَكَانَتْ ذَكَرَتْ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ وَعَادَتْ الْحُجْرَةُ الْعُلْوُ الَّتِي مِنْ قَبْلِهِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ الشَّارِعَةُ عَلَى الطَّرِيقِ بِحَضْرَةِ دَارِ الْحَدِيثِ النُّورِيَّةِ ذَاتِ الْبَابِ الْمُجَاوِرِ لِلْبَابِ الْمُقَنْطَرِ الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهُ مِنْ غَرِيمِهِ وَقْفًا عَلَى عُتَقَاءِ زَهْرَاءَ مِنْ الْخُدَّامِ الْمُلَازِمِينَ لِخِدْمَتِهَا عِنْدَ وَفَاتِهَا بِرَسْمِ سَكَنِهِمْ فَإِذَا انْقَرَضُوا كَانَ ذَلِكَ وَقْفًا بِرَسْمِ سُكْنَى الْخُدَّامِ مِنْ عُتَقَاءِ الْمَلِكِ الصَّالِحِ وَوَالِدَتِهِ وَأُخْتِهِ دُنْيَا مِنْ عَلَى الْخُدَّامِ مِنْ عُتَقَاءِ أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى الْخُدَّامِ مِنْ عُتَقَاءِ الْمَلِكِ الْعَادِلِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ صَالِحِينَ.
فَإِذَا انْقَرَضُوا كَانَ ذَلِكَ وَقْفًا بِرَسْمِ سُكْنَى الْخُدَّامِ الْأُسْتَاذَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ الْفُقَرَاءِ مَا وُجِدُوا.
قَالَ عَلِيٌّ السُّبْكِيُّ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْ وَالِدِيهِ نَتَكَلَّمُ عَلَى هَذِهِ الْقِطْعَةِ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ فِي سِتِّ مَسَائِلَ إحْدَاهَا لِمَنْ يَكُونُ النَّظَرُ عِنْدَ عَدَمِ الْإِسْنَادِ.
الثَّانِيَةُ: لِمَنْ يَكُونُ النَّظَرُ عِنْدَ الْإِسْنَادِ.
الثَّالِثَةُ: فِي حُكْمِ الْمَعْلُومِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِسْنَادِ.
الرَّابِعَةُ: فِي حُكْمِ الْمَعْلُومِ عِنْدَ الْإِسْنَادِ.
الْخَامِسَةُ: فِي حُكْمِ النَّظَرِ وَالْمَعْلُومِ عِنْدَ الْجَهْلِ بِالْإِسْنَادِ وَمَا يَحِلُّ اعْتِمَادُهُ حِينَئِذٍ وَمَا يَجِبُ إذَا تَبَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ.
السَّادِسَةُ: فِي صَرْفِ زِيَادَةٍ عَلَى الْمِائَةِ.
فَلْنَتَكَلَّمْ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ: (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) لِمَنْ يَكُونُ النَّظَرُ عِنْدَ عَدَمِ الْإِسْنَادِ؟ الْجَوَابُ إنَّهُ بَعْدَ وَفَاةِ زَهْرَا إذَا لَمْ يُسْنِدْ يَكُونُ لِلْمُدَرِّسِ وَلِنَجْمِ الدِّينِ قَاضِي بَالِسَ وَنَسْلِهِ وَلِلطَّوَاشِيِ يَمَنَ، وَبَعْدَ انْقِرَاضِهِمَا وَانْقِرَاضِ الْمُعَيَّنِينَ بَعْدَهُمَا يَكُونُ نَظَرُ الطَّوَاشِي لِأَرْشَدِ الْخُدَّامِ السَّاكِنِينَ بِالْحُجْرَةِ الْمَذْكُورَةِ وَنَظَرُ الْمُدَرِّسِ لَهُ وَنَظَرُ ابْنِ قَاضِي بَالِسَ لِلْحَاكِمِ، وَإِذَا أَرَادَ الْحَاكِمُ أَنْ يُفَوِّضَ نَظَرَهُ إلَى الْمُدَرِّسِ فَلَهُ ذَلِكَ عَمَلًا بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ إذْنُ الْوَاقِفَةِ لِكُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ فِي
تَوْكِيلِ الْآخَرِينَ وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُفَوِّضَ نَظَرَ الْخُدَّامَ إلَى الْمُدَرِّسِ بَلْ يَكُونُ النَّظَرُ حِينَ تَفْوِيضِ الْحَاكِمِ إلَى الْمُدَرِّسِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمُدَرِّسِ وَالْخُدَّامِ وَلَا يَجِبُ اجْتِمَاعُهُمْ بَلْ يَتَصَرَّفُونَ مُجْتَمِعِينَ وَمُتَفَرِّقِينَ؛ أَمَّا انْفِرَادُ الْمُدَرِّسِ عَنْ الْخُدَّامِ وَانْفِرَادُ الْخُدَّامِ عَنْ الْمُدَرِّسِ فَلَا إشْكَالَ وَأَمَّا انْفِرَادُ بَعْضِ الْخُدَّامِ عَنْ بَعْضٍ إذَا اسْتَوَوْا فِي الرُّشْدِ فَلِصِيغَةِ الْعُمُومِ وَهُوَ يَقْتَضِي كُلَّ فَرْدٍ لَا الْمَجْمُوعَ وَأَمَّا عِنْدَ انْفِرَادِ بَعْضِهِمْ بِالْأَرْشَدِيَّةِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا النَّظَرِ.
وَهَذَا الْبَحْثُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُسْتَفَادُ وَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْعَمَلِ الْآنَ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ إنَّمَا أَسْنَدَتْ فَلَا نَظَرَ لِلْمُدَرِّسِ وَلَا لِلْخُدَّامِ حَتَّى يَنْقَرِضَ مَنْ أَسْنَدَتْ إلَيْهِ قَبْلَهُمْ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لِمَنْ يَكُونُ النَّظَرُ عِنْدَ الْإِسْنَادِ.
