الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفَاسِدِ بَلْ الصَّوَابُ الْقَطْعُ بِوُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْحُرِّ وَالْمَغْصُوبِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَصْحَابُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِوُجُوبِ الْبَدَلِ دَلِيلًا صَحِيحًا وَلَا مُخَيَّلًا فَمِنْ ضَعْفِ الْقَوْلِ جَاءَ ضَعْفُ مَا فُرِّعَ عَلَيْهِ وَالضَّعِيفُ كُلَّمَا فُرِّعَ عَلَيْهِ ظَهَرَ ضَعْفُهُ وَرُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى شَيْءٍ لَا يَلْتَزِمُهُ صَاحِبُ ذَلِكَ الْقَوْلِ، وَتَبَيَّنَ لَنَا بِذَلِكَ ضَعْفُهُ فَإِنَّا إذَا عَرَفْنَا أَنَّهُ لَازِمٌ لِلْقَوْلِ وَعَرَفْنَا أَنَّ أَحَدًا لَا يَقُولُ بِهِ عَلِمْنَا أَنَّ قَائِلَهُ لَوْ تَنَبَّهَ لِذَلِكَ لَرَجَعَ عَنْ الْقَوْلِ فَلِذَلِكَ لَا يَنْبَغِي كُلُّ مَا اقْتَضَتْهُ الْأَقْوَالُ الضَّعِيفَةُ مِنْ التَّفْرِيعِ يُقَالُ بِهِ حَتَّى تُلَاحَظَ قَوَاعِدُ الشَّرْعِ وَالْفِقْهِ فَإِنْ شَهِدَتْ بِبُطْلَانِهِ كَفَفْنَا عَنْ ذَلِكَ التَّفْرِيعِ لِئَلَّا نَرْتَكِبَ خَرْقَ الْإِجْمَاعِ، ثُمَّ نَنْظُرُ إنْ كَانَ لُزُومُ ذَلِكَ الْقَوْلِ ضَرُورِيًّا أَبْطَلْنَا الْقَوْلَ وَإِلَّا أَبْقَيْنَاهُ وَتَرَكْنَا تَفْرِيعَ ذَلِكَ الْفَرْعِ عَلَيْهِ وَتَأَمَّلْنَا مَا يَنْدَفِعُ بِهِ اللُّزُومُ أَوْ تِلْكَ الْقَوَاعِدُ وَأَمَّا ارْتِكَابُ كُلِّ تَفْرِيعٍ لِكُلِّ قَوْلٍ فَلَا يَرْتَضِيه مُحَصِّلٌ.
وَمِنْ تَمَامِ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ وَشَيْئًا قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ مَثَلًا يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ الْعَقْدُ عَلَى قَوْلِنَا بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ مَا ضُمَّ إلَيْهِ قَدْ عُلِمَتْ وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ عَيْنُهُ، وَلَوْ نَكَحَهَا عَلَى شَيْءٍ قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ مَثَلًا، وَقُلْنَا: إذَا نَكَحَهَا بِمَغْصُوبٍ وَجَبَتْ قِيمَتُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ. كَتَبَ فِي يَوْمِ الْأَحَدِ عَاشِرِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ سَنَةَ إحْدَى وَثَلَاثِينَ وَسَبْعِمِائَةِ. انْتَهَى.
[مَسْأَلَةٌ الْمَنْكُوحَة إنْ كَانَ الْعَيْبُ بِهَا وَفَسَخَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْمَسِيسِ]
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ فِي بَابِ الْعَيْبِ فِي الْمَنْكُوحَةِ إنْ كَانَ الْعَيْبُ بِهَا وَفَسَخَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْمَسِيسِ سَقَطَ الْمَهْرُ وَلَيْسَ كَمَا لَوْ ارْتَدَّ قَبْلَ الْمَسِيسِ فَإِنَّا نَقْضِي بِالشَّطْرِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْمَسِيسِ نَصُّ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُسَمَّى يَسْقُطُ وَيَثْبُتُ مَهْرُ الْمِثْلِ.
وَخَرَّجَ قَوْلَ: إنَّهُ لَا يَسْقُطُ إذَا فُسِخَتْ بِعَيْبِهِ فَقَبْلَ الْمَسِيسِ يَسْقُطُ وَبَعْدَهُ عَلَى الْمَنْصُوصِ وَالْمَخْرَجِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَخْتَلِجَ فِي نَفْسِ الْفَقِيهِ أَنَّهُ إذَا سَقَطَ بِفَسْخِهَا قَبْلَ الْمَسِيسِ فَقِيَاسُهُ أَنْ يَشْطُرَ بِفَسْخِهِ اعْتِبَارًا بِالرِّدَّةِ وَإِنْ كَانَ فَسْخُ الزَّوْجِ لَا شَطْرَ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ لِعَيْبِهَا فَتُعْذَرُ الْمَرْأَةُ إذَا فَسَخَتْ لِعَيْبِهِ.
وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ فَسْخِهِ وَفَسْخِهَا وَالسَّبَبُ أَنَّ مَسْقَطَ الْمَهْرِ إسْنَادُ الْعَيْبِ إلَى الْعَقْدِ وَلَيْسَ هَذَا مَأْخُوذًا مِنْ مَأْخَذِ الرِّدَّةِ فَإِنَّ الرِّدَّةَ قَاطِعٌ جَدِيدٌ ثُمَّ رَأَى الْفُقَهَاءُ الْفَرْقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ
رِدَّةُ الزَّوْجِ بِمَنْزِلَةِ طَلَاقِهِ وَنَسَبُوا الْمَرْأَةَ إلَى قَطْعِ الْعَقْدِ وَأَسْقَطَهُ رَاجَعَهَا مَنْ جَوَّزَ الْعَقْدَ لَمَّا كَانَتْ هِيَ الْقَاطِعَةُ.
وَالْفَرْقُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: يَقَعُ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْنِ وَالثَّانِي يَقَعُ بَيْنَ مَوْضِعَيْنِ وَمَأْخَذَيْنِ فَمَا ثَبَتَ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْنِ يَثْبُتُ وَيَنْتَفِي وَيَنْعَكِسُ وَيَطَّرِدُ وَمَا يَقَعُ بَيْنَ مَأْخَذَيْنِ بَيْنَ مَأْخَذِ كُلِّ جِهَةٍ ثُمَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الِانْفِصَالَ بِنَفِيَّيْنِ وَإِثْبَاتَيْنِ سَأَلَ سَائِلٌ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ فَأَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: إنَّ الْفَرْقَ الْوَاقِعَ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْنِ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي كِتَابِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْقَائِسَ جَمَعَ بَيْنَ أَصْلٍ وَفَرْعٍ بِعِلَّةٍ وَالْفَارِقُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِعِلَّةٍ أُخْرَى يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ بِثُبُوتِهَا وَيَنْتَفِي الْفَرْعُ بِانْتِفَائِهَا وَهَذَا مَعْنَى الِاطِّرَادِ وَالِانْعِكَاسِ وَاقْتَصَرُوا فِي كِتَابِ الْقِيَاسِ عَلَى هَذَا النَّوْعِ؛ لِأَنَّهُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي جَوَابِ الْقِيَاسِ وَكُلٌّ مِنْ الْعِلَّةِ وَاقْتِضَائِهَا الْحُكْمَ مَعْلُومٌ وَإِنَّمَا النَّظَرُ فِي وُجُودِهَا فِي ذَلِكَ الْمَحِلِّ وَعَدَمِهَا فَهُوَ تَصْدِيقٌ مَسْبُوقٌ بِتَصَوُّرٍ، وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْفَرْقِ هُوَ الْوَاقِعُ بَيْنَ حَقِيقَتَيْنِ لِيُمَيِّزَ بَيْنَهُمَا وَيَنْفِيَ اللَّبْسَ عَمَّنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّهَا حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ بَيْنَ اقْتِضَائِهَا لِحُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِيَتَمَيَّزَ ذَلِكَ وَيَنْتَفِي اللَّبْسُ عَمَّنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ مَأْخَذَ الْحُكْمَيْنِ وَاحِدٌ وَأَنَّ اقْتِضَاءَ الْحَقِيقَتَيْنِ وَاحِدٌ وَهُوَ يُوجِبُ الِانْفِصَالَ بِنَفْيَيْنِ وَإِثْبَاتَيْنِ وَأَنَّهُ حَيْثُ انْتَفَى يَنْتَفِي الْحُكْمُ وَحَيْثُ ثَبَتَ يَثْبُتُ الْحُكْمُ فَهُوَ مُطَّرِدٌ مُنْعَكِسٌ كَالنَّوْعِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي الْفِقْهِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ، وَهُوَ أَكْثَرُ وَأَنْفَعُ مِنْ الْأَوَّلِ فَإِنَّ بِهِ تَتَمَيَّزُ الْحَقَائِقُ وَالْمَآخِذُ وَيُفْهَمُ تَرْتِيبُ الْفِقْهِ عَلَيْهَا.
وَمِنْ هَذَا الْفَرْقِ تَبَيَّنَّ حَقِيقَةُ انْفِسَاخِ النِّكَاحِ فِي الرِّدَّةِ وَفَسْخِهِ بِالْعُيُوبِ فَيُعْلَمُ أَنَّهُمَا حَقِيقَتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مِنْ طَارِئٍ غَيْرِ مُسْتَنِدٍ إلَى أَمْرٍ مُقَارَنٍ، وَالثَّانِي مُسْتَنِدٌ إلَى مُقَارَنٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَ رِدَّةِ الزَّوْجِ وَرِدَّةِ الزَّوْجَةِ حَيْثُ كَانَتْ رِدَّتُهُ مُنْتَظَرَةً بَيِّنَتَهُمَا بِطَلَاقِهِ وَرِدَّتِهَا حَيْثُ كَانَتْ هِيَ الْقَاطِعَةُ كَالرَّضَاعِ فَاخْتَلَفَ الْمَأْخَذُ.
وَلَوْ أَرَدْنَا ذِكْرَ أَمْثِلَةِ النَّوْعَيْنِ لَاحْتَجْنَا إلَى مُجَلَّدٍ ضَخْمٍ وَلَكِنَّ التَّنْبِيهَ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ مُحَصِّلٌ لِلْغَرَضِ.
وَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ وَمَعْنَاهُ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ بَيْنَ حَقِيقَتَيْنِ فَهُوَ النَّوْعُ الْأَوَّلُ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ مَحِلَّيْنِ فَهُوَ النَّوْعُ الثَّانِي