وَالْجَوَابُ لَا إشْكَالَ فِي أَنَّهُ بَعْدَ وَفَاتِهَا إذَا أَسْنَدَتْ كَمَا شُرِحَ فِي كِتَابِ الْإِسْنَادِ لِأَخِيهَا الْأَمْجَدِ إذَا كَانَ أَهْلًا وَأَمَّا بَعْدَهُ فَاَلَّذِي أَقُولُهُ إنَّ النَّظَرَ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدِ مِنْ أَوْلَادِ أَخِيهَا الصَّالِحِ ثُمَّ مِنْ أَنْسَالِهِمْ ثُمَّ لِلْمُدَرِّسِ وَمَنْ سُمِّيَ مَعَهُ مِنْ الْخُدَّامِ ثُمَّ لِلْحَاكِمِ كَمَا تَضَمَّنَهُ الْإِسْنَادُ فَإِنْ قُلْتَ الْوَاقِفَةُ مَامَا خَاتُونَ شَرَطَتْ لِزَهْرَا أَنْ تُسْنِدَ وَهُوَ مُطْلَقٌ فَيَكْفِي فِيهِ بِالْإِسْنَادِ إلَى أَخِيهَا الْأَمْجَدِ فَلِمَ قُلْت إنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُسْنِدَ بَعْدَهُ وَالْمُطْلَقُ يَكْتَفِي فِيهِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ.
قُلْت قَدْ قَالَتْ الْوَاقِفَةُ إنَّ زَهْرَاءَ تُسْنِدُهُ إلَى مَنْ اخْتَارَتْ وَ " مَنْ " صِيغَةُ عُمُومٍ لَهَا أَنْ تُسْنِدَهُ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ إلَى مُعَيَّنٍ وَإِلَى عَامٍّ فَإِنَّ الْإِسْنَادَ إلَى الْمُعَيَّنِ جَائِزٌ وَالْإِسْنَادُ إلَى الْعَامِّ جَائِزٌ وَقَدْ أَسْنَدَ عُمَرُ رضي الله عنه إلَى ابْنَتِهِ حَفْصَةَ ثُمَّ إلَى ذَوِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا فَإِذَا الْمُوصِي أَوْ الْوَاقِفُ لِغَيْرِهِ الْإِسْنَادُ فَلَهُ أَنْ يُسْنِدَ إلَى وَاحِدٍ وَأَكْثَرَ هَذَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَعِنْدَ الْإِتْيَانِ بِالصِّيغَةِ أَوْلَى، وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ فِي عَصْرِنَا هَذَا تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ هَذَا مَحَلَّ تَوَقُّفٍ بَلْ أَنَا قَاطِعٌ بِجَوَازِ ذَلِكَ.
فَإِنْ قُلْت: سَلَّمْنَا أَنَّ الْإِسْنَادَ الْعَامَّ جَائِزٌ لَكِنَّ هَذَا إسْنَادٌ بَعْدَ إسْنَادٍ وَهِيَ لَمْ يَجُزْ لَهَا أَنْ تُسْنِدَ مَرَّتَيْنِ.
قُلْت: لَيْسَ هَذَا إسْنَادًا بَعْدَ إسْنَادٍ وَإِنَّمَا هُوَ إسْنَادٌ وَاحِدٌ إلَى جَمَاعَةٍ مُتَرَتِّبِينَ وَالتَّرْتِيبُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ لَا فِي الْإِسْنَادِ كَمَا تَقُولُ وَقَفْت عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَمْرٍو وَلَا تَقُولُ إنَّهُ وَقَفَ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ وَقَفَ عَلَى عَمْرٍو بَلْ وَقَفَ وَقْفًا وَاحِدًا عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَمْرٍو وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ لَا فِي الْوَقْفِ، وَبِذَلِكَ فَارَقَ الْوَقْفَ الْمُعَلَّقَ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْجَوَابِ عَنْ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ أَنَّ لَهَا أَنْ تُسْنِدَ إلَى جَمَاعَةٍ وَالْجَمَاعَةُ قَدْ يَكُونُونَ مُجْتَمَعِينَ وَقَدْ يَكُونُونَ مُتَرَتِّبِينَ وَالْقِسْمَانِ يَشْمَلُهُمَا لَفْظٌ، فَيَصِحُّ وَيَنْدَرِجُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْوَاقِفَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَحَلَّ تَوَقُّفٍ أَيْضًا لِمَنْ عِنْدَهُ أَدْنَى نَظَرٍ؛ وَقَدْ وَصَّى عُمَرُ إلَى حَفْصَةَ ثُمَّ إلَى ذَوِي الرَّأْيِ وَهُوَ دَلِيلٌ لِمَا قُلْنَاهُ فَإِنَّهُ صَحَّ إسْنَادُهُ إلَى ذَوِي الرَّأْيِ
فِي الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ وَلَا يَعْرِفُهُمْ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَعْلِيقًا لِلْوَصِيَّةِ.
فَإِنْ قُلْت: هُنَا مَا يَمْنَعُ الْإِسْنَادَ إلَى شَخْصٍ بَعْدَ شَخْصٍ وَهُوَ جَعْلُ الْوَاقِفَةِ لِلْمُسْنَدِ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ زَهْرَاءَ إنْ تُسْنِدَ فَلَوْ صَحَّ إسْنَادُ زَهْرَاءَ إلَى الثَّانِي يَمْنَعُ الْأَوَّلَ مِنْ الْإِسْنَادِ الَّذِي شَرَعَتْهُ لَهُ الْوَاقِفَةُ فَكَانَ فِي تَصْحِيحِ الْإِسْنَادِ إلَى أَوْلَادِ أَخِيهَا الصَّالِحِ بَعْدَ أَخِيهَا الْأَمْجَدِ مَا يَمْنَعُ الْأَمْجَدَ مِنْ الْإِيصَاءِ الْمَشْرُوطِ لَهُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ فَيَكُونُ بَاطِلًا. قُلْت لَيْسَ فِي إسْنَادِهَا إلَى أَوْلَادِ الصَّالِحِ بَعْدَ الْأَمْجَدِ مِنْ الْإِسْنَادِ بَلْ نَقُولُ لِلْأَمْجَدِ أَيْضًا أَنْ يُسْنِدَ وَإِذَا أَسْنَدَ كَانَ لِكُلِّ مَنْ أَسْنَدَ إلَيْهِ وَأَسْنَدَتْ هِيَ إلَيْهِ النَّظَرُ وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ حَقَّ النَّظَرِ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَشْتَرِكَ فِيهِ جَمَاعَةٌ وَيَكُونُونَ كُلُّهُمْ يَسْتَحِقُّونَهُ عَلَى التَّمَامِ وَالْكَمَالِ كَحَقِّ الشُّفْعَةِ وَنَحْوِهَا وَكَمَا إذَا شَرَطَ النَّظَرَ لِاثْنَيْنِ وَجَعَلَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الِانْفِرَادَ أَوْ وَكَّلَ اثْنَيْنِ وَجَعَلَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الِانْفِرَادَ وَهَذَا ظَاهِرٌ لِمَنْ عِنْدَهُ أَدْنَى تَأَمُّلٍ وَأَنَا قَاطِعٌ بِهِ وَلَا شَكَّ عِنْدِي فِيهِ وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهَا لَا يَلْزَمُ بُطْلَانُ إسْنَادِ إسْنَادِهَا بَلْ نَقُولُ يَبْقَى لَهُ أَنْ يُوصِيَ فَإِنْ لَمْ يُوصِ انْفَرَدَ الَّذِي أَسْنَدَتْ إلَيْهِ وَإِنْ أَوْصَى وَصِيُّهَا ذَلِكَ الْوَقْتَ يَتَعَارَضُ الْوَصِيَّانِ فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الثَّانِي بِالنِّسْبَةِ إلَى لَفْظِ الْوَاقِفِ وَلَكِنْ حِينَئِذٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ يَتَرَجَّحُ وَصِيُّ الْوَصِيِّ كَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ فِيمَا إذَا عَهِدَ الْخَلِيفَةُ إلَى جَمَاعَةٍ مُتَرَتِّبِينَ ثُمَّ عَهِدَ الْأَوَّلُ إلَى غَيْرِ مَنْ عَهِدَ إلَيْهِ الْخَلِيفَةُ أَنَّهُ يَتَقَدَّمُ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَلَا نَقُولُ بِأَنَّ اجْتِمَاعَ خَلِيفَتَيْنِ مُتَعَذَّرٌ وَاجْتِمَاعَ نَاظِرَيْنِ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّا نَبْحَثُ عَلَى تَقْدِيرِ التَّعَارُضِ.
وَالْجَوَابُ عَنْ شُبْهَةِ هَذَا الِاحْتِمَالِ أَنَّ الْخَلِيفَةَ الْحَاضِرَ مُسْتَقِلٌّ بِالْحُكْمِ فَكَذَلِكَ قُدِّمَ عَهْدُهُ وَأَمَّا الْوَصِيُّ وَنَاظِرُ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ نَائِبٌ فَلِذَلِكَ أَقُولُ يَتَرَجَّحُ مَنْ أَسْنَدَتْ إلَيْهِ فَإِنَّهَا صَاحِبَةُ الْوَقْفِ وَهِيَ الْأَصْلُ فِي الْإِسْنَادِ فَكَانَ تَقْدِيمُ وَصِيِّهَا أَوْلَى مِنْ تَقْدِيمِ وَصِيِّ وَصِيِّهَا وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَتَقَدَّمُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْحُكْمُ عَلَى إسْنَادِهَا بِالْبُطْلَانِ وَلَوْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ عِنْدَ التَّعَارُضِ فَهُنَا فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ لَمْ يَحْصُلْ تَعَارُضٌ وَلَا أَوْصَى الْأَمْجَدُ لِغَيْرِ أَوْلَادِ أَخِيهِ فَصَحَّ وَوَضَحَ وَتَحَقَّقَ أَنَّ الْإِسْنَادَ صَحِيحٌ عَلَى صُورَتِهِ وَأَنَّ النَّظَرَ كَمَا شَرَطَتْهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهَا وَهَذَا فِي الْإِسْنَادِ بِشَرْطِ الْأَهْلِيَّةِ وَهُوَ الْأَرْشَدِيَّةُ.
وَالْمَوْجُودُ الْآنَ مِنْ نَسْلِ الصَّالِحِ الْمُدَّعِي لِهَذَا النَّظَرِ هُوَ صَلَاحُ الدِّينِ بْنُ الْكَامِلِ بْنِ السَّعِيدِ ابْنِ الصَّالِحِ فَإِنْ كَانَ هُوَ أَرْشَدَ الْمَوْجُودِينَ مِنْ نَسْلِ الصَّالِحِ فَالنَّظَرُ لَهُ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُدَرِّسِ وَلَا لِغَيْرِهِ مُنَازَعَتُهُ فِيهِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) فِي حُكْمِ الْمَعْلُومِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِسْنَادِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ الْآنَ بَعْدَ انْقِرَاضِ نَسْلِ ابْنِ قَاضِي بَالِسُ وَالْخُدَّامِ الْمُعَيَّنِينَ لَوْ لَمْ يَكُنْ إسْنَادٌ مِنْهُ لِأَرْشَدِ الْخُدَّامِ ثَلَاثُونَ وَلِلْمُدَرِّسِ أَرْبَعُونَ
وَالثَّلَاثُونَ الَّتِي كَانَتْ لِابْنِ قَاضِي بَالِسَ لَا مُسْتَحِقَّ لَهَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا مُنْقَطِعَةُ الْآخِرِ فَتَكُونُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَجْعَلَهَا لِلْمُدَرِّسِ عَنْ النَّظَرِ إنْ عَمِلَ عَمَلًا يَسْتَحِقُّ بِهِ ذَلِكَ.
وَأَمَّا جَعْلُ الْمِائَةِ بِكَمَالِهَا لَهُ فَلَا يَجُوزُ قَطْعًا لِمَنْعِ حَقِّ الْخُدَّامِ، نَعَمْ إنْ تَعَيَّنَ احْتِيَاجٌ إلَى عَمَلٍ فِي الْوَقْفِ جَازَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَجْعَلَ لِمَنْ عَمِلَهُ أُجْرَةَ عَمَلِهِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مُتَبَرِّعٌ وَالْمُدَرِّسُ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يُحْتَاجُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ الْإِسْنَادُ نَعَمْ يَظْهَرُ أَنَّ تَنَاوُلَ الْمِائَةِ الْمَشْرُوطَةِ لِلنَّظَرِ لَا تَجُوزُ لِلْمُدَرِّسِ قَطْعًا وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَخْذُ أُجْرَةٍ إذَا قَدَّرَهَا الْحَاكِمُ زَادَتْ عَلَى الْمِائَةِ أَوْ نَقَصَتْ لَا بِصِيغَةِ النَّظَرِ الْمُشْتَرَطِ بَلْ يُجْعَلُ لِلْحَاكِمِ كَمَا يُجْعَلُ مِنْ الْوَقْفِ لِسَائِرِ الْأُجَرَاءِ.
(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) فِي حُكْمِ الْمَعْلُومِ عِنْدَ الْإِسْنَادِ فَيَسْتَحِقُّ كُلٌّ مِنْ اسْتَحَقَّ النَّظَرَ الْمِائَةَ الْمُشْتَرَطَةَ لَهُ عَمَلًا بِعُمُومِ قَوْلِهِ فِي الْأَوَّلِ إنَّهَا لِلنَّاظِرِ عَلَى مَا يَأْتِي، وَقَدْ فَصَّلَهُ فَجَعَلَهُ فِي حَالِ الْإِسْنَادِ لِمَنْ أَسْنَدَ إلَيْهِ وَفِي حَالِ عَدَمِ الْإِسْنَادِ لِلْأُمِّ وَنَصَّ عَلَى الْمَعْلُومِ فِي السَّلَامِ فَكَانَ اسْتِحْقَاقُهُمْ صَرِيحًا، وَلَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُسْنَدِ إلَيْهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُرِيدَهُ لَكِنَّ التَّمَسُّكَ بِالْعُمُومِ يَقْتَضِي صَرْفَهَا إلَيْهِ.
(الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) فِي حُكْمِ النَّظَرِ وَالْمَعْلُومِ عِنْدَ الْجَهْلِ بِالْإِسْنَادِ.
فَنَقُولُ إذَا اطَّلَعَ الْحَاكِمُ عَلَى كِتَابِ الْوَقْفِ فِي هَذَا الزَّمَانِ بَعْدَ انْقِرَاضِ ابْنِ قَاضِي بَالِسَ وَنَسْلِهِ وَالْخُدَّامِ الْمُعَيَّنِينَ وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَى الْإِسْنَادِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْرِدَ الْمُدَرِّسَ بِالنَّظَرِ لِدَلَالَةِ كِتَابِ الْوَقْفِ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْخُدَّامِ مَا كَانَ لِلطَّوَاشِيِّ يَمَنَ، وَغَايَةُ مَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ لِلْمُدَرِّسِ الْأَرْبَعِينَ الْمَشْرُوطَةَ وَالثَّلَاثِينَ الَّتِي لِابْنِ قَاضِي بَالِسَ مَعَ تَرَدُّدٍ عِنْدِي فِي ذَلِكَ، وَإِذَا تَبَيَّنَ الْحَالُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْإِسْنَادِ يَجِبُ أَنْ تُسْتَرْجَعَ الْأَرْبَعُونَ الَّتِي قَبَضَهَا بِالشَّرْطِ وَكَذَا الثَّلَاثُونَ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ جَعَلَ لَهُ أُجْرَةَ عَمَلٍ اسْتَحَقَّهُ بِعَمَلِهِ الْمُشْتَرَطِ لَهُ أُجْرَةٌ لَا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ.
(الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَ زَائِدًا عَلَى النَّظَرِ أَوْ لَا وَاعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ هَذِهِ الْمِائَةَ يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ تَنَاوُلُهَا سَوَاءٌ أَكَانَتْ قَدْرَ أُجْرَةِ مِثْلِهِ أَمْ أَكْثَرَ لِأَنَّهَا مُشْتَرَطَةٌ مِنْ الْوَاقِفِ لَكِنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْعَمَلِ فَلَيْسَتْ صَدَقَةً مُطْلَقًا وَلَيْسَتْ أُجْرَةً مُطْلَقًا فَلِذَلِكَ يَسْتَحِقُّهَا عَلَى عَمَلِهِ زَادَتْ أَمْ نَقَصَتْ بَلْ أَقُولُ إنَّهُ قَدْ لَا يَتَّفِقُ مِنْهُ عَمَلٌ لِعَدَمِ احْتِيَاجِ الْوَقْفِ إلَيْهِ فِي شَهْرٍ مَثَلًا فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمِائَةَ إذَا كَانَ مُتَّصِفًا بِصِفَةِ النَّظَرِ وَهِيَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِفِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَافْهَمْ ذَلِكَ، أَمَّا الزَّائِدُ عَلَى الْمِائَةِ فَلَا يَجُوزُ لَكِنْ هُنَا شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْوَقْفَ إذَا احْتَاجَ إلَى عَمَلٍ لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ وَلَا مُتَبَرِّعَ وَهُوَ مِمَّا لَا يَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ فِعْلُهُ يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ لَهُ مَنْ
يَعْمَلُهُ بِأُجْرَةٍ مِنْ الْوَقْفِ وَيَصْرِفُهَا مِنْهُ وَيَجُوزُ ذَلِكَ أَيْضًا لِلْحَاكِمِ إذَا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّاظِرُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَهُ لِنَفْسِهِ عِنْدَ عَدَمِ إذْنِ الْحَاكِمِ قَطْعًا، وَهَلْ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي أَخْذِ مَعْلُومٍ عَنْ عَمَلٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِ؟ فَنَقُولُ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْعَمَلُ مِنْ وَظَائِفِ النَّاظِرِ فَلَا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي جُعِلَتْ الْمِائَةُ بِإِزَائِهِ وَإِنْ كَانَ زَائِدًا عَلَيْهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجُوزَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ صَانِعٌ مِنْ الصُّنَّاعِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا عَيَّنَ لَهُ الْوَاقِفُ قَدْرًا مَعْلُومًا بِصِفَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا بِصِفَةٍ أُخْرَى، لَكِنَّ هَذَا احْتِمَالٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُتَخَيَّلُ فِي الْمُسْتَحَقِّ بِصِفَةٍ مَحْضَةٍ أَمَّا الْمَأْخُوذُ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلٍ فَهُوَ لِلْعَمَلِ لَا لِلشَّخْصِ فَسَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ أَمْ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ لَهُ وَإِعْطَاؤُهُ الْأُجْرَةَ مِنْهُ زِيَادَةً عَلَى مَا أَخَذَهُ بِالصِّفَةِ، الشَّيْءُ الثَّانِي أَنَّ فِي هَذَا الْوَقْفِ جَعَلَتْ لِنَجْمِ الدِّينِ وَنَسْلِهِ ثَمَانِينَ دِرْهَمًا وَغِرَارَةً وَنِصْفَ غِرَارَةٍ، وَقَالَتْ: إنَّهَا عَنْ نَظَرِهِ وَمُشَارَفَتِهِ فَهَلْ يَجُوزُ الْآنَ بَعْدَ انْقِرَاضِ نَسْلِهِ أَنْ تَجْعَلَ لِغَيْرِهِ وَتَجْعَلَ نَاظِرًا مُشَارِفًا مَعَ النَّاظِرِ الْكَبِيرِ كَمَا كَانَ نَجْمُ الدِّينِ فِيمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ كِتَابِ الْوَقْفِ؟ فَأَقُولُ الظَّاهِرُ أَنَّهَا إنَّمَا جَعَلَتْ لَهُ بِخُصُوصِهِ مَعَ قِيَامِهِ فِيمَا شَرَطَتْ عَلَيْهِ فَبَعْدَهُ لَا يُصْرَفُ ذَلِكَ بِحَسَبِ الشَّرْطِ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمُعْتَبَرِ الْمُرَكَّبِ مِنْ خُصُوصِ الشَّخْصِ مَعَ الْعَمَلِ وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي ذَلِكَ إلَى النَّاظِرِ الْكَبِيرِ أَوْ الْحَاكِمِ إنْ رَأَى احْتِيَاجَ الْوَقْفِ إلَى نَصْبِ شَخْصٍ مُشَارِفٍ بِأُجْرَةٍ جَازَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَإِلَّا فَلَا وَلَا يَتَقَدَّرُ بِثَمَانِينَ وَلَا أَقَلَّ وَلَا أَكْثَرَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي ذَلِكَ وَكَتَبْت هَذِهِ الْمَسَائِلَ السِّتَّ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ الْخَامِسِ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ بِقَاعَتِي بِدَارِ الْحَدِيثِ الْإِشْرَافِيَّةِ بِدِمَشْقَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
(مَسْأَلَةٌ) وَقَفَ سَنِيُّ الدَّوْلَةِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْخَيَّاطِ دَارًا بِدِمَشْقَ وَنِصْفَ فُرْنٍ وَجَمِيعَ بُسْتَانٍ بِظَاهِرِ دِمَشْقَ وَبُسْتَانًا آخَرَ وَصَلَائِحَ وَجُنَيْنَةً وَكَرْمًا وَسُبْعَ ضَيْعَةِ الْحُمُوسَةِ وَرُبْعَ ضَيْعَةِ لِأَلْفٍ عَلَى ابْنَيْهِ فَضْلِ اللَّهِ وَهِبَةِ اللَّهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمَا وَأَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمَا بَيْنَهُمْ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يَجْرِي ذَلِكَ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ فَإِذَا انْقَرَضُوا أَجْمَعُهُمْ وَخَلَتْ الْأَرْضُ مِنْهُمْ كَانَ عَلَى بَنَاتِ الْوَاقِفِ أَخَوَاتِ الْمَذْكُورِينَ مِنْ أَبِيهِمَا وَأُمِّهِمَا ثُمَّ أَوْلَادِهِنَّ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِنَّ وَنَسْلِهِنَّ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا انْقَرَضُوا كَانَ عَلَى الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ بِدِمَشْقَ وَعَلَى عِمَارَتِهِ وَتَجْدِيدِ آلَاتِهِ وَأَسْنَدَ صَدَقَتَهُ وَالتَّوَلِّي عَلَيْهَا إلَى الْأَسَدِّ فَالْأَسَدِّ مِنْ وَلَدِهِ يَنْظُرُ فِيهَا مُدَّةَ حَيَاتِهِ وَيُوَلِّيهَا مَنْ يَرْتَضِيهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ
يُجْرِي ذَلِكَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ وَوَصِيٌّ بَعْدَ وَصِيٍّ فَإِذَا تُوُفِّيَ آخِرُ الْقَوْمِ بِهَذِهِ الصَّدَقَةِ عَنْ غَيْرِ مُسْنَدٍ وَلَا وَصِيٍّ فَأَمْرُهَا مَرْدُودٌ إلَى حَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ بِدِمَشْقَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْعُشْرِ الْأَوَّلِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ وَاتَّصَلَ بِحَاكِمٍ بَعْدَ حَاكِمٍ إلَى قَاضِي الْقُضَاةِ شِهَابِ الدِّينِ الْحَوِّيِّ فَحَكَمَ فِيهِ فِي الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ بِالتَّرْتِيبِ فِي الْبُطُونِ وَإِنَّ كُلَّ بَطْنٍ لَا يَسْتَحِقُّ حَتَّى يَنْقَرِضَ الْبَطْنُ الَّذِي قَبْلَهُ وَأَنَّ أَوْلَادَ الْإِنَاثِ مِنْ كُلِّ بَطْنٍ مِنْ نَسْلِ الْوَاقِفِ سَوَاءٌ كَانَ وَالِدُهُمْ مِنْ غَيْرِ عَصَبَاتِ الْوَاقِفِ أَمْ مِنْ عَصَبَاتِهِ يَدْخُلُونَ فِي الْوَقْفِ.
وَاتَّصَلَ ذَلِكَ بِالْخَطِّ بِقَاضِي الْقُضَاةِ شَرَفِ الدِّينِ الْمَالِكِيِّ وَثَبَتَ عَلَى زَيْنِ الدِّينِ الْحَنْبَلِيِّ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ بِشَهَادَةِ شُهُودٍ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ سِتَّ الْعُدُولِ بِنْتَ نَصْرِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ الْوَاقِفِ وَأَنَّهَا انْفَرَدَتْ بِاسْتِحْقَاقِ مَنَافِعِ الْمَوْقُوفِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ وَفَاةِ مَنْ كَانَ فِي دَرَجَتِهَا وَاسْتَقَلَّتْ إلَى أَنْ تُوُفِّيَتْ وَانْتَقَلَتْ مَنَافِعُهُ إلَى الدَّرَجَةِ الْعُلْيَا مِنْ ذُرِّيَّةِ سَنِيِّ الدَّوْلَةِ وَهُمْ ابْنُهَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ السَّلْمَانِيُّ وَابْنَتُهَا كَلِيمٌ بِنْتُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ نَصْرِ اللَّهِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ سَنِيِّ الدَّوْلَةِ.
وَسِتُّ الْوُزَرَاءِ أُمُّ مُحَمَّدٍ أُخْتُ كَلِيمٍ لِأُمِّهَا وَالْإِخْوَةُ الثَّلَاثَةُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَمُدَلَّلَةٌ وَمُؤْنِسَةٌ أَوْلَادُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ يَعْقُوبَ وَالْإِخْوَةُ الثَّلَاثَةُ أَحْمَدُ وَمُحَمَّدُ وَسَنُلْغِي أَوْلَادُ بَكْتُوتِ الْبُسْرِيِّ وَهُمْ أَوْلَادُ صَالِحَةَ بِنْتِ نَصْرِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ وَالْإِخْوَةُ الثَّلَاثَةُ مُحْيِي الدِّينِ عَبْدُ الْقَادِرِ وَأَمَةُ الْعَزِيزِ وَسَكِينَةُ أَوْلَادُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْيُونِينِيِّ وَهُمْ أَوْلَادُ تَاجِ الشَّرَفِ بِنْتِ ابْنِ عَلِيِّ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ وَالْأَخَوَانِ تَقِيُّ الدِّينِ وَكَلِيمٌ وَلَدَا قُطْبِ الدِّينِ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ الْيُونِينِيِّ، وَقُطْبُ الدِّينِ هُوَ ابْنُ زَيْنِ الْعَرَبِ بِنْتِ نَصْرِ اللَّهِ ابْنِ هِبَةِ اللَّهِ وَالْأُخْتَانِ تَاجُ الْوُزَرَاءِ وَزَاهِدَةُ بِنْتُ مُحَمَّدِ بْنِ الْخَضِرِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ، وَأَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَمْرُون وَهُوَ ابْنُ أَمَةِ الرَّحِيمِ بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْنِ الْعَرَبِ وَالْأُخْتَانِ تَاجُ النَّسَبِ وَأُمَامَةُ بِنْتَا عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ أُمُّهُمَا أَمَةُ اللَّطِيفِ ابْنِ الْخَضِرِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ وَإِنَّ هَؤُلَاءِ التِّسْعَةَ عِنْدَهُمْ الْمُسْتَحَقُّونَ وَثَبَتَ عَلَى زَيْنِ الدِّينِ أَنَّ الشَّيْخَ مُحْيِي الدِّينِ أَسَدُّ الْمَوْجُودِينَ يَوْمَئِذٍ مِنْ ذُرِّيَّةِ سَنِيِّ الدَّوْلَةِ وَأَرْشَدُهُمْ وَأَمْثَلُهُمْ وَأَوْلَاهُمْ بِالنَّظَرِ فِي الْوَقْفِ الْمَنْسُوبِ إلَى سَنِيِّ الدَّوْلَةِ فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ ثُمَّ حَضَرَ مَجْلِسَ الْحَاكِمِ عِنْدَ زَيْنِ الدِّينِ مُتَكَلِّمٌ.
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ نَصْرِ اللَّهِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ وَأَحْضَرَ مُتَكَلِّمًا عَنْ الشَّيْخِ مُحْيِي الدِّينِ وَادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ مُوَكِّلَهُ اسْتَوْلَى عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ رِيعِ الْمَوْقُوفِ مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ وَزَعَمَ أَنَّ النَّظَرَ انْقَطَعَ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ بِمُقْتَضَى مَا شَرَطَ مِنْ
الْأَسَدِيَّةِ وَالْإِيصَاءِ مِنْ أَحَدِ الْقُوَّامِ، وَآلَ النَّظَرُ إلَى حَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ بِدِمَشْقَ وَطَلَبَ رَفْعَ يَدِهِ عَمَّا يَخُصُّهُ مِنْ الْمِائَةِ وَسَأَلَهُ سُؤَالَهُ فَسَأَلَهُ الْحَاكِمُ فَذَكَرَ أَنَّ مُوَكَّلَهُ أَسَدُّ الْمَوْجُودِينَ وَأَنَّ النَّظَرَ إلَيْهِ بِمُقْتَضَى شَرْطِ الْوَاقِفِ وَأَحْضَرَ فَتْوَى فِيهَا شَرْطُ الْوَاقِفِ وَفِيهَا فَهَلْ إذَا مَاتَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمَا عَنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ يَكُونُ النَّظَرُ إلَى الْأَسَدِّ مِنْ أَوْلَادِهِمَا وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمَا وَأَنْسَالِهِمَا أَمْ لِلْحَاكِمِ؟
فَكَتَبَ شَرَفُ الدِّينِ بْنُ الشَّرَفِ حَسَنِ الْحَنْبَلِيِّ: يَسْتَحِقُّ نَظَرَ هَذَا الْوَقْفِ سَنِيُّ الدَّوْلَةِ الْأَسَدُّ فَالْأَسَدُّ مِنْ وَلَدَيْهِ وَأَوْلَادِهِمَا وَسَائِرِ الْبُطُونِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَكُلُّ مَنْ اسْتَحَقَّ النَّظَرَ فَلَهُ الْإِيصَاءُ بِهِ فَإِذَا تُوُفِّيَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمَا عَنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ انْتَقَلَ إلَى الْأَسَدِّ وَأَوْلَادِهِمَا دُونَ الْحَاكِمِ وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْحَاكِمِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَسَدِّ مِنْ النَّسْلِ فَعِنْدَ ذَلِكَ سَأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْحُكْمَ لِمُحْيِي الدِّينِ فَحَكَمَ لَهُ بِالنَّظَرِ فِي الْوَقْفِ بِحُكْمِ اتِّصَافِهِ بِالْأَسَدِّيَّةِ وَأَذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي ثَانِي عَشَرَ رَبِيعٍ الْآخِرِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ.
وَهَذَا الْحُكْمُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ إنْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ وَلَدُ الْوَلَدِ لَمْ يَسْتَحِقَّ مِنْ غَيْرِ إسْنَادٍ إلَيْهِ، وَإِنْ دَخَلَ فَقَدْ قَالَ الْوَاقِفُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ وَجَوَّزَ الْإِيصَاءَ فَلَوْ اسْتَحَقَّ وَلَدُ الْوَلَدِ النَّظَرَ مَعَ الْإِيصَاءِ بِهِ إلَى غَيْرِهِ خَالَفَ قَوْلَهُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ الْوَلَدُ عَلَى الْبَطْنِ الْأَوَّلِ فَقَطْ لِيَسْلَمَ عَنْ الِاعْتِرَاضِ، وَحِينَئِذٍ إذَا انْقَطَعَ الْإِيصَاءُ اسْتَحَقَّهُ الْحَاكِمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَمْ يُصَرِّحْ زَيْنُ الدِّينِ فِي حُكْمِهِ بِدُخُولِ مُحْيِي الدِّينِ فِي اسْمِ الْوَلَدِ وَلَا قَالَ بِحُكْمِ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ بَلْ قَالَ بِحُكْمِ اتِّصَافِهِ بِالْأَسَدِّيَّةِ وَذَلِكَ لَا يَكْفِي فِي الْحُكْمِ فَفِي كَوْنِهِ مَانِعًا مِنْ حُكْمِ غَيْرِهِ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ الْوَلَدِ نَظَرٌ، وَأَيْضًا فَإِنَّ مُحْيِيَ الدِّينِ مُدَّعٍ عَلَى وَكِيلِهِ وَذَكَرَ وَكِيلُهُ ذَلِكَ دَفَعَ لِدَعْوَى الْمُدَّعِي فَهَلْ يَكْفِي ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ لَهُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ دَعْوَى مِنْ جِهَتِهِ فِيهِ نَظَرٌ وَهَهُنَا مَرَاتِبُ:(إحْدَاهَا) أَنْ يَدَّعِيَ شَخْصٌ شَيْئًا عَلَى شَخْصٍ وَيَحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا فَلَا يَقْضِي لِلْمُدَّعِي وَلَا يَقْضِي أَيْضًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَلْ تَنْفَصِلُ الْخُصُومَةُ فَلَوْ طَلَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْحُكْمَ بِالْبَرَاءَةِ أَوْ بِتَقْرِيرِ الْمُدَّعِي بِهِ فِي يَدِهِ لَمْ نُجِبْهُ لَكِنْ نَمْنَعُ الْمُدَّعِيَ مِنْ التَّعَرُّضِ حَتَّى يَأْتِيَ بِحُجَّةٍ.
(الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً فَيُقِيمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً فَيَحْكُمَ لَهُ مَعَ الْيَدِ وَصُورَتُنَا هَذِهِ لَمْ يُقِمْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ دَعْوَى الْمُدَّعِي بَيِّنَةَ وَقْفِ سَنِيِّ الدَّوْلَةِ وَأَيْضًا فَالْمُدَّعِي لَيْسَ مَنْصُوبًا مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ فَكَيْفَ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَالْحَاكِمُ الْمُتَكَلِّمُ فِي الْأَوْقَافِ إنَّمَا هُوَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ لَمْ يَنْصِبْ مَنْ سَمِعَ الدَّعْوَى فَكَيْفَ يَسُوغُ لِهَذَا الْحَاكِمِ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِعَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْحُكْمُ لِمُحْيِي الدِّينِ بِغَيْرِ خَصْمٍ. وَأَيْضًا فَهَذَا الْوَقْفُ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ مِائَتَيْ سَنَةٍ
فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَكْشِفَ فِي يَدِ مَنْ كَانَ وَالنَّظَرُ فِي حُكْمِ زَيْنِ الدِّينِ فِي أَرْبَعِ جِهَاتٍ.
(إحْدَاهَا) أَنَّ الْمُدَّعِيَ عِنْدَهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَكِيلًا عَنْ الْقَاضِي الشَّافِعِيِّ الَّذِي هُوَ نَاظِرُ الْأَوْقَافِ.
(الثَّانِيَةُ) أَنَّ الْوَاقِفَ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا وَهِيَ قَرِينَةٌ فِي إرَادَةِ الْوَلَدِ دُونَ وَلَدِ الْوَلَدِ وَقَدْ يُنَازَعُ فِي هَذَا.
(الثَّالِثَةُ) أَنَّ زَيْنَ الدِّينِ لَمْ يُصَرِّحْ بِمُسْتَنَدِ حُكْمِهِ مِنْ أَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ وَلَدٌ بَلْ ذَكَرَ الْأَرْشَدِيَّةَ وَهِيَ جُزْءُ عِلَّةٍ فَإِذَا ذَكَرَ الْحَاكِمُ مُسْتَنَدَهُ وَهُوَ غَيْرُ كَافٍ كَيْفَ يَصِحُّ حُكْمُهُ.
(الرَّابِعَةُ) أَنَّ الْمَحْكُومَ لَهُ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً وَلَا دَعْوَى بَعْدَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ مُتَّصِلًا بِزَيْنِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ لَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ لَهُ لَا بُدَّ مِنْ دَعْوَى النَّاظِرِ النَّظَرَ مَنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ الْوَقْفِ وَيُبَيِّنُ مُسْتَنَدَهُ ثُمَّ يَحْكُمُ لَهُ عَلَى مُنَكَّرٍ وَالْمُدَّعِي هُنَا لَيْسَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ الْوَقْفِ انْتَهَى.
(فُتْيَا مِنْ حَلَبَ) فِي رَجُلٍ وَهُوَ أَبُو طَالِبٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْعَجَمِيِّ وَقَفَ الْمَدْرَسَة الشَّرَفِيَّةَ وَاسْتَثْنَى النَّظَرَ لِنَفْسِهِ وَهُوَ الْمُدَرِّسُ احْتِسَابًا وَلَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ ثُمَّ بَعْدَ وَفَاتِهِ يَكُونُ النَّظَرُ وَالتَّدْرِيسُ إلَى مَنْ يُوجَدُ مِنْ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَنَسْلِهِ وَعَقِبِهِ وَبَنِيهِ وَغَيْرُهُمْ مُلْحِقُهُ، وَحَضَرَتْ نُسْخَةٌ أُخْرَى وَهِيَ فِيهَا مُلْحِقُهُ لَكِنْ اعْتَذَرَ فِيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ تَوَقَّفْتُ فِي الْكِتَابَةِ عَلَيْهَا لِأَجْلِ كَوْنِ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ قَبْلَ وَفَاةِ وَالِدِهِ وَلَمْ يَخْلُفْ وَلَدًا ذَكَرًا أَوْ وَلَدَ وَلَدٍ ذَكَرٍ فَلِوَالِدِهِ الْوَاقِفِ أَنْ يُفَوِّضَ ذَلِكَ إلَى مَنْ شَاءَ فَإِنْ مَاتَ الْوَاقِفُ مِنْ غَيْرِ إسْنَادٍ وَكَانَ ابْنُهُ الْمَذْكُورُ قَدْ تُوُفِّيَ قَبْلَهُ وَلَمْ يُسْنِدْ إلَى أَحَدٍ مِنْ أَوْلَادِهِ وَلَيْسَ لَهُ وَلَدٌ مَوْجُودٌ كَانَ النَّظَرُ وَالتَّدْرِيسُ إلَى مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ مِنْ أَوْلَادِ الْوَاقِفِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَنَسْلِهِ وَعَقِبِهِ يَتَوَلَّى ذَلِكَ الْأَرْشَدُ وَالْأَعْلَمُ وَالْأَعْلَى وَإِنْ كَانَ الْأَعْلَمُ وَالْأَرْشَدُ أَنْزَلَ فَهُوَ الْأَوْلَى، وَإِنْ كَانَ الْأَعْلَى أَرْشَدَ وَأَدْيَنَ وَالْأَوَّلُ أَعْلَمَ اشْتَرَكَا فِي النَّظَرِ وَتَعَيَّنَ الْأَعْلَمُ لِلتَّدْرِيسِ وَمَتَى اشْتَرَكَا فِي النَّظَرِ فَإِنَّ قَدْرَ وَاجِبِ التَّدْرِيسِ بَيْنَهُمَا وَلَا يُزَادُ، وَشَرْطُ الْوَاقِفِ أَنَّهُ مَتَى وُجِدَ مِنْ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَنَسْلِهِ مَنْ يَقُومُ بِالنَّظَرِ وَالتَّدْرِيسِ وَلَوْ بِدَرْسِ مَذْهَبٍ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ عَاجِزًا اسْتَنَابَ وَلِيُّهُ مَنْ يَقُومُ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ كَبِيرًا لَهُ أَهْلِيَّةُ الِاشْتِغَالِ أُلْزِمَ بِالِاشْتِغَالِ وَأُقِيمَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ أَوْ مِنْ أَوْلَادِ إخْوَتِهِ إلَى أَنْ يَصِيرَ أَهْلًا لِدَرْسِ وَاحِدٍ فَيَتَعَيَّنُ لِذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْوَاقِفِ نَسْلٌ كَانَ النَّظَرُ وَالتَّدْرِيسُ إلَى مَنْ يَصْلُحُ مِنْ أَوْلَادِ إخْوَةِ الْوَاقِفِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوْلَادِ الْوَاقِفِ وَأَوْلَادِ ابْنِهِ، وَيُقَدَّمُ فِي هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ إلَى الْوَاقِفِ فَإِذَا انْقَرَضَ فَالنَّظَرُ لِلْحَاكِمِ يُوَلِّيهِ